البهاشمة ومسألة التكفير

البهاشمة ومسألة التكفير

قال ابن الوزير اليماني محمد بن إبراهيم المتوفى سنة 840 في كتابه إيثار الحق على الخلق: من العجب أن الخصوم من البهاشمة وغيرهم لم يساعدوا على تكفير النصارى الذي قالوا إن الله ثالث ثلاثة ومن قال بقولهم مع نص القرآن على كفرهم إلا بشرط أن يعتقدوا ذلك مع القول، وعارضوا هذه الآية الظاهرة بعموم مفهوم قوله {ولكن من شرح بالكفر صدرا} مع وضوح الآية الكريمة في الكفر بالقول، وعضدها حديثان صحيحان، وعلى هذا لا يكون شيء من الأفعال والأقوال كفرا إلا مع الاعتقاد حتى قتل الأنبياء، والاعتقاد من السرائر المحجوبة، فلا يتحقق كفر كافر قط إلا بالنص الخاص في كل شخص شخص ولا يدل حرب الأنبياء على ذلك، لاحتمال أن يكون على الظاهر، كقوله “فمن حكمت له بمال أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار”، ومع نكارة هذا فالملجئ إليه عموم مفهومٍ ظني ضعيف.

أقول:

هل النصراني الذي يقول إن الله ثالث ثلاثة يعتقد ذلك أو لا يعتقد؟!!.

من الواضح جدا أنه يعتقد ذلك، ولو افترضنا أنه قال بأنه غير معتقد فلنسأله ما مرادك بذلك؟!، وإذا لم يكن عنده جواب فهذا يعني أنه عابث مستخفٌّ بحرمة ربه جل جلاله، والاستخفاف بالله تعالى منافٍ للتعظيم، وهو كفر واضح لا شك ولا لـَبس فيه.

المسألة غير واضحة عند ابن الوزير رحمه الله، حتى إنه يظن أنه يلزم على قول الذين يخالفهم أنْ “لا يكونَ شيء من الأفعال والأقوال كفرا إلا مع الاعتقاد حتى قتل الأنبياء”!، ولستُ أدري عن أي شيء يتحدث؟!، هل سمع بأن رجلا قتل نبيا من الأنبياء وقال أنا مؤمن بنبوته ووجوب تعظيمه وتوقيره وقتلي له هو مجرد معصية؟!!.

وأقول توضيحا: لا يتم الإيمان بالله جل وعلا وملائكته وكتبه ورسله إلا مع التعظيم والتوقير القلبي، فمن لم يكن في قلبه تعظيم وتوقير لله وملائكته وكتبه ورسله فليس بمؤمن، ومن أقدم على فعلٍ أو قولٍ كفري جحودا لما يجب الإيمان به أو استخفافا به فهو كافر خارج من الملة، وكفره وخروجه من الملة هو من لحظة أنْ وقَرَ في قلبه الجحودُ أو الاستخفاف بالله جل وعلا أو بأحدٍ من ملائكته أو رسله أو بشيء من كتبه مما سلم من التبديل والتحريف وهو القرآن العظيم، وهذا عند الله جل وعلا العالمِ بالخفيات، وأما في الأحكام الشرعية المتعلقة بالظاهر فمن لحظة إقدامه على الفعل أو القول الكفري، والله أعلم.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 14/ 7/ 1437.