خلق القرآن

خلق القرآن  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى آله وأصحابه وإخوانه أجمعين.

وبعد، فقد وصلتني هذه الأسئلة من أحد الإخوة الكرام يقول فيها:

1- هل يكفر من قال بخلق القرآن من القدامى والمعاصرين؟

2- وما معنى هذا القول ومستند القائلين به؟

3- وهل هناك فِرق معاصرة تقول به؟

4- وما موقفنا منهم؟.

أقول مستعينا بالله تعالى:

1 ـ من قال بخلق القرآن على معنى أن الله تعالى لم يكن في الأزل عالما متكلما بالقرآن أو ببعضه فهذا القول كفر.

ومن قال بخلق القرآن هروبا من قول من يعتقد أن الله جل وعلا يقرأ القرآن بحروف متعاقبة وصوتٍ له قوة تخضع للقياس مثلا فهذا قد أصاب في هروبه من تلك الأقوال، ولكنه أخطأ في القول بخلق القرآن، لأن القرآن من كلام الله تعالى، وكلامه من صفات ذاته، فهو قديم بقدم الله تعالى وليس محْدَثا مخلوقا.

ومن قال بخلق القرآن بمعنى الورق الذي كُتب به وصوت القارئ الذي به يُتلى فهذا من المعلوم أنه مخلوق.

وقولهم بأن القرآن مخلوقٌ فيه إيهامُ أن الله تعالى يتجدد له في صفات ذاته ما لم يكن من قبل، ولهذا اشتد إنكار الأئمة رحمهم الله على القائلين بهذا القول.

2 ـ روى تمام الرازي في فوائده والبيهقي في شعب الإيمان وابن حبان في المجروحين وابن عدي في الكامل وابن الجوزي في الموضوعات من طرق عن إبراهيم بن المنذر الحزامي عن إبراهيم بن مهاجر بن مسمار عن عمر بن حفص بن ذكوان عن مولى الحرقة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن الله عز وجل قرأ طه وياسين قبل أن يخلق آدم بألف عام، فلما سمع الملائكة القرآن قالوا طوبى لأمة ينزل هذا عليها وطوبى لأجواف تحمل هذا وطوبى لألسن تكلمُ بهذا”.

[إبراهيم بن المنذر بن عبد الله الحزامي مدني صدوق ثقة مات سنة 236. إبراهيم بن مهاجر بن مسمار مدني ضعيف منكر الحديث مات قرابة سنة 185. عمر بن حفص بن ذكوان أبو حفص العبدي بصري متروك الحديث. مولى الحُرَقة عبد الرحمن بن يعقوب مدني صدوق ثقة مات قرابة سنة 105]. فهذا إسناد تالف. وقال ابن حبان: هذا متن موضوع. وعلق الإمام البيهقي على الرواية فقال: [قوله “قرأ” يعني تكلم بهما وأفهمهما ملائكته].

يبدو أن بعض المحَدثين كان يروي مثل هذه الرواية ويفسرها على ظواهر ألفاظها، بمعنى أن الله جل وتعالى وتقدس يقرأ القرآن بحروف متعاقبة وصوت له قوة تخضع للقياس، فهو عندهم صوت له قوة عشرة آلاف لسان!، وقد يقولون إن الله تعالى يستطيع أن يتكلم بأقوى من هذا الصوت وبأدنى منه!، وأنه يقرأ أحيانا ويسكت أحيانا فتتعاقب عليه الحوادث!.

ويبدو أن المعتزلة القائلين بخلق القرآن لم يجدوا ما يردون به على هؤلاء سوى أن يقولوا إن الله تعالى منزه عن ذلك، وأنه تعالى خلق القرآن وأحدثه في اللوح المحفوظ فقرأه جبريل فيه ونزل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم!، وهذا على قولهم يعني أن القرآن مخلوق!.

ومع الأسف الشديد فإن المعتزلة لم يسلكوا سبيل البحث العلمي والحوار الهادئ مع من لا يقولون بقولهم، لتتضح صورة المسألة ويحيا بعد ذلك من حَيَّ عن بينة، ولكنهم جنحوا إلى الاستقواء بقوة السلطان والتهديد والوعيد والحبس والتعذيب، فأساؤوا إلى الأمة إساءة بالغة لم تتخلص من ذيولها وعقابيلها حتى اليوم. وإلى الله المشتكى.

3 ـ التساؤل عما إذا كان يوجد اليوم من يقول بخلق القرآن فهذا نكله إلى الله تبارك وتعالى، وهو مما لا يسألنا الله عنه.

4 ـ الواجب علينا البيان، فقد قال ربنا جل وعلا: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه}.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 12/ 4/ 1438، والحمد لله رب العالمين.


ردود القراء :

الشيخ جمال السيروان حفظه الله ،

فضيلة المحدث الشيخ صلاح الدين الإدلبي رعاكم الله وبارك الله تبارك وتعالى جهدكم وأثابكم على بيان قضية من المعضلات حيث وفقتم بفضل الله إلى إيضاحها بإيجاز باهر مع وضوح سافر واعتدال في الحكم من غير شطط شكر الله لكم وأحسن جزاءكم