حديث فضل الغوطة

حديث فضل الغوطة

بسم الله الرحمن الرحيم

قال صلاح الدين الإدلبي في كتابه أحاديث فضائل الشام:

حديث “فسطاط المسلمين يوم الملحمة الغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق”

رُوي هذا الحديث من حديث أبي الدرداء وعوف بن مالك ومعاذ بن جبل ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حديث عبد الله بن عمرٍو موقوفا، ومن مرسل علي زين العابدين وحسان بن عطية والأوزاعي:

ـ فأما حديث أبي الدرداء فرواه ابن حنبل وأبو داود ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ وأبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة والبزار والطبراني في مسند الشاميين والمعجم الأوسط وابن عساكر من طريق زيد بن أرطاة عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “فسطاط المسلمين يوم الملحمة الغوطة، إلى جانب مدينة يقال لها دمشق”. وفي عدد من هذه المصادر زيادة “هي من خير مدائن الشام”.

وهذا الإسناد متصل ورجاله ثقات، فظاهره الصحة، ولكنه معلول بالإرسال:

وذلك أن هذا الحديث رواه ابن حنبل في فضائل الصحابة من طريق محمد بن راشد المكحولي عن مكحول عن جبير بن نفير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا. [محمد بن راشد المكحولي دمشقي سكن البصرة، ثقة فيه لين مات بعد سنة 160. مكحول دمشقي ثقة مات سنة 115 تقريبا. جبير بن نفير حمصي ثقة مات سنة 80].

ورواه أبو داود وابن عساكر من طريق برد أبي العلاء ومن طريق سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا. [برد بن سنان أبو العلاء دمشقي سكن البصرة، صدوق ثقة فيه لين مات سنة 135].

ومكحول سمع الحديث من جبير بن نفير، فالظاهر أنه كان يرويه أحيانا عنه بالإرسال ويرسله هو أحيانا أخرى.

وخلاصة الأمر في إسناد حديث أبي الدرداء أن زيد بن أرطاة رواه عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه مكحول عن جبير بن نفير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا، فالطريق الموصول معلول بعلة الإرسال.

ولعل في الروايات التي كشفت علة حديث أبي الدرداء ما يؤكد الإعلال الذي أشار إليه أبو زرعة الدمشقي رحمه الله إذ روى هذا الحديث في الفوائد المعللة.

ـ وأما حديث عوف بن مالك فرواه ابن حنبل والبزار والطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين وابن عساكر من طرق عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “اعدد يا عوف ستا بين يدي الساعة، … تحت كل راية اثنا عشر ألفا، فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يُقال لها الغوطة، في مدينة يُقال لها دمشق”. [صفوان بن عمرو ثقة. عبد الرحمن بن جبير بن نفير ثقة فيه لين].

هذه الرواية تتألف من جزأين هما حديثان:

الجزء الأول هو من قوله “اعدد يا عوف ستا بين يدي الساعة”، إلى قوله “تحت كل راية اثنا عشر ألفا”، وهو ما رواه البخاري وابن ماجه وابن حبان والطبراني في مسند الشاميين والحاكم والبيهقي من طريق أبي إدريس الخولاني عن عوف بن مالك أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أدم، فقال: “اعددْ ستا بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يُعطى الرجل مئة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا”. وهو مروي من طريق ضمرة بن حبيب وعبد الله بن الديلمي ومحمد بن أبي محمد والشعبي وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد وهشام بن يوسف كلهم عن عوف بن مالك به نحوه. فهذا إسناد صحيح.

الجزء الثاني هو “فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يُقال لها الغوطة في مدينة يُقال لها دمشق”، وهو ما رواه ابن حنبل وغيره من طريق زيد بن أرطاة عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورواه ابن حنبل في فضائل الصحابة من طريق مكحول عن جبير بن نفير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا. وتقدم هذا في حديث أبي الدرداء.

ويبدو أن الرواية المشتملة على الحديثين كليهما عن عوف بن مالك غير صحيحة للقرائن التالية:

حديث عوف بن مالك الذي هو الحديث الأول رُوي عنه من ستة طرق وليس في أي منها الزيادة التي هي نص الحديث الثاني.

حديث جبير بن نفير الذي هو الحديث الثاني رواه عنه اثنان من ثقات أصحابه منفردا، وقال أحدهما عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الآخر عن جبير بن نفير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا.

هذه الرواية المشتملة على الحديثين كليهما تفرد بها صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه، وعبد الرحمن بن جبير وثقه أبو زرعة والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات، لكن قال فيه ابن سعد: كان ثقة وبعض الناس يستنكر حديثه. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. فهو ثقة فيه لين، والظاهر أن هذه الرواية من أوهامه.

يبدو أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير سمع من أبيه الحديث الأول الذي يرويه عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي رواه جماعة من الرواة عنه، وهو ينتهي عند قوله “تحت كل غاية اثنا عشر ألفا”، كما سمع منه الحديث الثاني الذي يرويه مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “فسطاط المسلمين يوم الملحمة الغوطة في مدينة يُقال لها دمشق”، فتوهم أنهما كليهما بالإسناد الأول فرواهما به هكذا مجموعين، فيكون هذا من مدرج الإسناد.

وهذا يعني أن من روى حديث “فسطاط المسلمين يوم الملحمة الغوطة في مدينة يُقال لها دمشق” عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك فقد وهِم.

ـ وأما حديث معاذ بن جبل فرواه ابن عساكر من طريق عمرو بن واقد عن عروة بن رويم عن أبي مالك الأشعري عن معاذ مرفوعا به نحوه. [عمرو بن واقد متروك الحديث واتهم بالكذب].

ورواه ابن عساكر من طرق عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن معاذ مرفوعا به نحوه. [سعيد ثقة إمام ثم اختلط، ومكحول لم يدرك معاذ بن جبل].

ـ وأما حديث الرجل الذي هو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرواه ابن حنبل وابن عساكر عن اثنين عن أبي بكر بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه أنه قال: حدثنا رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. به نحوه.

وفي بعض طرقه عند ابن عساكر من طريق ابن أبي مريم بلفظ “حدثني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم”، وفي بعض طرقه عنده كذلك “عن رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم”، وفي بعض طرقه بدون ذكر الصحابي مرسلا، وهذا كله من تخليط ابن أبي مريم، فإنه ضعيف.

ـ وأما حديث عبد الله بن عمرو موقوفا فرواه ابن عساكر من طريق يحيى بن حمزة عن عبد الله بن لهيعة عن عبد الله بن شريح المعافري عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي سالم الجيشاني سفيان بن هانئ عن عبد الله بن عمرو أنه قال: عليك بالفحص، وهي الغوطة، فإنها فسطاط للمسلمين. عبد الله بن لهيعة قال فيه ابن حجر: صدوق، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما. فهذا الطريق ضعيف.

ـ وأما مرسل علي زين العابدين فرواه ابن عساكر من طريق أبي يعلى عبد الله بن محمد بن حمزة بن أبي كريمة الصيداوي عن القاسم بن عبيد المُكْتِب عن عبد الله بن سليمان العبدي عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إنها ستـُفتح الشام، فعليكم بمدينة يقال لها دمشق، فإنها خير مدائن الشام، وهي معقل المسلمين من الملاحم، وفسطاط المسلمين بأرض منها يقال لها الغوطة، ومعقلهم من الدجال بيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج الطور”. [أبو يعلى عبد الله بن محمد بن حمزة بن أبي كريمة الصيداوي بيض له ابن عساكر، وكذا الذهبي في تاريخ الإسلام في الطبقة 36، فوفاته بعد سنة 350. القاسم بن عبيد المُكْتِب ولعله أبو القاسم لم أجد له ترجمة. عبد الله بن سليمان بن يوسف العبدي ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عدي: ليس بذاك المعروف. وقال الذهبي في الميزان: فيه شيء. وقال في ديوان الضعفاء: له حديث موضوع. أبوه لم أجد له ترجمة]. فهذا السند تالف.

ـ وأما مرسل حسان بن عطية فرواه ابن عساكر من طريق حفص بن غيلان عن حسان بن عطية أنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجوز الأعداء أمته من بلد إلى بلد، فقالوا: يا رسول الله فهل من شيء؟!. قال: “نعم، الغوطة، مدينة يقال لها دمشق، هي فسطاطهم ومعقلهم من الملاحم، لا ينالها عدو إلا منها”. حسان بن عطية تابعي دمشقي ثقة مات بعد سنة 120. والسند المرسل ضعيف.

ـ وأما مرسل الأوزاعي فرواه ابن عساكر من طريق عبد الله بن كثير القارئ عن الأوزاعي أنه قال: بلغنا أن بالشام واديا يقال له الغوطة، فيه مدينة يُقال لها دمشق، هي خير مدائن الناس يوم الملاحم. فهذا مرسل عن قائل غير معين، فلا التفات له.

* ـ خلاصة القول في هذا الحديث:

طرقه كلها ما بين كونه وهَما أو ضعيفا أو شديد الضعف أو تالفا أو مرسلا، فهو حديث ضعيف.

*****