البدعة المحمودة

بسم الله الرحمن الرحيم

البدعة المحمودة

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه، كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.

أما بعد، فقد روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما”. وروى في الباب ذاته عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” أيما رجل قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما ” [[1]]. وروى في صحيحه كذلك عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” لا يرمي رجل رجلا بالفسـوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كـذلك ” [[2]].

فالمسلم الذي يرمي أخاه المسلم بالكفر أو الفسوق عليه أن يتقي الله تعالى ويحتاط لدينه، فإن تلك الكلمة تنطلق إلى من قيلت فيه فإن كان كذلك فقد التقى الوصف بالموصوف، لكن إن لم يكن كذلك فإنها ترجع إلى القائل، إذ يكون بافترائه أحق بها وأهلها. ولا يفوتني هنا أن أذكِّر بملحوظة هامة ينبغي أن لا تغيب عن النظر، وهي أن الذي يرمي غيره بالكفر فإنه يرجع إليه إن لم يكن صاحبه كذلك إذا لم يكن القائل متأوِّلا، فإذا كان له تأويل بحيث لم يكن رميه لذلك المسلم بالكفر من باب تسمية الإيمان كفرا فلا يكون كافرا خارجا من الملة، لكن عليه إثم عظيم.

والسؤال الآن: ما حكم المسلم الذي يرمي أخاه المسلم بالابتداع والضلال ويصبح ويمسي ويقول له أنت مبتدع ضال؟؟؟

لا يجوز التوقف في أن المرمي بهذه الكلمة إن كان مبتدعا في عرف الشرع فقد أصابت محلها، لكن إن لم يكن كذلك فإنها ترجع إلى القائل ويلحقه إثمها ووبالها، وهذا يحتم علينا البحث في معنى البدعة والمراد بالبدعة المذمومة.

ولا خلاف بين أهل العلم في أن البدعة هي الأمر المستحدث الذي لم يُسبق إليه، وهذا لا داعي للتطويل فيه.

 

الاختلاف في تحديد المراد بالبدعة المذمومة

 

اختلفت الأنظار في هذه المسألة على قولين، فمن الناس من يقول إن كل ما أُحدِث من أمور الدين هو من البدع المذمومة، وقد يطلق عليهم أنهم “تبديعيون” لكثرة رميهم الآخرين بالابتداع، كما يقال لمن يكثرون من رميهم لغيرهم بالكفر بأنهم “تكفيريون”، ومن الناس من يقول ليس ذلك كذلك، بل المحدَثات فيها المحمود وفيها المذموم.

وهأنذا أستعرض بعض استدلالات كل من الفريقين مع مناقشة ما يستدعي المناقشة وبيان ما أرى أنه الحق في هذه المسألة، مستعينا بالله، طالبا هداه، متبرئا من حولي وقوتي، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله.

 

 

القول الأول واستدلالاته

 

يقول أحد الباحثين المعاصرين: ” البدعة في الدين نوعان: بدعة قولية اعتقادية، وبدعة في العبادات، وهذه أنواع: فمنها ما يكون في أصل العبادة، ومنها ما يكون في الزيادة على العبادة المشروعة، ومنها ما يكون في صفة أداء العبادة، ومنها ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة لم يخصصه الشرع، وهي بجميع أنواعها محرمة وضلالة، ولكن التحريم يتفاوت بحسب نوعية البدعة: فمنها ما هو كفر صراح، ومنها ما هو من وسائل الشرك، ومنها ما هو فسق اعتقادي، ومنها ما هو معصية “.

 

أقول: يُفهم من هذا الكلام أن كل قول في الاعتقاد لم يأت بنصه أو بمعناه في كلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم فهو بدعة، وكذا إحداث عبادة غير مشروعة بنص من الكتاب أو السنة، وكذا الزيادة في عبادة مشروعة، وكذا إحداث صفة أداء عند تأدية العبادة المشروعة إذا لم ترد بنص كتاب أو سنة، وكذا تخصيص وقت للعبادة المشروعة لم يخصصه الشرع، وأن هذا كله محرم وضلال.

وينبني على هذا الإطلاق أنه لا داعي للبحث عن دليل يدل على حكم أي مسألة من المسائل التي تندرج تحت ما تقدم، إذ الحكم عليها ـ عند أهل القول الأول ـ واضح تمام الوضوح، أي هي حرام وضلال، وأن من ارتكب شيئا منها فهو آثم مبتدع ضال إلا أن يتوب. فمن ألزم نفسه بأن يتصدق كل يوم جمعة بدينار مثلا فهو ـ عندهم ـ مبتدع ضال، وكذا من ألزم نفسه بأن يعتكف أول ليلة من الشهر القمري، أو أن يتفرغ للدعوة إلى الله تعالى ثلاثة أيام في كل شهر، أو أن يجمع الناس لسماع محاضرة عن الإسراء والمعراج في هذه الذكرى من كل عام، أو لسماع محاضرة عن غزوة بدر كذلك، أو أحرم للحج أو العمرة قبل الوصول إلى الميقات، أو قام يصلي بعد أذان الظهر إلى الإقامة فصلى ست ركعات أو ثمانيا أو عشرا مثلا، فهذه الأعمال ونحوها ـ عند أهل القول الأول ـ بدعة مذمومة وضلال في الدين، بل إن بعضهم يرى أن عمل المحراب في المسجد والمئذنة هو من بدع الضلالة كذلك.

أقول مستعينا بالله تعالى وبالله التوفيق:

لا بد من النظر فيما يمكن أن يُستدل به لهذا القول، فإن كان له أدلة قوية غير منقوضة أخذنا به، وإلا تركناه وأعرضنا عنه.

 

وإليك ما وقفت عليه من استدلالات الفريق الأول:

 

الاستدلال بالكتاب والسنة

 

1 ـ استدل بعضهم بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}. يعني أن الله تعالى قد أكمل لنا الدين، فليس فيه نقص حتى نزيد فيه بغية الإتمام، وكل زيادة بعد التمام بدعة مذمومة.

 

أقول: الآية الكريمة لا يُفهم منها ـ عند التأمل ـ أن نصوص الكتاب والسنة قد أحاطت بكل الجزئيات، بل بأصول المسائل وطرق الاستنباط وكثير من الجزئيات، وعلى أهل العلم أن يستنبطوا من نصوص الكتاب والسنة ما يحقق مقاصدهما بما يتفق وروحَ هذين المصدرين.

ومن الدليل على عدم صحة الاستدلال بهذه الآية للقول الأول ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إن الله فرض فرائض…، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان “. وقال الإمام النووي رحمه الله في ” الأربعين النووية “: حسن [[3]].

وقال أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى المسائل “نعْم البدعة هذه”، وقال غيره في غيرها “إنها محدثة وإنها لمن أحسن ما أحدثوا”، وقال ثالث “كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك”، وزاد أحدهم أذانا لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الصحابة يجلس في مسجد البصرة عشية يوم عرفة للذكر والدعاء رغم أن هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدون، وقال أحد كبار الصحابة “فما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن”، وقال أحد كبار أئمة أهل السنة “رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرجها، فإن أُخرِجتْ فلا بأس”، وقال أحد كبارهم “لم يثبت عندي هذا ولكن يعجبني أن يقوله”. [[4]]. وفي هذا السياق يقول أحد علماء المسلمين: “فإن الزيادة على المأمور به قد يكون عدوانا محرما، وقد يكون مباحا مطلقا، وقد يكون مباحا إلى غاية فالزيادة عليها عدوان”. ويقول في موضع آخر: “وكل بدعة ليست واجبة ولا مستحبة فهي بدعة سيئة، وهي ضلالة باتفاق المسلمين، ومن قال في بعض البدع إنها بدعة حسنة فإنما ذلك إذا قام دليل شرعي أنها مستحبة”. [[5]].

وههنا أقول: إذا كنت أيها الأخ المنصف تقبل الحديث الذي حسنه الإمام النووي والشيخ الألباني وتأخذ بآثار الصحابة وأقوال العلماء مما تقدم ذكره فعليك التسليم بأن نصوص الكتاب والسنة ما جاءت لتستوعب كل الجزئيات، وأن هناك أشياء مسكوتا عنها، وأن الصحابة وعلماء الأمة لهم أقوال واجتهادات، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، وأنها إذا ثبتت خيريتها وجاءت محققة لمقاصد الشريعة ولم تخالف دليلا شـرعيا فلا يصح وصفها بأنها بدعة ضلالة.

فإن قيل: ما ورد من استحسان الصحابة لبعض الأمور وإطلاق القول عليها بأنها بدعة أو محدثة فمرادهم البدعة اللغوية ؛ فأقول: سمها ما شئت، فليس الخلاف في التسمية، وإنما الخلاف في حكم بعض المسائل المستحدثة هل هي من قبيل المستحب؟ أو المباح؟ أو المحرم؟ أو المحرم الذي هو في مرتبة الضلالة؟!.

 

2 ـ استدل بعضهم بما روي عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك”. [[6]].

 

أقول: الاستدلال بهذا الحديث هنا هو من باب تحميل النص ما لا يحتمِل، لأن المراد من هذا الإخبارِ: الحثُّ على التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والتحذيرُ من مخالفتها، وهذا حق لا مرية فيه، ولكن هذا الحديث ساكت عن حكم المسكوت عنه.

 

3 ـ استدل بعضهم بما روي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا حدثتكم حديثا فلا تزيدُنَّ عليَّ”. [[7]].

 

أقول: هذا الحديث إن صح فهو كسابقه، ومعناه نهي المخاطبين الذين يسمعون شيئا من أحاديثه صلى الله عليه وسلم عن أن يبلغوها فيزيدوا فيها ما لم يقله، ولو كان مراده عليه الصلاة والسلام عدم الزيادة في فعل ما أمروا به لقال: إذا طلبت منكم شيئا فافعلوه ولا تزيدُن فيه.

 

4 ـ استدل بعضهم بما روي عن المطّلب بن عبد الله بن حنطب رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه”. [[8]].

 

أقول: هل استوعبت الأوامر والنواهي الجزئيات أو الكليات وبعض الجزئيات؟!، فالاستدلال بهذا الحديث هو بنحو الاستدلال بالآية الكريمة المتقدمة.

 

5 ـ استدل كثير منهم بما روت عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”. [[9]].

 

أقول: في هذا الحديث الشريف تحذير ووعيد لمن يحدث في أمر الدين شيئا وهو ليس منه، وأنه مردود عليه، وهذا حق لا مرية فيه، لكن إيراد هذا الحديث في معرض الاستدلال به على أن عملا ما من بدع الضلالة هو إيراد في غير محله، إذ قد يكون ذلك العمل داخلا فيما هو من الدين، لا فيما ليس منه، فيعود السؤال: ما الدليل على أن ذلك العمل ليس من أمور الدين، لأنه إذا كان مندرجا تحت نص من نصوص الإذن العامة أو المطلقة ولم يعارض نصا آخر فلم لا يكون من المأذون فيه؟!!. فظهر بهذا أن هذا الحديث يبين أن ما أُحدث مما ليس من الدين مردود على صاحبه، وليس فيه البتة أن كل ما أحدث فهو ليس من الدين.

 

6 ـ استدل كثير منهم بما روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته ويقول: ” أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور مُحْدَثَاتها، وكل مُحْدَثَة بدعة، وكل بدعة ضلالة “. وفي رواية “وكل ضلالة في النار”. [[10]].

ويأتي الكلام عليه عقب الحديث التالي.

 

7 ـ ومثله حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “… فإنه من يعشْ منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ” [[11]].

 

أقول ومن الله تعالى أستمد الهداية والتوفيق:

هذان الحديثان الشريفان هما أقوى ما يتمسك به من يحكم على كل المحدثات الدينية بأنها بدعة ضلالة، وأن أهلها مبتدعون ضالون من أهل النار، إذ النص واضح حسب الظاهر “كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار”.

لكن هل لهذا النص وجه من الفهم غير هذا الظاهر الذي يبدو لمن يستدل به على التعميم؟، والجواب: نعم، والذي يتدبر آيات الكتاب العزيز يدرك هذا.

كلمة ” كل ” قد تأتي والمراد بها التعميم الشامل فيما دخلت عليه، ومن ذلك قوله تعالى: {وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}، {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ}، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا}.

وقد تأتي والمراد بها تعميم هو دون التعميم الشامل لكل ما يصدق عليه اللفظ، ومن ذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيء}، {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلا لِّكُلِّ شَيْءٍ}، {وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيء}، {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ}.

ففي الآيات الأولى لا تستطيع أن تتصور شيئا لا يدخل في عموم ما دخل عليه لفظ ” كل “، فالله تعالى بكل شيء عليم، ويستحيل أن تتصور شيئا لا يدخل في علمه تعالى، وكل نفس لا بد أن يذيقها الله تعالى الموت ثم يحييها بعدما أماتها، ويستحيل أن تتصور أن هناك نفسا من الأنفس لا يذيقها الله تعالى الموت، وهكذا.

أما الآيات التالية لها فالعموم ليس بالشامل لكل ما دخل عليه لفظ “كل” من كل وجه، وتأمل معاني الآيات وما قاله المفسرون فيها:

فأما قوله تعالى {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيء} فقد قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيرها: فإن قال لنا قائل: كيف قيل {فتحنا عليهم أبواب كل شيء} وقد علمت أن باب الرحمة وباب التوبة لم يُفتح لهم وأبواب أُخَرُ غيره كثيرة؟!!. قيل [أي قلنا له في الجواب]: إن معنى ذلك على غير الوجه الذي ظننت، وإنما معنى ذلك: فتحنا عليهم استدراجا منا لهم أبواب كل ما كنا سددنا عليهم بابه عند أخذنا إياهم بالبأساء والضراء،… ففتْحُ الله عليهم أبواب كل شيء هو تبديله لهم مكان السيئة التي كانوا فيها في حال امتحانه إياهم من ضيق العيش إلى الرخاء والسعة، ومن الضر في الأجسام إلى الصحة والعافية، وهو فتحُ أبواب كل شيء كان أغلق بابه عليهم مما جرى ذكره.

وأما قوله تعالى {ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلا لِّكُلِّ شَيْءٍ} فقد قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: وتبيينا لكل ما لقومه وأتباعه إليه الحاجةُ من أمر دينهم.

وأما قوله تعالى {وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيء} فقد قال ابن كثير رحمه الله: وأوتينا من كل شيء أي مما يحتاج إليه المُلْك.

وأمـا قوله تعالى {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} فقد قال الإمـام الطبري رحمه الله: وإنما عنى تدمر كل شيء بأمر ربها مما أرسلت بهلاكه، لأنها لم تدمر هودا عليه السلام ومن كان آمن به. وقال ابن كثير رحمه الله: أي تخرب كل شيء من بلادهم مما من شأنه الخراب.

فقد بان وظهر أن المراد بقوله تعالى {أَبْوَابَ كُلِّ شَيء} هو بعض الأبواب، وأن المراد بقوله تعالى {وَتَفْصِيلا لِّكُلِّ شَيْءٍ} هو تفصيل ما يحتاجه قوم موسى من معرفة أمور دينهم، وأن المراد بقوله تعالى {وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيء} هو ما أعطاه الله تعالى لسليمان عليه السلام من الأمور التي يحتاج إليها في تدبير أمور الملك، وأن المراد بقوله تعالى {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} هو تدمير ما تدمره الريح، أي هذا المذكور فحسب.

وعلى هذا فلا يمكن أن نفهم قوله صلى الله عليه وسلم “وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة” على العموم الشامل، بل نقول: المعنى أن كل محدثة مما لا يندرج تحت نص من نصوص الكتاب أو السنة ولا يتفق مع مقاصدهما فهو بدعة مذمومة شرعا، وكل بدعة بهذا المعنى فهي ضلالة.

فإن قيل: إذا كان لفظ “كل” قد يأتي ويراد به التعميم الشامل وقد يأتي ويراد به التعميم الشامل من وجهٍ دون وجه فلمَ لا نحمل هذا اللفظ الوارد في الحديث الشريف على المعنى الأول حيث إنه هو الظاهر؟!.

فالجواب: أنه إذا حملناه على العموم الشامل بإطلاق فإن هذا يؤدي إلى مخالفة ما كان عليه الهدي النبوي وإلى الحكم على عدد من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبدعة والضلال، وهذا محال، وما أدى إلى المحال فهو باطل.

ثم إن الواجب على أهل العلم هو أن يجمعوا بين الأدلة، لا أن يضربوا بعضها ببعض فيأخذوا ببعضها ويعرضوا عن بعض، فذلك سبيل أهل الأهواء.

وسيتضح وجه هذا الجواب عند عرض أدلة أهل القول الثاني إن شاء الله تعالى.

 

الاستدلال بآثار الصحابة والتابعين

 

يكثر أهل القول الأول من الاستشهاد بعدد من الروايات عن بعض السلف الصالحين رحمهم الله تعالى مما فيه إنكار على بعض المستحدثات، وأحب أن أؤكد بادئ ذي بدء على أنها لا تنفعهم، بخلاف ما إذا أورد أهل القول الثاني نصوصا عن بعض السلف تتضمن عدم الإنكار على بعض المستحدثات، فإنها تنفعهم في تأييد قولهم، فما الفرق؟ وعلامَ أبني دعوى الاختلاف؟؟.

أهل القول الأول يدَّعون دعوى كلية إذ يقولون كل المستحدثات في الدين مذمومة، ولا ينفعهم لتثبيت صحة دعواهم إلا الاستقراء التام، فإذا جاءت دلائل على أن بعض المستحدثات غير مذمومة انتقضت دعواهم، وعُلم بتلك الدلائل أنه ليست كل المستحدثات مذمومة.

أما أهل القول الثاني فإنهم لا يدَّعون دعوى كليَّة، ولا يقولون كل المستحدثات غير مذمومة، فإذا جاءت دلائل على أن بعض المستحدثات مذمومة فإن دعواهم لا تنتقض، إذ هم قائلون أصلا بأن بعضها يلحقه الذم دون بعضها الآخر.

 

1 ـ من الروايات التي فيها إنكار على بعض المستحدثات روايةٌ جاءت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ولها عنه عدة طرق، وسأقتصر على ما روي بسند صحيح أو لا بأس به من تلك الطرق.

 

أ ـ عن قيس بن أبي حازم قال: ذُكر لابن مسعود قاص يجلس بالليل ويقول للناس قولوا كذا قولوا كذا , فقال: إذا رأيتموه فأخبروني. فأخبروه، فجاء عبد الله متقنعا فقال: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا عبد الله بن مسعود، تعلمون أنكم لأهدى من محمد صلى الله عليه وأصحابه؟!! وإنكم لمتعلقون بذنب ضلالة [[12]].

 

ب _ عن أبي الزعراء عبد الله بن هانئ قال: جاء المسيب بن نجية إلى عبد الله فقال: إني تركت قوما في المسجد يقولون من سبح كذا وكذا فله كذا وكذا. فقال: قم يا علقمة. فلما رآهم قال: يا علقمة اشغل عني أبصار القوم. فلما سمعهم وما يقولون قال: إنكم لمتمسكون بذنب ضلالة، أَوَإِنَّكُمْ لأهدى من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟!! [[13]].

 

ج _ عن عمرو بن سلمة بن الحارث قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة ,… فجاءنا أبو موسى الأشعري… , فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته , ولم أر والحمد لله إلا خيرا. قال: فما هو؟. قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة , في كل حلْقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول كبروا مئة فيكبرون مئة , فيقول هللوا مئة فيهللون مئة، ويقول سبحوا مئة فيسبحوا مئة…. ثم مضى , ومضينا معه، حتى أتى حلْقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟!. قالوا: حصى نعدّ به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعدّوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده أنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم؟!! أَوَمفتَتِحوا باب ضلالة؟!. قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيَهم، وايم الله لا أدري لعل أكثرهم منكم. ثم تولى عنهم. قال عمرو بن سلمة: رأينا عامّة أولئك الحِلَق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج [[14]].

 

هذا من أقوى ما يتمسك به أهل القول الأول، لكن ما سبب إنكار ابن مسعود رضي الله عنه على من أنكر عليهم وما سبب حكمه عليهم بأنهم متمسكون بذنب ضلالة؟.

ليس في الرواية الأولى إشارة إلى ذلك، ولكن في الرواية الثانية أنهم يقولون مَنْ سبح كذا وكذا فله كذا وكذا، وفي الرواية الثالثة أن رجلا يقول كبروا مئة فيكبروا مئة، ثم يهللون مئة، ثم يسبحون مئة، ويعدّون ذلك بما بين أيديهم من الحصى، فما الذي يستحق هذا الإنكار الشديد؟.

أما الاجتماع على ذكر الله من تكبير وتهليل وتسبيح فهذا ثابت بالسنة النبوية وأن فضله عظيم، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله عز وجل تنادوا هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم وهو أعلم: ما يقول عبادي؟. فيقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك “. وفي آخر الحديث: ” فيقول الله تعالى: فأشـهدكم أني قد غفرت لهم”. [[15]].

وأما عدد المئة فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مئة مرة كانت له عِدْلَ عشر رقاب، وكتبت له مئة حسنة، ومن قـال سـبحان الله وبحمده في يوم مئة مرة حُطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر”. [[16]]. ومن الممكن أن يقاس العدد في التكبير على ما ثبت من العدد في التهليل والتسبيح.

وأما العد بالحصى فقد روي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وفي يدها نوى أو حصى تسبح به، فقال لها: ” ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا؟ “… الحديث [[17]].

فما وجه الإنكار إذن؟؟ هل لأن ابن مسعود لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا في هذا؟؟ وخاصة العدّ بالحصى؟؟ الله أعلم.

لكن أقول: ربما كان وجه الإنكار أمرا آخر، هو أن ابن مسعود بلغه نحو من هذا عن بعض الجفاة الذين يحرصون على كثير من النوافل ويضيعون بعض الأسس والمهمات، ويرون أنهم على فضل وخير لا يبلغه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذا نراه يقول لبعضهم: أوَإنكم لأهدى من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟!. ويقول لبعضهم: أئنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم؟!. ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله لا أدري لعل أكثرهم منكم. ولقد صدقت فراسة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقد قال الراوي: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج.

 

2 ـ من الروايات التي فيها إنكار على بعض المستحدثات رواية جاءت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وهي أن مجاهدا قال: كنت مع ابن عمر فثوب رجل في الظهر ـ أو العصر ـ فقال: اخرج بنا فإن هذه بدعة [[18]]. والتثويب في اللغة: الرجوع إلى الشيء بعد الخروج منه. والمراد هنا: التثويب في الأذان، وهو قول المؤذن الصلاة خير من النوم مرتين بعد قوله حي على الفلاح، وهو سنة في أذان الفجر , دون غيره. وأحدث بعض أهل الكوفة تثويبا آخر في زمن التابعين , وهو أن يقول المؤذن في وقت ما بين الأذان والإقامة حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين، وكأن ذلك للتذكير والتنبيه ليسـتعد الناس للصلاة، وقد استحسنه الإمام محمد بن الحسن الشـيباني رحمه الله [[19]].

ومن الواضح في الرواية عن ابن عمر أنه حكم على التثويب في أذان الظهر أو العصر بأنه بدعة، ومراده أنه شيء أُحدث ولم يكن في الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الواضح كذلك أن مراده بالبدعة هنا المذمومة، لأنه عبر عن إنكاره واستيائه بالخروج من ذلك المسجد الذي تعمل فيه تلك البدعة. ولعل وجه الإنكار هو أن ألفاظ الأذان توقيفية، فلا ينبغي أن يزاد فيها شيء.

 

3 ـ روي عن نافع أن رجلا عطس عند عبد الله بن عمر فقال: الحمد لله والصلاة والسـلام على رسول الله. فقال ابن عمر: ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسـلم , بل قال ” إذا عطس أحـدكم فليحمد الله ” , ولم يقل: ” وليصل على رسول الله ” صلى الله عليه وسلم [[20]].

ومن الواضح هنا كذلك إنكار ابن عمر على العاطس الذي أقحم الصلاة السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولعل وجه الإنكار أن العطاس من الرحمن وهو نعمة , فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم العاطس إلى أن يحمد الله تعالى عند هذه النعمة، فلا يكون هنا مناسبة لذكر الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم , أي فذكرها هنا زيادة على المشروع دون أن يكون معنى لهذه الزيادة هنا.

 

4 ـ من تلك الروايات المشتملة على الإنكار ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، فعن أبي العالية رُفيع بن مهران أنه قال: سمع ابنُ عباس رجلا يصلي فلما قعد يتشهد، قال: الحمد لله، التحيات لله. فقال ابن عباس وهو ينتهره: الحمد لله؟! إذا قعدت فابدأ التشهد بالتحياتُ لله [[21]].

والإنكار هنا واضح، ولعل وجهه هو أن ألفاظ التشهد توقيفية، ولا معنى لإقحام شيء من الأذكار قبل البدء به.

 

5 ـ من تلك الروايات ما جاء عن طارق بن أشيْم الأشجعي رضي الله عنه، وذلك من ثلاثة طرق عن ابنه أبي مالك سعد بن طارق الأشجعي أنه سأل أباه عن القنوت، فقال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقنت، وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت، وصليت خلف عمر فلم يقنت، وصليت خلف عثمان فلم يقنت، وصليت خلف علي فلم يقنت. ثم قال: يابني إنها بدعة. وفي بعض الروايات: هي محدثة [[22]]. ولا شك في أن المراد من نفي القنوت هنا هو نفي القنوت الذي يفعل في غير النوازل الطارئة.

والظاهر من النفي المتكرر في كلام طارق بن أشيم وقوله عنه بأنه بدعة هو أن المراد البدعة المذمومة، والحال محتمل لأن يكون قصده مجرد التأكيد على أن هذا لم يكن، دون أن يكون له قصد إلى الحكم على هذه البدعة بأنها مذمومة.

 

6 ـ ومن ذلك ما روي عن علي زين العابدين رحمه الله أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو، فدعاه فقال: ألا أحدثك بحديث سـمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال ” لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم ” [[23]]. وكأن هذا مجرد إرشاد إلى فعل الأَوْلى، لأنه لم ينكر عليه إنكارا واكتفى بسرد رواية الحديث.

 

7 ـ ومن ذلك ما روي عن سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر الركوع والسجود، فنهاه، فقال: يا أبا محمد، يعذبني الله على الصلاة؟!. فقال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة [[24]].

 

 

 

 

 

تذييل في بعض ما استأنس به أهل القول الأول:

 

1 ـ ذُكر في معرض الإنكار عن الإمام مالك رحمه الله أنه أتاه رجل فقال: من أين أحرم؟. قال: من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة. فقال: وأي فتنة هذه؟! إنما هي أميال أزيدها. قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قَصَرَ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! إني سمعت الله تعالى يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [[25]].

 

النص المنقول عن سعيد بن المسيب والنص المنقول عن مالك بن أنس رحمهما الله تعالى يتضمنان الإنكار على من فعل فعلا زائدا على القدر الذي شُرع، مع التهديد بوعيد الله تعالى وعذابه.

وهل وجه الإنكار هو مجرد الزيادة على فعل المشروع؟ أو لتفرس هذين الإمامين فيمن أقدم على فعل الزائد على القدر الذي شُرع أنه يظن نفسه على خير وفضل لا يلحقه فيه لاحق؟ أو لخوفهما عليه أن يصيبه شيء من ذلك؟؟ وقد ألمح الإمام مالك رحمه الله تعالى إذ قال لمن يريد أن يبدأ بالإحرام من المسجد النبوي: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قَصَرَ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!.

 

2 ـ يقول بعض أهل القول الأول: إن المبتدع يقول بلسان الحال أو المقال إن الشريعة لم تتم، وإنه قد بقيت أشياء يجب أو يستحب استدراكها، وإنه قد نصَّب نفسه مضاهيا للشارع الحكيم، ويضيف هذا القائل إلى ما قد سبق أن المبتدع إنما أُتي من باب التحسين والتقبيح العقليين متغافلا عن قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: من استحسن فقد شرع.

 

أقول: إن القول بأن الشريعة لم تتم وأنه قد بقيت أشياء يجب أو يستحب استدراكها هو تكذيب لقول الله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، فهو بدعة مكفرة تخرج صاحبها من الملة، وكذا من ينصب نفسه مضاهيا [[26]] للشارع الحكيم، وليس الكلام الآن مع هؤلاء.

أما القول بأن المبتدع إنما أُتي من باب التحسين والتقبيح العقليين، فهذا في غاية البعد، لأنه لا ينطبق على جمهور خصوم التبديعيين في هذه المسألة، حيث إن جمهور خصومهم فيها هم أشاعرة، والأشاعرة لا يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين!!.

وأما قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى “من استحسن فقد شرع” فمعناه أنَّ من قال في الشرع قولا دون دليل فقد شرع، وإنما لحقه الذم من حيث التقول على الشرع بالهوى والتشهي، فهل جمهور خصوم التبديعيين كذلك؟!!! إنْ وقع ذلك منهم أو من أيٍّ كان فَارْمِ بقوله عُرْضَ الحائط.

وأقول لهذا الأخ ليتك تعلم ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في تقسيم البدعة!!، وإذا علمته وجب عليك أن تفهم كل نص من كلامه في ضوء النصوص الأخرى.

 

القول الثاني واستدلالاته

 

إذا كان القول الأول يرى تعميم التحريم لكل المحدثات في الدين ؛ فإن القول المقابل لا يذهب إلى تعميم الإباحة، وعلى سبيل المثال أذكر هنا قولا لعالم كبير، هو سلطان العلماء في زمانه العز ابن عبد السلام المتوفى سنة [660هـ]:

قال رحمه الله: البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة، والطريق في معرفة ذلك أن تُعرض البدعة على قواعد الشريعة، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة.

وضرب أمثلة لكل نوع من أنواع الأحكام الخمسة، وجعل من البدع المحرمة مذاهب القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة، وجعل الرد على هؤلاء من البدع الواجبة، ومن البدع المندوبة عنده إحداث المدارس وصلاة التراويح، ومن المكروهة زخرفة المساجد وتزويق المصاحف، ومن المباحة المصافحة عقب صلاة الصبح والعصر [[27]].

فهل لأصحاب هذا القول أدلة من الكتاب والسنة وعمل السلف على أن المستحدثات في الدين ليست محرمة بإطلاق؟ هذا ما أحاول الجواب عنه بإذن الله تعالى.

 

 

الاستدلال بالكتاب والسنة

 

1 ـ قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعبدوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [[28]].

وجه الاستدلال أن الله تبارك وتعالى أمر المؤمنين بفعل الخير أمرا مطلقا، فالظاهر الإذن في فعل كل ما يظهر خيره وتتحقق مصلحته إلا إذا كان مندرجا تحت نص من نصوص النهي.

لكن قد يقال: إن الآية الكريمة تحتمل هذا وتحتمل الأمر بفعل الخيرات والمبرات التي ثبت الإذن فيها شرعا، ” وإذا تردد اللفظ بين احتمالين لم يكن صرفه إلى أحدهما أولى من صرفه إلى الآخر ” [[29]].

ولذا فما أراه هو الاستدلال بالأدلة الواضحة الدلالة على المعنى المراد إثباته، وعدم تحميل النصوص أكثر مما تحتمل.

 

2 ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده “. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وفي هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم ” كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ” وأن المراد به المحدثات الباطلة والبدع المذمومة، وقد سبق بيان هذا، وذكرنا هناك أن البدع خمسة أقسام [[30]].

أقول: لكن الاستدلال بهذا الحديث يدخله مثل ما يدخل الآية المتقدمة من الاحتمال.

 

3 ـ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” دعوني ما تركتم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما اسـتطعتم “. وفي رواية ” بكثرة سؤالهم” [[31]].

أقول وبالله تعالى التوفيق: في هذا الحديث دلالة قوية واضحة على أنه ليس كل مسكوت عنه محرما، لأنه قسم الواجب على المكلف إلى قسمين:

أحدهما يجب فعله على قدر الاستطاعة وهو المأمور به.

وثانيهما يجب اجتنابه وهو المنهي عنه.

ولو كان كل مسكوت عنه محرما لقال فإذا نهيتكم عن شيء أو لم أقل فيه شيئا فاجتنبوه، فتأمل.

 

4 ـ عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وسـكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسـيان فلا تبحثوا عنها”[[32]].

 

أقول: هذا الحديث نصٌّ في أن الله تعالى سكت عن أشياء رحمة للأمة، ولعله كان من الحكمة أن لا يسأل الصحابة رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عنها لئلا ينـزل فيها تحريم بسبب السؤال، فإذا انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فليبحث المجتهدون في إلحاقها بما يناسبها، فيكون للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد، فيقع التفاوت في الأجر، ولو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وبيّن حكمها لوجب امتثال حكمه ولما وقع ذلك التفاوت، والله أعلم.

 

5 ـ عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم “الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا”، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من القائل كلمة كذا وكذا؟. قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله. فقال صلى الله عليه وسلم: ” عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء ” [[33]].

 

أقول: الظاهر من سياق الرواية أن ذلك الصحابي لم يكن قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا في جعل هذا الذكر في استفتاح الصلاة، ولو كان ذلك عن أمره وتعليمه لما عجب لذلك، وإنما كان ذلك عن اجتهاد من ذلك الصحابي، ومحل الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على ذلك الاجتهاد، ولو كان من المحظور على المرء المسلم أن يأتي بشيء في العبادة دون دليل خاص لأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولقال له كيف تفعل في الصلاة شيئا قبل أن آذن لك فيه؟!.

 

6 ـ عن أبي سعيد الخدري قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فنزلنا بقوم، فسألناهم القِرى، فلم يَقْرونا، فلدِغ سيدهم، فأتونا، فقالوا: هل فيكم من يرقي من العقرب؟. قلت: نعم، أنا، ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنما. قال: فأنا أعطيكم ثلاثين شاة. فقبلنا فقرأت عليه الحمد لله سبع مرات، فبرأ،… فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له الذي صنعت، فقال: وما علمت أنها رقية؟! اقبضوا الغنم واضربوا لي معكم بسهم [[34]].

أقول: لم يكن أبو سعيد الخدري يعلم أن الفاتحة رقية، وأنها تُقرأ سبع مرات، ولكن هكذا اجتهد وهكذا ألهمه الله عز وجل، ولم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيار سورة الفاتحة ولا اختيار العدد في الرقية.

 

7 ـ عن رفاعة بن رافع الزُرَقي رضي الله عنه أنه قال: كنا يومَ نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم , فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده، قال رجل وراءه ” ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه “. فلمـا انصرف قال: من المتكلم؟. قال: أنا. قال: رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول [[35]].

 

وهذا إقرار من رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي قال هذه الكلمات، وقد يكون قائلها قد سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم من قبل، لكن الظاهر أنها ليست مما علمه أن يقوله في الصلاة، وأنه قالها في ذلك الاعتدال اجتهادا منه بإلهام من الله تبارك وتعالى، فتقبلها منه، وأنزل بضعة وثلاثين ملكا يتسابقون أيهم يكتب قبل غيره، لعظيم فضلها ورفعة شأنها.

 

8 ـ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية , وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بقل هو الله أحد، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟. فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه  [[36]].

وهذا الحديث ظاهر في أن أمير السـرية كان يختم القراءة في الصلاة بـ {قل هو اللهُ أحد} اجتهادا منه، لأنه صفة الرحمن جل وعلا، فكان جزاؤه أن يحبه الله تعالى لحبه إياها.

 

9 ـ روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك [[37]]. وروى سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه مثل ذلك، وزاد في آخره: لا يزيد على هؤلاء الكلمات [[38]].

وذكر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالتلبية، بمثل حديث ابن عمر، وقال: والناس يزيدون ” ذا المعارج ” ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا [[39]].

وكان عمر رضي الله عنه يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول:  لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك لبيك، والرغباء إليك والعمل. وكان ابن عمر يقول نحوا من هذه الكلمات كذلك [[40]]. وربما كان عمر يزيد: لبيك مرغوبا ومرهوبا ً، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن [[41]]. بل جاء من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في تلبيته: لبيك إله الخلق لبيك [[42]]. فلعله قالها مرة بصوت غير رفيع فسمعها من يليه دون سائر الناس.

فظاهر من هذا أن للتلبية ألفاظا كان النبي صلى الله عليه وسلم علمها الناس، وكان يلتزم بها، ورواها عنه جماعة من الصحابة، لكنه كان يسمع بعض الناس يزيدون ” لبيك ذا المعارج ” ونحوها فلا يقول لهم شيئا، وربما زاد هو عليه الصلاة والسلام مرة ” لبيك إله الحق لبيك “، وفي هذه السعة زاد عمر وابن عمر بعض الألفاظ في التلبية.

قد يقال: إن هذا لا دلالة فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أذن في الزيادة على ألفاظ التلبية. والجواب: هل استأذن الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزيادة؟!! وقد كان جابر رضي الله عنه قريبا من رسول الله عليه الصلاة والسلام في تلك الرحلة المباركة، يرصد أحوال المناسك، فالظاهر أنه يذكر استئذان الناس في زيادة الألفاظ لو وقع، وإذ لم يذكر ذلك فالظاهر عدم الوقوع.

وإذا كان كثير من الناس قد انطلقوا يلبون بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزيدون فيها فهذا يعني أنه قد استقر في أذهانهم _وهم في أواخر السنة العاشرة _ أن باب الأذكار فيه سعة، وأن مثل تلك الزيادة تعبر عما في مكنون كثير من القلوب من مشاعر إيمانية وخضوع وتضرع وابتهال لله رب العالمين، بينما يؤْثر آخرون الالتزام بتلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي علمها للناس والتزم هو بها، وكل على خير.

 

الاستدلال بآثار الصحابة والتابعين

 

1_ قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!. قال عمر: هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك , ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه…. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله؟!!. قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما [[43]].

 

أقول: لابد من وقفتين:

الأولى: عند قول أبي بكر وقول زيد بن ثابت كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!! وهذا يدل على أنهم كانوا يتوقفون عند الوهلة الأولى عن فعل أي شيء لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الثانية: عند قول عمر هو والله خير، ثم قول أبي بكر وقول زيد بن ثابت فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، وهذا يعني أنهم ما كانوا يرون أن كل مستحدث في الدين هو بدعة ضلالة، وأنه إذا تحققت خير يته – من حيث التوافق مع الكتاب والسنة وتحقيق مقاصدهما – فإنه إذ ذاك يكون حسنا.

 

2_ عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد، وصلى رجال بصلاته،… فلما كانت الليلة الرابعة… فتشهد ثم قال: أما بعد، فإنه لم يخفَ عليَّ مكانكم، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. فتوفي رسـول الله صلى الله عليه وسـلم والأمر على ذلك [[44]].

وعن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون،… ثم عزم فجمعهم على أبيِّ بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون [[45]].

أقول: بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقطاع الخشية من أن يفرض ما لم يكن بفرض؛ فإن عمر رضي الله عنه صار بإمكانه أن يجمع الناس على قيام رمضان، كما حدث في الليالي الثلاث التي أمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها الناس.

وقد يُظن أن صلاة التراويح التي جمع عمر رضي الله عنه لها الناس هي امتداد للتي صلاها عليه الصلاة والسلام، والواقع أنها تختلف عنها، وذلك أن عمر دخل المسجد مرة بعد انقضاء صلاة العشاء، فوجد الناس يصلون وهم أوزاع وأشتات متفرقون، فرأى أن يجمعهم على قارئ واحد، فجمعهم على أبيّ بن كعب، وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فكانت في جوف الليل، ثم إن عمر دخل المسجد مرة فرآهم يصلون مجتمعين، ووجد ذلك خيرا من التفرق، إلا أن انشغالهم بالصلاة في هذا الوقت عن القيام في الثلث الأخير ليس الأفضل، ولذا فإنه قال: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون.

أي لو حرص الناس على القيام بالسنة تماما ً لناموا في هذا الوقت وقاموا في الثلث الأخير، ولكن لو غلب على الظن أن معظمهم لن يتحقق له ذلك فالأولى أن يشغلوا الوقت بعد صلاة العشاء بالقيام، وأن يجتمعوا ولا يكونوا متفرقين، ومن ههنا يقول عمر رضي الله عنه عن الاجتماع للقيام في هذا الوقت إنه بدعة، ولكن نعم البدعة هذه.

ويقول بعض الناس إن البدعة هنا لغوية لا شرعية، فأقول: سمها ما شئت، فليس الخلاف في التسمية، ولكن هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس شيئا ًمن قيام رمضان بعد صلاة العشاء؟!! فإن وجدت ذلك فهذا الذي فعله عمر سنة، وإلا فقد استحدثه عمر لما يتحقق فيه من الخير، وسماه بدعة، وقال: نعم البدعة.

وقد كان كثير من السلف يفضلون التهجد في ليالي رمضان على صلاة التراويح. ومن هذا قول أشعث بن أبي الشعثاء: شهدت مكة في زمان ابن الزبير في رمضان والإمام يصلي يقوم على حدة والناس يصلون في نواحي المسجد. وقول أيوب السخستاني رحمه الله: رأيت عبد الله بن أبي مُليكة يصلي بالناس في رمضان خلف المقام بمن صلى خلفه والناس بعد في سائر المسجد من بين طائف بالبيت ومصلٍّ. وقول إبراهيم النخعي الكوفي رحمه الله: كان المتهجدون يصلون في جانب المسجد والإمام يصلي بالناس في شهر رمضان [[46]].

 

3 ـ قال السائب بن يزيد رضي الله عنه: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس زاد النداءَ الثالث على الزوراء [[47]].

أقول: الأذان إعلام بدخول وقت الصلاة والفوز بالفلاح، والسنة في الأذان للجمعة أن يكون إذا جلس الإمام على المنبر، فهل يجوز استحداث أذان قبل ذاك الأذان إذا كثر الناس واقتضت الحاجة إعلامهم ليتوجهوا إلى الصلاة؟ هذا ما جعل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه يأمر باستحداث ذلك الأذان.

لكن جاء عن بعض السلف أن الأذان الأول يوم الجمعة بدعة، وهذا قول ابن عمر والحسن البصري [[48]]. والظاهر أن المراد أنه لم يكن، لا أنه بدعة مذمومة.

 

4ـ روي عن علي رضي الله عنه أنه خرج يوم عيد، فوجد الناس يصلون قبل خروجه، فقيل له: لو نهيتهم!. فقال: ما أنا بالذي أنهى عبد ا إن صلاها [[49]]. والسند ضعيف.

وعن رجل أنه قال: جاءنا ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد قبل خروج الإمام فصلوا، وجاء ابن عمر فلم يصل. فقال الرجل لابن عمر في ذلك، فقال ابن عمر: مالله تبارك وتعالى برادٍّ على عبد إحسانا أحسنه [[50]]. وفي السند ذلك الرجل المبهم فهو ضعيف.

أقول: من الثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل قبل صلاة العيد ولا بعدها شيئا، كما أخبر بذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنهما [[51]]. وكان ابن مسعود وحذيفة بن اليمان يتمسكان بذلك، حتى إنهما كانا يجلّسان من رأياه يصلي قبل خروج الإمام يوم العيد [[52]].

ومن جهة أخرى نجد روايات عن جماعة من السلف يرون أن لا حرج في الصلاة قبل صلاة العيد أو بعدها أو قبلها وبعدها، منهم أنس وأبو هريرة والحسن البصري [[53]]. وفي هذا السياق تأتي الكلمة المروي عن علي رضي الله عنه إذ وجد الناس يصلون قبل خروجه فأبى أن ينهاهم وقال: ” ما أنا بالذي أنهى عبد ا إن صلاها “.

أقول: لا أرى بأسا بالاستئناس بها مع ضعف السند هنا، للتوافق بينها وبين ماروي عن جماعة من السلف الآخرين، والذي فيها هو الإشارة المعبرة عن ملحظ هؤلاء وهو أنها صلاة نافلة، والنوافل مبناها على السعة، فمن أحب أن يصلي فليصلّ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهَ عن فعلها، ومن هنا فلا يصح تشبيهها بالصلاة في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، إذ شتان بين ما لم يفعله صلى الله عليه وسلم ولم ينه َ عنه وبين مانهى عنه.

وفي هذا السياق كذلك تأتي الكلمة المروية عن ابن عمر رضي الله عنهما، فهو قد ثبت عنه أنه كان لا يصلي قبل العيدين ولا بعدهما شيئا [[54]]. وهذا ليس بمستغرب عنه لما عُلم من شدة تحريه في الاتباع، ولكن وجه الاستئناس بقوله “ما الله تبارك وتعالى برادٍّ على عبد إحسانا أحسنه ” إن ثبت عنه ؛ أنه مع كونه لا يرى التنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها فإنه لا ينهى من صلى من ذلك شيئا، ويرى أن الصلاة من الإحسان وأن الله تعالى لا يردها على عبده، ولعل هذا الأثر عن ابن عمر يقوي الأثر الوارد عن علي رضي الله عنهم جمعيا ويتقوى به، ويُعلم بهما وبالآثار الواردة الأخرى أن لهذا أصلا من عمل السلف.

 

5 ـ قال عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي: كنا مع عبد الله بن مسعود بِجَمْع فلما دخل مسجد منى سأل كم صلى أمير المؤمنين؟. قالوا: أربعا. فصلى أربعا, فقلنا: ألم تحدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين وأبا بكر صلى ركعتين؟!. فقال: بلى, وأنا أحدثكموه الآن, ولكن عثمان كـان إماما فما أخالفه، والخلاف شـر [[55]].

أقول: فرضي الله تعالى عن ابن مسعود ما أفقهه!!.

كان ابن مسعود يعلم أن السنة أن تصلى الصلوات الرباعية بمنى ركعتين، وأن صلاته إياها أربعا هي بخلاف ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان صدرا من خلافته، ولكنه ما كان يراها بدعة ضلالة، بل كأنه كان يراها خلاف الأَولى، فإذا فعلها إمام المسلمين لأمر ما ـ ولا شك في أن له عذرا في ذلك ـ صار فعلها على وَفق ما صنع الإمام هو الأَولى.

ولو كان يراها بدعة ضلالة لما جاز له أن يحرص على موافقة المخلوق في معصية الخالق جل وعلا , فتأمل.

 

6 ـ قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن صلاة الضحى: بدعة، ونعمت البدعة. وقال: إنها محدثة، وإنها لمن أحسن ما أحدثوا.

وهذا ثابت عن ابن عمر، وهو بخلاف قول من لا يفرقون بين درجات المحدثات.

وحيث إن موضوع صلاة الضحى قد اكتنفه شيء من الغموض فأرى أن أكتب شيئا في توضيحه بإيجاز، فأقول وأنا أبرأ إلى الله تعالى من حولي وقوتي طالبا منه سبحانه الهداية والسداد:

صلاة الضحى سنة مؤكدة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهنَّ حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر [[56]]. وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا ويزيد ما شاء الله [[57]]. فصلاة الضحى سنة، وليست بمحدثة ولا بدعة.

فما الذي جعل عددا من الصحابة يقولون ما يفيد ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي صلاة الضحى؟؟.

حدَث في خلافة عثمان رضي الله عنه ـ أو بعد وفاته ـ أن كثيرا من الناس اعتادوا أن يمروا بالمسجد عقب خروج وقت الكراهة فيصلوا صلاة الضحى، وشاع هذا الاستعمال على الألسنة حتى طغى هذا المصطلح الجديد، وصار لا يُفهم من قولك صلاة الضحى أو سبحة الضحى إلا أن تتوجه إلى المسجد بُعيد الشروق فتصليها فيه , بينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث على صلاتها اذا رمِضت الفصال بالهجير.

ومن القرائن الدالة على ذلك قول ابن جريج رحمه الله: قال ناس: أول من صلاها أهل البوادي، يدخلون المسجد إذا فرغوا من أسواقهم. وقول طاووس: إن أول من صلاها الأعراب، إذا باع أحدهم بضاعة يأتي المسجد فيكبر ويسجد [[58]]. ويؤكد ذلك ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه, فقد قال مسروق بن الأجدع: كنا نقعد في المسجد فنثبّت الناس في القراءة بعد قيام ابن مسعود, ثم نقوم فنصلي الضحى, فبلغ ذلك ابنَ مسعود فقال: عبادَ الله, لا تحمّلوا عباد الله ما لم يحملهم الله, إن كنتم لا بد فاعلين ففي بيوتكم [[59]].

وفي ظل المصطلح الجديد ـ على ما يبدو ـ يأتي جواب ابن عمر عن سؤال مورّق العجلي، قال مورق: قلت لابن عمر: أتصلي الضحى؟. قال: لا. قلت: فعمر؟. قال: لا. قلت: فأبو بكر؟. قال: لا. قلت: فالنبي صلى الله عليه وسلم؟. قال: لا إخاله. وكذا قول عبد الرحمن بن أبي ليلى: ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات [[60]]. وكذا رواية نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان لا يصلي من الضحى إلا في يومين: يوم يقدم مكة، فإنه كان يقدمها ضحى فيطوف بالبيت ثم يصلي ركعتين خلف المقام، ويوم يأتي مسجد قباء، فإنه كان يأتيه كل سبت، فإذا دخل المسجد كره أن يخرج منه حتى يصلي فيه [[61]]. وكذا قول عائشة رضي الله عنها: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبّح سبحة الضحى، وإني لأسبحها [[62]]. وكذا جوابها لعبد الله بن شقيق حين سألها: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟. فقالت: لا , إلا أن يجيء من مغيبه [[63]].

إذا عُلم هذا فإن ابن عمر عندما كان يُسأل عن صلاة الضحى – وهذا يعني عندهم المعنى الذي صار متعارفا عليه – فإنه يقول إنها بدعة وإنها محدثة، أي من حيث تخصيص العبادة بمكان وزمان لم يخصصهما لها الشرع.

هذا وقد روى أربعة من التابعين عن ابن عمر قوله في حكم صلاة الضحى:

فأما مجاهد فإنه دخل المسجد فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما جالس إلى حجرة عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحى، فسأله عن صلاتهم، فقال: بدعة [[64]]. وجاء عنه عن ابن عمر أنه قال: إنها محدثة، وإنها لمن أحسن ما أحدثوا [[65]].

وأما الحكم بن الأعرج فقد سأل ابن عمر عن صلاة الضحى وكان جوابه – حسب رواية أحد الراويين عنه – أنه قال: بدعة. وكان جوابه ـ حسب رواية الراوي الثاني عنه ـ أنه قال: بدعة، ونعمت البدعة [[66]].

وأما سالم بن عبد الله بن عمر فقد روى عن أبيه أنه قال: لقد قتل عثمان وما أحد يسبحها، وإنها لمن أحب ما أحدث الناس إليّ [[67]].

وأما سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي فقد روي عنه أنه قال: أَتْبعني أبِي عبدَ الله بن عمر لأتعلم منه، فما رأيته يصلي السبحة، وكان إذا رآهم يصلونها قال: من أحسن ما أحدثوا سبحتهم هذه [[68]].

و كما أثنى ابن عمر على ما أحدثه الناس من صلاة الضحى فإن عليا رضي الله عنه كان يُذكر له هذه الصلاة التي أحدث الناسُ فيقول: صلوا ما استطعتم، فإن الله لا يعذب على الصلاة [[69]].

وخلاصة الأمر أن الناس أحدثوا أمرا جديدا في صلاة الضحى، وهو التزامهم بأداء هذه العبادة في أول وقتها في المسجد، وأن ابن عمر يحكم على فعلهم هذا بأنه بدعة ومحدثة، وأنه هو ما كان يصليها كما يصليها الناس، ومع ذلك فقد أثنى على ما يفعلونه بأنه نعمت البدعة، وأنه من أحسن ما أحدثوا. ولعل ذلك لما رأى من نشاط الناس لأداء هذه العبادة في المسجد، ولتوقعه أن كثيرا منهم لو حُذِّروا من أدائها في المسـاجد وأُلزِموا أن يفعلوها في البيوت لأصابهم الفتور، ومن ههنا تحققت الخيرية لما ألزم الناس أنفسهم به.

7 – روي عن ابن عمر أنه سئل عن صوم يوم عرفة بعرفة فقال: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه، وحججت مع أبي بكر فلم يصمه، وحججت مع عمر فلم يصمه، وحججت مع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به، ولا أنهى عنه. [[70]]. وفي السند راو مبهم فهو ضعيف.

 

ولو صح السند إلى ابن عمر لكان في هذه الرواية حجة لمن يرى أن الأمر قد يكون بدعة ولا يكون ضلالة، حيث إن ابن عمر قال “ولا أنهى عنه”. ولكن هذه الرواية يُستأنس بها، حيث إنها تنسجم مع ما تقدم مما يبين طريقة ابن عمر، والله أعلم.

فإن قيل: لو كانت الزيادة على ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها خير لكان هو أولى بالسبق إليها والدلالة عليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم “إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم”. [[71]].

فالجواب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة، ودل الأمة على خير ما يعلمه لهم، وأنذرهم شر ما يعلمه لهم، بنصوص تفصيلية في مواطن، وبنصوص عامة في مواطن أخرى، وترك لهم مساحة من المسكوت عنه، ليقع الاجتهاد والتسابق في الخيرات والتفاوت في الأجر.

أما هو صلى الله عليه وسلم فقد قالت عائشة رضي الله عنها ما تضمن الجواب عن ذلك، قالت: “إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيدعُ العمل وهو يحب أن يعمل به، خشية أن يعمل به الناس فيُفرض عليهم”. [[72]].

 

موازنة بين أدلة الفريقين

 

لقد أجبت عن استدلالات الفريق الأول عندما أوردتها بما أظن أن فيه مقنعا للمنصف، فإذا نظر في استدلالات الفريق الثاني وظهور قوتها ورجحانها لم يبق أمامه سوى الاعتراف بصحة ما ذهب إليه هؤلاء.

وإذا سلمنا مع أهل القول الثاني بأن الحكم على كل محدثة بالبدعة والضلال ليس بالإطلاق والشمول الذي فهمه أهل القول الأول؛ فهذا لا يعني أن كل محدثة ليست بمذمومة، بل لا بد من النظر إلى نصوص الكتاب والسنة ومقاصدهما وإلى الجزئية المستحدثة وإلحاقها بما هو الأليق بها، فقد تكون واجبة، أو مندوبة، أو مباحة، أو خلاف الأولى، أو مكروهة، أو محرمة، وقد تكون من الكفر أو مما يؤدي إلى الكفر، والعلماء المنضبطون بالموازين الشرعية يحددون لها الحكم المناسب.

 

الاستئناس بأقوال العلماء

 

إن أقوال العلماء السابقين ليست بحجة بذاتها، ولكن يحْسن الاستشهاد والاستئناس بها، وهأنذا أورِد بعضا منها:

 

ـ قال الإمام الشافعي رحمه الله: “المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أُحدِث يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا، فهذه البدعة الضلالة، والثاني ما أُحدِث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهذه محدثة غير مذمومة، وقد قال عمر رضي الله عنه في قيام رمضان نعمت البدعة هذه”. وقال رحمه الله: “البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم” [[73]].

وقال الإمام الشافعي في صلاة الاستسقاء: “لا آمر بإخراج البهائم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرجها، فإن أخرِجت فلا بأس” [[74]].

 

ـ وأما الإمام أبو عبد الله أحمد ابن حنبل رحمه الله فقد جاءت عنه عدة أقوال في هذا المعنى، من ذلك ما ذكره ابن قدامة في المغني إذ قال: [قال الأثرم: سألت أبا عبد الله عن التعريف في الأمصار يجتمعون في المساجد يوم عرفة؟، قال: أرجو أن لا يكون به بأس، قد فعله غير واحد. وروى الأثرم عن الحسن أنه قال: أول من عرَّف بالبصرة ابن عباس. وقال أحمد: أول من فعله ابن عباس وعمرو بن حريث. وقال: الحسن وبكر ومحمد بن واسع كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة. قال أحمد: لا بأس به، إنما هو دعاء وذكر لله. فقيل له: تفعله أنت؟. قال: أما أنا فلا]. [[75]].

فانظر إلى دقة الإمام أحمد رحمه الله في الفقه، وقف عند قوله “لا بأس به إنما هو دعاء وذكر لله” مع عدم فعله إياه، فكأنه يرى أن لزوم المساجد عشية يوم عرفة بالأمصار لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدون ولا أحد من كبار الصحابة، لكن فعله اثنان من صغار الصحابة وبعضُ التابعين، فهو أمر مستحدث، لكنه لا يعدو كونه دعاء وذكرا لله تعالى، فهو لا بأس به عنده، ويراه مع ذلك خلاف الأولى، وإلا لفعله.

وقارن مع من يقول “إن كثيرا من مجتهدي السلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة”، أي فهم مغفور لهم ذلك ومعذورون، وأما من يفعل مثل ذلك الآن فهو مبتدع وضال ومن أهل النار!!! فتأمل.

 

ـ سأل عبد الله ابن الإمام أحمد أباه عن الرجل يقرأ على القبر؟ فقال: هذه بدعة. وسئل مرة أخرى فقال: أرجو أن لا يكون به بأس. [[76]].

 

ـ سأل عبد الله ابن الإمام أحمد أباه عن حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه”، فقال: لم يثبت عندي هذا، ويعجبني أن يقوله. [[77]].

 

ـ سئل الإمام أحمد عن رفع الأيدي في القنوت يمسح بهما وجهه؟، فقال: الحسن يُروى عنه أنه كان يمسح بهما وجهه في دعائه إذا دعا. [[78]]. وسأله ابنه عبد الله عن رفع الأيدي في القنوت، فقال: لا بأس به. فقال لأبيه: يمسح بهما وجهه؟. فقال: أرجو أن لا يكون به بأس. قال عبد الله: لم أر أبي يمسح بهما وجهه. [[79]]. أقول: فكأنه يراه خلاف الأولى، ولكنه لا يراه بدعة ولا ضلالة.

 

ـ سأل عبد الله ابن الإمام أحمد أباه: ما يُقال عند الذبيحة؟. فقال: يُقال بسم الله والله أكبر. فقال لأبيه: هل يُصلى على النبي صلى الله عليه وسلم عند الذبيحة؟. فقال: ما سمعت فيه بشيء. [[80]]. أقول: قارن مع منهج من يقول إنه بدعة ضلالة!!.

 

ـ قال عبد الله ابن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج، ثنتين راكبا وثلاثة ماشيا، [أو ثنتين ماشيا وثلاثة راكبا]، فضللت الطريق في حجة وكنت ماشيا، فجعلت أقول ” يا عباد الله دلونا على الطريق “، فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق. أو كما قال أبي. [[81]].

 

أقول: هذا على طريقة التبديعيين من البدع المكفرة، إذ يتوهمون أنه يتعارض مع قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [[82]]، وحقيقة الأمر بخلاف ذلك، لأن من يدعو غير الله إذا اعتقد فيمن يدعوه أنه يقدر على شيء من ذاته من دون الله فهذا شرك أكبر، لا مراء فيه، وإذا اعتقد فيه أنه يقدر على أشياء بإقدار الله تعالى له عليها، أي فالله تعالى هو الذي منحه تلك القدرة، وهو الذي جعله سببا في حصولها، فهذا ليس من الشرك في شيء، لكن هل هو صواب أو خطأ؟، فالمسألة تخضع للإثبات بالدليل الشرعي الصحيح، والله أعلم.

 

ـ قال ابن تيمية رحمه الله: الزيادة على المأمور به قد يكون عدوانا محرما، وقد يكون مباحا مطلقا، وقد يكون مباحا إلى غاية فالزيادة عليها عدوان. [[83]].

 

ـ وقال ابن تيمية رحمه الله: وكل بدعة ليست واجبة ولا مستحبة فهي بدعة سيئة، وهي ضلالة باتفاق المسلمين، ومن قال في بعض البدع إنها بدعة حسنة فإنما ذلك إذا قام دليل شرعي أنها مستحبة. [[84]].

 

أقول: أليس هذا النص يصرخ بأن البدع منها بدعة سيئة ومنها بدعة حسنة وأن هذه قد تكون واجبة أو مستحبة إذا قام دليل شرعي على ذلك؟!. فتأمل.

 

ـ قال الإمام الغزالي رحمه الله: كم من محْدَث حسن، كما قيل في إقامة الجماعات في التراويح إنها من محْدَثات عمر رضي الله عنه وإنها بدعة حسنة، إنما البدعة المذمومة ما يصادم السنة القديمة أو يكاد يفضي إلى تغييرها [[85]].

 

ـ وقال الإمام الغزالي رحمه الله: فليس كلُ ما ابتُدع منهيا عنه، بل المنهي عنه بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمرا من الشرع مع بقاء علته [[86]].

 

ـ قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله: اعلموا ـ علمكم الله ـ أن المحدث على قسمين: محدث ليس له أصل إلا الشهوة والعمل بمقتضى الإرادة، فهذا باطل قطعا، ومحدث بحمل النظير على النظير، فهو سنة الخلفاء والأئمة الفضلاء،… وإنما يُذم من البدعة ما خالف السنة، ويذم من المحدثات ما دعا إلى ضلالة [[87]].

 

ـ قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: والمراد بالبدعة ما أُحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، أما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعا وإن كان بدعة لغة [[88]].

 

أقول: ينبغي أن يتيقظ من يتسرع ويظن قوله هذا مؤيدا للقول الأول، والواقع هو أنه مؤيد للقول الثاني، لأنه لم يشترط لإخراج المحدث من البدعة المذمومة أن يأتي دليل خاص على مشروعيته، واكتفى بأن يكون له أصل في الشريعة يدل عليه، فما كان مندرجا تحت عمومات النصوص لا يقال ليس له أصل في الشرع، فتنبه.

 

ـ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: البدعة أصلها ما أحْدِث على غير مثال سابق، وتُطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة، وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة، وإلا فهي من قسم المباح، وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة. [[89]].

 

مسائل مختلف فيها بين من يصفها بأنها بدعة

وبين من ينفي هذا الوصف عنها

 

ـ عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها لما تُوفي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه، ففعلوا، فوُقف به على حُجَرهن يصلين عليه، فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا ما كانت الجنائز يُدخل بها المسجد، فبلغ ذلك عائشة فقالت: ما أسرعَ الناسَ إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به!، عابوا علينا أن يُمر بجنازة في المسجد!، وما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل ابن بيضاء إلا في جوف المسجد. [[90]].

 

فأنت ترى أن بعض الناس في زمن عائشة رضي الله عنها وهم من الصحابة أو التابعين قد يقولون عن أمر ما إنه بدعة لأنهم لم يقفوا على دليله، ولكن إذا ظهر الدليل حُسم الأمر وبطل الخلاف.

 

أخبر ربيعةُ بنُ عبد الله بنِ الهُدَير أنه رأى ابنَ عباس ـ وهو أمير على البصرة في زمان علي بن أبي طالب ـ متجردا على منبر البصرة، فسأل الناسَ عنه، فقالوا: إنه أمر بهَدْيه أن يُقلَّدَ، فلذلك تجرد. قال ربيعة: فلقِيت ابن الزبير، فذكرت ذلك له، فقال: بدعة ورب الكعبة. [[91]].

 

أقول: لا شك في أن من قلد هديه وبعث به فإنه لا يحرم عليه شيء مما يحرم على المحرم، لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: فتلتُ قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أشعرها وقلدها ثم بعث بها إلى البيت وأقام بالمدينة، فما حرم عليه شيء كان له حل [[92]].

ولكن يبدو أن بعض الصحابة ذهب إلى أن من قلد الهدي وبعث به فإنه يجتنب ما يحرم على المحرم، إما وجوبا وإما استحبابا، لأنه ما كان قد بلغهم حديث عائشة، وإنما حكم ابن الزبير على ذلك بأنه بدعة ـ على ما يبدو ـ لأنه كان قد سمع الحديث، وعائشة هي خالته، رضي الله عنهم.

 

ـ قال طلحة بن مصّرف: زاد الربيع بن خُثيم في التشهد ” بركاته ومغفرته “، فقال علقمة: نقف حيث عُلّمنا ” السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ” [[93]]. والربيع بن خثيم وعلقمة بن قيس النخعي كلاهما من كبار التابعين بالكوفة.

 

ـ ذكرت قبل قليل تحت عنوان “الاستئناس بأقوال العلماء” أن الإمام أحمد رحمه الله قال عن التعريف بالأمصار في المساجد عشية عرفة “لا بأس به”، وأحب أن أذكر هنا إنكار الإمام مالك رحمه الله:

قال الطرطوشي: قال ابن وهب: سمعت مالكا يُسأل عن جلوسِ الناس في المسجد عشية عرفة بعد العصر واجتماعِهم للدعاء، فقال: ليس هذا من أمر الناس، وإنما مفاتيح هذه الأشياء من البدع. وقال مالك مرة أخرى: ما نعرف هذا، وإن الناس عندنا اليوم ليفعلونه. [[94]].

 

أقول: فقد اختلف في حكمه إمامان من كبار أئمة الفقه، وهما مالك وأحمد، فالمسألة اجتهادية، وليست من بدع الضلالة، ولا يخفى ما فيها من الخير.

 

ـ قال ابن المنذر: أجمعوا أن السجود على الحَجَر جائز، وانفرد مالك فقال بدعة [[95]].

ذكره في مسائل كتاب الحج، والظاهر أن المراد به تمريغ الوجه على الحَجَر الأسود، وقد كان مالك إذا رأى الناس أحدثوا أمرا لم يعهده ولم يبلغه عن السلف الماضين قال عنه بدعة، ويبدو أن كثيرا من الأئمة الآخرين ينظرون إلى مدى قربه أو بعده عن الأمور المشروعة وعما يحقق للناس من خير، فالنبي صلى الله عليه وسلم قبَّله، وهو من شعائر الله، وتعظيم شعائر الله مطلوب، وتمريغ الوجه عليه يعبر عن شدة الشوق والشغف ببيت الله المعظم وبأكرم جزء فيه، فلا جرم كان ذلك جائزا عند الجمهور.

 

ـ قال عبد الله ابن الإمام أحمد: سمعت أبي وذكر وضْع الكتب فقال: “أكرهها، هذا أبو حنيفة وضع كتابا، مالك، الشافعي، وهذه الكتب وضْعها بدعة، كلما جاء رجل وضع كتابا!، ويُترك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!”. [[96]].

 

لعل من مذهب الإمام أحمد أنْ تُصرف عناية العلماء إلى تدوين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة والتابعين، وكأنه يرى أنه ينبغي أن يكون التفقه شفويا مع الرواية، ولا داعي عنده بعد ذلك إلى وضع الكتب الفقهية!، وكأنه كان يخشى أن تُصرف العناية إلى كتب الفقه ويؤدي ذلك إلى إهمال الحديث والآثار.

أما سائر الفقهاء فما رأوا هذا الرأي، ووُضعت الكتب، واستمر التأليف، ونشطت الحركة العلمية، وعلوم الشريعة كلها ـ بفضل الله تعالى ـ يهيئ الله تعالى لها من يقومون برعايتها وحفظها وخدمتها، حتى إن فقهاء الحنابلة الذين أحجموا فترة من الزمن عن التأليف ما لبثوا أن دخلوا غمار الميدان وأسهموا إلى جانب سائر العلماء في إثراء المكتبة الإسلامية بمؤلفاتهم في الفقه وغيره من علوم الشريعة. وما أظن أحدا اليوم يقول إن وضع الكتب الملتزمة بمناهج الكتاب والسنة بدعة.

 

ـ وأخيرا فمن العجائب الغرائب أن يختلف اثنان من أهل العلم المعاصرين اختلافا كبيرا في إحدى هيئات الصلاة، وكلاهما من أشد الناس دعوة إلى التمسك بالسنة ونبذ البدع، وذلك في مسألة وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة حالة الاعتدال بعد الركوع.

أما أحدهما فيرى أنه سنة، دون أن يكون عنده نص واضح صريح في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من السلف، غاية ما في الأمر أنه اعتمد على الإطلاق الذي جاء في بعض أقوال الصحابة في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أنه إذا كان قائما في الصلاة يضع يده اليمنى على اليسرى، ولو كان هذا يشمل ما قبل الركوع وبعده لكان الصحابة والتابعون يفعلونه، ولو فعلوه لوصل إلى أئمة الفقه ولأخذت به بعض المذاهب الفقهية على الأقل، فلما لم نجد ذلك عن أحد الأئمة الفقهاء كان ذلك قرينة على أن المراد في ذلك الإطلاق هو القيام للقراءة، لا قيام الاعتدال من الركوع.

وأما الآخر فلما لم يجد دليلا على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع يده اليمنى على اليسرى حالة الاعتدال من الركوع قال إنه بدعة ضلالة!.

 

أقول: الحكم على كل ما لم يثبت بأنه بدعة ضلالة هو نتيجة التسرع في إطلاق هذه الكلمة الخطيرة، ولو قيل بالكراهة في مثل هذه المخالفة في الهيئة لكان أقرب إلى الصواب من الحكم عليها بأنها بدعة ضلالة.

 

 

مسائل يصفها بعض الناس بأنها بدعة ضلالة

من باب التسرع  في الحكم

 

لا بد من الإشارة إلى أن بعض الناس سهلت على لسانه كلمة البدعة، فهو يتسرع في الحكم بها.

 

ـ لو رأى بعض الناس اليوم على أحد تعويذة مكتوبة لقال مباشرة أزلها عنك فإنها بدعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، ولربما قال إنها من ذرائع الشرك، لكن هل كان النهي عن تعليق ما يُكتب من القرآن أو من أسماء الله الحسنى أو عن تعليق ما يُكتب من رُقى الجاهلية وطلاسمها؟!.

 

أقول: لا بد من التريث وفهم نصوص الشارع في ضوء ما فهمه السلف، وأما الإعراض عن كلام السلف والأئمة فهذا بعيد عن المنهج السليم.

يبدو أن من يقول عن هذا إنه بدعة لم يقف على أن هذا كان منتشرا بين السلف، وأنه جرى السؤال عن حكم تعليقها على المرأة الحائض والجنب لا عن حكم تعليقها أصلا.

– سأل ابن جريج عطاء بن أبي رباح سيدَ التابعين بمكة فقال: القرآن كان على امرأة فحاضت أو أصابتها جنابة أتنـزعها؟. قال: إذا كان في قصبة فلا بأس. قال ابن جريج: وسمعته قبل ذلك يُسأل: أيجعل على صبي القرآن؟. فقال: إذا كان في قصبة من حديد أو قصبة ما كانت فنعم، وأما رقعة فلا. [[97]].

 

– سئل سعيدُ بن المسيب سيدُ التابعين بالمدينة عن الاستعاذة تكون على الحائض والجنب؟ فقال: لا بأس به إذا كان في قصبة. [[98]].

 

– قال الحسن البصري أحد سادات التابعين بالبصرة ومنصور بن المعتمر أحد سادات أتباع التابعين بالكوفة: كانوا يكرهون أن يعلقوا مع القرآن شيئا. [[99]].

 

– قال عبد الله ابن الإمام أحمد: رأيت أبي يكتب التعاويذ للذي يُصرع، وللحمى، لأهله وقراباته، ويكتب للمرأة إذا عسر عليها الولادة، إلا أنه كان يفعل ذلك عند وقوع البلاء، ولم أره يفعل هذا قبل وقوع البلاء، ورأيته يعوّذ في الماء ويشربه المريض ويُصب على رأسه منه. [[100]].

 

– قال عبد الله ابن الإمام أحمد: سألت أبي عن الرجل يكتب التعاويذ من القرآن وغيره يبيعها؟. قال: أكرهه، وأكره بيع المصاحف، وشراؤها أسهل عندي من بيعها. قلت لأبي: فإن باع لأهل الذمة التعاويذ؟. قال: ذلك أشد. وكرهه. [[101]].

 

ـ قال عبد الله ابن الإمام أحمد: رأيت أبي إذا بال اسـتبرأ اسـتبراء شـديدا. [[102]].

وهذا يراه بعض الناس بدعة، ويرون أن لا ضرورة لأن ينتظر الرجل بعد البول شيئا من الوقت، فهل كان الإمام أحمد من المبتدعين؟!.

 

ـ قال الإمام أحمد لتلميذه المرُّوذي: يتوسـل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه. [[103]].

 

يرى بعض الناس أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء بدعة، وأنه من الشرك أو من ذرائع الشرك، وأن الإمام أحمد رجع عن هذا القول.

 

أقول: هل كان الإمام أحمد وهو من كبار أئمة أهل السنة قبل رجوعه عن هذا القول جاهلا بمعرفة البدعة والشرك وذرائعه؟!، حاشاه من ذلك. فلا بد من فهم التوسل بما يجعله بعيدا عن الشرك وكل ما يوصل إليه، وإلا فهو اتهام خطير للإمام أحمد رحمه الله.

 

ـ قال المرُّوذي تلميذ الإمام أحمد: سألت أبا عبد الله عن قبلة اليد فقال: إن كان على طريق التدين فلا بأس، قد قبَّل أبو عبيدة يدَ عمر بن الخطاب، وإن كان على طريق الدنيا فلا. [[104]]. ثم روى عن الإمام سفيان الثوري ـ وهو من شيوخ مشايخ الإمام أحمد ـ أنه قال: لا بأس بها للإمام العادل، وأكرهها على دنيا. [[105]].

 

ـ يحسُن هنا أن أورد بعض ما سطره أحد الباحثين الذين كتبوا في موضوع البدعة مع ذكر ما يدل على نقيض قوله من السنة والآثار.

 

قال الباحث سـامحه الله: “التبرك بالأماكن والآثار والأشـخاص أحياء وأمواتا لا يجوز، لأنه إما شرك إن اعتقد أن ذلك الشيء يمنح البركة، أو وسيلة إلى الشرك إن اعتقد أن زيارته وملامسته والتمسح به سبب لحصولها من الله، وأما ما كان الصحابة يفعلونه من التبرك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم وريقه وما انفصل من جسمه صلى الله عليه وسلم فذلك خاص به صلى الله عليه وسلم في حال حياته، بدليل أن الصحابة لم يكونوا يتبركون بحجرته وقبره بعد موته، ولا كانوا يقصدون الأماكن التي صلى فيها أو جلس فيها ليتبركوا بها”!.

 

أقول ومن الله تعالى أستمد المعونة والتوفيق:

هذا الباحث يعلم أن الصحابة كانوا يتبركون بجسد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعره وريقه ونخامته ودمه والمكان الذي يصلي فيه، ويقول إن ذلك خاص به صلى الله عليه وسلم في حال حياته، ولكنه سامحه الله لم يبين لنا هل حذر النبي صلى الله عليه وسلم من يتبركون به ببيان أن هذا شرك أو ذريعة إلى الشرك؟!.

لا شك في أن من يتبرك بشيء معتقدا أن ذلك الشيء يمنح البركة من دون الله تعالى فهو مشرك، وحاشا أن يعتقد الموحدون ذلك، ولا شك في أن من يتبرك بشيء معتقدا أن الله تعالى جعله مباركا ـ وعنده عليه دليل شرعي ـ كما أنه جعله سببا لحصول البركة ففعْله هذا لا شيء فيه من الشرك ولا من ذرائع الشرك، بل هو قربة إلى الله تبارك وتعالى، لأن حقيقته هي توجه القلب إلى الله تعالى بسؤال البركة وإظهار الافتقار إليه، مع تعظيم شأن من عظم الله قدره وجعله مباركا، واقرأ قوله تعالى على لسان عيسى ابن مريم عليه السلام {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ}. [[106]].

لكن ما صحة قوله إن ذلك خاص به صلى الله عليه وسلم في حال حياته؟؟، هذا خطأ محض مخالف لما كان عليه الصحابة والتابعون.

 

ـ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا دخل الكعبة مشى قِبَلَ وجهه… ثم صلى يتوخى المكان الذي أخبره بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه [[107]]. ونافع يصف ما يفعله ابن عمر، وهذا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

ـ قال موسى بن عقبة: رأيت سالم بن عبد الله بن عمر يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها، ويحدث أن أباه كان يصلي فيها، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الأمكنة [[108]].

ـ قال يزيد بن أبي عبيد: كنت آتي مع سلمة بن الأكوع، فيصلي عند الأسطوانة التي عند المصحف، فقلت: يا أبا مسلم، أراك تتحرى الصلاة عند هذه الأسطوانة!. قال: فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها [[109]].

ـ قال أبو بردة بن أبي موسى الأشعري: قدمت المدينة، فلقيني عبد الله بن سلام، فقال لي: انطلق إلى المنـزل فأسقيك في قدح شرب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصلي في مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم. فانطلقت معه… [[110]].

ـ قال محمد بن سيرين لعَبيدة السَلْماني: عندنا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أصبناه من قبل أنس. أو: من قبل أهل أنس. فقال: لأن تكون عندي شعرة منه أحب إلي من الدنيا وما فيها [[111]].

ـ  ذكر عبد الله بن كيسان مولى أسماء بنت أبي بكر عن أسماء أنها أخرجت إليه جبة طيالسة كسروانية، وقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت عند عائشة حتى قُبضت، فلما قُبضت قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلْبَسها، فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها [[112]].

ـ لقي أبو بصرة الغفاري أبا هريرة وهو جاءٍ من الطور، فقال: من أين أقبلتَ؟. قال: من الطور، صليتُ فيه. قال: أما لو أدركتك قبل أن ترحل إليه ما رحلتَ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى [[113]].

أقول: يرى بعض الباحثين أن هذا لا حجة فيه لإنكار أبي بصرة على أبي هريرة، ولكن كيف كان جواب أبي هريرة؟؟ لا ندري. ولا يغيبن عن البال أن أبا هريرة نفسه روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه عنه ثلاثة من التابعين [[114]] وأين يظهر علم أبي بصرة وجمعه للحديث أمام علم أبي هريرة وحفظه؟!!! [[115]].

ـ عن ثابت البُنَاني أنه قال لأنس بن مالك: يا أنس، مَسِسْتَ يد رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدك؟. قال: نعم. قال: أرني أقبلها. [[116]].

 

ـ عن عبد الرحمن بن رزين أنه نزل الربذة هو وأصحابه يريدون الحج، فقيل لهم: ههنا سلمة بن الأكوع صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فأتيناه، فسلمنا عليه، ثم سالناه، فقال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هذه. فقمنا إليه، فقبلنا كفيه جميعا. [[117]].

ـ رُوي عن يونس بن ميسرة أنه قال: دخلنا على يزيد بن الأسود عائدين، فدخل عليه واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، فلما نظر إليه مد يده فأخذ يده فمسح بها وجهه وصدره، لأنه بايع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والسند تالف. [[118]].

ـ قال عبد الله ابن الإمام أحمد: سألت أبي عن الرجل يمس منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبرك بمسه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك أو نحو هذا يريد بذلك التقرب إلى الله جل وعز؟؟. فقال: لا بأس بذلك. [[119]].

 

أقول: فليت الباحث المشار إليه يعيد النظر فيما كتب، إذ هل يُعقل أن عبدَ الله بن عمر وسلمة بن الأكوع وعبد الله بن سلام وأسماء بنت أبي بكر وأبا هريرة وأنسَ بن مالك رضي الله عنهم وسالمَ بن عبد الله بن عمر وأبا بردة بن أبي موسى الأشعري ومحمد بن سيرين وعَبيدة السلماني وثابتا البُناني رحمهم الله لا يعرفون ذرائع الشرك؟! وأن الإمام أحمد لا يعرف ذرائع الشرك كذلك؟!، فهل يقول هذا عاقل؟!.

[ثم وقفت على هذه الإضافة:

[ومن الروايات الواردة عن التابعين في التبرك بآثار النبي e بعد وفاته ما رواه الإمام النسائي في كتاب الكنى برقم 1760، عن يعقوب بن إبرهيم الدورقي عن الحارث بن مرة الحنفي عن جماعة من آل مُجّاعة أن مُجَّاعة أتى رسولَ الله e، فأقطعه قطعة من الأرض وكتب له بذلك كتابًا، ثم إن هلال بن سراج بن مُجَّاعة وفد إلى عمر بن عبد العزيز بكتاب رسول الله e بعدما استُخلف عمر، فأخذه عمر فقبله ووضعه على عينيه، ومسح به وجهه، رجاءَ أن يصيب وجهه موضع يد رسول الله e.

[ورواها ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني عن جراح بن مخلد عن يحيى بن راشد عن الحارث بن مرة عن سراج بن مجاعة عن أبيه عن جده، فذكر قصة الكتاب الذي كتبه له النبي e، قال: فوفدت إلى عمر بن عبد العزيز، فأخرجت إليه هذا الكتاب، فقبله ووضعه على عينيه. ويبدو أنه قد سقط من السند هنا هلال بن سراج بن مجاعة.

[وسند هذه الرواية جيد، فشيخ النسائي في الطريق الأول ثقة، والحارث بن مرة بن مجاعة وهلال بن سراج بن مجاعة صدوقان. وشيخ ابن أبي عاصم في الطريق الثاني صدوق، ويحيى بن راشد الظاهر أنه مستملي أبي عاصم النبيل وهو صدوق ثقة.

[وهناك قصة أخرى بهذا المعنى، رواها البخاري في التاريخ الكبير، عن عبد الله الجعفي عن محمد بن بشر عن أيوب بن النجار قال: حدثنا أبو عبد الله الحسن عن جده المزني أنه كانت عنده قطيفة النبي e، فلما استُخلف عمر بن عبد العزيز أرسل إليه، فأتى بها في أديم أحمر، فجعل يمسح بها وجهه.

[ورجال السند ثقات، سوى أبي عبد الله الحسن وجده فهما مجهولان، فسند هذه القصة ضعيف، ولكن تعضدها القصة السابقة.

[فيضاف إلى التابعين الذين تبركوا بالآثار الشريفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى].

ـ لا ينبغي أن أغادر هذه المسألة قبل الإشـارة إلى بعض الروايات الأخرى فأقول:

قال المعرور بن سويد: كنت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بين مكة والمدينة، فصلى بنا الفجر، ثم رأى أقواما ينزلون فيصلون في مسجد، فسأل عنهم، فقالوا: مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: إنما هلك من كان قبلكم أنهم اتخذوا آثار أنبيائهم بِيَعا، من مر بشيء من المسـاجد فحضرت الصلاة فليصل، وإلا فليمضِ. [[120]].

 

ليس من الممكن الأخذ بظاهر هذه الرواية عن عمر رضي الله عنه واستبعاد الروايات الكثيرة عن جماعة من الصحابة والتابعين، كما لا يمكن أن يغض المنصف نظره عن هذه الرواية، إذن لا بد من الجمع بينهما، فربما وجد عمر رضي الله عنه في أولئك الأقوام تمسكا وتعلقا بالمواضع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يفوق الحرص على أساسيات الدين وفرائضه، فيكون موقفه هو المناسبَ لأهل الغلو وتكون مواقف سائر الصحابة والتابعين هي الأنسبَ لأهل الاعتدال.

 

 

خاتمة المطاف

 

لا شك في أن من الواجب على المسلم أن يحرص أشد الحرص على التمسك بالسنن النبوية وعلى البعد عن المحدثات البدعية، وحيث إن المقام مقام البحث في البدعة فأود أن أذكر بعض البدع ـ على سبيل المثال ـ للتحذير منها:

 

– من أخطر البدع تفسير النصوص الشرعية بظواهر معاني المفردات المقطوعة عن السياق الذي وردت فيه، لأن هذا يصادم معاني النصوص نفسها، وليتضح الأمر فإنه يجب التفكر في معاني عدد من النصوص التي يستحيل فهمها على طريقة الظاهريين.

فعلى سبيل المثال: كيف نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه ” اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد ” [[121]]؟! وقوله ” المؤمن يأكل في مِعىً واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء ” [[122]]؟! وقوله لأمهات المؤمنين ” أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا ” [[123]]؟!.

ولا بد من التنبيه هنا على أن العلماء يسمون تفسير النص بالمعنى المفهوم من السياق حسب الأساليب البلاغية بالمجاز، فيأتي من لا فقه عنده ويقول لهم: أنتم تقسمون الكلام إلى حقيقة ومجاز، وكل ما سوى الحقيقة باطل، فالمجاز باطل!!!.

وهذا من التلاعب بالمصطلحات، إذ من المعلوم المتفق عليه بين العلماء أن الكلام في اللغة العربية: منه ما يفسر حسب ظواهر معاني المفردات فيؤدي المعنى المراد، ومنه ما يفسر حسب السياق البلاغي بما يتجاوز معاني المفردات المقطوعة عن السياق ليؤدي المعنى المراد.

فلو فسرت قوله صلى الله عليه وسلم ” أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا ” حسب معاني المفردات المقطوعة عن السياق ؛ لقلت إن أسرع زوجاته صلى الله عليه وسلم وفاة بعده هي من إذا مددن أيديهن كانت أطولهن يدا بقياس مسافة الطول، وهذا المعنى هو من الحقيقة اللغوية، ولكنه لم يكن هو المراد، إذ لما كانت الزوجة الأقصر يدا بقياس مسافة الطول هي الأسرع وفاة بعده ؛ تبين أن المقصود هي الأكثر تصدقا على المساكين، وهذا المعنى هو من الحقيقة اللغوية كذلك، إذ قد يأتي على ألسنة العرب طول اليد ويكون المراد طولها بالصدقة والإحسان، وإنما جاء هذا التنوع في الأساليب اللغوية ليتبين الذي فطن للمعنى المراد من الذي غاب عنه ذلك المعنى فوقف عند المفردات.

وهنا يأتي التقسيم والتسمية، ففهْم المعنى حسب المفردات فحسب هو من الحقيقة اللغوية، وأطلقوا عليه في الاصطلاح لفظة ” الحقيقة “، وفهم المعنى حسب السياق بالأسلوب البلاغي المعروف والمستعمل في اللغة هو من الحقيقة اللغوية كذلك، وأطلقوا عليه في الاصطلاح لفظة ” المجاز “، فالمجاز ليس قسيما للحقيقة، بل كلاهما قسمان للحقيقة اللغوية، فتيقظ.

 

ـ من البدع التي يقع فيها بعض أهل العلم أحيانا الغفلة عن دراسة أسانيد الأحاديث التي يستشهدون بها، وخاصة في العقيدة، ومن ذلك حديث ” بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور، فرفعوا رءوسهم، فإذا الرب جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال السلام عليكم يا أهل الجنة،… ” [[124]].

وهذا الحديث في سنده الفضل بن عيسى الرقاشي أحد الوعاظ القصاصين، وقد قال فيه أئمة الحديث: ضعيف، منكر الحديث، ليس بثقة، كان هالكا، لا تكتب حديثه ولا كرامة. فكيف يجوز السكوت عن مثل هذه الرواية الهالكة التي يشير السياق فيها إلى الفوقية المكانية لله تبارك وتعالى وفيها مثل ذلك الراوي؟!!!.

 

ـ من آثار عدم دراسة الأسانيد أن ابن أبي يعلى رحمه الله روى بسنده الرسالة التي نقلها أحمد بن جعفر بن يعقوب الإصطخري عن الإمام أحمد ابن حنبل، دون النظر والبحث في سندها ولا متنها [[125]] , وهي ليست بثابتة عن الإمام أحمد رحمه الله، وقد أشار الإمام الذهبي رحمه الله إلى عدم ثبوتها [[126]]، ثم حُقق كتاب ابن أبي يعلى، ورأى المحقق أن في السند رجلا لم يجد له ترجمة، فلم يعلق على مسألة ثبوت الرسالة من عدمها ولا بكلمة واحدة [[127]]!!.

ومما جاء في هذه الرسالة المنسوبة للإمام أحمد رحمه الله وصْف الله تبارك وتعالى بأنه ” يتحرك “!!!، ثم يأتي بعد ذلك من يقول: إن إثبات الحركة لله جل وعلا هو قول السلف ومن لم يقل بذلك فهو من نفاة الصفات الجهمية المعطلين!!!. تعالى الله عما يقولون.

 

ـ من البدع التي انتشرت اليوم في كثير من بلاد المسلمين بدعة تسوية الصف في الصلاة بالمساواة بين رؤوس أصابع أقدام المصلين، وهذا خطأ واضح، فقد يكون بعض الناس طويل القدم وبعضهم قصير القدم، وهذا من أسباب الخلل في تسوية الصفوف.

هذا وقد روى أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري “. قال أنس: وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه [[128]]. وإذا راعينا إلزاق المنكب بالمنكب فلا بد أن يحصل التفاوت بين رءوس أصابع الأقدام.

وأصرح منه حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، فقد قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: ” أقيموا صفوفكم، والله لتقيمُنَّ صفوفكم أو ليخالفَنَّ الله بين قلوبكم “. قال النعمان بن بشير: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبة صاحبه وكعبه بكعبه [[129]]. وإذا راعينا إلزاق الكعب بالكعب فلا بد أن يحصل التفاوت بين رءوس أصابع الأقدام. لذا فإن من الخطأ البيّن أن يصطف المصلون خلف الخط الذي يراد منه أن يكون معيارا لتسوية الصف، بحيث يتم التعديل حسب رءوس أصابع الأقدام، وبحيث يكون وقوفهم على ما يفترض أنه موضع سجود من خلفهم، بل الصواب أن يصطفوا أمام الخط المعيار، بحيث يتم التعديل حسب مؤخر الأقدام، وبهذا تكون الكعوب على خط واحد تحديدا أو تقريبا، بخلاف رءوس أصابع الأقدام، فإنها غالبا ما يقع فيها التفاوت.

لكن: لو تباعد الناس عن بعضهم قليلا في الصف فما الذي يمكن أن يفعله من يريد الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم؟ هل يستطيع أن يلزق منكبه بمنكب من على يمينه ومن على يساره؟؟ هذا مستحيل فماذا يفعل؟.

الظاهر أنه إن كان من جهة يمين الإمام فإنه يقترب إلى اليسار ويلزق منكبه الأيسر بمنكب من على يساره، وإن كان من جهة يسار الإمام فإنه يقترب إلى اليمين ويلزق منكبه الأيمن بمنكب من على يمينه، فهذا الذي يستطيع فعله.

أما وضع القدمين فإن بعض الناس يباعد بين قدميه ليلزق كل واحدة منهما بقدم من على يمينه ومن على يساره فيظهر بصورة بعيدة عن روح تطبيق النص، وإذا أراد متابعة السلف فلا بد أن يضع قدميه على سمت منكبيه، فتأخذ القدمان وما بينهما من المسافة مثل ما يأخذ المنكبان وما بينهما.

 

وقد فشت هذه البدعة عند كثير من الناس، وصاروا يتوهمون أن من سنة القيام المباعدة بين القدمين، حتى إن بعضهم يقف للصلاة منفردا فيباعد بينهما تلك المباعدة!! وهذا لأن الخطأ في فهم السنة يؤدي إلى فعل البدعة.

 

ـ ومن البدع التي انتشرت كذلك اليوم في كثير من بلاد المسلمين بدعة الوقوف في مقابلة وجه المصلي، وذلك أن بعض المصلين في الجماعة يقوم بعد سلام الإمام فيجد خلفه أحد المسبوقين، فينصب وجهه لوجهه، ولو نظر المسبوق تلقاء وجهه لثبّت ذلك الرجل بصره في عينيه، حتى إن داخلا لو دخل المسجد لرأى المسبوق يصلي ويركع ويسجد أمام ذلك الرجل!!! يا لهول المصيبة!!! ويا لفداحة البدعة!!!.

ووجه كون هذا بدعة هو أن ذلك الرجل يفعل ما يفعل وهو في ظن نفسه متابع للسنة متقرب إلى الله تعالى بذلك!!! لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه”[[130]]. ولو سأل الإنسان نفسه لم كان هذا الإثم الشديد على من مر بين يدي المصلي؟؟ أليس لئلا يعكر عليه صفوه ويقطع عليه خشوعه؟! أليس التشويش على المسلم وإزعاجه محرما وعلى المصلي أشد تحريما؟! وأليس الوقوف قبالة المصلي أشد قطعا للخشوع وأكثر تشويشا؟!!! وهكذا نجد الخطأ في فهم السنة هو الحامل على التمادي في الابتداع.

وقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مدركة لهذه المعاني فقد روى عنها الأسود بن يزيد أنها قالت: لقد رأيتُني مضطجعة على السرير فيجئ النبي صلى الله عليه وسلم فيتوسط السرير فيصلي، فأكره أن أَسْنَحَه، فأنسل من قبل رجلي السرير حتى أنسل من لحافي [[131]]. وروى عنها مسروق بن الأجدع أنها قالت: لقد رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني لبينه وبين القبلة وأنا مضطجعة على السرير، فتكون لي الحاجة فأكره أن أستقبله فأنسل انسلالا [[132]]. ورأى عمر رضي الله عنه رجلا يصلي ورجل مستقبله , فأقبل على هذا بالدِرة وقال: تصلي وهذا مستقبلك؟!. وأقبل على هذا بالدِرة وقال: أتستقبله وهو يصلي؟! [[133]].

 

فلله در هذين الصحابيين عائشة رضي الله عنها وعمر رضي الله عنه ما أفقههما.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

/
أهم نتائج البحث

 

خطورة رمي المسلمِ المسلمَ بالكفر أو الفسوق أو الابتداع.

كلمة ” كل ” تختلف دلالتها في الاستعمال اللغوي والشرعي على نوعين ولكل منهما أمثلة في القرآن الكريم.

قول النبي صلى الله عليه وسلم ” كل بدعة ضلالة ” ليس على العموم الشامل بإطلاق بل على عموم ما دخلت عليه بتقييد.

الأحاديث النبوية والآثار المروية عن الصحابة والتابعين تؤكد أنه ليست كل المستحدثات في الدين من بدع الضلالة.

الإمامان الشافعي وابن حنبل وجمهور أهل العلم مذهبهم هو ما جاء في الأحاديث والآثار من أن المستحدثات منها الممدوح ومنها المذموم، وهو ما نص عليه ابن تيمية في أحد أقواله. قال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل: [قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: البدعة بدعتان : بدعة خالفت كتابا أو سنة أو إجماعا أو أثرا عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه بدعة ضلالة، وبدعة لم تخالف شيئا من ذلك، فهذه قد تكون حسنة، لقول عمر”نعمت البدعة هذه”. هذا الكلام أو نحوه رواه البيهقي بإسناده الصحيح في المدخل].

بعض المسائل اختلف الصحابة أنفسهم وكذا من بعدهم من أهل العلم في إدخالها في البدعة الحسنة أو البدعة السيئة.

هنالك مسائل وصفت بأنها بدع ضلالة من باب التسرع في الحكم، منها مسألة التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.

وجوب الحرص على التمسك بالسنن النبوية وعلى البعد عن المحدثات البدعية.

نماذج من بعض البدع المعاصرة في منهج التعامل مع النصوص وفي العقيدة والعبادة.

 

 

 

,,,
وفي الختام أقول

 

اللهم لك الحمد في الأولى والآخرة

اللهم اجعل أفضل صلواتك وأزكى تسليماتك على نبينا محمد الحبيب الشفيع

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وحببنا فيه

وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه وكرهنا فيه

وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة

واجمعنا على محبتك وطاعتك

 

 

 

وكان الفراغ من كتـــابة هذا البحـــث ليلة الجمعة 10 / 7 / 1427هـ، الموافق: 4 / 8 / 2006، بيد كاتبه العبد الخطاء: صلاح الدين بن أحمد الإدلبي

 

 

 

ملحوظة مهمة: راجعت عشرات الكتب والأبحاث مما كُتب في موضوع البدعة فلم أجد أحدا من الباحثين ذكر في بحثه هذا الحديث “وسـكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسـيان فلا تبحثوا عنها”، لا مرفوعا ولا موقوفا!.

ووجدت أحدهم ذكر الحديث للاستشهاد به فيما يتعلق فيما حدَّه الشارع أو فرضه أو حرمه، ولم يذكره فيما يتعلق بما سكت عنه.

أولئك قوم يرون المسكوت عنه بدعة ضلالة، ويتعاملون مع المسألة بأشد مما يتعاملون مع المنتهك لما حرم الله!، بخلاف هذا الحديث الذي يذكرونه في مواطن وينسونه في هذا الموطن.

* ـ التبرك بالآثار الشريفة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ثم وجدت هذا النص في العلل ومعرفة الرجال لعبد الله بن أحمد: وجدت في كتاب أبي بخط يده حدثنا إبراهيم بن خالد المؤذن قال حدثنا رباح عن معمر قال أخرج عبد الله بن محمد بن عقيل خاتما نقشه تماثيل زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لبسه مرتين أو نحو ذلك فغسله بعض من كان معنا وشرب ماءه.

روى البخاري من طريق ثمامة عن أنس بن مالك أن والدته أم سُليم كانت تبسط للنبي صلى الله عليه وسلم نطعا، فيقيل عندها على ذلك النطع، فإذا نام النبي صلى الله عليه وسلم أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة، ثم جمعته في سُك، فلما حضر أنسَ بن مالك الوفاة أوصى إلي أن يُجعل في حنوطه من ذلك السك، فجُعل في حنوطه.

ورواه مسلم من طريق ثابت وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وأبي قلابة عن أنس، وفيها أنها كانت تجمع عرقه صلى الله عليه وسلم وليس فيها ذكر الشعر، وفيها الجزء المرفوع وليس فيها الموقوف على أنس.

عن أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تُوفيت ابنته فقال: “اغسلنها ثلاثا، أو خمسا، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورا، أو شيئا من كافور، فإذا فرغتن فآذنني”. فلما فرغنا آذناه، فأعطانا حقوه فقال: أشعرنها إياه. تعني إزاره.

روى البخاري في صحيحه عن إبراهيم بن المنذر عن أبي ضمرة عن موسى بن عقبة عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا دخل الكعبة مشى قِبل وجهه حين يدخل وجعل الباب قِبل ظهره، فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قِبل وجهه قريبا من ثلاثة أذرع صلى، يتوخى المكان الذي أخبره به بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فيه. قال: وليس على أحدنا بأس إن صلى في أي نواحي البيت شاء.

* ـ قال الواحدي في البسيط: قوله تعالى {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} قال أهل المعاني: أراد كل سفينة صالحة.

[[1]] صحيح البخاري: كتاب الأدب، باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال، 13/ 627 ـ 628 من طبعة آل مكتوم المشتملة على فتح الباري لابن حجر.

[[2]] صحيح البخاري: كتاب الأدب، باب ما ينهى عن السباب واللعن، 13/542.

[[3]] وصححه ابن قيم الجوزية في إعلام الموقعين عن رب العالمين، وحسنه الألباني في تعليقاته على كتاب الإيمان لابن تيمية ص 43، طبعة المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة.

[[4]] سيأتي تخريج هذه الآثار والأقوال عند أدلة القول الثاني بإذن الله.

[[5]] سيأتي تخريج هذين القولين عند الاستئناس بأقوال العلماء.

[[6]] رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة: 1 / 27، باب ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم تركتكم على مثل البيضاء. وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب: 1 / 88. وصححه الألباني في التعليق على السنة لابن أبي عاصم.

[[7]] مسند الإمام أحمد: 5 / 11. مسند ابي داود الطيالسي: 1/122 برقم 900.بلفظ ” فلا تزيدن عليه “.

[[8]] الأسماء والصفات للبيهقي: ص 258، باب قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا}، من طريق الشافعي عن الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن المطّلب، وهو تابعي، فالسند مرسل. وعقب البيهقي على هذه الرواية بقوله: قد رويناه في كتاب المدخل وغيره من حديث ابن مسعود مرسلا ومتصلا.

[[9]] رواه البخـاري: كتـاب الصـلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصـلح مردود، 7/168 برقم 2697. ومسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، 3/1343.

[[10]] رواه مسلم: كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، 2 / 592، طبعة محمد فؤاد عبد الباقي. وأحمد في المسند: 3 / 110، 371 , بدون الزيادة التي في آخره.  والذي جاء بالزيادة هو الإمام الحافظ عبد الله بن المبارك عن شيخه الإمام سفيان الثوري رحمهما الله تعالى. [سنن النسائي: كتاب العيدين، باب كيف الخطبة، 3 / 188. الأسماء والصفات للبيهقي: باب ذكر الأسماء التي تتبع إثبات التدبير، ص 104، عند اسمه تعالى الهادي]. وجاءت الزيادة كذلك في الأسماء والصفات للبيهقي: ص 246 من قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

[[11]] سنن أبي داود: كتاب السنة، باب في لزوم السنة، 18 / 146ـ 148، المطبوع مع بذل المجهود.

[[12]] مصنف عبد الرزاق: 3 / 221. المعجم الكبير للطبراني: 9 / 125.

[[13]] المعجم الكبير للطبراني: 9 / 125.

[[14]] رواه الدارمي في سننه: كتاب العلم، باب في كراهية أخذ الرأي، برقم 215. ولهذا الأثر طرق أخرى، انظر: مصنف عبد الرزاق: 3 / 221 ـ 222. زوائد الزهد لعبد الله بن أحمد ابن حنبل: ص 428 ـ 429. المعجم الكبير للطبراني: 9 / 125 ـ 127. البدع والنهي عنها لابن وضاح: رقم 27. الحوادث والبدع للطرطوشي: ص 289 ـ 290.

[[15]] صحيح البخاري: كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله عز وجل.

[[16]] صحيح مسلم: كتاب الذكر، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء.

[[17]] رواه ابن حبان في صحيحه. انظر: موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي: الأذكار , باب فضل التسبيح والتهليل والتحميد , ص 579 , برقم 2330. سنن أبي داود: سجود القرآن، باب التسبيح بالحصى.

[[18]] سنن أبي داود: الصلاة، باب في التثويب، 1 / 148 برقم 538. المعجم الكبير للطبراني: 12 / 403 برقم 13486. سنن البيهقي: 1 / 424. كلهم من طريق أبي يحيى القتات عن مجاهد، وأبو يحيى صدوق كثير الأوهام والمناكير. ورواه عبد الرزاق في المصنف 1 / 475 برقم 1832 بنحوه، من طريق ليث بن أبي سُليم عن مجاهد، وليث ضعيف لاختلاطه، فارتقى الإسناد إلى مرتبة الحسن.

[[19]] انظر: البيان للعمراني: 2 / 64 ـ 66.

[[20]] انظر: سنن الترمذي: الأدب، باب ما يقول العاطس إذا عطس. المستدرك للحاكم: 4 / 265 ـ 266. قال الترمذي: هذا حديث غريب. وكذلك نقل عنه المزي في تحفة الأشراف 6 / 2442. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد غريب في ترجمة شيوخ نافع. لكن لعل الصواب: غريب في ترجمة نافع. وكلاهما يرويه من طريق زياد بن الربيع عن الحضرمي مولى الجارود عن نافع، وجاء في إسناد الحاكم: الحضرمي بن لاحق. وزياد بصري ثقة توفي سنة 185، وحضرمي كأنه ليس بالمشهور.

[[21]] المصنف لابن أبي شيبة: الصلاة، باب من كان يُعَلِّمُ التشهد ويأمر بِتَعَلُّمِهِ، 2 /167 برقم 3022 , تحقيق حمد الجمعة، والسند جيد.

[[22]] سنن النسائي: التطبيق، باب 32، 2 / 204. المصنف لابن أبي شيبة: 3 / 258، تحقيق حمد الجمعة، والسند جيد.

[[23]] مصنف بن أبي شيبة: 3 / 365 ـ 366 برقم 7616، المحققة. وفي السند جعفر بن إبراهيم من ولد ذي الجناحين عن علي بن عمر بن زين العابدين، وكلاهما ممن ذكر في الثقات لابن حبان.

[[24]] سنن البيهقي: 2 / 466 من طريق سفيان الثوري عن أبي رباح عن سعيد بن المسيب، وأبو رباح هو عبد الله بن رباح، ذكره ابن حبان في الثقات: 7 / 34. ورواه الدارمي من طريق آخر عن سفيان: كتاب العلم، باب ما يتقى من تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده أن سعيد بن المسيب رأى رجلا يصلي بعد العصر، والباقي بنحوه.

[[25]] الاعتصام للشاطبي: 1 / 132.

[[26]] المضاهي أو المضاهئ: هو الذي يحاول أن يتشبه بغيره ويفعل مثل فعله.

[[27]] قواعد الأحكام في مصالح الأنام: 2 / 204 ـ 205.

[[28]] الآية 77 من سورة الحج.

[[29]] هذا كلام الحافظ العلائي في نظم الفرائد: ص 77.

[[30]] صحيح مسلم مع شرح النووي: الزكاة، باب الحث على الصدقة، 7 / 104.

[[31]] رواه جماعة عن أبي هريرة، صحيح البخاري: الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم 7288. صحيح مسلم: الحج، باب فرض الحج في العمر مرة , برقم 1337. مسند الإمام أحمد: 2 / 247، 428.

[[32]] قال الإمـام النووي في الأربعين النووية: حديث حسن رواه الدار قطني وغيره. رقـم الحديث 30. وقال الشيخ الألباني: هو حديث حسن. انظر تعليقه على كتاب الإيمان لابن تيمية: ص 43. طبعة المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة. وحديث أبي ثعلبة منقطع الإسناد، ومن حسَّنه فإنما حسَّنه بشاهده، وهو ما رواه البزار والحاكم من حديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته،… “. قال البزار: إسناده صالح. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب: 2/ 316 ـ 318 رقم الحديث 30.

وذكره ابن تيمية بصيغة الجزم فقال: [قال النبي صلى الله عليه وسلم “إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم محارم فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها”. فالمعصية تضييع الفرائض وانتهاك المحارم، وهو مخالفة الأمر والنهي، والاعتداء مجاوزة حدود المباحات، والفرائض هي المقادير في المأمور به، والحدود النهايات لما يجوز من المباح المأمور به وغير المأمور به]. [مجموع الفتاوى: 3/ 361 ـ 362]. وصححه ابن القيم فقال: [وصح عنه ما رواه أبو ثعلبة الخشني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها”]. [إعلام الموقعين عن رب العالمين: 1/ 190. وفي طبعة أخرى: 1/ 249].

 

 

[[33]] صحيح مسلم: المساجد، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة، 1 /420 برقم 601.

[[34]]سنن الترمذي: الطب , باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ، برقم 2063. سنن ابن ماجه: التجارات، باب أجر الراقي، برقم 2156 , بسند صحيح. صحيح البخاري: الإجارة، باب ما يعطى في الرقية، برقم 2276، وفي فضائل القرآن برقم 5007، وفي الطب برقم 5736،5749. وليس عند البخاري أنه قرأ الفاتحة سبع مرات.

[[35]] صحيح البخاري: الأذان، باب بعد باب فضل اللهم ربنا لك الحمد، برقم 799.

[[36]] المصدر السابق: التوحيد، باب ماجاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تعالى، برقم 7375.

[[37]] المصدر السابق: الحج، باب التلبية، برقم 1549.

[[38]] المصدر السابق: اللباس، باب التلبيد، برقم 5915.

[[39]] سنن أبي داود: المناسك، باب كيف التلبية. المنتقى لابن الجارود: باب المناسك، برقم 465.

[[40]] صحيح مسلم: الحج، باب التلبية وصفتها، 2 /841 ـ843.وورد جزء مما كان يزيده ابن عمر في مصنف ابن أبي شيبة: الجزء المفقود، ص 193.

[[41]] مصنف ابن أبي شيبة: الجزء المفقود , ص 193.

[[42]] المصدر السابق: ص 192. والسند صحيح. وذكرها ابن حجر في فتح الباري 1549 بلفظ “إله الحق “.

[[43]] صحيح البخاري: فضائل القرآن، باب جمع القرآن، برقم 4986.

[[44]] المصدر السابق: الصوم، صلاة التراويح، باب فضل من قام رمضان، برقم 2012.

[[45]] المصدر السابق: برقم 2010.

[[46]] هذه الآثار في مصنف ابن أبي شيبة 2 / 398 بأسانيد صحيحة.

[[47]] صحيح البخاري: الجمعة، باب الأذان يوم الجمعة، برقم 912.

[[48]] الأثر عن ابن عمر هو في مصنف ابن أبي شيبة: 2 / 140 بسند صحيح، وهو في مسند الشاميين للطبراني 2/ 377، برقم 1532. والأثر عن الحسن هو عند ابن أبي شيبة كذلك بسند صحيح، لكنه قال “محدث “.

[[49]] مصنف عبد الرزاق: 3 / 272 ـ 273، 276 ـ 277. مسند البزار: 2 / 129 ـ 130 بتحقيق محفوظ الرحمن زين الله. وهو في كشف الأستار للهيثمي: 1 / 313.

[[50]] مصنف عبد الرزاق: 3/ 272.

[[51]] صحيح البخاري: العيدين، باب الصلاة قبل العيد وبعدها برقم 989.

[[52]] مصنف عبد الرزاق: 3 / 273. بسند صحيح عنهما.

[[53]] انظر: مصنف عبد الرزاق: 3 / 271 ـ 272. مصنف ابن أبي شيبة: 2 / 179 ـ 180.

[[54]] مصنف عبد الرزاق: 3 / 274. بسند صحيح عنه.

[[55]] سنن البيهقي: 3 / 144، 143 ـ 144. مصنف عبد الرزاق: 2 /516 برقم 4269.

[[56]] صحيح البخاري: التهجد، باب صلاة الضحى في الحضر، برقم 1178.

[[57]] صحيح مسلم: مسافرين , باب استحباب صلاة الضحى , 1/ 497 برقم 719.

[[58]] انظرهما في مصنف عبد الرزاق: 3 / 79 ـ 80. برقم 4869 , 4872.

[[59]] مصنف ابن أبي شيبة: 2/ 405 – 406 بسند صحيح. وروى عبد الرزاق في مصنفه 3/ 71 هذه القصة على نحو مختلف لكن من طريق راو متروك.

[[60]] صحيح البخاري: التهجد، باب صلاة الضحى في السفر، برقم 1175، 1176، لكن جواب أم هانئ كان حسب المراد منها على الاطلاق لا على الاصطلاح الجديد. وحديث ابن عمر هو كذلك في مصنف ابن أبي شيبة: 2/405. و في المحققة: 3/413.

[[61]] صحيح البخاري: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب مسجد قباء , برقم 1191.

[[62]]صحيح البخاري: التهجد، باب من لم يصل الضحى ورآه واسعا، برقم 1177. صحيح مسلم: 1/497 برقم 718. مصنف عبد الرزاق 3 / 78. و هذا يعني أنه لم يكن يصليها في المسجد، و أن عائشة كانت تخرج من باب حجرتها و هي ملاصقة للمسجد فتصليها فيه.

[[63]] صحيح مسلم: 1/496 – 497 برقم 717. و ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم كان يدخل المدينة عند رجوعه من السفر أول النهار فيبدأ بالمسجد ويصلي فيه قبل أن يدخل بيته.

[[64]] صحيح البخاري: العمرة، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 1775. المعجم الكبير للطبراني: 12 / 413 – 414 برقم 13524.

[[65]] قال ابن حجر: روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن مجاهد عن ابن عمر. فذكره. فتح الباري: 4 / 84، طبعة آل مكتوم، كتاب التهجد، باب صلاة الضحى في السفر.

[[66]] مصنف بن أبي شيبة: 2/406، 405. وفي المحققة: 3/414، 413. والسند صحيح.

[[67]] مصنف عبد الرزاق: 3 / 78 – 79. بسند صحيح.

[[68]] مصنف بن أبي شيبة: 2 / 408. وفي المحققة 3 / 417. والسند لين، ولكنه يصبح حسنا بما سبق.

[[69]] مصنف عبد الرزاق: 3/78 برقم 4865. والسند معضل، إذ فيه انقطاع بين جعفر الصادق و جد جده علي رضي الله عنه.

[[70]] مصنف عبد الرزاق: 4 / 285. مسند الإمام أحمد: 2 / 73. موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: ص 233. سنن الدارمي: 7 / 407. سنن الترمذي: الصوم، باب كراهية صوم يوم عرفة بعرفة. والطريق الخالية من ذكر الرجل المبهم يُحكم عليها بالانقطاع، لأنها ليس فيها تصريحُ مَن دونَ المبهم بالسماع ممن فوقه.

[[71]] صحيح مسلم: الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء، 3 / 1473 برقم 1844.

[[72]] صحيح البخاري: التهجد، باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل 4 / 16 ـ 17 برقم 1128. صحيح مسلم: 1 / 497، وفي الطبعة الأخرى 2/ 156 ورقمه 1609. مصنف عبد الرزاق: 3 / 78. مسند أحمد: 42/ 282 ورقمه 25451.

[[73]] روى القولَ الأولَ عنه ابنُ عساكر في تبيين كذب المفتري ص 97 طبعة القدسي سنة 1347، من طريق البيهقي قال: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الربيع بن سليمان قال: قال الشافعي. وأبو سعيد هو محمد بن موسى بن الفضل وقد وثقه الذهبي في سير أعلام النبلاء، وهذا سند صحيح. وروى القولَ الثانيَ عن الشافعي أبو نعيم في حلية الأولياء 9 / 113 من طريق حرملة بن يحيى عنه، وفي إسناده عبد الله بن محمد [بن عبدوس المقرئ] العطشي، وهذا ذكره الخطيب في تاريخ بغداد ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهذا سند حسن بما قبله.

[[74]] البيان للعمراني: 2 / 678.

[[75]] المغني لابن قدامة: 3 / 295.

[[76]] مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله: ص 145. طبعة المكتب الإسلامي ببيروت، الطبعة الثالثة.

قال أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال المتوفى سنة 311 في كتابه القراءة عند القبور: أخبرني الحسن بن أحمد الوراق قال حدثني علي بن موسى الحداد وكان صدوقا وكان ابن حماد المقرئ يرشد إليه، فأخبرني قال: كنت مع أحمد ابن حنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في جنازة، فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر، فقال له أحمد: يا هذا، إن القراءة عند القبر بدعة. فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد ابن حنبل: يا أبا عبد الله، ما تقول في مبشر الحلبي؟. قال: ثقة. قال: فأخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يُقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها وقال سمعت ابن عمر يوصي بذلك. فقال له أحمد: فارجع، فقل للرجل يقرأ. وروى ابن النجار في ذيل تاريخ بغداد هذه القصة من طريق الخلال سندا ومتنا.

قال الخلال: وأخبرنا أبو بكر بن صدقة قال سمعت عثمان بن أحمد بن إبراهيم الموصلي قال: كان أبو عبد الله أحمد ابن حنبل في جنازة ومعه محمد بن قدامة الجوهري، فلما قبِر الميت جعل إنسان يقرأ عنده، فقال أبو عبد الله لرجل: تمر إلى ذلك الرجل الذي يقرأ فقل له لا يفعل، فلما مضى قال له محمد بن قدامة: مبشر الحلبي كيف هو؟. فذكر القصة بعينها.

وانظر عددا من الآثار الأخرى الواردة في هذا الكتاب.

[[77]] المصدر السابق: ص 25 برقم 85.

[[78]] المصدر السابق: ص 91.

[[79]] المصدر السابق: ص 95.

[[80]] المصدر السابق: ص 261.

[[81]] المصدر السابق: ص 245. وقع على الطريق: أي أصابه ووجده. وقوله المذكور هنا هو كذلك في شعب الإيمان للبيهقي، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: 5 / 298.

[[82]] الآية 194 من سورة الأعراف.

[[83]] مجموع فتاوى ابن تيمية: 3 / 362.

[[84]] المصدر السابق: 1 / 162.

[[85]] إحياء علوم الدين: 1 / 276.

[[86]] المصدر السابق: 2 / 3.

[[87]] عارضة الأحوذي لابن العربي: 10 / 146.

[[88]] جامع العلوم والحكم لابن رجب.

[[89]] فتح الباري: 6 / 10 طبعة آل مكتوم، عند حديث 2010.

[[90]] صحيح مسلم: كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنازة في المسجد. مسند الإمام أحمد. سنن البيهقي: 4 / 51. ورواه الإمام مالك في الموطإ بنحوه.

[[91]] مصنف ابن أبي شيبة: 5 / 120 من المحققة، الحج، باب من كان يمسك عما يمسك عنه المحرم. بسند صحيح. والمراد من كونه متجردا أنه متجرد من الملابس المَخيطة ولابس ثياب الإحرام. والهَدْي: ما يهديه الحاج إلى الحرم من الأنعام. وتقليد الهدي: أن يعلق في عنق البدنة مثلا شيء كالقلادة ليُعلم أنها هدي. وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن عمر نحوا من ذلك بسند صحيح.

[[92]] صحيح البخاري: الحج، باب إشعار البُدْن، برقم 1699، 1700. مصنف ابن أبي شيبة: 5 / 118.

[[93]] المعجم الكبير للطبراني: 10 / 63 بسند صحيح. مصنف عبد الرزاق: 2 / 200 بنحوه، من طريق آخر عن الربيع بن خُثيم وفي السند انقطاع.

[[94]] الحوادث والبدع للطرطوشي: ص 257.

[[95]] الإجماع لابن المنذر: ص 20.

[[96]] مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله: ص 437.

[[97]] مصنف عبد الرزاق: 1 / 345 برقم 1347، باب العلائق، أواخر كتاب الحيض. والسند صحيح.

[[98]] المصدر السابق: 1 / 345 ـ 346 برقم 1348، والسند صحيح.

[[99]] المصدر السابق: 1 / 346 برقم 1349، والسند إلى الحسن حسن لاعتضاده وإلى منصور صحيح.

[[100]] مسائل الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله: ص 447، وانظر: ص 448.

[[101]] المصدر السابق: ص 291.

[[102]] المصدر السابق: ص 31.

[[103]] الإنصاف للمرداوي: 2 / 456. ذكره في مبحث صلاة الاستسقاء.

[[104]] الورع للمروذي: ص 157 ـ 158، دار الصميعي , الرياض , ط 1.

[[105]] المصدر السابق: ص 158.

[[106]] من الآية 31 من سورة مريم.

[[107]] رواه البخاري: الصلاة، بعد باب الصلاة بين السواري، برقم 506، والحج، باب الصلاة في الكعبة، برقم 1599.

[[108]] المصدر السابق: الصلاة، باب المساجد التي على طرق المدينة، برقم 483.

[[109]] المصدر السابق: الصلاة، باب الصلاة إلى الأسطوانة، برقم 502.

[[110]] المصدر السابق: الاعتصام، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم، برقم 7342.

[[111]] المصدر السابق: الوضوء، باب الماء الذي يُغسل به شعر الإنسان، برقم 170.

[[112]] صحيح مسلم: 3 / 1641، اللباس، باب تحريم إناء الذهب والفضة، برقم 2069.

[[113]] مسند الامام احمد: 6/ 7. هذا وقد حدث ابو هريرة نفسه باعتراض ابي بصرة عليه , لكن جاء في تلك الرواية ” بصرة بن ابي بصرة ” , وهو خطأ , وذلك في حديث طويل رواه ابن حبان في صحيحه. الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان لابن بلبان: الصلاة , باب صلاة الجمعة , 7/ 7 برقم 2772.

[[114]] صحيح البخاري: التهجد، فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم 1189. صحيح مسلم: الحج، باب لا تشد الرحال، 2 / 1014 ـ 1015، برقم 1397. مسند الإمام أحمد: 2 / 234، 238، 278، 501.

[[115]] لا بد من الإشارة إلى أن إنكار أبي بصرة هو من أخف الإنكار، إذ كأنه يرى أن الذهاب إلى الطور والصلاة فيه هو خلاف الأولى، لأنه ليس فيه زيادة أجر، وذكرَ حديث “لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد”، وإذا أردنا أن نقدر المستثنى منه في الحديث فالظاهر أنه هكذا: لا تشد الرحال إلى مسجد لمزيد أجر إلا إلى ثلاثة مساجد. ألا ترى أنه لم يقل أكثر من “لو أدركتك قبل أن ترحل إليه ما رحلتَ”. وقريب منه موقف ابن عمر عندما سأله السائل: آتي الطور؟. فقال: دع الطور ولا تأتها. وقال له: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد. [مصنف ابن أبي شيبة 3 / 365 برقم 7613 من المحققة]. ومما يدلك على أن عددا من الصحابة كانوا ينظرون إلى الأَولى والأكثر أجرا: أنهم ما كانوا يحرصون على الصلاة في بيت المقدس رغم كونه أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، ومن المعلوم أن الصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي أفضل من الصلاة فيه، من ذلك قول حذيفة بن اليمان: لو سرت حتى لا يكون بيني وبين بيت المقدس إلا فرسخ أو فرسخان ما أتيته. أو: ما أحببت أن آتيه. وقول أبي ذر: لأنْ أصلي على رملة حمراء أحب إلي من أن أصلي في بيت المقدس. [مصنف ابن أبي شيبة 3/ 364 وكلاهما بسند صحيح].

[[116]] مسند الإمام أحمد: 3 / 111. الأدب المفرد للبخاري: ص 253 برقم 974. وفي سنده ضعف.

[[117]] مسند الإمام أحمد: 4 / 54 ـ 55. الأدب المفرد للبخاري: برقم 973. وفي سنده ضعف.

[[118]] الحلية لأبي نعيم: 9 / 306. المعجم الكبير للطبراني: 22 / 89 برقم 215. لكن في السند راوٍ متروك متهم بالكذب. وانما ذكرت هذا للمعرفة.

[[119]] العلل ومعرفة الرجال عن الإمام أحمد: 2 / 492.

[[120]] مصنف عبد الرزاق: 2 / 118 ـ 119 برقم 2734. مصنف ابن أبي شيبة: 3 / 367 ـ 368 برقم 7624 من المحققة. والسند صحيح.

[[121]] صحيح البخاري: الإيمان، باب المعاصي من أمر الجاهلية.

[[122]] صحيح مسلم: المساجد، رقم الحديث 147.

[[123]] صحيح مسلم: فضائل الصحابة، فضائل زينب، 4 / 1907. صحيح البخاري: الزكاة، باب فضل صدقة الشحيح الصحيح. المستدرك للحاكم: 4 / 25. طبقات ابن سعد: 8 / 108.

[[124]] حادي الأفراح لابن القيم: ص 286. والحديث رواه ابن ماجه في سننه: المقدمة , باب فيما أنكرت الجهمية , 1/ 65 – 66 برقم 184.

[[125]] طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى: 1 / 29.

[[126]] تاريخ الإسلام للذهبي: الطبقة الخامسة والعشرون، ص 136، وسير أعلام النبلاء للذهبي: 11 / 286.

[[127]] طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى: 1 / 61 من الطبعة المحققة.

[[128]] صحيح البخاري: الأذان، باب إلزاق المنكب بالمنكب، 3 / 137 برقم 725.

[[129]] سنن أبي داود: الصلاة، باب تسوية الصفوف، برقم 662.

[[130]] صحيـح البخاري: الصلاة، باب إثم المار بين يدي المصلي، 2 / 374 ـ 375 برقم 510.

[[131]] المصدر السابق: الصلاة، باب الصلاة إلى السرير، 2 / 369 برقم 508. قال ابن حجر: وقولها أن أسنحه أي أن أَظْهَر له من قدّامه.

[[132]] المصدر السابق: الصلاة، باب استقبال الرجل صاحبه أو غيره في صلاته، 2 / 378، برقم 511.

[[133]]  المصنف لعبد الرزاق: 2/ 37 – 38 برقم 2396 بسند جيد.