ـ إشكال كبير في تحقيق كتب التراث:
بعض الناس قد يسمون كل من يقوم بإخراج كتاب من رفوف المخطوطات إلى عالم الطباعة محقـِّقا دون أن يكون له جهد في التحقيق، كمَن يأتي إلى كتاب مخطوط من تصنيف أحد العلماء السابقين وينقل النسخة ويقابلها بالنسخ الخطية الأخرى إن وُجدت بدقة وأمانة ويخرج الكتاب كما كان المؤلف يريد إخراج كتابه عليه، فهذا عمل ضروري ولا بد منه، ويُشكر صاحبه عليه، ولكن التحقيق شيء آخر.
التحقيق أن تراجِع المسائلَ التي ذكرها المؤلف وتتحقق من صحتها وصحة أسانيدها وأن تراجع المعنى، وأن تنظر هل هنالك قرائن تؤكده أو قرائن تعارضه، لتقول لي بعد ذلك هل هو صحيح أو فيه نكارة أو غرابة أو انقطاع في السند أو ما شاكل ذلك، وأن تبينَ الخلل الواقع فيها إن كان ثمة من خلل، وهذا مع التزام التوقير لأهل العلم.
ذكْر الروايات الكثيرة مع السكوت عما فيها من الأسانيد الضعيفة والمعاني المنكرة فيه مشكلة كبيرة وعويصة جدا، وأخشى أن تفتح هذه على المسلمين بابا كبيرا من الإشكالات، وأن يأتي مِن بعدنا جيلٌ جديد ينظر في هذا فيشك في التراث كله من أوله إلى آخره، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وإلى الله المشتكى.
إذا كان للكتاب جوانب مختلفة وكان من يريد تحقيق الكتاب غير ملمٍّ ببعضها ـ كتخريج الأحاديث ودراسة أسانيدها ـ فمن الممكن أن يكِل هذا الجانب إلى غيره، ولا بد في هذه الحالة من التصريح بمن قام بكل جانب من جوانب العمل.
وأخيرا فلا بد من التحقيق العلمي لكتب التراث تحقيقا علميا دقيقا، وخاصة بعد الثورة المعلوماتية التي وضعت الكتب بأيدي كل طبقات المجتمع، صيانةً لها من جهل الجاهلين وعبث العابثين، والله الموفق، لا رب سواه.