من روائع الإمام البخاري (05) رحمه الله

من روائع الإمام البخاري (5) رحمه الله ،

 ـ روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أنْ لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله”.

وروَى من طريق أبي معمر عبد الله بن سخبرة أنه قال: سمعت ابن مسعود يقول: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه التشهدَ كما يعلمني السورة من القرآن: “التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله”. وهو بين ظهرانينا، فلما قبِض قلنا: السلام – يعني – على النبي صلى الله عليه وسلم.

ـ الحديث بالرواية الأولى رواه الطيالسي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن حنبل والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم من طريق أبي وائل شقيق بن سلمة وعلقمة بن قيس النخعي والأسود بن يزيد النخعي وأبي الأحوص عوف بن مالك عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء من كبار أصحاب ابن مسعود، ورواه كذلك ابن أبي شيبة وابن حنبل من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ولكنه مات أبوه وهو صغير.

وهؤلاء لم يذكر واحد منهم أن ابن مسعود قال له بعد رواية الحديث “فلما قبِض قلنا: السلام على النبي”.

ـ الحديث بالرواية الثانية التي فيها هذه الزيادة من قول ابن مسعود “فلما قبِض قلنا السلام على النبي” رواها ابن أبي شيبة وابن حنبل والبخاري وأبو يعلى والسرَّاج وأبو عوانة والبيهقي من طريق مجاهد عن عبد الله بن سخبرة عن عبد الله بن مسعود، وعند البخاري جاءت بزيادة كلمة “يعني” هكذا: “فلما قبِض قلنا السلام يعني على النبي”، ولكنها ليست موجودة في المصادر الأخرى.

ـ المشهور من روايات هذا الحديث أن أصحاب ابن مسعود كانوا يروونه للناس ويعلمونهم التشهد باللفظ الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود ولا يذكرون فيه اختلاف اللفظ بين كونه في حياة رسول الله وكونه بعد وفاته.

وحيث إن عبد الله بن سخبرة الذي تفرد بتلك الزيادة لا يُقارن بأي واحد من أولئك الكبار من أصحاب ابن مسعود فالظاهر أنها غير ثابتة.

ـ الإمام البخاري رحمه الله أشار في صحيحه إلى إعلال هذه الزيادة، وذلك إذ روى الحديث بدون الزيادة في باب التشهد وباب ما يُتخير من الدعاء بعد التشهد في كتاب الصلاة، وفي مواضع أخرى، وروى الحديث مع الزيادة في باب مناسب لقوله “وكفي بين كفيه”، وهو باب الأخذ باليدين من كتاب الاستئذان.

ـ مَن لا يعرف طريقة البخاري في صحيحه فإنه قد يقول إن البخاري روى عن ابن مسعود أنه كان يقول في التشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم “السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته”، وأنه كان يقول بعد وفاته “السلام على النبي ورحمة الله وبركاته”، وهذا لا ينبغي إلا مع التنبيه إلى أن البخاري رواه وأشار إلى إعلاله.

ـ إذا كان هذا القول المعْزو إلى ابن مسعود غير ثابت عنه فهذا لا يعني أنه ليس ثابتا عن غيره من الصحابة، فقد رواه مالك في الموطإ عن ابن عمر، ورواه عبد الرزاق عن ابن عباس وابن الزبير، ورواه ابن أبي شيبة وأبو طاهر المخلص والبيهقي عن عائشة.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 23/ 12/ 1439، الموافق 3/ 9/ 2018، والحمد لله رب العالمين.