حديث إن في المال لحقا سوى الزكاة

حديث “إن في المال لحقا سوى الزكاة”

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

* حديث “إن في المال لحقا سوى الزكاة” رواه الترمذي والدارمي والطحاوي والطبراني في الكبير والدارقطني والبيهقي وابن مردويه من طريق الأسود بن عامر ومحمد بن الطفيل وأسد بن موسى وحماد بن سلمة وبشر بن الوليد وآدم بن أبي إياس ويحيى بن عبد الحميد، سبعتهم عن شريك بن عبد الله النخعي عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال “إن في المال لحقا سوى الزكاة”.

[شريك بن عبد الله النخعي كوفي صدوق فيه لين مات سنة 177. أبو حمزة ميمون الأعور القصاب كوفي ضعيف متروك الحديث. عامر بن شراحيل الشعبي كوفي ثقة مات سنة 109. فاطمة بنت قيس الفهرية صحابية ماتت غالبا بعد سنة 50]. فهذا السند تالف.

رواية ابن مردويه نقلتها من تفسير ابن كثير، وذكر أنها من طريق آدم بن أبي إياس ويحيى بن عبد الحميد عن شريك.

وفي رواة هذا الحديث راوٍ ثامنٌ عن شريك، هو يحيى بن آدم، لكنِ اختُلف عليه في روايته، فرواه الطبري عن أبي كُريب عن يحيى بن آدم عن شريك أنه قال حدثنا أبو حمزة ـ فيما أعلم ـ عن عامر الشعبي عن فاطمة بنت قيس أنها سمعته يقول “إن في المال لحقا سوى الزكاة”، ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن يحيى بن آدم عن شريك بن عبد الله به بلفظ “ليس في المال حق سوى الزكاة”.

 

* هل هذا الحديث مضطرب المتن بسبب التعارض الذي بين روايتيه؟:

قال الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة 806 في كتابه شرح التبصرة والتذكرة: [ومثال الاضطراب في المتن حديث فاطمة بنت قيس أنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الزكاة فقال “إن في المال لحقا سوى الزكاة”، فهذا حديث قد اضطرب لفظه ومعناه، فرواه الترمذي هكذا من رواية شريك عن أبي حمزة عن الشعبي عن فاطمة، ورواه ابن ماجه من هذا الوجه بلفظ “ليس في المال حق سوى الزكاة”، فهذا اضطراب لا يحتمِل التأويل].

ونقله عنه برهان الدين إبراهيم بن موسى الأبناسي المولود سنة 725 والمتوفى سنة 802 في كتابه الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح، وبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي المولود سنة 745 والمتوفى سنة 794 في كتابه النكت على مقدمة ابن الصلاح، والكافيجي في المختصر، والمناوي في اليواقيت والدرر، وغيرهم.

وبغض النظر ـ عما ذُكِر من اختلاف نسخ سنن ابن ماجه في لفظ الحديث وعما ذُكِر من محاولةٍ للجمع بين اللفظين المتعارضين لهذا الحديث ـ فهل يصح القولُ هنا بأنه مضطرب المتن؟.

لا بد أولا من التذكير بما اتفق عليه العلماء من الشرط الذي يتحقق به الحكمُ على الحديث بالاضطراب، وهو ـ بالإضافة إلى تحقق التعارض ـ أن تتساوى الروايات المتعارضة في القوة.

قال ابن الصلاح: “إنما نسميه مضطربا إذا تساوت الروايتان، أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى بأن يكون راويها أحفظَ أو أكثرَ صحبة للمروي عنه أو غيرِ ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة فالحكم للراجحة، ولا يُطلق عليه حينئذ وصف المضطرب”.

وقال ابن حجر في نزهة النظر: “إن كانت المخالفة بإبدال الراوي ولا مرجح لإحدى الروايتين على الأخرى فهذا هو المضطرب”.

إذا عرَفنا ذلك فالجواب أن القول الذي قاله الحافظ العراقي رحمه الله غير صحيح البتة، لأن الشرط غير متحقق:

بالنظر إلى روايات هذا الحديث في كتب السنن فقد رواه الترمذي من طريق الأسود بن عامر ومحمد بن الطفيل عن شريك بن عبد الله ورواه ابن ماجه من طريق يحيى بن آدم عن شريك، فلا مساواة في القوة بين الروايتين، ورواية الترمذي أقوى وأرجح، لأنها من طريقين عن شريك والرواية الأخرى من طريق واحد عنه.

وإذا نظرنا إلى بقية الطرق الواردة في تخريج الحديث فإن اللفظ الوارد في سنن الترمذي رواه سبعة من الرواة عن شريك بن عبد الله، ورواه الطبري عن أبي كريب عن يحيى بن آدم عن شريك، واللفظ الآخر رواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن يحيى بن آدم عن شريك.

 

* فهذا الحديث ليس من المضطرب.

وهو ـ على كل حال ـ ضعيف الإسناد جدا، كما تقدم.

وقد أخطأ فيه راويه أبو حمزة ميمون الأعور القصاب، إذ رواه عن عامر بن شراحيل الشعبي عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصله أنه موقوف على الإمام الشعبي من قوله.

فقد رواه سعيد بن منصور في التفسير وابن أبي شيبة والطبري من طريق بيان بن بشر، والطبريُّ من طريق إسماعيل بن سالم، وابنُ زنجويه من طريق يونس بن أبي إسحاق، ثلاثتهم عن الشعبي أنه قال: “إن في المال لحقا سوى الزكاة”.

 

* فائدة:

علق الترمذي على الحديث بقوله: “هذا حديث إسناده ليس بذاك، وأبو حمزة ميمون الأعور يُضعف، وروى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي هذا الحديث قوله، وهذا أصح”. يعني الترمذيُّ بقوله هنا “وهذا أصح” أن ما سواه خطأ، وهذا هو المشهور من استعمال الأئمة المتقدمين لهذه الكلمة في باب الإعلال.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 2/ 3/ 1437، وأصله عندي من نحو عشرين عاما، والحمد لله رب العالمين.