الألباني وانتقاداته لبعض روايات الصحيحين

الألباني وانتقاداته لبعض روايات الصحيحين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

* ـ سألني أحد الإخوة الأفاضل عن رأيي فيما ذكره بعض المنتقدين للشيخ الألباني رحمه الله بخصوص بعض الأحاديث، فرأيت أن أبين ما أراه، سواء عندي إن رضي الراضون أو غضب الغاضبون، وحسبي أن أبتغي رضا ربي جل جلاله.

هذا ما نقله الأخ الفاضل عن المنتقد حسبما وصله حيث قال:

هذه بعض الأحاديث التي ضعفها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رغم وجودها في الصحيحين!!!.

1- قال الله تعالى – في حديث قدسي – :(( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة :رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ))رواه البخاري ( 2227 و 2270 ) . قال الألباني في ضعيف الجامع ( 4/111 ) : رواه أحمد والبخاري عن أبي هريرة ضعيف . وقال في إرواء الغليل ( 5 / 310 ) : ( وخلاصة القول أن هذا الإسناد ضعيف ، وأحسن أحواله أنه يحتمل التحسين ، وأما التصحيح فهيهات ).

2- ( كان له (صلى الله عليه وسلم) فرس يقال له اللحيف ) رواه البخاري ( 2855 ) ضعفه الألباني في ضعيف الجامع ( 4/208 ) .

3- ( ترون ربكم عيانا كما ترون القمر ليلة البدر … ) رواه البخاري ( 7435 ) . قال الألباني في ظلال الجنة ( ص201 ) حديث رقم ( 461 ) بعد كلام 🙁 … ولذلك لم تطمئن النفس لصحة هذه ( عيانا ) لتفرد أبي شهاب بها ؛فهي منكرة أو شاذة على الأقل ) .

4- (( لا يشربن أحد منكم قائما ، فمن نسي فليستقئ )) رواه مسلم 116 (2026) . قال الألباني في الضعيفة ( 2 / 326 ) : ( منكر بهذا اللفظ ، أخرجه مسلم في صحيحه من طريق عمر بن حمزة ) .

5- (( إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها)) رواه مسلم 123 (1437) ، قال الألباني في ضعيف الجامع ( 2/192 ) : ( ضعيف ، رواه مسلم ) وكذا ضعفه في إرواء الغليل ( 7/74 – 75 ) ، وفي غاية المرام ( ص150 ) ، وكذلك في مختصر صحيح مسلم تعليق ( 150 ) ، وفي آداب الزفاف ( 142 ) .

6- حديث (( إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل )) يعني الجماع دون إنزال رواه مسلم 89 (350) . قال في الضعيفة ( 2/406 – 407 ) : ( ضعيف مرفوعا ) . إلى أن قال 🙁 وهذا سند ضعيف له علتان : الأولى عنعنة أبي الزبير ؛ فقد كان مدلسا … إلخ ، الثانية ضعف عياض بن عبدالرحمن الفهري المدني …) إلخ .

7- (( لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تتعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن ))رواه مسلم رقم 13 (1963) . قال الألباني : ( رواه أحمد ومسلم و… و… ضعيف ) انظر ضعيف الجامع ( 6/64 ) . وكذلك ضعفه في إرواء الغليل برقم ( 1131 ) ، وكذلك في الأحاديث الضعيفة ( 1/91 ) . وقال هناك بعد كلام : ( ثم بدا لي أني كنت واهما في ذلك تبعا للحافظ ، وأن هذا الحديث الذي صححه هو وأخرجه مسلم كان الأحرى به أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة … إلخ ) .

8- (( إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين ) رواه مسلم198 (768) . قال الألباني في ضعيف الجامع ( 1/213 ) : رواه أحمد ومسلم ، ضعيف.

9- (( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل ))رواه مسلم 87 ( 2106)                                              قال الألباني في غاية المرام ( ص104 ) : ( صحيح دون قول عائشة ( لا) فإنه شاذ أو منكر ).

10- حديث : ( أنتم الغر المحجلون يوم القيامة ، من إسباغ الوضوء ، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله ) رواه مسلم. قال الالباني في ( ضعيف الجامع وزيادته ) ( 14 / 2 برقم 1425 ) : رواه مسلم عن أبي هريرة ( ضعيف بهذا التمام )

.11- حديث : ( من قرأ العشر الاواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ) . قال الالباني في ( ضعيف الجامع وزيادته ) ( 5 / 233 برقم 5772 ) :رواه أحمد ومسلم والنسائي عن أبي الدرداء( ضعيف ) ! ! .

12- حديث ” من عادى لي وليا ..” رواه البخاري ضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/111)

13- حديث ” إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف ثماني ركعات في أربع سجدات …” أخرجه مسلم قال الألباني في إرواء الغليل (3/129) ما نصه : ضعيف وإن أخرجه مسلم ومن ذكره معه وغيرهم .

14- (إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات)رواه البخاري. قال الألباني في ” السلسلة الضعيفة و الموضوعة ” ( 3/463 ) قلت (الألباني) : و هذا إسناد ضعيف ، و له علتان) .

15- قد ضعف الألباني كل سند في صحيح مسلم ، رواه أبو الزبير المكي عن جابر معنعنا بحجة أنه مدلس لم يصرح بالسماع فبلغت الأسانيد التي ضعفها بذلك خمسة وثلاثين في صحيح مسلم .

والطامة السادس عشرة مانقله هو في سلسلته الضعيفة على أنه إن تعارض حكم المتأخر مع حكم الأعلم المتقدم يؤخذ حكم الأعلم المتقدم … فعلى مذهبه لا يجوز الأخذ بأحكامه هو المخالفة لأحكام المتقدمين…, انتهى ما نقله الأخ الفاضل.

أقول:

* ـ الحديث الأول:

روى البخاري وغيره من طرق عن يحيى بن سُليم عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره”.

يحيى بن سُليم المكي الطائفي مات سنة 194، وثقه ابن سعد وابن معين والعجلي، وقال الدارقطني وغيره: سيئ الحفظ. وقال النسائي: ليس به بأس، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر.

هذا الإسناد فيه لين، ولكن المتن شواهده بالمعنى كثيرة مستفيضة، وألفاظه تشبه ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم، فالظاهر أنه من صحيح مرويات يحيى بن سُليم، ومن المعلوم أن أصحاب الصحاح قد ينتقون من حديث بعض الرواة الذين فيهم ضعف فيروون في الكتب التي اشترطوا فيها الصحة ما يغلب على الظن أنه ليس مما وهموا فيه، فالحديث صحيح.

* ـ الحديث الثاني:

روى البخاري وغيره من طريق أبَي بن العباس بن سهل بن سعد الأنصاري عن أبيه عن جده سهل بن سعد أنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرس يقال له اللحيف. أبَي بن العباس مدني ضعيف، ولم أجد للحديث شاهدا فهو ضعيف. فالذي قاله الشيخ في هذا الحديث صحيح.

* ـ الحديث الثالث:

روى البخاري وابن حنبل وأبو داود وابن خزيمة في التوحيد والسراج في مسنده وأبو عوانة وابن حبان والطبراني في الكبير والدارقطني في الرؤية من أكثر من عشرين طريقا عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله أنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: “إنكم سترون ربكم، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا”. ثم قرأ {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب}.

ورواه البخاري وابن أبي عاصم في السنة وابن خزيمة في التوحيد والطبراني في الكبير والدارقطني في كتاب الرؤية واللالكائي والبيهقي في كتاب الاعتقاد وأبو القاسم الأصبهاني في كتاب الحجة من طرق عن أبي شهاب الحناط عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إنكم سترون ربكم عيانا”. بزيادة لفظة “عيانا”.

[أبو شهاب الحناط عبد ربه بن نافع كوفي صدوق ثقة فيه لين مات سنة 171]. فلفظة “عيانا” التي تفرد بها أبو شهاب في هذا الحديث لا شك في أنها من أوهامه، ولا شك في أنها منكرة. فالذي قاله الشيخ في هذا الحديث صحيح.

* ـ الحديث الرابع:

روى مسلم وأبو عوانة والبيهقي من طريق عمر بن حمزة عن أبي غطفان المري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا يشربنَّ أحد منكم قائما، فمن نسي فليستقئ”. [عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر مدني ضعيف مات قرابة سنة 145].

قال الألباني في السلسلة الضعيفة: [منكر بهذا اللفظ، أخرجه مسلم من طريق عمر بن حمزة، وقد صح النهي عن الشرب قائما في غير ما حديث عن غير واحد من الصحابة، ومنهم أبوهريرة، لكن بغير هذا اللفظ، وفيه الأمر بالاستقاء، لكن ليس فيه ذكر النسيان، فهذا هو المستنكر من الحديث، وإلا فسائره محفوظ].

وقال في السلسلة الصحيحة: [ظاهر النهي في هذه الأحاديث يفيد تحريم الشرب قائما بلا عذر، وقد جاءت أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائما، فاختلف العلماء في التوفيق بينها، والجمهور على أن النهي للتنزيه والأمرَ بالاستقاء للاستحباب، وخالفهم ابن حزم فذهب إلى التحريم، ولعل هذا هو الأقرب للصواب، فإن القول بالتنزيه لا يساعد عليه لفظ “زجر” ولا الأمر بالاستقاء، لأنه أعني الاستقاء فيه مشقة شديدة على الإنسان، وما أعلم أن في الشريعة مثل هذا التكليف كجزاء لمن تساهل بأمر مستحب!، وكذلك قوله “قد شرب معك الشيطان” فيه تنفير شديد عن الشرب قائما، وما إخال ذلك يقال في ترك مستحب، وأحاديث الشرب قائما يمكن أن تُحمل على العذر، كضيق المكان أو كون القربة معلقة، وفي بعض الأحاديث الإشارة إلى ذلك].

أقول: في كلامه مؤاخذات:

منها: قوله هنا “الاستقاء”، وهو خطأ لغوي في معرفة وزن المصدر من الفعل السداسي، والصواب “الاستقاءة”، لأن الأول هو مصدر استقى أي طلب السَقْي، والثاني هو مصدر استقاءَ أي تكلف القيء.

ومنها: ترجيحه لقول ابن حزم بتحريم شرب الشارب قائما، وتأييده بثلاث قرائن لا دليل له فيها.

القرينة الأولى: اعتماده على رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما، ولكن الرواية لا تثبت بهذا اللفظ، والصواب فيها هو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما.

وبيان ذلك أن رواية “زجر عن الشرب قائما” مروية من بعض الطرق من حديث أبي سعيد الخدري ومن حديث أنس بن مالك بخلاف الطرق المحفوظة:

فأما حديث أبي سعيد فرواه مسلم وابن حنبل وأبو عوانة وأبو يعلى من طرق متعددة عن همَّام بن يحيى عن قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ “زجر عن الشرب قائما”، [وهمَّام بن يحيى بصري ثقة فيه لين مات سنة 164]، فلا يُعتمد على حفظه، ورواه مسلم وأبو يعلى وابن الجارود وأبو عوانة من طريق شعبة، وابنُ حنبل وأبو عوانة من أكثر من طريق عن سعيد بن أبي عروبة، وأبو يعلى وأبو عوانة من أكثر من طريق عن همَّام بن يحيى، ثلاثتهم عن قتادة عن أبي عيسى عن أبي سعيد به بلفظ “نهى عن الشرب قائما”، فدلت هذه الطرق الثلاثة على أن هذا هو اللفظ المحفوظ وأن همَّامًا كان قد اضطرب حفظه في هذا الحديث.

وأما حديث أنس فرواه مسلم وابن حنبل وابن حبان من طرق متعددة عن همَّام بن يحيى عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ “زجر عن الشرب قائما”، [وهمَّام بن يحيى بصري ثقة فيه لين مات سنة 164]، فلا يُعتمد على حفظه، ورواه مسلم وابن حنبل والترمذي والبزار وأبو يعلى وأبو عوانة من طريق سعيد بن أبي عروبة، وابنُ حنبل وأبو عوانة من طريق شعبة، وابنُ أبي شيبة وابن حنبل وأبو داود من طريق هشام الدستوائي، والطيالسيُّ عن يزيد بن إبراهيم، وأبو يعلى وأبو عوانة من طريق مطر بن طهمان الوراق، والدارميُّ وأبو يعلى وأبو عوانة وابن حبان من طرق عن همَّام بن يحيى، ستتهم عن قتادة عن أنس به بلفظ “نهى عن الشرب قائما”، فدلت هذه الطرق الستة على أن هذا هو اللفظ المحفوظ وأن همَّامًا كان قد اضطرب حفظه أحيانا في هذا الحديث.

فالرواية بلفظ “زجر عن الشرب قائما” غير ثابتة، واللفظ المحفوظ هو أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائما.

القرينة الثانية: اعتماده على رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من شرب قائما بالاستقاءة، ولكن هذا ليس بثابت عنه.

روايات أن النبي صلى الله عليه أمر من شرب قائما بالاستقاءة فيها حديثان:

أحدهما حديث “لا يشربنَّ أحد منكم قائما فمن نسي فليستقئ”، ولكنه ضعيف الإسناد.

والثاني حديث “لو يعلم الذي يشرب قائما ما في جوفه لاستقاء”.

وهذا الحديث رواه عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة، ورواه ابن حنبل وابن حبان عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن رجل عن أبي هريرة، ورواه ابن حنبل عن عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، وكذا الطحاوي في شرح مشكل الآثار من طريق سلمة بن شبيب عن عبد الرزاق به، ورواه البزار والبيهقي عن زهير بن محمد عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة، كل ذلك مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورواية عبد الرزاق هذا الحديثَ على أربعة أوجه دليل على اضطرابه فيه.

وبما أن الزهري لم يدرك أبا هريرة فهذا يعني أن بينهما رجلا، وبالتالي فقد رجع الوجه الأول إلى الوجه الثاني، فلا بد من النظر في الأوجه الثلاثة الأخيرة، وكلها مما رواه عبد الرزاق عن معمر.

هذه الطرق الثلاثة المروية عن معمر بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في كل منها ثلاثة أنفس، فهي متساوية من حيث العلو والنزول، ولو كان معمر قد سمع الحديث من الزهري عن رجل عن أبي هريرة ومن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ومن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة لمَا رواه مرة هكذا ومرة هكذا ومرة هكذا، لأن الطريق الأول من هذه الثلاثة ضعيف لوجود راو مبهم فيه بينما الطريقان الآخران ظاهرهما الصحة، وهذا يعني ـ في علم العلل ـ أن الطريق الأول منها يعلُّ الطريقين الآخرين، وهذا من الإعلال باختلاف الرواية سندا.

فهذا الحديث إسناده معلول ضعيف.

[لتوضيح منهج الإعلال باختلاف الرواية سندا أنصح بقراءة المطلب الأول من النوع الثالث من القسم الأول من كتاب منهج الإمامين البخاري ومسلم في إعلال المرويات الحديثية لكاتبه صلاح الدين الإدلبي].

ثم تأكدت صحة هذا الإعلال بما رواه الطحاوي في مشكل الآثار عن أبي أمية عن علي بن بحر بن بري عن هشام بن يوسف أنه قال: حدثنا معمر عن الزهري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله، “لو يعلم الذي يشرب قائما ما في جوفه لاستقاء”، قال معمر: “وذكره الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة”.

وتبين من هذه الرواية أن هذا الحديث رواه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا وليس مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم البغدادي الثغري الطرسوسي ثقة دخل مصر فحدثهم من حفظه من غير كتاب بأشياء أخطأ فيها، مات سنة 273. علي بن بحر بن بري فارسي بغدادي بصري ثقة مات سنة 234. هشام بن يوسف الصنعاني ثقة متقن مات سنة 197]. وإيراد الراوي الحديث موقوفا وقد رواه غيره مرفوعا ليس مظنة للخطأ، وهو هنا إسناد جيد.

فحديث “لو يعلم الذي يشرب قائما ما في جوفه لاستقاء” ثابت عن أبي هريرة رضي الله عنه من قوله وليس ثابتا من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

القرينة الثالثة: اعتماده على حديث “قد شرب معك الشيطان”.

هذا الحديث رواه ابن حنبل والدارمي والبزار والطحاوي في مشكل الآثار والبيهقي في شعب الإيمان عن جماعة عن شعبة عن أبي زياد الطحان مولى الحسن بن علي أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا يشرب قائما، فقال له: “قِئ”. قال: لِمَه؟. قال: “أيسرك أن يشرب معك الهر؟”. قال: لا. قال: “فإنه قد شرب معك من هو شر منه، الشيطان”.

أبو زياد الطحان اثنان: أحدهما مولى الحسن بن علي، روى عن أبي هريرة وروى عنه شعبة، والثاني سهل بن زياد الطحان البصري، روى عن سليمان التيمي وداود بن أبي هند وغيرهما، وروى عنه أحمد ابن حنبل ونعيم بن حماد وغيرهما، ومات قرابة سنة 195، وهذا كذلك كنيته أبو زياد، كما نقل ذلك ابن حجر في لسان الميزان عن أبي الفتح الأزدي وفي تعجيل المنفعة عن أبي أحمد الحاكم، وكما في موضعين في العلل للدارقطني، وكما في الكنى والأسماء للدولابي وأطراف الغرائب والأفراد لابن القيسراني وميزان الاعتدال للذهبي.

نقل ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل في ترجمة أبي زياد الطحان مولى الحسن بن علي عن ابن معين أنه قال: أبو زياد الطحان ثقة. ونقل فيه عن أبيه أنه قال: شيخ صالح الحديث. والظاهر أن ابن أبي حاتم قد وهم في نقله التوثيق هنا، فقد قال عنه الذهبي في الميزان: لا يُعرف. ووافقه ابن حجر في لسان الميزان ولم يتعقبه. فالسند ضعيف، وهذا الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الخلاصة: قول الشيخ الألباني عن حديث “لا يشربنَّ أحد منكم قائما فمن نسي فليستقئ”: “منكر بهذا اللفظ، وقد صح النهي عن الشرب قائما لكن بغير هذا اللفظ، وفيه الأمر بالاستقاء، لكن ليس فيه ذكر النسيان، فهذا هو المستنكر من الحديث، وإلا فسائره محفوظ” هو قول غير دقيق، وأرى أن الصواب هو أن يُقال فيه: إسناده ضعيف، وقد صح النهي عن الشرب قائما، وأما الأمر بالاستقاءة في هذه الرواية وفي الروايتين الأخريين فهو ضعيف سندا منكر متنا.

* ـ الحديث الخامس:

روى مسلم وابن أبي شيبة وابن حنبل وأبو داود وابن الأعرابي في معجمه والبيهقي من طرق عن عمر بن حمزة العمري عن عبد الرحمن بن سعد عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجلَ يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها”.

عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر: قال فيه يحيى بن معين: ضعيف. وقال في رواية: صالح ليس بذاك. وقال في رواية: هو أضعف من عمر بن محمد بن زيد. ولكن عمر بن محمد بن زيد وثقوه. وقال ابن حنبل: أحاديثه مناكير. وقال النسائي: ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان ممن يخطئ. وقال ابن عدي: هو ممن يُكتب حديثه.

من المشهور أن صاحب الصحيح قد يختار من المتون التي رواها الراوي المضعَّف ما يغلب على الظن أنها ليست مما وهم فيه، وهذا منها، فهو حديث حسن، ولا معنى لتضعيفه.

* ـ الحديث السادس:

قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة: حديث “إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل” يعني الجماع دون إنزال، أخرجه مسلم والبيهقي من طريق ابن وهب: أخبرني عياض بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن أم كلثوم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكْسِل هل عليهما الغسل؟، وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل”. وقال: ضعيف مرفوعا.

ثم ذكرَ الشيخ ما رواه أبو يعلى من طريق أشعث بن سوار عن أبي الزبير عن جابر عن أم كلثوم عن عائشة أنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالطها من غير أن ينزل، قالت: “فاغتسلنا”. وقال: أشعث هذا ضعيف. ثم ذكر ما رواه أبو يعلى وابن الجارود من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن الرجل يجامع ولا ينزل؟ فقالت: “فعلتُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا منه جميعا”. وقال: بسند صحيح، فهذا هو اللائق بهذا الحديث أن يكون موقوفا، وأما رفعه فلا يصح، والله أعلم.

أقول:

هذا الحديث حديث فعلي، وهو من حيث الفعل ثابت مرفوعا، لكنه في رواية صحيح مسلم والبيهقي مرفوع من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وحكايتِه عن الواقعة، وهو فيما ذكره الشيخ من روايات أبي يعلى وابن الجارود مرفوع من فعل النبي صلى الله عليه وسلم موقوف من حيث حكاية الواقعة، فقول الشيخ “اللائق بهذا الحديث أن يكون موقوفا وأما رفعه فلا يصح” غير صحيح، لأنه ـ على كلا الحالين ـ من المرفوع الفعلي.

أما ترجيح الشيخ كون حكاية الواقعة من قول عائشة رضي الله عنها لا من قول النبي صلى الله عليه وسلم فصحيح.

* ـ الحديث السابع:

ضعَّف الألباني في السلسلة الضعيفة ما رواه مسلم وغيره من طريق زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “لا تذبحوا إلا مُسِنَّة إلا أن يعْسر عليكم فتذبحوا جَذَعة من الضأن”.

وقال: “مداره على أبي الزبير، وهو مدلس معروف بذلك، خاصة عن جابر، فيُتقى حديثه عنه ما لم يصرح بالتحديث، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال “إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني”.

أقول:

الجذعة ما استكملت عاما، والمسنة أو الثني ما استكملت عامين.

إذا قلنا بالتعارض فلا بد من البحث عن مرجح، ولكن الأولى هو الجمع بين الروايات إذا لم يكن الجمع فيه تعسف، والجمع هنا ممكن بسهولة، وقد جمع الفقهاء بين الحديثين، ومن ذلك قول الإمام النووي في المجموع: “إن قيل ظاهر حديث جابر أن الجذعة من الضأن لا تجزئ إلا إذا عجز عن المسنة قلنا هذا مما يجب تأويله، لأن الأمة مجْمعة على خلاف ظاهره، فيُحمل هذا الحديث على الأفضل والأكمل، ويكون تقديره يُستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة فإن عجزتم فجذعة ضأن”.

فلا أرى مسوغا لتضعيف الحديث.

* ـ الحديث الثامن:

حديث “إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين” ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع الصغير وفي مختصر الشمائل.

وقد رواه مسلم وابن حنبل ومحمد بن نصر في قيام الليل وابن خزيمة والبيهقي من طرق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين”.

وروى مسلم وابن أبي شيبة وابن حنبل من طريق هشيم بن بشير قال أخبرنا أبو حرة عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل ليصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين.

وإسناده بجموع الطريقين صحيح.

* ـ الحديث التاسع:

قال الألباني في كتابه غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام: روى مسلم عن زيد بن خالد الجهني عن أبي طلحة الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل”، فأتيتُ عائشة فقلت: إن هذا يخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لاتدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل”، فهل سمعتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك؟. فقالت: لا، ولكن سأحدثكم ما رأيته فعلَ، رأيته خرج في غزاته، فأخذتُ نمَطا فسترته على الباب، فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه، فجذبه حتى هتكه أو قطعه، وقال “إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين”. فقطعنا منه وسادتين وحشوتهما ليفا، فلم يعبْ ذلك علي.

قال الألباني معقبا عليه: صحيح دون قول عائشة “لا”، فإنه شاذ أومنكر. ولم يبين وجه شذوذه أو نكارته.

أقول:

هذا الحديث رواه مسلم وأبو داود والنسائي في الكبرى وأبو يعلى وأبو عوانة وابن حبان والبيهقي من طريقين عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد بن يسار عن زيد بن خالد به. [سهيل بن أبي صالح قال فيه ابن حجر:  صدوق تغير حفظه بأخرة].

أما حديث أبي طلحة فصحيح له شواهد، وأما رواية زيد بن خالد الجهني عن عائشة فانفرد بها على ما يبدو سهيل بن أبي صالح عن سعيد بن يسار عن زيد بن خالد. [سهيل بن أبي صالح قال فيه ابن حجر:  صدوق تغير حفظه بأخرة]. فهذا الإسناد فيه ضعف.

وما رواه مسلم من أن عائشة نفت سماعها من النبي صلى الله عليه وسلم عن عدم دخول الملائكة للبيت الذي فيه كلب فالظاهر أنه مما وقع فيه الوهَم، وذلك لأنه قد صح عنها سماع نحو ذلك منه صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت: واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في ساعة يأتيه فيها، فجاءت تلك الساعةُ ولم يأته، فجاء جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واعدتني فجلستُ لك فلم تأتِ!. فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة. فالذي قاله الشيخ في هذا الحديث صحيح.

* ـ الحديث العاشر:

روى البخاري ومسلم من طريق سعيد بن أبي هلال عن نعيم بن عبد الله عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن أمتي يُدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل”.

قال الألباني في السلسلة الضعيفة: الشطر الآخر “فمن استطاع …” هو من قول أبي هريرة، أدرجه بعض الرواة في المرفوع.

أقول:

روى ابن حنبل عن أبي عامر العقدي عن فليح بن سليمان عن نعيم بن عبد الله المجمر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن أمتي يوم القيامة هم الغر المحجلون من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل”. قال نعيم: لا أدري قوله “من استطاع أن يطيل غرته فليفعل” من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من قول أبي هريرة؟.

[أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو بصري ثقة مات سنة 204. فليح بن سليمان مدني لين مات سنة 168. نعيم بن عبد الله المجْمر مدني ثقة].

قال المنذري في كتاب الترغيب والترهيب: قيل إن قوله “مَن استطاع …” إلى آخره إنما هو مُدرج من كلام أبي هريرة موقوف عليه، ذكره غير واحد من الحفاظ.

وقال ابن تيمية في كتاب التوسل والوسيلة: ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم “من استطاع أن يطيل غرته فليفعل”، بل هذا من كلام أبي هريرة جاء مدرجا في بعض الأحاديث، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم “إنكم تأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء”.

وقال ابن القيم في كتابه حادي الأرواح: [أما قوله “فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل” فهذه الزيادة مدرجة في الحديث من كلام أبي هريرة، لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بيَّن ذلك غير واحد من الحفاظ، وفي مسند الإمام أحمد في هذا الحديث قال نُعيم “فلا أدري قوله من استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء قاله أبو هريرة من عنده”]. ونقل السفاريني في كتابه كشف اللثام كلام ابن القيم وأقره.

وقال ابن حجر في فتح الباري معلقا على قوله “فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل”: ظاهره أنه بقية الحديث، لكن رواه أحمد من طريق فليح عن نعيم وفي آخره قال نعيم: لا أدري قوله من استطاع من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة؟. ولم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى هذا الحديث من الصحابة وهم عشرة، ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير رواية نعيم هذه”.

وقال العيني في عمدة القاري: [المرفوع منه إلى قوله “مِن آثار الوضوء”، وباقي ذلك من قول أبي هريرة أدرجه في آخر الحديث، وقد أنكر ذلك بعض الشارحين فقال “في هذه الدعوى بُعد عندي”]. ثم قال: [ليس فيها بُعد، كيف وقد رواه أحمد رحمه الله من طريق فليح عن نعيم وفي آخره قال نعيم “لا أدري قوله من استطاع إلى آخره من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة؟”، وقد روى هذا الحديث عشرة من الصحابة وليس في رواية واحد منهم هذه الجملة، وكذا رواه جماعة عن أبي هريرة وليس في رواية أحد منهم ما وُجد في رواية نعيم عنه، فهذا كله أمارة الإدراج].

فالظاهر أن ما قاله الشيخ في هذا الحديث صحيح.

* ـ الحديث الحادي عشر:

قال الألباني في ضعيف الجامع الصغير: حديث “من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عُصم من فتنة الدجال” رواه أحمد ومسلم والنسائي عن أبي الدرداء، وهو ضعيف.

أقول:

هذا الحديث رواه مسلم وابن أبي شيبة في مسنده وابن حنبل وأبو داود والنسائي في الكبرى وأبو عوانة وابن حبان والبيهقي من طريق هشام الدستوائي وهمَّام بن يحيى وسعيد بن أبي عروبة وشيبان بن عبد الرحمن، أربعتهم عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “مَن حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال”.

ورواه مسلم وابن حنبل وابن حبان والنسائي في الكبرى والروياني من طريق شعبة عن قتادة به، بلفظ “من آخر الكهف”. واضطرب حفظ شعبة في هذه الكلمة، وهي من أوهامه، وقد بدأ الإمام مسلم رحمه الله بالرواية التي فيها اللفظ الصواب وأخَّر الرواية التي وقع فيها الخلل، وهذا على عادته في تأخير اللفظ الذي يرى أنه وقع فيه خلل إلى آخر الباب.

فالصواب رواية الجماعة بلفظ “مِن أول سورة الكهف”، والذي قاله الشيخ في هذا الحديث صحيح.

* ـ الحديث الثاني عشر:

قال الأخ المنتقد للشيخ: حديث “من عادى لي وليا …” رواه البخاري وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.

أقول:

لم يضعف الشيخ هذا الحديث، بل ضعف إسناد البخاري فيه، وصحح الحديث بمجموع طرقه.

* ـ الحديث الثالث عشر:

قال الألباني في إرواء الغليل: حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوفٍ ثماني ركعات في أربع سجَدات رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي، وهو ضعيف.

أقول:

روى مسلم في صحيحه من طرق أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة سجدتان، وروى اختلاف الروايات في عدد الركوعات في تينك الركعتين، فروى من طريق هشام بن عروة ومن طريق ابن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بأربع ركوعات، ومن طريق الزهري عن كثير بن عباس عن ابن عباس أنه صلاهما بأربع ركوعات، ومن طريق عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن عائشة أنه صلاهما بست ركوعات، ومن طريق هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر أنه صلاهما بأربع ركوعات، ومن طريق عبد الملك عن عطاء عن جابر أنه صلاهما بست ركوعات، ومن طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أنه صلاهما بأربع ركوعات، ومن طريق سفيان عن حبيب عن طاوس عن ابن عباس أنه صلاهما بثمان ركوعات، ومن طريق أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه صلاهما بأربع ركوعات.

والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف ركعتين بأربع ركوعات وأربع سجدات وأن الروايات التي فيها ست ركوعات أو ثمانية هي من الأوهام. فالذي قاله الشيخ في هذا الحديث صحيح.

* ـ الحديث الرابع عشر:

ضعَّف الألباني في السلسلة الضعيفة ما رواه البخاري وغيره من طريق عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم”!.

وصحَّح في السلسلة الصحيحة ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله التيمي عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزلُّ بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب”.

كما صحَّح في السلسلة الصحيحة ما رواه مالك والترمذي وابن حبان وغيرهم من طرق عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه”.

أقول:

الرواية الأولى التي ضعفها الألباني من حديث أبي هريرة في إسنادها عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وهو سيئ الحفظ، وقد روى هذا الحديثَ عن أبيه عبد الله بن دينار مرفوعا بينما رواه الإمام مالك عنه موقوفا، وهذا ما اعتمد عليه الشيخ في تضعيف الحديث، وهو صحيح.

ولكن ههنا وقفة، فهذا الحديث يشتمل على شطرين:

الشطر الأول متوافق تماما مع الشطر الأول من حديث بلال بن الحارث المزني، والشطرُ الثاني متوافق تماما مع الرواية الثانية من حديث أبي هريرة ومع الشطر الثاني من حديث بلال بن الحارث المزني اللذين صححهما الشيخ.

فتضعيف الشيخ للرواية الأولى من حديث أبي هريرة غير صحيح، سيما وأن أبا هريرة قد صرح بسماعه الجزءَ الثاني منها من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية، وفي هذا ما يشير إلى أنه قد سمع الجزء الثاني من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة فرواه عنه، وأنه سمع الجزء الأول من صحابي آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم بالجزءين من قوله، لكنهما من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن الغريب أن يؤكد الشيخ استدلاله على ضعف الشطر الثاني من الرواية الأولى من حديث أبي هريرة “وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم” بما في الرواية الثانية من حديث أبي هريرة “إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزلُّ بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب”!!، وهما متوافقتان تمام التوافق، وهذا من باب الرواية بالمعنى فيما لا يغير المعنى.

* ـ قال الأخ المنتقد للشيخ:

“قد ضعَّف الألباني كل سند في صحيح مسلم رواه أبو الزبير المكي عن جابر معنعَنا بحجة أنه مدلس لم يصرح بالسماع، فبلغت الأسانيد التي ضعفها بذلك خمسة وثلاثين في صحيح مسلم”.

أقول:

الشيخ يضعف الإسناد الذي يُروى من طريق أبي الزبير المكي عن جابر معنعنا إلا إذا كان من طريق الليث بن سعد عن أبي الزبير، ولا يلزم من تضعيفِ ذلك الطريق تضعيفُ الأحاديث التي رُويت به، وهو من باب الإلزام بما لا يلزم، إذ من الواضح أن المتن قد يصح لوجود متابعات أو شواهد.

ثم وقفت على قوله في السلسلة الضعيفة تحت رقم 65: “جملة القول: أن كل حديث يرويه أبو الزبير عن جابر أو غيره بصيغة عن ونحوِها وليس من رواية الليث بن سعد عنه فينبغي التوقف عن الاحتجاج به، حتى يتبين سماعه أو ما يشهد له ويعتضد به”.

* ـ قال الأخ المنتقد للشيخ:

“الطامة السادسة عشرة مانقله هو في سلسلته الضعيفة على أنه إن تعارض حكم المتأخر مع حكم الأعلم المتقدم يُؤخذ حكم الأعلم المتقدم، فعلى مذهبه لا يجوز الأخذ بأحكامه المخالفة لأحكام المتقدمين”.

أقول:

من كان من أهل الاجتهاد في هذا العلم فليعمل باجتهاده، ومن كان مقلدا فيه فليقلد من يغلب على ظنه أنه أعلم وأن أحكامه أدق، ومن خالف ذلك فالظاهر أنه يعمل بالهوى، نعوذ بالله تعالى منه.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 20/ 2/ 1439، والحمد لله رب العالمين.

___________________________________________________

تعليق الشيخ جمال الدين السيروان:

الحبيب الأعز فضيلة المحدث الشيخ صلاح رعاكم الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد قرأت بإمعان نظر مافاض به قلمكم وماانتهيتم إليه من التحقيق في الأحاديث المذكورة فانتابني قدر من الدهشة ذلكم أن الإنصاف عزيز وقول الحق نادر وخاصة في زمن ساد فيه التعصب الممجوج لكن الله تبارك وتعالى وفقكم لموقف نبيل وحيادية رائعة وتحقيق موثق شكر الله لكم وبارك بكم.

انتهى تعليق الشيخ جمال الدين السيروان


سؤال:
إن تعارض حكم المتأخر مع حكم الأعلم المتقدم يؤخذ حكم الأعلم المتقدم

وكفى الله المؤمنين القتال
الشيخ الإدلبي نفسه ضعّف في الصحيحين نحواً من الأحاديث التي ضعفها الألباني ، وكلاهما صنيعُه مردود عليه ، لأنه صنيعٌ مبنيٌّ على الأحكام الإجمالية على الرواة والأسانيد .
بينما صحّح البخاري ومسلم بناءً على معرفتهما بصحة روايات أولئك المنتَقَدين بأعيانها، وذلك بسبب كونهما في عصر الرواية الذي فاتنا كثيرٌ من طرقه وأسانيده؛ مما يعلمه طلبةُ الحديث ويتجاهلانه كلاهما، ولا أقول: يجهلانه
فما عارض من أحكام هذين وغيرهما من المتأخرين والعصريين أحكامَ الأئمة فلا قيمة له. والله أعلم

جواب الشيخ صلاح:
* ـ شكرا جزيلا للأخ الكريم وجزاك الله خيرا

* ـ قال الله تعالى في كتابه الكريم {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}

* ـ إذا رأيت في كلامي بعض الحيثيات في الترجيح فهي بعض الحيثيات وليست كلها.

* ـ إذا كان كلامي عندك مردودا عليَّ ولا قيمة له في نقدك فهذا رأيك، وهذا يعني أنك مجتهد في هذا العلم لأنك ترجح بين الأقوال، لكن عليك أن تناقش وترجح بالدليل وليس بالهوى.

* ـ إذا كنتَ مقلدا في هذا العلم فالمقلد مقرٌ بعمى نفسه وإنما يدَّعي البصيرة لغيره، وحسبه أن يسكت ويُسكت عنه، وليس له أن يخوض في الترجيح، لأن هذه وظيفة المجتهد.

* ـ مِن فحوى كلامك تصحيحُ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إنكم سترون ربكم عيانا”، بزيادة لفظة “عيانا”!!، أما عندي فالحديث صحيح حسب الروايات الكثيرة بدون هذه اللفظة.

* ـ ومن فحوى كلامك تصحيح رواية أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكْسِل هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل”!!.

الإكسال هو أن يجامع الرجل امرأته ثم يدركه فتور فلا ينزل.

أما عندي فالصواب في هذه الرواية هو أن عائشة رضي الله عنها هي التي حكت ذلك.

والذي يعرف شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وشدة حيائه يستبعد أن يأتيَ رجل إليه فيسأله عمن يجامع أهله ثم يكْسِل هل عليهما الغسل؟ وعائشة جالسة فيقولَ صلى الله عليه وسلم “إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل”!!، والمتوقع أن يأمره بالاغتسال دون أن يذكر شيئا جرى له مع عائشة رضي الله عنها على الرغم من كونها حاضرة في ذلك المجلس.

وليس بالغريب أن يسأل القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عمته عائشة عن حكم الإكسال وقد جرى فيه اختلاف بين الصحابة فتفتيَه بوجوب الاغتسال وتخبرَه بما وقع لها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيدا لصحة الفتيا.

* ـ ومن فحوى كلامك تصحيحُ ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الكسوف يوم موت ابنه إبراهيم أربع ركعات في أربع سجَدات وست ركعات في أربع سجَدات وثماني ركعات في أربع سجَدات وهي صلاة واحدة!!، وهذا تناقض غير مقبول.

والروايات التي فيها أكثر من ركوعين في الركعة الواحدة أعلها البيهقي وابن عبد البر وهما إمامان كبيران:

قال البيهقي في السنن بعد أن روى عددا من الروايات في قصة صلاة الكسوف: “مَن نظر في هذه القصة وفي القصة التي رواها أبو الزبير عن جابر علم أنها قصة واحدة، وأن الصلاة التي أخبر عنها إنما فعلها يوم تُوفي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اتفقت رواية عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة ورواية عطاء بن يسار وكثير بن عباس عن ابن عباس ورواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو ورواية أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعين، وفي اتفاق هؤلاء العدد مع فضل حفظهم دلالةٌ على أنه لم يزد في كل ركعة على ركوعين”.

وقال ابن عبد البر في التمهيد: “فإن قيل إن طاوسا روى عن ابن عباس أنه صلى في صلاة الكسوف ركعتين في كل ركعة ثلاثُ ركعات ثم سجد وأن عبيد بن عمير روى عن عائشة مثلَ ذلك وأن عطاءً روى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف ستَّ ركعات في أربع سجدات فلمَ لمْ يكن المصير عندك إلى زيادة هؤلاء أولى؟!، قيل له إنما تُقبل الزيادة من الحافظ إذا ثبتت عنه وكان أحفظَ وأتقنَ ممن قصَّر أو مثلَه في الحفظ، وأما إذا كانت الزيادة من غير حافظ ولا متقن فإنها لا يُلتفت إليها، وليس مثل هذه الأسانيد يُعارض بها حديث عروة وعمرة عن عائشة، ولا حديث عطاء بن يسار عن ابن عباس، لأنها من الآثار التي لا مطعن لأحد فيها”.

* ـ ومن فحوى كلامك تصحيحُ ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عمره الشريف يوم وفاته ستين عاما أو ثلاثة وستين عاما أو خمسة وستين عاما!!. وهذا تناقض غير مقبول.

أسأل الله تعالى أن يهدينا سواء السبيل وأن يجمع قلوبنا على الحق الذي يرضيه عنا بمنه وكرمه.