آداب البحث والمناظرة النبذة 01

آداب البحث والمناظرة

النبذة: 1  

بسم الله الرحمن الرحيم

ـ نهتم اليوم بضوابط التحاور بين الناس، رغبة في التقريب بين الإنسان والإنسان، ولئلا يضيِّع الإنسان نفائس الأوقات في حوار غير مثمر.

ـ أظن أن أقرب شيء إلى موضوعنا هذا مما كتب فيه العلماء القدامى هو ما يسمى بآداب البحث والمناظرة، ولذلك اخترت هذا العنوان لمثل هذه الخواطر.

أقول:

حضرت منذ نعومة أظفاري جلسات حوارية كثيرة يتجاذب فيها اثنان أو أكثر أطراف الحديث، لا بقصد الحوار بالمعنى البحثي، ولكن من باب ما يعبرون عنه بأن الحديث ذو شجون.

كثيرا ما تجد أن اثنين اختلفا في مسألة ما خلال تجاذب أطراف الحديث ودخلا في نقاش أو حوار، وكل يدلي بحجته.

وهذه بداية لحوار بحثي حقيقي، ولكنه مع الأسف الشديد هو غالبا غير مثمر.

ـ قد يبدأ الحوار بمسألة وتثار معها مسألة ثانية ويكون حل كل واحدة من المسألتين متوقفا على حل المسألة الأخرى، وهذا ما يسمى في علم المنطق بالدَوْر، وفي هذه الحالة لا يمكن الوصول إلى حل لأية واحدة من المسألتين، فيجب تأجيل النظر في إحداهما والتركيز على محاولة حل المسألة الأخرى من غير الطريق المار بالأولى.

وفي بعض الحالات يأتي ما يشبه الدور من أن المسألتين أو إحداهما قد اكتنفها شيء من الغموض، فلا بد ـ والحالة هذه ـ من فك الارتباط وتحليل المسألة المعقدة إلى مجموعة مسائل وترتيبها في سلم الحل.

ـ إذا كان هناك قضية لا يمكن حلها إلا بحل مسألة أخرى أو أكثر فمن العبث محاولة البدء بحلها، بل يجب البدء بحل المسألة أو المسائل التي يتوقف عليها حل تلك القضية ـ قبل الخوض فيها ـ واحدةً بعد أخرى، ثم يُصار إلى الكلام في حل القضية الأولى.

ـ من الصور الشائعة في الحوارات غير المجدية أن يخوض المتحاوران في قضية فيدليَ أحدهما بالأدلة والقرائن التي تؤيد قوله، فيدخِلَ الثاني منهما خلال الجواب قضية جديدة، فينشغلَ الذهن بها، وقد يدخِلُ الطرفُ الأول قضية جديدة أخرى، فينجر الكلام من شيء إلى شيء ومن موضوع إلى موضوع، وغالبا ما ينتقل الكلام إلى المهاترات ويزداد كل واحد من المتحاورين تمسكا بما هو عليه!.

وقد تجد في جلسة بدأ الحوار فيها في مسألة ولما انفض المجلس قام الناس بعد أن ألقوا على بساط البحث عشرات القضايا دون أن يحلوا أو يقتربوا إلى الحل في أي واحدة منها.

مثال:

قال المتحاور الأول لقد أفتى شيخكم في المسألة الفلانية بكذا وقد أخطأ في ذلك.

انبرى المتحاور الثاني للرد، فلم يتكلم فيها إلا قليلا، وانتقل إلى ما عند شيخه من حسنات وما عنده من صواب في مسائل أخرى.

قد يبدأ المتحاور الأول بالرد في نقاط موجزة سريعة على كل نقطة مما أثاره الثاني، وقد يذكر في إجاباته ذيولا علمية لتلك النقاط وإن لم يكن صاحبه قد تطرق إليها في كلامه.

ثم ينبري الثاني مرة أخرى للرد، ويذكر في رده أن شيخه ليس هو الوحيدَ الذي أخطأ في بعض المسائل، بل الطرف الآخر يوجد عند شيوخه كذا وكذا من الأخطاء.

ثم يقوم المتحاوران ومن يستمع لهما وقد نسوا ـ في بعض الأحيان ـ النقطة الأولى التي بدأ منها الحوار، دون وصول إلى أي تفاهم مشترك يقرب وجهات النظر.

وهكذا تضيع الأوقات والأعمار ولا ترى من الإنجاز إلا قليلا!!.

أعود وأقول: نعم إنه من وساوس الشيطان.

* ترى! أليس من الواجب علي أن لا أتوقف عند تشخيص الداء فتمام الخير بوصف الدواء؟!.

بلى. وإليك ما أراه.

قال لي أحد الإخوة يوما إن شيخك فلانا أفتى في المسألة الفلانية بكذا وكذا وهذا خطأ.

قال هذا في حنق شديد وهو يتكلم في مسألة أخرى، وكأنه يظن بأنه يأتيني بصاعقة تسكتني عن الجواب.

ويشهد الله أنني أعتقد أن الصواب مع شيخي، فهو أوسع علما وفهما وذوقا شرعيا من ذلك الأخ المسكين الذي يقرأ حكما فقهيا في بعض كتب الفقه فيقيس عليه مسألة معاصرة دون أن يشعر أن قياسه باطل، لأنه قياس مع الفارق.

قلت لذلك الأخ وقد شعرت أنه من النوع الذي يقفز في الحوار من مسألة إلى أخرى: إن فلانا شيخي وأعتز بالانتساب إليه، ولكنه ليس بمعصوم.

إنهاء الحوار غير المثمر أفضل بكثير من إضاعة الوقت بالتمادي فيه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *