أحاديث صيام يوم عاشوراء

أحاديث صيام يوم عاشوراء

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

وبعد، فقد وردت روايات كثيرة عن نبينا صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عاشوراء، وهي بحاجة لبحث وتمحيص، فرأيت أن أتتبع ما رُوي منها في أهم مصادر السنة النبوية وأمحص طرقها سندا ومتنا، بتوفيق الله عز وجل.

وهذه الروايات تختلف ألفاظها باختلاف طرقها، ومنها الروايات السليمة ومنها الضعيفة والمعلولة، وأجعلها هنا في إجابات عن تساؤلات:

* ـ هل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء؟.

* ـ هل عزم النبي صلى الله عليه وسلم على صيام اليوم التاسع في العام القابل؟.

* ـ هل كل الروايات التي صحت أسانيدها في صيام يوم عاشوراء قد صحت متونها كذلك؟، وهل صح أن قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه كذلك؟.

* ـ هل جعل النبي صلى الله عليه وسلم لصيام يوم عاشوراء اهتماما خاصا وفضلا خاصا؟.

وهأنذا أشرع في كتابة هذا البحث سائلا المولى تعالى العون والتوفيق:

 

* ـ هل أمرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء؟:

رُوي حديث الأمر بصيام يوم عاشوراء عن عبد الله بن عباس وأبي موسى الأشعري وسلمة بن الأكوع وعبد الله بن مسعود وعائشة والرُبَيـِّع بنت مُعَوِّذ وعبد الله بن عمر ومعاوية بن أبي سفيان وجابر بن سمرة وعبد الله بن بدر الجهني وغيرهم:

* ـ فأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فرواه البخاري ومسلم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن حنبل والدارمي والنَسائي في الكبرى وأبو نُعيم في المستخرج على صحيح مسلم من طريقين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال “ما هذا؟”، فقالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومُ نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى شكرا لله، ونحن نصومه تعظيما له. فقال: “فأنا أحق بموسى منكم”. فصامه وأمر بصيامه.

من المعلوم أن ابن عباس لم يكن إذ ذاك مدركا بنفسه لمثل ذلك الحدث، حيث كان في السنة الرابعة من عمره تقريبا، لكن من المعلوم كذلك أن معظم مروياته هي عن كبار الصحابة، ومراسيلُ الصحابة الذين ثبتت صحبتهم مقبولة.

* ـ وأما حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فرواه البخاري ومسلم وابن حنبل من طريق طارق بن شهاب عن أبي موسى أنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وإذا أناس من اليهود يعظمون عاشوراء ويصومونه، فقال: “نحن أحق بصومه”. فأمر بصومه.

* ـ وأما حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فرواه البخاري ومسلم وابن حنبل من طرق عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع أنه قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أسلم أنْ أذنْ في الناس أنَّ من كان أكل فليصم بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء.

* ـ وأما حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فرواه البخاري ومسلم من طريق علقمة بن قيس النخعي أنه قال: دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يَطعَم فقال الأشعث: اليوم عاشوراء!. فقال: كان يُصام قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان ترِك.

ورواه مسلم وابن أبي شيبة وابن حنبل من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن قيس أنه قال: دخل الأشعث بن قيس على عبد الله بن مسعود وهو يتغدى، فقال ابن مسعود: يا أبا محمد ادنُ إلى الغداء. فقال: أوَليس اليومُ يومَ عاشوراء؟!. فقال: هل تدري ما يوم عاشوراء؟!، إنما هو يوم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل شهر رمضان، فلما نزل شهر رمضان تركه.

* ـ وأما حديث عائشة رضي الله عنها فرواه البخاري ومسلم وعلي بن الجعد وابن راهويه وابن حنبل والنَسائي في الكبرى والطبري في تهذيب الآثار وأبو عوانة والطحاوي والطبراني في مسند الشاميين من طرق عن الزهري عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء، فلما فُرِض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر.

* ـ وأما حديث الرُبَيِّع بنت معوذ فرواه البخاري ومسلم وابن راهويه وابن حنبل من طرق عن خالد بن ذكوان عن الرُبَيِّع بنت مُعَوِّذ أنها قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: “من أصبح مفطرا فليتمَّ بقية يومه، ومن أصبح صائما فليصم”.

* ـ وأما حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فرواه البخاري وابن حنبل والبزار والطبريُّ في تهذيب الآثار من طرق عن نافع عن ابن عمر أنه قال: صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فـُرض رمضان ترك.

وفي رواية أيوب والوليد بن كثير عن نافع عند البخاري ومسلم: كان عبد الله بن عمر لا يصومه إلا أن يوافق صومَه.

ورواه ابن خزيمة والبخاري وأبو نعيم في المستخرج على صحيح مسلم من طرق عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد عن عمر بن محمد بن زيد عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “اليوم عاشوراء، فمن شاء فليصمه، ومن شاء فليفطر”.

* ـ وأما حديث معاوية بن أبي سفيان فرواه مالك والبخاري ومسلم من ثلاثة طرق عن ابن شهاب الزهري عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية يوم عاشوراء عام حجَّ وهو على المنبر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهذا اليوم: “هذا يوم عاشوراء، ولم يُكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر”.

سنده صحيح، لكن فيه إدراج في المتن، فقد رواه النَسائي في السنن الكبرى من طريق صالح بن كَيسان عن ابن شهاب عن حُميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية يخطب الناس بالمدينة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه”. وإني صائم، معاوية يقول ذلك، فمن أحب أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر. سنده صحيح، وفيه التصريح بأن هذا الجزء هو من قول معاوية.

* ـ وأما حديث جابر بن سَمُرة فرواه مسلم من طريق جعفر بن أبي ثور عن جده لأمه جابر بن سَمُرة أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده، فلما فـُرض رمضان لم يأمرنا ولم ينْهَنا ولم يتعاهدنا عنده. [جعفر بن أبي ثور ذكره ابن حبان في الثقات].

* ـ وأما حديث عبد الله بن بدر الجهني فرواه ابن حنبل وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني والطبراني في مسند الشاميين من طرق عن معاوية بن سلام أنه قال: سمعت يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني بعجة بن عبد الله أن أباه أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم يوما: “هذا يوم عاشوراء فصوموا”. فقال رجل من بني عمرو بن عوف: يا رسول الله، إني تركت قومي منهم صائم ومنهم مفطر. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “اذهب إليهم، فمن كان منهم مفطرا فليتمَّ صومَه”.

ـ بعض هؤلاء الصحابة وغيرهم رُويت عنهم روايات تخرج عن فحوى الروايات المتقدمة، ولكنْ ما من شك في رجحان الروايات المتفقة على معنى واحد، وهو المذكور هنا.

ـ هذا وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا أشد الحرص على صيام عاشوراء في شهر المحرم الذي أعقب وصوله للمدينة المشرفة، وهو في بداية السنة الثانية من الهجرة، لأن مَقـْدَمه المدينة كان في ربيع الأول من السنة الهجرية الأولى.

وكان ذلك الحرص لِما يحب من موافقة اليهود فيما لم يُنه عنه، فعمِل بما أخبر به اليهودُ عن نجاة موسى عليه السلام وقومِه وهلاكِ عدوهم في مثل ذلك اليوم، وكان ذاك منه صلى الله عليه وسلم تأليفا لقلوبهم، وإظهارا لوحدة المصدر في نبوة الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام.

ـ ليس من المهم بعد ذلك أن يتوافق صيام المسلمين لعاشوراء في العاشر من المحرم من السنة القمرية العَربية مع السنة القمرية العِبرية التي يُزاد فيها شهرٌ كل ثلاث سنوات مرة، لأن المهم هو إظهار الموافقة في أن المسلمين يشاركون اليهود في فرحتهم بنجاة موسى عليه السلام وبني إسرائيل وأنهم أولى بموسى منهم، وليس المهم تحديدَ يوم عاشوراء على التقويم اليهودي في السنين اللاحقة.

* ـ فمن قال بأن صيام يوم عاشوراء ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم بعد الوقوف على كل هذه الروايات في الصحيحين وغيرهما فكلامه بعيد عن التحقيق.

* ـ هل عزم النبي صلى الله عليه وسلم على صيام اليوم التاسع في العام القابل؟.

روى ابن الجعد وابن أبي شيبة وابن حنبل والبيهقي وغيرهم من طريق عبد الله بن عُمير عن عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لئن عشتُ إلى قابل لأصومن التاسع”. وإسناده جيد. ورواه الطبراني في الكبير من طريق طاوس عن ابن عباس كذلك، لكن بسند ضعيف، ويتقوى بالذي قبله.

وروى مسلم وأبو داود والبيهقي من طريق يحيى بن أيوب عن إسماعيل بن أمية عن أبي غطفان بن طريف المري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “فإذا كان العامُ المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع”. وهذا إسناد ضعيف، وفي المتن نكارة يأتي بيانها قريبا إن شاء الله، ولكن هذا الجزء من المتن صحيح.

والظاهر أن هذا كان في السنة الثانية من الهجرة بعد انقضاء عاشوراء، رغبة منه صلى الله عليه وسلم في مخالفة اليهود الذين يصومون اليوم العاشر فقط، وكان ابن عباس يؤكد على هذا المعنى، فقد روى عبد الرزاق وابن الجعد من طريقين أحدهما صحيح عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع ابن عباس يقول في يوم عاشوراء: “خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر”.

الروايات المخالفة للروايات الثابتة التي تقدمت في صيام عاشوراء:

وردت روايات في حديث صيام عاشوراء تشتمل على بعض المعاني غيرِ الثابتة، فأستعرض منها في هذا المطلب بعض ما رُوي من حديث ابن عباس وابن عمر وعائشة وأبي هريرة:

* ـ حديث ابن عباس في صيام عاشوراء تقدم من رواية سعيد بن جبير عنه، وهو حديث صحيح، ولكن جاء عنه من طريق أخرى ألفاظ ليست بثابتة:

فقد رواه مسلم وأبو داود والبيهقي من طريقين عن يحيى بن أيوب عن إسماعيل بن أمية عن أبي غطفان بن طريف المري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى!، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فإذا كان العامُ المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع”. قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[يحيى بن أيوب الغافقي مصري مات سنة 168، وثقه جماعة، وقال ابن سعد منكر الحديث، وقال ابن حنبل سيئ الحفظ، وقال النسائي في السنن الكبرى: عنده أحاديث مناكير. إسماعيل بن أمية مكي ثقة مات سنة 139. أبو غطفان بن طريف حجازي ثقة].

هذه الرواية سندها ضعيف، وفي متنها نكارة في مواضع، وهذا يدل على أن يحيى بن أيوب لم يكن ضابطا في روايتها:

الموضع الأول: قوله “حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى”!، وهذا بخلاف ما صح عن ابن عباس وأبي موسى، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدِم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فسأل عن ذلك فأجابوه، فصامه وأمر بصيامه، أي إنه حين رأى اليهود يصومونه شكرا لله صامه، وليس الحال أنه صامه فقيل له إنه يوم تعظمه اليهود!.

الموضع الثاني: إقحام لفظة النصارى في السياق، وهي ليست فيه.

الموضع الثالث: قوله “فلم يأت العام المقبل حتى تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم”، وهذا يعني أنه عليه الصلاة والسلام لم يصم اليوم التاسع مع العاشر، وأنه لم يعزم على صيامه إلا قـُبيل وفاته!، وهذا بعيد، والأقرب أنه عزم على صيام التاسع مع العاشر في العام الذي يلي صيامه إياه في المرة الأولى، رغبةً منه في مخالفة اليهود الذين يصومون اليوم العاشر فقط، وأنه كان يصومه مع العاشر، وإذا كان ذلك كذلك فالظاهر أن هذه الكلمة “فلم يأت العام المقبل حتى تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم” مقـْحمة في النص.

* ـ حديث ابن عمر تقدم من رواية أيوب السختياني وسلمة بن علقمة ويحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر أنه قال: صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فـُرض رمضان ترك. وتقدم من طريق أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد عن عمر بن محمد بن زيد عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “اليوم عاشوراء، فمن شاء فليصمه، ومن شاء فليفطر”. رواه البخاري وغيره.

هذه الرواية عن ابن عمر من الطريقين المذكورين رواية صحيحة، لتوافقها مع معظم الروايات الواردة عن الصحابة في قصة عاشوراء.

ـ لكن رواه البخاري ومسلم وابن أبي شيبة وابن حنبل وغيرهم من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال: كان عاشوراء يصومه أهل الجاهلية، فلما نزل رمضان قال “من شاء صامه ومن شاء لم يصمه”.

فإذا ثبت هذا عن ابن عمر وكان مراده من أهل الجاهلية هنا أنهم اليهود الذين سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهم لهذا اليوم بعد مقدمِه المدينة فهو صحيح المعنى، على غرابة في استخدام كلمة “أهل الجاهلية” للتعبير عن اليهود.

ـ ويبدو أن نافعا راويَه عن ابن عمر ذهب وهْمه إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حدَّث الناسَ بأن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء فحدَّث هو به جماعةً من الرواة كذلك!.

فقد رواه البخاري ومسلم وابن حنبل والدارمي وأبو داود وابن ماجه والبزار والنَسائي في الكبرى وغيرهم من طرق كثيرة عن نافع عن ابن عمر أنه ذكِر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يومُ عاشوراء فقال: “كان يوما يصومه أهل الجاهلية، فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه، ومن كره فليدَعْه”!.

ورواه مسلم وأبو عوانة من طريق أبي عاصم النبيل عن عمر بن محمد بن زيد عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر أنه قال: ذكِر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء فقال: “ذاك يوم كان يصومه أهل الجاهلية، فمن شاء صامه ومن شاء تركه”.

والذي في هذين الطريقين من رواية ابن عمر مخالف لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه هو سأل اليهودَ عن صومهم ليوم عاشوراء، فالرواية التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكِر عنده يومُ عاشوراء فقال “كان يوما يصومه أهل الجاهلية فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه ومن كره فليدَعْه” رواية معلولة!.

حديث عائشة تقدم من رواية خمسة عن الزهري عن عروة أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام يوم عاشوراء، فلما فـُرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر. وهذا صحيح.

وجاء عنها روايتان غريبتان:

ـ الرواية الأولى هي ما رواه مالك والبخاري ومسلم وابن أبي شيبة وابن حنبل من طريق هشام بن عروة، ورواه البخاري ومسلم وأبو عوانة والطحاوي في مشكل الآثار من طريق عراك بن مالك، كلاهما عن عروة عن عائشة أنها قالت: كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية!، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية!، فلما قَدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فـُرض رمضان كان هو الفريضةَ وتـُرك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه.

ولفظه من طريق عراك بن مالك أن قريشا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه حتى فرِض رمضان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من شاء فليصمه ومن شاء أفطر”.

ليس في هاتين الروايتين ما يشير إلى سبب صيام قريش ليوم عاشوراء في الجاهلية، ولا لسبب صيام النبي صلى الله عليه وسلم له كذلك!، ولم أجد وجها للربط بين قريش في الجاهلية وبين عاشوراء بسند صحيح، ولو كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية لكان النبي صلى الله عليه وسلم مخالفا لهم فيه، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم عاشوراء في الجاهلية لكان صائما يوم رأى اليهود يصومونه ولمَا جاءت الرواية فيه “فصامه وأمر بصيامه”.

والثابت هو أنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فسأل عن ذلك، فأجابوه، فصامه وأمر بصيامه، فالرواية التي فيها أن يوم عاشوراء كان يوما تصومه قريش في الجاهلية أو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه في الجاهلية كذلك هي رواية شاذة.

ـ الرواية الثانية هي ما رواه البخاري وابن حنبل من طريقين عن محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يُفرض رمضان، وكان يوما تـُسْتر فيه الكعبة، فلما فرض الله رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يتركه فليتركه”.

في هذه الرواية زيادة غريبة، هي أن يوم عاشوراء كان يوما تـُسْتر فيه الكعبة، وهي ضعيفة سندا ومتنا:

فأما السند ففيه محمد بن أبي حفصة، وهو وإن وثقه ابن معين وأبو داود فقد ضعفه النَسائي وابن عدي.

فإن قيل: إن هذه الزيادة لم يتفرد بها ابن أبي حفصة، وهي ثابتة عند البخاري من طريق عُقيل بن خالد كذلك!، لأن البخاري قال في صحيحه [حدثنا يحيى ابنُ بكير قال حدثنا الليث عن عُقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، وحدثني محمد بن مقاتل قال أخبرني عبد الله – هو ابن المبارك – قال أخبرنا محمد بن أبى حفصة عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يُفرض رمضان، وكان يوما تُستر فيه الكعبة، فلما فرض الله رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من شاء أن يصومه فليصمه، ومن شاء أن يتركه فليتركه”].

فأقول: هذا كلامُ من لم يقف على منهج الإمام البخاري رحمه الله في إيراد الطرقِ المعطوفِ بعضُها على بعض، فيظن ـ تبعا لذلك ـ أنه يجوز عزوُ مثلِ ذلك المتن لكلا الطريقين المعطوفين، وهذا غير صحيح.

منهج الإمام البخاري رحمه الله في إيراده الطريقين المعطوفَ أحدُهما على الآخر هو أنه يأتي بالمتن على رواية الثاني منهما، وفي مثل هذا الحال يكون المتن من الطريق الأول بمثل اللفظ الذي جاء من الطريق الثاني أو بنحوه وإن لم يكن مطابقا له.

وقد تأكد لي أن اللفظ الذي جاء في هذا الحديث من طريق عُقيل بن خالد عن الزهري ليس فيه هذه الزيادة الغريبة، هكذا جاء في معرفة السنن والآثار للبيهقي، ونقل ابن حجر في فتح الباري عن المستخرج للإسماعيلي نحو ذلك حيث قال: [قال الإسماعيلي: “جمعَ البخاري بين رواية عُقيل وابن أبي حفصة في المتن، وليس في رواية عُقيل ذكر الستر”. ثم ساقه بدونه من طريق عقيل، وهو كما قال].

[هذا وقد وقفت من قبلُ على موضعين يدلان على أن الإمام البخاري رحمه الله إذا جاء بالرواية عن راويين وجمع بينهما فإنه يوردها على لفظ الثاني منهما وإن لم تكن رواية الراوي الأول مطابقة لها، وروايته لحديث عاشوراء هنا ـ مع مقارنتها برواية البيهقي في معرفة السنن والآثار وبرواية الإسماعيلي في المستخرج ـ هي الموضع الثالث، وهذا مهم جدا في معرفة مناهج المحدثين في إيراد الروايات].

ـ وأما المتن قي هذه الرواية وهو أن الكعبة كانت تـُكسى يوم عاشوراء فهذا غير ثابت عن عائشة رضي الله عنها، إذ من المعلوم أن أهل الجاهلية كانوا يكسون الكعبة، لكن هل كان ذلك يوم عاشوراء؟!، وما الرابط بين أهل الجاهلية وعاشوراء ليجعلوا كسوة الكعبة في هذا اليوم؟!، وما الرابط كذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وزمن معاوية بينهم وبين عاشوراء سوى صيام هذا اليوم الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا رأى اليهود يصومونه؟!.

هذا يجعلنا نشك في ثبوت هذه الرواية عن عائشة رضي الله عنها، ويؤكد لنا ضعف الرواية سندا ومتنا.

هل لهذه الرواية شواهد؟:

لها شاهد مرفوع رواه الأزرقي في أخبار مكة عن جده عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن أبيه عن خالد بن المهاجر بن خالد بن الوليد أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم عاشوراء فقال: “هذا يوم عاشوراء، يوم تنقضي فيه السنة، وتـُستر فيه الكعبة، وتـُرفع فيه الأعمال، ولم يُكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن أحب منكم أن يصوم فليصم”. [جد الأزرقي هو أحمد بن محمد بن الوليد الغساني الأزرقي مكي ثقة مات سنة 222. إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي مدني متروك اتـُّهم بالكذب، ووثقه الشافعي، ولم يجد ابن عقدة ولا ابن عدي في حديثه منكرا إلا عن شيوخ يحتملون، ومات سنة 184. أبوه محمد بن أبي يحيى الأسلمي مدني ثقة فيه لين مات سنة 147. خالد بن المهاجر حجازي تابعي ذكره ابن حبان في الثقات وروى له مسلم حديثا واحدا، ومات بعد سنة 90]. فهذا السند تالف.

وروى الأزرقي عن جده عن سعيد بن سالم عن ابن جريج أنه قال: كانت الكعبة فيما مضى إنما تـُكسى يوم عاشوراء إذا ذهب آخر الحاج، حتى كانت بنو هاشم، فكانوا يعلقون عليها القمُص يوم التروية من الديباج، فإذا كان يوم عاشوراء علقوا عليها الإزار. [سعيد بن سالم خراساني نزيل مكة صدوق مات بعد سنة 190. عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج مكي ثقة من أتباع التابعين، قد يدلس الإسناد ويرسل، مات سنة 150]. فهذا السند ـ إذا كان المراد منه التحدث عن وقت حياة عائشة رضي الله عنها ـ فهو مرسل ضعيف.

وروى الأزرقي عن جده عن سعيد بن سالم عن عبد الله بن أبي نجيح عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كسا الكعبة القباطيَّ من بيت المال، ثم عثمانُ من بعده، فلما كان معاوية بن أبي سفيان كساها كسوتين: كسوة عمر القباطي، وكسوة ديباج، فكانت تُكسى الديباجَ يوم عاشوراء، وتـُكسى القباطيَّ في آخر شهر رمضان للفطر. [عبد الله بن أبي نجيح مكي ثقة مات سنة 132]. سعيد بن سالم لم يذكر المزي أنه روى عن ابن أبي نجيح، وقد مات بعده بستين عاما ولم يُذكر في ترجمته أنه من المعمَّرين، فالظاهر أن روايته عنه منقطعة، وقد وقفت على سَنَوَات وَفَيَات اثنين وعشرين راويا من شيوخه، وكانت وفَيَاتهم بين سنة 145 وسنة 184، فابن أبي نجيح أقدم وفاة من أقدم شيوخ سعيد بن سالم وفاة بثلاثة عشر عاما، وهذا يؤكد أنه لم يسمع منه، فالسند منقطع ضعيف.

ـ كل هذا يعني أن هذه الكلمة “وكان يوما تـُسْتر فيه الكعبة” مدرجة في النص، وأن وضع الكسوة على الكعبة يوم عاشوراء لم يكن في زمن عائشة رضي الله عنها ولا قبله.

ـ وههنا رواية رواها الأزرقي عن محمد بن يحيى عن الواقدي عن عبد العزيز بن المطلب عن إسحاق بن عبد الله عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال: “كان الناس يهدون إلى الكعبة كسوة، فلما كان يزيد بن معاوية كساها الديباج الخُسْرَواني، فلما كان ابن الزبير اتبع أثره، فكان يبعث إليه مصعب بن الزبير بالكسوة كل سنة، فكانت تُكسى يوم عاشوراء”.

[محمد بن يحيى: يبدو أنه محمد بن يحيى بن عبد الكريم الأزدي المعروف بالرواية عن الواقدي، وهذا بصري نزيل بغداد ثقة مات سنة 252. الواقدي محمد بن عمر مدني نزيل بغداد، وثقه جماعة واتهمه جماعة بالكذب، ويبدو أنه كان ثقة في التاريخ، لكنه في الحديث قد يضع الأسانيد، ومات سنة 207. عبد العزيز بن المطلب حجازي صدوق. إسحاق بن عبد الله: لم يأت في الرواية هنا مِن نسبهِ ما يميزه عن غيره، والراوي عنه مدني مات في خلافة أبي جعفر المنصور، أي بين سنة 136 و158، ولعله في آخر خلافة أبي جعفر، ويروي هو عن مدني مات سنة 117 تقريبا، فيظهر لي أنه إسحاق بن عبد الله بن أبى طلحة، فإن يكنْه فهو مدني ثقة مات سنة 132]. فهذا السند لا بأس به في مثل هذه المسألة التاريخية.

ـ وهو لا يتعارض مع ما ذكرته من عدم ثبوت أن الكعبة كانت تُكسى يوم عاشوراء قبل النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمنه وزمن الخلفاء الراشدين وزمن معاوية.

ويبدو أن وضع الكسوة على الكعبة يوم عاشوراء حدث في عهد يزيد بن معاوية.

ـ فإن قيل: لمَ تقول عن هذا السند “لا بأس به في مثل هذه المسألة التاريخية” وربما لا تحتج بنظيره أو بما هو أقوى منه في مسائل تاريخية أخرى؟.

فالجواب أن القرائن التي تكتنف المسألةَ أيَّ مسألةٍ لها أثر كبير لا يجوز إغفاله في التوجيه والترجيح، فإثبات علاقة مثلا بين مشركي قريش وبين الصيام وصيام يوم عاشوراء تحديدا مسألة لا تأتي القرائن مؤيدة لوقوعها، بل لاستبعادها، ومثلها مسألة أن تكون كسوة الكعبة كانت في يوم عاشوراء كذلك.

وهنا تأتي التساؤلات التي تنبهنا إلى قرائن الأحوال: هل كان مشركو قريش يصومون؟!، وهل كانوا يصومون يوم عاشوراء تحديدا؟!، ولمَ يصومونه؟!، وهل كان صيامهم لهذا اليوم لو ثبت له علاقة بصيام اليهود؟!، وهل أوحى الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن وجه تلك الصلة خلال فترة العهد المكي؟!، وهل كانوا يعظمون يوم عاشوراء أو يبتهجون فيه فيكسون فيه الكعبة؟!، وهل كان شيء من ذلك من شريعة إبراهيم عليه السلام؟!، أو هل حصلت حادثة في يوم عاشوراء في عصر الرواية استغلها أناس وأشاعوا من أجلها شائعات أثرت على الرواة الذين ليسوا في الدرجة العليا من الضبط والإتقان؟!.

لهذا كله يجب التمييز بين روايات الرواة الثقات المتميزين في الضبط والإتقان وبين روايات الثقات الذين لا يتمتعون بتلك الدرجة من التميز، وبين رواية الراوي التي تأتي القرائن مؤكدة لثبوتها ورواية الراوي التي ليس لها قرائن مؤكدة.

* ـ حديث أبي هريرة رواه ابن حنبل عن أبي جعفر عن عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي عن أبيه عن شبيل بن عوف عن أبي هريرة أنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء، فقال: “ما هذا الصوم؟”. فقالوا: هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق وغرَّق فيه فرعونَ، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي، فصامه نوح وموسى شكرا لله تعالى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم “أنا أحق بموسى، وأحق بصوم هذا اليوم”. فأمر أصحابه بالصوم. [أبو جعفر المدائني محمد بن جعفر صدوق فيه لين مات سنة 206. عبد الصمد بن حبيب بن عبد الله الأزدي لين. أبوه مجهول. شبيل بن عوف كوفي ثقة]. فهذا السند شديد الضعف.

أول الحديث من بدايته إلى قوله “وغرَّق فيه فرعونَ” موافق لما رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن أصل الحديث صحيح، وذكْر نوح عليه السلام واستواء السفينة على الجودي في يوم عاشوراء مقـْحم عليه وليس بثابت، فالظاهر أن يد أحد الضعفاء قد عبثت به فأضافت له هذه الزيادة الغريبة، ولعل ذلك جاء من قِبل الراوي المجهول.

 

* ـ هل جعل النبي صلى الله عليه وسلم لصيام يوم عاشوراء اهتماما خاصا وفضلا خاصا؟:

* ـ روى البخاري ومسلم وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن حنبل والطحاوي من طريقين عن عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليومَ يومَ عاشوراء وهذا الشهر. يعني شهر رمضان. [عبيد الله بن أبي يزيد مكي ثقة ولد سنة 40 ومات سنة 126]. سنده صحيح.

قوله “ما رأيتُ” أي: ما علمتُ، وقد كان ابن عباس يوم أنْ صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وحَرَص عليه في الرابعة من عمره أو نحوها، ولكنه سمع معظم ما يرويه من الحديث من كبار الصحابة.

وهذا الحرص من النبي صلى الله عليه وسلم على صيام يوم عاشوراء كان في أول عاشوراء بعد الهجرة، أي في أوائل السنة الثانية، ثم فرِض صيام رمضان في تلك السنة وترِكت بعده شدة استحباب صيام عاشوراء، كما ثبت ذلك عن عدد من الصحابة.

* ـ روى مسلم والطيالسي وابن حنبل والترمذي وابن ماجه من طرق عن غيلان بن جرير عن عبد الله بن مَعْبَد الزِمَّاني عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله”. [غيلان بن جرير بصري ثقة مات سنة 129. عبد الله بن معبد الزماني بصري ثقة مات بعد سنة 80. أبو قتادة الأنصاري صحابي مدني مات سنة 54].

قال البخاري في التاريخ الأوسط: “رواه عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم في صوم عاشوراء ولم يذكر سماعا من أبي قتادة”. وقال في التاريخ الكبير: “روى غيلان بن جرير عن عبد الله بن معبد عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يُعرف سماع عبد الله بن معبد من أبي قتادة”. وفي هذا إشارة إلى عدم ثبوت الحديث، لأنه يستعمِل مثل هذا يريد بذلك إعلال الرواية.

ورواه ابن حنبل وعبد بن حميد والنسائي في الكبرى من طرق عن أبي الخليل عن حرملة بن إياس عن أبي قتادة الأنصاري به نحوه. [أبو الخليل صالح بن أبي مريم بصري ثقة. حرملة بن إياس ذكره ابن حبان في الثقات].

وذكَر له البخاري في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل والدارقطني في العلل طرقا بإدخال مولى لأبي قتادة في الإسناد بين حرملة بن إياس وأبي قتادة، وروى النسائي في السنن الكبرى والبيهقي بعضها، وقال البخاري في التاريخ الأوسط: “حرملة بن إياس لا يُعرف له سماع ‏من أبي قتادة”. ‏وحيث إن حرملة لم يصرح بالسماع من أبي قتادة ـ في الطرق الخالية عن الاسم المزيد ـ فلا بد من إثباته في الإسناد، وحيث إنه مبهم فالسند ضعيف.

فحديث أبي قتادة هذا سنده بكِلا طريقيه ليس بثابت، وهذه الفضيلة لصيام يوم عاشوراء غير ثابتة.

وهذا لا يعني أن الفضيلة لصيام يوم عرفة ليست ثابتة كذلك، فلها شواهد لا بد من دراستها.

* ـ استشهاد الإمامِ الحسينِ بن علي رضي الله عنهما في يوم عاشوراء:

لحكمة لا نعلمها فقد وقع مقتلُ سبطِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم الإمامِ الشهيد الحسينِ بن علي رضي الله عنهما في يوم عاشوراء، وعلى هذا فإن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك ـ يا ريحانة رسول الله ـ لمحزونون.

* ـ وقفتُ على روايات في بعض كتب الشيعة الإمامية تدل على أن وجوب صيام يوم عاشوراء أو استحبابه قبل نزول فرض صيام رمضان كان معروفا عندهم، وأنه صار متروكا بعد افتراض صيام رمضان، فربما كانوا يقولون بذلك قبل مقتل سيدنا الحسين رضي الله عنه وأصبح مكروها بعد ذلك لوقوع مقتله في مثل هذا اليوم.

ـ جاءت الروايات الثلاث التالية في كتاب الكافي للكُليني:

عن أبي الجارود أنه قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: “فرض الله عز وجل على العباد خمسا”، إلى أن قال: “ثم نزل الصوم، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كان يومُ عاشوراء بعث إلى ما حوله من القرى فصاموا ذلك اليوم، فنزل شهر رمضان بين شعبان وشوال”. الحديثَ.

عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قال: “أما الصوم الذي صاحبُه فيه بالخيار فصوم يوم الجمعة والخميس وصوم البيض وصوم ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان وصوم يوم عرفة وصوم يوم عاشوراء، فكل ذلك صاحبه فيه بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر”.

عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: “صومٌ متروك بنزول شهر رمضان، والمتروك بدعة”.

ولكن أسانيد هذه الروايات عندهم ضعيفة، ولا أدري هل يقولون بأن تعدد طرقها يكسبها قوة أو لا.

 

* ـ خلاصة البحث:

ـ مشروعية صيام يوم عاشوراء واستحبابه، لصحة الأحاديث الواردة فيه.

ـ القول بأن هذا الحديث هو من وضع الأمويين ومن شايعهم كلام مجانب للصواب.

ـ كان صيام يوم عاشوراء مؤكدا تأكيدا شديدا في السنة الأولى من مشروعية صومه في أوائل السنة الثانية من الهجرة، ثم نُسخ الاستحباب الشديد بعدما أنزل الله عز وجل افتراض صوم رمضان في السنة نفسها، وبقي مطلق الاستحباب.

ـ رواية أن قريشا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية ليست بثابتة، وكذا رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء قبل مقدمه المدينة.

ـ رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لئن عشتُ إلى قابل لأصومن التاسع” سندها جيد، وكان هذا في السنة الثانية من الهجرة، وهذا يعني أنهم صاموا اليوم العاشر من المحرم أولَ ما صاموا عاشوراء وأنهم كانوا بعد ذلك يصومون التاسع والعاشر.

ـ الرواية التي فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع” وأنه لم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفة الإسناد منكرة المتن. والله أعلم.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 26/ 1/ 1436، الموافق 19/ 11/ 2014، وأضفت بعض التنقيحات في 9/ 1/ 1442، الموافق 28/ 8/ 2020، والحمد لله رب العالمين.

 

تعليق واحد على “أحاديث صيام يوم عاشوراء”

  1. من الشيخ عبد الفتاح السيد حفظه الله: السلام عليكم اخي الحبيب الشيخ صلاح
    اسأله تعالى لكم التوفيق والسداد فيما انتم فيه من استخراج هذه الكنوز النبوية صافية مصفاة من حديث سيد الخلق عليه الصلاة والسلام.

التعليقات مغلقة.