بقلم : صلاح الدين بن أحمد الإدلبي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيدنا محمد إمام النبيين، وخاتم المرسلين، وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، فهذا كتاب ألَّفته قبل أحد عشر عامًا في بعض الأحكام الشرعية التي تتعلق بالمرأة، في التطيب والزينة واللباس ونحو ذلك.
وقد طلب مني بعض الإخوة تقديمه للطباعة والنشر، فهأنذا أجيب ما طلب، راجيًا من المولى الكريم أن ينفع به كاتبه وناشره وقارئه، وامرأةً مؤمنةً بالله ورسوله تقدم طاعة الله ورسوله على كل ما سواهما، وتتحرى بصدق وإخلاص أن تلتزم بأحكام هذا الدين الحنيف.
صلاح الدين بن أحمد الإدلبي
16 / 4 / 1430
12 / 4 / 2009
الفصل الأول
خروج المرأة من بيتها متعطرة
قال الباحث : «اعلم أن خروج المرأة متزينة أو متعطرة مع ستر العورة مكروه تنزيهاً، دون الحرام، ويكون حرامًا إذا قصدت المرأة بذلك التعرض للرجال، أي إذا قصدت فتنتهم».
استدل الباحث على دعواه في عدم تحريم خروج المرأة من بيتها متعطرة إذا لم تقصد فتنة الرجال بما يلي:
دليله الأول:
قال الباحث: [وانظر إلى ما في مصنف ابن أبي شيبة عن محمد بن المنكدر قال: زارت أسماء أختها عائشة والزبيرُ غائب، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد ريح طيب، فقال «ما على المرأة أن تَطَّيَّب وزوجها غائب». فلو كان ذلك حرامًا لبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم].
أقول: هذا الحديث – لو صحَّ – صريح في أن أسماء تطيبت بطيب تظهر رائحته وخرجت من بيتها، وقد رواه ابن أبي شيبة [9/27] عن وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن المنكدر، وهذا سند ضعيف جدا، فإن موسى بن عبيدة وإن كان من العباد الزهاد فقد ضعّفه جمهور النقاد، وقال فيه الإمام أحمد: لا تحل الرواية عنه. وقال عنه أبو حاتم والساجي: منكر الحديث. وقال يعقوب بن شيبة: صدوق، ضعيف الحديث جدًّا، ومن الناس من لا يكتب حديثه لوهائه وضعفه وكثرة اختلاطه. [تهذيب التهذيب: 10/356 – 360].
فكيف يجوز لمن له اشتغال بالحديث أن يعلق مثل هذا السند ويحذف اسم الراوي الذي لا تحل الرواية عنه والمعروف برواية المناكير ؟!!!.
وهذا الحديث قد رواه الطبراني في المعجم الكبير [24/104 – 105] من طريق الإمام أحمد عن وكيع عن موسى بن عبيدة، به، لكن بلفظ «ما على المرأة أن لا تَطَّيَّب وزوجها غائب»، بزيادة «لا»، [وانظر: مجمع الزوائد: 4/314. وكنز العمال: 16/393]. ويكون معنى الحديث – على الرواية الثانية – الإرشاد إلى ترك التطيب. وأيًّا ما كان المعنى فسند الحديث ضعيف جدا، فلا يصح الاستدلال أو الاستشهاد به.
دليله الثاني:
قال الباحث: «وفي سنن البيهقي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين، لم يصلِّ قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسِخَابها، قال البيهقي: رواه البخاري في الصحيح عن أبي الوليد، وأخرجه مسلم عن شعبة». وعلق الباحث بقوله: «فهذا الحديث فيه أن هؤلاء النسوة خرجن يوم العيد وهن لابسات السخاب، وهو نوع من الطيب، فلم ينكر عليهن».
أقول: السِخَاب – بكسر السين – : هو قلادة من سُكٍّ وقرنفل ومحلب بلا جوهر. والجمع: سُخُب، بضمتين.
والسك: نوع من الطيب، يتخذ من شيء أسود يقال له الرامك بعد أن يخلط بالمسك المسحوق. [انظر: القاموس المحيط].
وسيأتي الكلام عليه بعد ذكر دليله الثالث.
دليله الثالث:
قال الباحث: «حديث عائشة الذي رواه أبو داود في سننه أنها قالت: كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فنضمخ جباهنا بالمسك المطيب للإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها، فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها». [سنن أبي داود: 9/58 بسند صحيح].
وعلق الباحث بقوله: «فالقائل بحرمة خروج المرأة متعطرة على الإطلاق ماذا يفعل بهذا الحديث؟».
أقول: في الدليل الثاني الذي أورده الباحث لبس النساء قلائد فيها نوع من الطيب، وفي الدليل الثالث تضميخ النساء جباههن بالطيب، فهل هذا يعني أنهن كن يتطيبن بطيب تظهر رائحته ويخالطن الرجال؟؟ هذا مما لم يأذن به النبي صلى الله عليه وسلم قطعًا، والدليل على ذلك الأحاديث المتعددة في التفريق بين طيب الرجال وطيب النساء، والدالة على أن طيب النساء المسموح به شرعًا هو ما خفي ريحه، ومن هذه الأحاديث:
1- حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن طيب الرجل ما وجد ريحه ولم يظهر لونه، ألا إن طيب النساء ما ظهر لونه ولم يوجد ريحه». هذا لفظ المسند، ولفظه عند عبد بن حميد: «طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه، وطيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه». [مسند الإمام أحمد : 2/ 541. المنتخب من مسند عبد بن حميد: 3/ 212. سنن أبي داود : 10/ 236. سنن الترمذي، وحسَّنه. الشمائل للترمذي: ص 1883. سنن النَّسائي: 8/ 151. مسند الشهاب للقضاعي: 1/184. شعب الإيمان للبيهقي : 6/ 169]. ورجال إسناده ثقات، إلا الراوي عن أبي هريرة، فهو رجل من الطفاوة، لم يرو عنه سوى أبي نضرة العبدي، فهو مجهول.
فإن كنتَ ممن يعتمد على تحسين الترمذي فقد حكم بحسنه، وقد أصاب في تحسينه، لشواهده وعدم شذوذه، وإلا تكن ممن يعتمد عليه فلا مفر من القول بتقويته بالشواهد.
2- حديث عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «… ألا وطيب الرجال ريح لا لون له، ألا وطيب النساء لون لا ريح له». قال سعيد بن أبي عروبة – وهو راويه عن قتادة عن الحسن البصري عن عمران بن الحصين – عقب رواية الحديث: أُراه قال: إنما حملوا قوله في طيب النساء على أنها إذا خرجت، فأما إذا كانت عند زوجها فَلْتطَّيَّبْ بما شاءت. [مسند الإمام أحمد : 4/442. سنن أبي داود : 16/374. سنن الترمذي، وقال: حسن غريب من هذا الوجه. المعجم الكبيرللطبراني : 18/147. المستدرك للحاكم : 4/191 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. سنن البيهقي : 3/246. التمهيد لابن عبد البر: 2/185، وسقط من التمهيد ذكر عمران بن حصين]. ورجال إسناده ثقات، إلا أن قتادة والحسن البصري – مع ثقتهما وإمامتهما – مدلسان، ولم يصرحا بالسماع.
فإن كنت ممن يعتمد على تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي له فقد صحح الحاكم إسناده ووافقه الذهبي، وإن كنت ترى قول الترمذي المتقدم آنفا مما يفيد في تقوية الحديث فقد نقلته لك، وإلا فإنه لاشك يتقوى بما قبله وما بعده.
3- حديث أبي عثمان النهدي – من كبار التابعين – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خير طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وخير طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه». [مصنف عبد الرزاق : 4/321]. ورجال إسناده ثقات، إلا أنه مرسل، لكنه يتقوى بالروايات الأخرى.
هذا وقد اختُلف فيه على بعض رجال هذا الإسناد، والأصح فيه ما ذكرته من كونه مرسلاً، هكذا رواه عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن عاصم بن سليمان الأحول عن أبي عثمان النهدي، مرسلاً. ورواه الطبراني في المعجم الأوسط من طريق إبراهيم بن بشار الرمادي عن ابن عيينة به، وزاد في السند«عن أبي موسى الأشعري»، فصار الإسناد متصلا. وقال عنه الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه إبراهيم بن بشار الرمادي، وهو ضعيف وقد وُثِّق، وبقية رجاله رجال الصحيح. [المعجم الأوسط : 1/400. مجمع البحرين في زوائد المعجمين : 7/200. مجمع الزوائد: 5/158]. وروي كذلك من طريق إسماعيل بن زكريا عن عاصم بن سليمان الأحول عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فصار الإسناد متصلا من رواية أنس. وقال عنه الهيثمي: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح. [مسند البزار : 3/376. شعب الإيمان للبيهقي : 6/169. مجمع الزوائد: 5/156]. وقال حمدي عبد المجيد السلفي: ورواه الضياء من حديث أنس. [حاشية مسند الشهاب للقضاعي: 1/ 184]. وذكر العقيلي في الضعفاء [2/ 109 – 110] أنه يُروى عن عاصم عن أبي عثمان النهدي من قوله. لكن لم أجده عنه هكذا.
ولست – بحمد الله – ممن يدلس في العلم، وإلا لذكرت حديث أبي موسى وحديث أنس على أنهما من باب تعدد الطرق، والواقع أنهما من باب اختلاف الرواية.
فثبت بما ذكرته أن طيب النساء المأذون به شرعًا عند الخروج من المنزل هو ماخفي ريحه، فكيف غفل الباحث – الذي يُدَّعى له سعة الاطلاع والحفظ لمتون الأحاديث النبوية – عن هذا الحديث؟! على الرغم من وجوده في أكثر من عشرة مصادر من المصادر الأساسية لرواية السنة النبوية فضلا عن المراجع؟؟!!.
ـ والفرق بين طيب الرجال وطيب النساء معروف عند الفقهاء، ومن نصوصهم التي أشارت إلى الفرق قول الإمام ابن عبد البر في باب الإحداد: «والصواب أنها لا يجوز لها لبس شيء تتزين به،… وكذلك الطيب كله مؤنثه ومذكره». [الكافي لابن عبد البر : 1/519]. وكثير من الناس اليوم لا يفرقون بين مذكر الطيب ومؤنثه.
دليله الرابع:
نقل الباحث عن كتاب حلية العلماء للقفال الشاشي قوله «منصوص الشافعي رحمه الله في عامة كتبه أن حكم المرأة في استحباب التطيب للإحرام كحكم الرجل». ونقل عن النووي وزكريا الأنصاري وشمس الدين الرملي كراهة التطيب للنساء إذا خرجن لصلاة العيد أو الجماعة.
أقول: مراد الباحث من نقل القول بالكراهة أي إنه مكروه ليس بمحرم، ولكنه غفل عن الفرق بين طيب الرجال وطيب النساء، وأن طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه.
ويبدو أن النساء كن يتطيبن في زمن الشافعي بطيب لا تظهر رائحته من المرأة حتى ولو مرت بقرب الرجال، فلذلك استحبه لهن، وأنهن كن يتطيبن بعد ذلك بطيب قد يظهر منه شيء عند ضرورة المرور بقرب الرجال، فلذلك كرهه الفقهاء لهن، ولو كان مما تظهر له رائحة لما ترددوا في التحريم.
دليله الخامس:
قال الباحث: «وقد أجمعت المذاهب الأربعة على أنه يجب على المرأة المعتدة للوفاة الإحدادُ، وهو الامتناع عن الزينة والطيب، فلو حرما عليها في جميع الأحوال معتدة أو غير معتدة فلأي معنى خُصَّت المعتدة بهذا؟!».
أقول: المعتدة التي يجب عليها الإحداد – وهي المتوفى عنها زوجها في قول الفقهاء ويضاف إليها المبتوتة في قول أبي حنيفة وأحمد في رواية – تجتنب التطيب مطلقاً، سواء أكانت في البيت أو خرجت لحاجة، أما غير المعتدة التي لا يجب عليها الإحداد فإنها تجتنب التطيب إذا أرادت الخروج من البيت، وكذا عند حضور الرجال الأجانب، وتتطيب في بيتها الذي لا يغشاه غير الزوج والنساء والمحارم من الرجال، فالفرق بينهما واضح. فكيف غفل عنه الباحث ؟!!.
دليله السادس:
قيد الباحث تحريم خروج المرأة متعطرة بما إذا قصدت فتنة الرجال، ولم يقل بتحريمه على الإطلاق، أي سواء أقصدت ذلك أو لم تقصد، وذكر سبب تقييده بحالة القصد فقط بقوله: «تحاشيًا من الخروج عن إجماع الأئمة، فإنه لم يقل أحد منهم بحرمة خروج المرأة متطيبة على الإطلاق».
أقول: من الغريب دعوى الإجماع على مدعاه !!! فهل نقل هذا الإجماع أحد العلماء؟!.
بل المعروف خلاف هذا، فقد روي ما يعارضه عن عمر بن الخطاب وابنته حفصة وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة من الصحابة، وعن عطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي من التابعين، فهل ينعقد الإجماع بخلاف قول هؤلاء جميعا؟!!!. أو ليس هؤلاء الصحابة والتابعون من أهل الإجماع ؟!!!.
وعلى وَفق قولهم قولُ ابن خزيمة والنووي والذهبي وابن كثير وابن حجر العسقلاني وابن حجر الهيتمي، فهل غفَل هؤلاء جميعا عن معرفة هذا الإجماع؟!!!.
بل هل قال عالم واحد من علماء المسلمين بجواز خروج المرأة متطيبة بطيب تظهر رائحته مع علمها أو ظنها بأنها تمر قريبا من الرجال ؟!!!.
أدلة تحريم خروج المرأة متعطرة بطيب تظهر رائحته
يحرم على المرأة الخروج من بيتها متعطرة بطيب تظهر رائحته إذا علمت أو ظنت بأنها تمر قريبا من الرجال، وهذه هي الأدلة:
الدليل الأول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شهدت إحداكن صلاة العشاء فلا تمس طيبا». روي من أربعة طرق عن بُكير بن عبد اللـه ابن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن زينب الثقفية امرأة عبد اللـه بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم. [مسند الطيالسي : ص 229 – 230. الطبقات الكبرى لابن سعد : 8/290. المصنف لابن أبي شيبة :9/26. مسند الإمام أحمد : 6/363. صحيح مسلم :4/163. سنن النسائي : 8/154 – 155. الأوسط لابن المنذر: 4/229. سنن البيهقي : 3/133]. وفي بعض المواضع جاء في السند «يعقوب بن عبد اللـه ابن الأشج» بدلاً من أخيه «بُكير»، ولعله وَهَم.
وروي من طريق ابن شهاب عن بسر بن سعيد به مرفوعا، رواه النسائي وعقب عليه بقوله: وهذا غير محفوظ من حديث الزهري. [8/155].
وروي من طرق عن عبد اللـه بن محمد بن عبد اللـه بن أبي فروة، عن يزيد ابن خصيفة، عن بسر بن سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة». [صحيح مسلم: 4/163. سنن أبي داود: 17/ 62 – 63. سنن النسائي: 8/154]. ولعل يزيد ابن خصيفة وهم فيه فجعله عن أبي هريرة بدلا من زينب الثقفية، قال النسائي عقب روايته: لا أعلم أحداً تابع يزيد ابن خصيفة عن بسر على قوله «عن أبي هريرة». ورواه [عبد الرزاق في مصنفه : 4/372] عن بسر مرسلاً.
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث «فلا تمس طيبًا» : نهي للمرأة التي تريد شهود صلاة العشاء عن مس الطيب، والأصل في النهي أنه للتحريم، ولا قرينة تصرفه عنه، فخروج المرأة من بيتها متطيبة ولو إلى المسجد حرام.
الدليل الثاني:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله من امرأة صلاة خرجت إلى المسجد وريحها تعصف حتى ترجع فتغتسل». رواه اثنان عن الأوزاعي، عن موسى بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. [صحيح ابن خزيمة : 3/92. سنن البيهقي: 3/246]. ورواته ثقات، إلا أن في سنده انقطاعا بين موسى بن يسار الأردنّي وأبي هريرة.
وله طريق ثان، فقد رواه النسائي من طريق صفوان بن سليم، عن رجل ثقة، عن أبي هريرة، مرفوعا. [سنن النسائي : 8/153 – 154]. ورواته ثقات، إلا أن فيه مبهما موثَّقًا على الإبهام.
وله طريق ثالث، فقد رواه جماعة عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن عبيد بن أبي عبيد مولى أبي رهم، عن أبي هريرة، مرفوعا. [مصنف عبد الرزاق : 4/371. الشافعي في السنن: 1/289. مسند الإمام أحمد : 2/444، 461، 246، 297. سنن أبي داود : 17/61 – 62. كتاب المجروحين لابن حبان: 2/128]. وعاصم بن عبيد اللـه واه، وعبيد مولى أبي رهم وثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات. ورواه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن الحارث بن عبيد مولى أبي رهم، عن جده، به، نحوه. [سنن البيهقي : 3/133]. ورواه ليث بن أبي سُليم عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن مولى أبي رهم، به، نحوه. [مسند الإمام أحمد : 2/365]. وليث بن أبي سليم كان قد اختلط، وابن أبي المخارق ضعيف متروك.
ويحتمل أن يكون موسى بن يسار وصفوان بن سليم قد سمعاه من عبيد مولى أبي رهم، فإن كان كذلك فمداره على عبيد مولى أبي رهم، ويتأكد توثيقه بوصفه بالثقة من قبل صفوان بن سليم الراوي عنه، وإلا يكن كذلك فإن سنده يتقوى بتعدد الطرق، سواء أسمعاه من واحد أو اثنين. وخلاصة الأمر أن سنده صحيح لغيره، وقد صححه ابن خزيمة.
وقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث «لا يقبل الله من امرأة صلاة خرجت إلى المسجد وريحها تعصف حتى ترجع فتغتسل» : دليل على تحريم خروجها إذا تطيبت بما تظهر رائحته، وعلى أن الله تعالى لا يقبل منها صلاة حتى ترجع فتغتسل حتى تزيل الرائحة.
ـ هذا وقد ذكر الباحث هذا الحديث وعلق عليه بقوله «وأما حديث أبي هريرة… فليس فيه تحريم خروجها متعطرة، وإنما فيه أن صلاتها في هذه الحال في المسجد لا تكون مقبولة، ومن المعلوم أن كثيرًا من الكراهات تمنع القبول أي الثواب مع كون العمل جائزًا وانتفاء المعصية، مثال ذلك ترك الخشوع في الصلاة، فإن الصلاة تصح بدون الخشوع مع عدم المعصية والقبول، أي لا ثواب فيها، لأنه لم يُفهم منه تحريم خروج المرأة متعطرة إلا الكراهة التنزيهية، لأن الكراهة إذا أطلقت فيراد بها عند الشافعيين الكراهة التنزيهية،… ومن المعلوم أن البيهقي كان شافعي المذهب،… والحديث الأول رواه البيهقي في السنن الكبرى في باب ما يكره للنساء من الطيب».
أقول: أراد الباحث بقوله هذا رد الاستدلال بهذا الحديث على تحريم خروج المرأة متعطرة، متوهماً أن تعليق الحكم بعدم قبول الصلاة على ارتكاب مخالفة شرعية لا يدل على أن تلك المخالفة محرمة، بل قد تكون – على مذهبه – مكروهة فقط، ومؤكدا بأن العلماء لم يفهموا منه تحريم خروج المرأة متعطرة، وفي ذلك نظر، بيانه فيما يلي:
1- قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة هذا «لا يقبل الله من امرأة صلاة…» : هذا تهديد ووعيد للمرأة التي تخرج متطيبة، فهل يأتي الوعيد بعدم قبول الصلاة لمن ارتكب مكروها من المكروهات؟!! فإن النظر في جملة من الأحاديث النبوية يفيد أن التهديد بنفي قبول العمل لا يكون إلا إذا صاحبه شيء من المحرمات، وهذه بعض الأحاديث التي ورد فيها مثل ذلك التهديد من غير اقتصار على ما صح سنده:
«لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ». [صحيح البخاري].
«لا يقبل الله صلاة بغير طُهور». [صحيح مسلم].
«لا يقبل الله صدقة من غلول». [مسند الإمام أحمد، سنن أبي داود].
«إن الله لا يقبل صلاة عبد مسبل إزاره». [مسند الإمام أحمد، سنن أبي داود]. وإسبال الإزار عُجبا وكبراً من المحرمات، وفي صحيح مسلم أن المسبل إزارَه هو أحد الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
«ثلاثة لا يُقبل لهم صلاة : رجل أَمَّ قومًا وهم له كارهون، والعبد إذا أَبَقَ حتى يرجع إلى مولاه، والمرأة إذا باتت مهاجرة لزوجها عاصية له». [مصنف ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلا، ونحوه في سنن الترمذي عن أبي أمامة، ونحوه في مصنف ابن أبي شيبة عن سلمان، ونحوه في صحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان والمعجم الأوسط للطبراني وشعب الإيمان للبيهقي عن جابر، وفيه بدلا عن النوع الأول «والسكران حتى يصحو».
«ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: الرجل يؤم قوما وهم له كارهون، والرجل لا يأتي الصلاة إلا دباراً، ورجل اعتبد محرراً». وفسر أحد رجال السند الدِبار بأن يأتيها بعد أن تفوته. [سنن أبي داود عن ابن عَمْرٍو].
«ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة: إمام قوم وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها غضبان، وأخوان متصارمان». [صحيح ابن حبان عن ابن عباس].
«من شرب الخمر لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة». [مسند الإمام أحمد، سنن الترمذي، سنن النسائي].
«إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم». [مسند الإمام أحمد].
«من أفطر يوما في غير رخصة فلن يُقبل منه الدهرَ عملُه». [مسند الإمام أحمد].
«لا يقبل الله عز وجل صلاة رجل في جسده شيء من الخَلُوق». [مسند الإمام أحمد، سنن أبي داود]. والخلوق طيب مركب من الزعفران وغيره، وتغلب عليه الحمرة والصفرة، وهو من طيب النساء، والمتضمخ به متشبه بالنساء. [مجمع بحار الأنوار: 2/100 – 101]. ولا يخفى أن التشبه بالنساء حرام، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال.
فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلق الحكم بعدم قبول الصلاة على ترك واجب أو فعل محرم، لكن قد يقال إن إسبال الإزار إذا لم يكن بقصد الخيلاء هو مكروه ليس بحرام عند جمهور العلماء، فالجواب أن الشائع من حال المسبلين في العهد النبوي هو الإسبال بقصد الخيلاء، وعليه تتنزل الأحاديث النبوية، كقوله صلى الله عليه وسلم «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب». وقد يقال إن بعض الفقهاء نصوا على أنه يكره للرجل أن يؤم قوما وهم له كارهون، فالجواب أنهم هكذا قالوا، لكنه قول مرجوح، إذ الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في مكروهات الصلاة – كالالتفات بالعنق لغير حاجة ورفع البصر إلى السماء ووضع اليد على الخاصرة وتشبيك الأصابع وفرقعتها وتقليب الحصى في الصلاة – لم أجد فيها أن من فعل شيئا منها لم تقبل صلاته، والأحاديث النبوية الواردة في عدم قبول العمل وخاصة الصلاة علقته على ترك واجب أو فعل محرم، فإذا وقع تردد في خصلة من الخصال وجب إلحاقها بما يناسبها حسب هذا التقسيم، وعليه فإنه يحرم على الرجل أن يؤم قوما وهم له كارهون، وهذا إن علم كراهيتهم لإمامته وأن تلك الكراهية ليس مبعثها أهواء النفس المخالفة للشريعة. ومما يقوي دلالة تحريم التقدم على الناس لإمامتهم وهم كارهون أن النبي صلى الله عليه وسلم قرن بينه وبين المحرمات المذكورة، وهي إباق العبد من مولاه، وبيتوتة المرأة مهاجرة لزوجها عاصية له، والسُكر، وتأخير الصلاة إلى فوات الوقت، واستعباد الحر، وهجر المسلم ومقاطعته، مع الحكم على هؤلاء بعدم قبول الصلاة منهم.
2- ذكر الباحث مثالا للكراهات التي «تمنع القبول أي الثواب مع كون العمل جائزا وانتفاء المعصية»، وهو ترك الخشوع في الصلاة، لأن الصلاة تصح بدون الخشوع مع عدم المعصية وانتفاء الثواب والقبول فيها.
أقول: هذا التمثيل لا يصح، لأن الخشوع في الصلاة هو روحها، ومناط زيادة الأجر فيها مع استكمال أعمالها الظاهرة، فمن أدى الصلاة بشروطها وأركانها مع فعل الواجبات وترك المحرمات صحت صلاته وكان له أجر الأداء، ويزداد أجره بزيادة فعل السنن والمستحبات وترك المكروهات، وكلما حضر قلبه وخشع لموقفه بين يدي ربه عز وجل ومناجاته كان ثواب صلاته أكثر، وكلما شرد قلبه وغفل عن معنى العبادة لله تعالى نقص الأجر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عُشُرُ صلاته، تُسُعُها، ثُمُنها، سُبُعها، سُدُسها، خُمُسها، رُبُعها، ثُلُثها، نصفها». [سنن أبي داود، سنن النسائي، صحيح ابن حبان].
فمن صلى وأحضر قلبه عند النية ثم استكمل الأفعال الظاهرة مع الشرود والغفلة فحظه من ثوابها أدنى درجات الأجر وسُميت صلاته صحيحة من حيث كونُها أسقطت إثم ترك الصلاة عن صاحبها، لكن مع الكراهة، وليس فوات الأجر لاستكمالها مع ارتكاب مكروه، ولكنه لفوات معظم روحها ومناط زيادة الأجر فيها، ألا وهو الخشوع.
فالتمثيل للكراهة التي تمنع قَبولَ الصلاة والحصولَ على الثواب بترك الخشوع مغالطة.
3- ادعى الباحث أن «كثيرًا» من الكراهات تمنع قبول الصلاة، وأعطى مثالا واحدا هو ترك الخشوع، والتمثيل به هنا لا يصح، فأين الأمثلة الأخرى؟؟.
4- إذا كانت «كثير» من الكراهات تمنع قبول الصلاة فلم لم تكن «كلها» كذلك؟!! والتفريق بينها تحكّم، أو لابد من إظهار الفرق.
5- من الغريب أن يقول الباحث عن حديث أبي هريرة هذا «لأنه لم يُفهم منه تحريم خروج المرأة متعطرة» مع أنه نقله من صحيح ابن خزيمة؟!! ولو رجع إلى صحيح ابن خزيمة لقرأ قوله رحمه الله تبويبًا لهذا الحديث «باب إيجابِ الغسل على المتطيبة للخروج إلى المسجد ونفيِ قبول صلاتها إن صلت قبل أن تغتسل»، فهل يراه الإمام ابن خزيمة إيجابًا أو استحبابًا ؟!! وهل مخالفة الواجب إلا الحرام؟!!.
6- أكد الباحث دعواه أن العلماء لم يفهموا من حديث أبي هريرة تحريم خروج المرأة متعطرة بقول الإمام البيهقي في عنوان الباب الذي روى فيه هذا الحديث «باب ما يُكره للنساء من الطيب»، وذلك لأن الكراهة إذا أطلقت فيراد بها عند الشافعيين الكراهة التنزيهية، والبيهقي شافعي المذهب. يعني أن البيهقي لم يقل «باب ما يحرم على النساء من الطيب».
أقول: من المعلوم المقطوع به عند من يعرف منهج المحدثين في التبويب أنهم كثيرا ما يقولون «باب ما يكره من…» أو «باب كراهية…» ولا يقصدون الكراهة التي هي دون الحرام، بل ما هو أعم من كون الشيء محرما أو مكروها دون درجة التحريم، وهذا شائع جدا في كتب السنة، فالإمام الدارمي صاحب السنن رحمه الله مثلا يقول في سننه في كتاب الصلاة باب كراهية الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم»، «باب كراهية رفع البصر إلى السماء في الصلاة»، «باب كراهية الصلاة للناعس»، ثم يقول في كتاب الزكاة «باب كراهية أن يكون الرجل عشاراً»، ولا شك أنه يقصد في هذا الباب الأخير التحريم، لأن العشار هو المتسلط الذي يفرض على التجار المارين به إتاوات ظلما وعدوانا، وهذا متفق على تحريمه، بل قيل إنه أعظم الذنوب [انظر: مجمع بحار الأنوار: 5/601]. ومن هذه البابة قول الإمام مالك رحمه الله «ويُكره للمرأة أن تخلو مع الرجل ليس بينه وبينها حرمة». [الموطأ: كتاب الجامع، جامع ما جاء في الطعام والشراب]. وعلى هذا الاصطلاح جرى تبويب البيهقي.
والذي يؤكد لكل منصف أن مراده هنا هو التحريم: روايته في الباب ذاته بالإضافة لحديث أبي هريرة حديثَ أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية». [سنن البيهقي : 3/246]، ومرور المرأة على قوم متعطرة بقصد أن يجدوا ريحها حرام بالإجماع، والباحث معترف بتحريمه، وقد روى الإمام البيهقي رحمه الله هذا الحديث في الباب ذاته تحت قوله «باب ما يكره للنساء من الطيب عند الخروج»، فدل هذا على أن مراده هنا من الكراهة هو التحريم، فكيف غفل الباحث عن هذا وادعى أن مراد البيهقي من هذا التبويب هو الكراهة التنزيهية؟!!.
الدليل الثالث:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تَفِلات». [مسند الإمام أحمد: 2/438، 475، 528. الشافعي في السنن: 1/290. سنن الدارمي: 1/236. سنن أبي داود: 4/160. صحيح ابن حبان : ص 102. من حديث أبي هريرة بسند جيد. مسند الإمام أحمد: 5/192، 193. مسند البزار: 1/222. الأوسط لابن المنذر: 4/228. صحيح ابن حبان : ص 102 من حديث زيد بن خالد. مسند الإمام أحمد :6/69-70 من حديث عائشة. مسند الإمام أحمد: 2/98 من حديث ابن عمر بسند ضعيف جدا]. والحديث صحيح بمجموع طرقه، وقد صححة ابن حبان، ونقل الدارمي عقب رواية الحديث عن أحد شيوخه تفسير التَفِلة بأنها التي لا طيب لها.
وقوله صلى الله عليه وسلم «وليخرجن تَفِلات» أمر، لأنه فعل مضارع مقرون بلام الأمر، والأصل في الأمر أنه للوجوب، ولا قرينة هنا تصرفه عنه.
الدليل الرابع:
روي عن ميمونة بنت سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من امرأة تخرج في شهرة من الطيب فينظر الرجال إليها إلا لم تزَلْ في سخط الله تعالى حتى ترجع إلى بيتها». [المعجم الكبير للطبراني : 25/39]. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف. [مجمع الزوائد: 2/ 35]. أقول: بل هو ضعيف جدا، فلا احتجاج بمثله، والاعتماد في الاستدلال على الأحاديث المتقدمة، وإنما ذكرته للمعرفة.
الدليل الخامس:
إنكار بعض الصحابة والتابعين على من تخرج من بيتها متطيبة بما تظهر رائحته، وليس لهم مخالف، وتوارد أقوال العلماء على ذلك.
فممن روي عنه الإنكار عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وحفصة بنت عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم، وعطاء بن أبي رباح وإبراهيم بن يزيد النخعي رحمهما الله، ولا أعلم لهم مخالفا.
فأما أثر عمر رضي الله عنه فقد روى يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب خرجت امرأة على عهده متطيبة، فوجد ريحها، فعلاها بالدِرة، ثم قال: «تخرجن متطيبات فيجد الرجال ريحكن؟! وإنما قلوب الرجال عند أنوفهم، اخرجن تفلات». [مصنف عبد الرزاق: 4/370 – 371]. وقال إبراهيم النخعي: طاف عمر بن الخطاب في صفوف النساء، فوجد ريحا طيبة من رأس امرأة، فقال: لو أعلم أيتكن هي لفعلت وفعلت، لِتَطَّيَّبْ إحداكن لزوجها، فإذا خرجت لبست أطمار وليدتها. قال: فبلغني أن المرأة التي كانت تطيبت بالت في ثيابها من الفَرَق. [مصنف عبد الرزاق : 4/373 – 374. مصنف ابن أبي شيبة : 9/25 – 26 بنحوه وزاد أنه كان يوم عيد]. والراويان عن عمر ثقتان، إلا أنهما لم يدركا عمر. والفَرَق: الخوف.
وأما أثر ابن مسعود رضي الله عنه فقد روى القاسم بن عبد الرحمن بن عبد اللـه بن مسعود، وهو ثقة، عن أبي بزة، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن عبد الله بن مسعود أنه وجد من امرأته ريح مجمر وهي بمكة، فأقسم عليها أن لا تخرج تلك الليلة. [مصنف ابن أبي شيبة : 9/27]. وأبو بزة ذكره البخاري في التاريخ الكبير. وقال عبد الله بن مسعود: لأن أزاحم جملا قد هُنِئ قطرانًا أحب إلي من أن أزاحم امرأة متعطرة. [مصنف عبد الرزاق: 4/373.المعجم الكبير للطبراني: 9/352] وسنده جيد.
وأما أثر حفصة رضي الله عنها فقد روى عثمان بن عبد الله بن سراقة، وهو ثقة، عن أمه زينب بنت عمر بن الخطاب أنها أرسلت إلى حفصة – وهي أختها – تسألها عن الطيب، وأرادت أن تخرج، فقالت حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الطيب للفراش. [مصنف عبد الرزاق: 4/373.مصنف ابن أبي شيبة: 9/27]. وتحرف اسم عثمان بن عبد الله بن سراقة في مصنف عبد الرزاق إلى: عبيد بن يزيد بن سراقة، وسنده حسن.
وأما أثر أبي هريرة رضي الله عنه فقد قال موسى بن يسار: مرتْ بأبي هريرة امرأة وريحها تعصف، فقال لها: إلى أين تريدين يا أمة الجبار؟. قالت: إلى المسجد. قال: تطيبت؟. قالت: نعم. قال: فارجعي فاغتسلي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقبل الله من امرأة صلاة خرجت إلى المسجد وريحها تعصف حتى ترجع فتغتسل». [صحيح ابن خزيمة: 3/92.سنن أبي داود: 17/61-62].
وأما أثر عطاء رحمه الله فقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عن عطاء أنه قال: كان يُنهى أن تَطَّيَّب المرأة وتَزَّّيَّن ثم تخرج. ثم قال: «ولا تبرجن». فقال له رجل آخر: وتبرجٌ ذلك؟. قال: نعم. [مصنف عبد الرزاق: 4/371]، وسنده صحيح. وعطاء بن أبي رباح من فقهاء التابعين بمكة، وقد نقل النهي عن خروج المرأة متطيبة متزينة، فإما أن يكون النهي من الصحابة، أو من كبار التابعين، ثم إنه أفتى أن هذا من التبرج الوارد في الآية الكريمة، أي في قوله تعالى { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى }.
وأما أثر إبراهيم النخعي رحمه الله فقد قال الأعمش: استأذنتْ إبراهيم امرأته أن تأتي بعض أهلها، فأذن لها، فلما خرجت وجد منها ريحًا طيبة، فقال: ارجعي، إن المرأة إذا تطيبت ثم خرجت فإنما هو نار وشَنَار. [مصنف عبد الرزاق: 4/ 373.مصنف ابن أبي شيبة: 9/27] وسنده جيد.
ويشبه هذا الأثرَ ما روي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تطيبت المرأة لغير زوجها فإنما هو نار في شنار». قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه امرأتان لم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات. [مجمع الزوائد: 5/157. مجمع البحرين في زوائد المعجمين: 7/197]. وسنده ضعيف. وإنما لم أنظمه في سلك الأدلة لأن وجه الدلالة منه غير ظاهر في هذه المسألة، والله أعلم.
أقوال العلماء في خروج المرأة متطيبة:
تقدم أن الباحث نقل عن الشافعي استحباب تطيب المرأة للإحرام وعن بعض الفقهاء الشافعيين الكراهة إذا خرجت لصلاة العيد أو الجماعة، وتقدم توجيهه بأن النساء ربما كن يتطيبن في زمن الشافعي بطيب لا تظهر رائحته من المرأة حتى ولو مرت بقرب الرجال، وهو المأذون به شرعا، أو لتحقق تباعد المرأة عن الرجال عند الإحرام، فلذلك استحبه لهن، وبأنهن كن يتطيبن بعد ذلك بطيب قد يظهر منه شيء عند ضرورة المرور بقرب الرجال، فلذلك كرهه الفقهاء لهن، لخشية وقوع ذلك. وتقدم القول بأن طيب المرأة لو كان مما تظهر له رائحة لما ترددوا في التحريم، وهذه بعض أقوال الفقهاء في ذلك:
– قال الإمام النووي: [باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة. قوله صلى الله عليه وسلم «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» : هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تُمنع المسجد، لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث، وهي أن لا تكون متطيبة، ولا متزينة، ولا ذات خلاخل يسمع صوتها، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال]. [شرح صحيح مسلم: 4/161].
– قال الإمام الذهبي: «ومن الأفعال التي تُلعن عليها المرأة… وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت». [الكبائر: ص 135. ونقله عنه الهيتمي بنحوه في الزواجر عن اقتراف الكبائر: 1/157].
– قال ابن كثير: «ومن ذلك أنها تُنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها». [تفسير القرآن العظيم: 3/285].
– قال ابن حجر العسقلاني عند ذكر الحديث الذي فيه صلاة النساء مع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة في المسجد: [قال ابن دقيق العيد: هذا الحديث عام في النساء، إلا أن الفقهاء خصوه بشروط، منها أن لا تتطيب، وهو في بعض الروايات «وليخرجن تفلات»، ويُلحق بالطيب ما في معناه، لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة]. [فتح الباري: 2/349-350].
– قال ابن حجر العسقلاني في التعليق على قول عائشة رضي الله عنها «لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما مُنعت نساء بني إسرائيل» : «فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثت، والأَولى أن يُنظر إلى ما يخشى منه الفساد فيُجتنب، لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع الطيب والزينة، وكذلك التقيد بالليل كما سبق». [فتح الباري: 2/350].
– قال ابن حجر الهيتمي: «وفي منسك ابن جماعة الكبير: ومن أكبر المنكرات ما يفعله جهلة العوامّ في الطواف من مزاحمة الرجال بأزواجهم سافرات عن وجوههن…، ومن المنكرات أيضا ما يفعله نساء مكة وغيرهن عند إرادة الطواف وعند دخول المسجد من التزين واستعمال ما تقوى رائحته من الطيب بحيث يُشم على بعد، فيشوشن بذلك على الناس، ويجتلبن بسببه استدعاء النظر إليهن وغير ذلك من المفاسد، نسأل الله أن يلهم ولي الأمر إزالة المنكرات، آمين». [الفتاوى الكبرى: 1/201 – 202].
– وقال ابن حجر الهيتمي: «الكبيرة التاسعة والسبعون بعد المئتين خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة ولو بإذن الزوج». ثم ذكر بعض الأحاديث النبوية في التحذير من هذا، ثم قال: «عدُّ هذا هو صريح هذه الأحاديث، وينبغي حمله – ليوافق قواعدنا – على ما إذا تحققت الفتنة، أما مع مجرد خشيتها فهو مكروه، أو مع ظنها فهو حرام غير كبيرة، كما هو ظاهر». [الزواجر عن اقتراف الكبائر: 2/45].
ـ واشترط الشيخ زروق والغروي – من فقهاء المالكية – لخروج المرأة من بيتها شروطا خمسة، أحدها أن لا يكون عليها ريح طيبة. [شرح رسالة ابن أبي زيد: 2/377].
وقال القباب – من فقهاء المالكية – في كتابه مختصر أحكام النظر: «ولا يُمنعن من الخروج والمشي في حوائجهن…، وإنما يُمنعن من التبرج والتكشف والتطيب للخروج والتزين، بل يخرجن وهن منتقبات». [انظر: مواهب الجليل للحطاب: 3/405]
وخلاصة المسألة أن المرأة إذا تطيبت بطيب تظهر رائحته بقصد أن تفتن قلوب الرجال أو إذا تحققت الفتنة ولو لم تقصدها فهذا حرام من الكبائر، وهذا إذا علمت أنها تمر قرب قوم معروفين بفساد القلب، وإذا ظنت وقوع الفتنة في القلوب ظنا دون تحقق فهذا حرام، لكن ليس من الكبائر، وهذا إذا علمت أنها تمر قرب الرجال فيجدون ريحها، لأن المظنون في الرجال أن قلوبهم عند أنوفهم، كما قال عمر رضي الله عنه، وأما إذا خشيت ذلك مجرد خشية فهذا مكروه لا يصل إلى درجة التحريم، وهذا إذا كانت متباعدة عن المرور قرب الرجال والظروفُ والأحوال مساعدة لها في ذلك وخشيت أن يمر بعضهم قريبا منها بحيث قد تصل إليهم رائحة طيبها، ولذلك كره الفقهاء رحمهم الله للمرأة التطيب لصلاة الجمعة والعيدين، وأما إذا كانت المرأة متباعدة عن المرور قرب الرجال ولا تخشى من مرور بعضهم قريبا منها بحيث قد تصل إليهم رائحة الطيب فهذا محل الجواز، بل قد يستحب، ولذلك استحب الفقهاء لها التطيب عند الإحرام للحج أو العمرة بالطيب الذي له رائحة خفية لا تظهر. فمدار الأمر على مدى القرب والبعد من الرجال بحسب المعروف من عادات أهل الزمان.
الفصل الثاني
خروج المرأة من بيتها بزينة تظهرها
قال الباحث: «اعلم أن خروج المرأة متزينة أو متعطرة مع ستر العورة مكروه تنزيها، دون الحرام، ويكون حراما إذا قصدت المرأة بذلك التعرض للرجال، أي إذا قصدت فتنتهم».
استدل الباحث على دعواه في عدم تحريم خروج المرأة من بيتها متزينة بزينة تظهرها للرجال الأجانب إذا لم تقصد فتنتهم بما يلي:
دليله الأول:
قال الباحث: «وفي سنن البيهقي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين، لم يصلِّ قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها». وعلق الباحث بقوله: «والخرص هو حلقة الذهب والفضة، وهذا من أدلة جواز خروج المرأة متزينة».
أقول: الخرص هو الحلقة الصغيرة من الحلي، وجاء الحديث في بعض الروايات عند البخاري بلفظ «القرط»، وهو ما يُعلّق بشحمة الأذن من الحلي، وقد كانت المرأة المسلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول الأمر بالحجاب تختمر بخمار سابغ، ولم تكن لتكشف صفحة عنقها وتظهر حلية أذنها، فليس في هذا الحديث تصريح ولا إشارة إلى أن المتصدقة كانت تبدي خرصها أو قرطها وهي متحلية به، بل كل ما فيه هو أنها كانت تلقيه في ثوب بلال وهو يجمع ما تجود به النفوس، ولا شك في أنها كانت تنزعه من تحت الحجاب. فلا دليل في هذا الحديث على جواز إظهار المرأة لزينتها البتة.
دليله الثاني:
نقل الباحث من تفسير القرطبي عن ابن عباس وقتادة والمسور بن مخرمة أنهم فسروا قوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} بأن ظاهر الزينة هو الكحل والسوار والخضاب إلى نصف الذراع والقِرَطة والفَتَخ ونحو هذا، ونقل عن القرطبي أنه قال في هذا: فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس… من المحارم والأجانب.
الخضاب: تغيير لون الكفين بالحناء ونحوه.
القِرَطة: جمع قُرْط: وهو حَلْي الأذن.
الفَتَخ: جمع فَتْخة: وهي حلقة من ذهب أو فضة لا فص لها تلبس في إصبع اليد أو الرجل.
أقول: روي في تفسير هذه الآية نحو من هذا القول عن جماعة من الصحابة والتابعين، ولكن لا ينبغي لطلبة علم الحديث الشريف فضلا عن علمائه أن يُغفلوا دراسة الأسانيد، فإن الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وقد روي نحو ذلك القول عن ابن عباس وعائشة والمسور بن مخرمة وأنس بن مالك من الصحابة، وعن قتادة والشعبي وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير ومجاهد بن جبر وعبد الوارث مولى أنس بن مالك من التابعين، ولكن لم يأت ذلك عن أي صحابي بسند صحيح، وإليك تخريج الأقوال ودراسة أسانيدها:
1- أثر ابن عباس، وله عنه خمسة طرق:
أ- روى الطبري في تفسيره والبيهقي في سننه من طريق مسلم بن كيسان الملائي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال في تفسير هذه الآية: الكحل والخاتم. [تفسير الطبري: */93.سنن البيهقي: 2/225. 7/85]. ومسلم الملائي قال عنه عدد من الأئمة: متروك.
ب- روى الطبري في تفسيره من طريق نهشل بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس أنه قال: الظاهر منها الكحل والخدان. [تفسير الطبري: */93]. ونهشل قال عنه عدد من الأئمة: متروك. ورماه بعضهم بالكذب.
ج- روى الطبري في تفسيره من طريق عبد اللـه بن صالح الجهني المصري عن معاوية بن صالح الحضرمي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: والزينة الظاهرة الوجه وكحل العين وخضاب الكف والخاتم، فهذا تظهره في بيتها لمن دخل من الناس عليها. [تفسير الطبري: */93]. وكل من هؤلاء الثلاثة صدوق فيه لين، بالإضافة إلى أن علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس شيئا.
د- روى الطبري في تفسيره من طريق عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن ابن عباس أنه قال: الخاتم والمسكة. [تفسير الطبري: */93]. وابن جريج ثقة قبيح التدليس، وقد ولد بعد وفاة ابن عباس.
الـمَسَكة : السوار أو الخلخال من العاج ونحوه. والجمع : الـمَسَك.
هـ- روى البيهقي في سننه من طريق خُصَيف بن عبد الرحمن الجزري عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال: الكحل والخاتم. [سنن البيهقي: 2/225]. وخُصَيف صدوق فيه لين، وفي السند أبو الأزهر أحمد بن الأزهر بن منيع وهو صدوق إلا أنه لما كبر صار ربما يُلَقَّن.
2- أثر عائشة وله عنها طريقان:
أ- روى الطبري من طريق عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عائشة أنها قالت: القُلْب والفَتْخة. [تفسير الطبري: */93]. وابن جريج ثقة قبيح التدليس، وقد ولد بعد وفاة عائشة.
القُلب: السوار، أو هو نوع من الأسورة يشبَّه بقُلب النخلة الأبيض.
ب- روى ابن أبي شيبة والبيهقي من طريقين عن حماد بن سلمة، عن أم شبيب، عن عائشة أنها قالت: القُلب والفتْخة. [مصنف ابن أبي شيبة: 4/283.سنن البيهقي: 7/86]. وأم شبيب لم أجد لها ترجمة في تهذيب التهذيب ولا تقريب التهذيب، ولا لسان الميزان، ولا تعجيل المنفعة، ولا ثقات ابن حبان، ولا ثقات ابن شاهين، ولا تاريخ العجلي المسمى خطأ بثقات العجلي، ولا التاريخ الكبير للبخاري، ولا الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، ولم يذكرها المزي في تهذيب الكمال في الرواة عن عائشة، ولا فيمن روى عنهم حماد بن سلمة. وذكرها ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل [4/360] استطراداً في ترجمة حفيدها، حيث قال: شبيب بن شبيب، وجدته أم شبيب بنت عامر العامرية سمعت عائشة. أقول: فالظاهر أنها مجهولة.
3- أثر المسور بن مخرمة:
روى الطبري من طريق الزهري، عن رجل، عن المسور بن مخرمة أنه قال: القلبين والخاتم والكحل. [تفسير الطبري: */93]. وفي السند راو مبهم.
4- أثر أنس بن مالك:
أشار البيهقي إلى أنه روي عن أنس قوله: الكحل والخاتم. وذكر السيوطي أن ابن المنذر رواه عن أنس [سنن البيهقي:2/225. الدر المنثور: 5/41]. ولم يذكرا سند الحديث لينظر فيه.
5- أثر قتادة وله عنه طريقان:
أ- روى الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة أنه قال: الكحل والسواران والخاتم. [تفسير الطبري: */93] وسنده صحيح.
ب- روى الطبري من طريق معمر بن راشد عن قتادة أنه قال: المسكتان والخاتم والكحل. [تفسير الطبري: */93]. وسنده صحيح إن شاء الله.
6- أثر الشعبي:
روى ابن أبي شيبة من طريق عاصم بن سليمان الأحول عن الشعبي أنه قال: الكحل والثياب. ورواه الطبري من وجه آخر عن عاصم عنه بلفظ: الكحل والخضاب والثياب. [مصنف ابن أبي شيبة: 4/283. تفسير الطبري: */ 93]. وسنده صحيح.
7- أثر عطاء بن أبي رباح:
روى ابن أبي شيبة من طريق هشام بن الغاز أنه سمع عطاءً يقول: الزينة الظاهرة الخضاب والكحل. [مصنف ابن أبي شيبة: 4/284]. وسنده جيد.
8- أثر سعيد بن جبير:
روى ابن أبي شيبة من طريق سعيد بن زيد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنه قال: الخاتم والخضاب والكحل. [مصنف ابن أبي شيبة: 4/284]. وعطاء بن السائب كان قد اختلط، ولم أجد من ذكر سعيد بن زيد في الرواة عن عطاء قبل اختلاطه.
9- أثر مجاهد بن جبر، وله عنه طريقان:
أ- روى ابن أبي شيبة من طريق ليث بن أبي سُليم عن مجاهد أنه قال: الخضاب والكحل. [مصنف ابن أبي شيبة: 4/284]. وليث بن أبي سليم كان قد اختلط جدا ولم يتميز حديثه.
ب- روى الطبري من طريق عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن مجاهد أنه قال: الكحل والخضاب والخاتم. [تفسير الطبري: */93]. وابن جريج ثقة قبيح التدليس، ولم يصرح هنا بالسماع.
10- أثر عبد الوارث [مولى أنس بن مالك]:
روى ابن أبي شيبة من طريق سلمة بن سابور عن عبد الوارث أنه قال: الكف والخاتم. [مصنف ابن أبي شيبة: 4/285]. وسلمة بن سابور ضعيف، وعبد الوارث ضعيف.
ـ هكذا كان ينبغي للباحث أن يخرج تلك المرويات ويدرس أسانيدها، ليكون القارىء على بينة.
قد يقال : إذا صح تفسير قول الله تعالى { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } بالخضاب والكحل والسوار والخاتم عن بعض التابعين وروي نحو من هذا عن ابن عباس من خمسة طرق : أفلا يسوغ الاعتماد على هذا في إباحة إبداء المرأة زينة الوجه والكفين أمام كل الناس؟؟.
والجواب: أن هذا المسلك غير سائغ البتة، ولا يجوز الاعتماد عليه، لما يلي:
ـ الأثر الوارد عن ابن عباس رضي الله عنهما غير ثابت عنه، لأن في الطريق الأول إليه راوياً متروكا، وفي الثاني راويا متهما بالكذب، فهذان الطريقان ساقطان، والطرق الثلاثة الأخرى ضعيفة لا تقوم بها حجة. ومما يزيد هذا الأثر وهنًا على وهن مخالفته للثابت عن ابن عباس في تفسير الآية، وهو ما رواه ابن أبي شيبة عن زياد بن الربيع، عن صالح الدهان، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس أنه قال في تفسير هذه الآية: الكف ورقعة الوجه. [مصنف ابن أبي شيبة: 4/283]. وهذا سند صحيح، وصالح الدهان هو صالح بن إبراهيم الدهان أبو نوح، وقد وثقه ابن معين، وقال فيه الإمام أحمد: ليس به بأس. [الجرح والتعديل: 4/393-394. تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين: ص116]. وروي نحوه عن ابن عباس من طريق آخر، لكن بسند ضعيف. [مصنف ابن أبي شيبة: 4/284].
ـ الأثران المرويان عن عائشة وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما ضعيفان، ويبدو أن الأثر عن أنس رضي الله عنه ضعيف كذلك، ولذلك لم يذكر البيهقي سنده، ومن عادته ذكر الآثار بأسانيدها.
ـ الثابت عن الصحابة في تفسير الآية هو تفسيرها بالثياب فقط أو بالوجه والكفين، فقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه فسرها بالثياب [مصنف ابن أبي شيبة: 4/283، 284. تفسير الطبري: */92، 93.المعجم الكبير للطبراني: 9/228.المستدرك للحاكم: 2/397]. وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه فسرها بالوجه والكفين [مصنف ابن أبي شيبة: 4/284]. وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها فسرتها بالوجه والكفين [سنن البيهقي:2/226]، لكن من طريق عقبة بن عبد اللـه الأصم، وهو ضعيف، عن عطاء بن أبي رباح عنها. وهو الذي صح عن ابن عباس، كما تقدم.
ـ أما ما روي عن بعض التابعين من تفسير الآية بالخضاب والكحل والسوار والخاتم فإن بعضهم لم يصحَّ ذلك عنهم، وما صح من ذلك عن بعضهم فهو معارَض بما روي عن غيرهم من التابعين. فقد جاءت الروايات بأسانيد جيدة عن إبراهيم النخعي وأبي الأحوص وماهان الحنفي العابد أنهم فسروها بالثياب، [مصنف ابن أبي شيبة: 4/283، 284. تفسير الطبري: */93]. وجاءت الرواية بسند لا بأس به عن عكرمة مولى ابن عباس وأبي صالح مولى أم هانىء أنهما فسراها بما فوق الدرع، [مصنف ابن أبي شيبة: 4/283]. وهذه الأقوال كلها موافقة لقول ابن مسعود. وجاءت الرواية بسند جيد عن مكحول وعن عطاء بن أبي رباح وبسند ضعيف عن سعيد بن جبير وبسند واه عن الضحاك بن مزاحم أنهم فسروها بالوجه والكفين، [مصنف ابن أبي شيبة: 284، 285. تفسير الطبري: */93، 94]. وهذه الأقوال موافقة لما ثبت عن ابن عمر وابن عباس. وصحت الرواية من طريقين عن الحسن البصري أنه فسرها بالوجه والثياب، [مصنف ابن أبي شيبة: 4/284. تفسير الطبري: */94]. وهذا القول لايخرج عما ثبت عن الصحابة.
وبهذا يتبين أن أقوال جمهور التابعين موافقة لأقوال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الآية، وهم عبد اللـه بن مسعود وعبد اللـه بن عمر وعبد اللـه بن عباس رضي الله عنهم.
ـ أما الروايات التي جاءت عن بعض التابعين بأسانيد جيدة والتي تفسر الآية بالخضاب والكحل والسوار والخاتم فلا بد من تأويلها بما يوافق نصوص الكتاب والسنة وعمل السلف، وذلك بحمل نصوصهم على ما ظهر من الزينة دون قصد، ودون رغبة في إظهاره، وقد نقل الإمام القرطبي في تفسيره عن ابن عطية أنه قال: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ماهو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لابد منه. ثم أعرب القرطبي عن استحسانه له بقوله: هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما. [تفسير القرطبي: 12/229].
دليله الثالث:
ادعى الباحث الإجماع على صحة مدعاه بقوله: قال القرطبي مانصه: «يجوز خروج المرأة متزينة إذا لم تقصد التعرض للرجال، بل أرادت الفرح بنفسها، وهذه المسألة في الحقيقة إجماع، لأن العروس لما تزف تكون في زينة، وهذا الأمر كان معروفا في صدر الإسلام» ا.هـ.
وقد أكد الباحث نهاية الكلام المنقول بالرمز الدال على كلمة «انتهى» بعد إغلاق علامة التنصيص، ليؤكد أنه من قول الإمام القرطبي بلفظه وتمامه.
أقول: كثيرا ما ينقل الباحث من كلام القرطبي، ويذكر المرجع باسمه وبرقم الجزء والصفحة، أما في هذا النقل فلم يذكر اسم المرجع الذي نقل منه أصلا، وبالتالي لا رقم الجزء ولا الصفحة، فلم فعل ذلك هنا؟! ولم بالغ في تعمية المصدر؟! لست أدري.
وهذا النص المنسوب للقرطبي ـ وحاشاه من ذلك ـ يشير إلى أن المرأة العروس كانت تزف ليلة زفافها وهي في زينة، فيراها الرجال من غير محارمها في تلك الحال، وما كان ينكر ذلك أحد، ويصرح بأن هذا الأمر كان معروفا في صدر الإسلام، أي زمن السلف، لأن هذه المسألة ـ عند صاحب هذا النص ـ إجماع، وذلك لأنها لم تكن تقصد التعرض للرجال، بل كانت تريد الفرح بنفسها!!!.
ويحق لكل مسلم غيور على دينه أن يسأل: هل تجوز دعوى إجماع العلماء على أمر لم نجد أحدا من العلماء ذكر فيه الإجماع؟!!! وهل تجوز نسبة ذلك إلى عمل أهل القرون المفضلة في صدر الإسلام ولم نجد حادثة واحدة تؤيد صحة هذه الدعوى؟!!! سوى هذا النص الواحد الذي ليس له إلى الحقيقة صلة ولا نسب.
ولابد هنا من سوق بعض النصوص من كلام الإمام القرطبي ليعلم القارئ أن بينها وبين ذلك النص المزعوم بعد المشرقين، وأن الإمام القرطبي الذي أنقل كلامه لا يمكن أن يصدر عنه ذلك النص، فلعل قائله قرطبي آخر، لا القرطبي المفسر، ولا شيخه القرطبي المحدث، وربما دسه عليه أحد الأفاكين الدجاجلة.
وهذه أربعة نصوص من كلام الإمام القرطبي المفسر رحمه الله تبين رأيه في مسألة حجاب المرأة المسلمة :
1- قال القرطبي في تفسير قوله تعالى { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } [الآية 33 من سورة الأحزاب]: «معنى هذه الآية الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه، بالمعنى، هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة؟!». ثم قال: «فيلزمن البيوت، فإن مست الحاجة إلى الخروج فليكن على تبذل وتستر تام». [تفسير القرطبي: 14/179، 180]. والتبذل : ترك التزين.
2- قال القرطبي في تفسير قوله تعالى {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} [الآية 53 من سورة الأحزاب]: «في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب، في حاجة تَعْرِضُ، أو مسألة يُستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء، بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة، بدنها وصوتها، كما تقدم، فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة، كالشهادة عليها، أو داءٍ يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعرض وتعين عندها». [تفسير القرطبي: 14/227].
3- وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن} [الآية 59 من سورة الأحزاب]: «لما كانت عادة العربيات التبذل وكن يكشفن وجوههن كما يفعل الإماء وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن وتشعب الفكرة فيهن أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأمرهن بإرخاء الجلابيب عليهن إذا أردن الخروج إلى حوائجهن». ثم قال: «واختلف الناس في صفة إرخائه، فقال ابن عباس وعَبيدة السلماني: ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها. وقال ابن عباس أيضا وقتادة: ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها، لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه. وقال الحسن: تغطي نصف وجهها». ا.هـ. [تفسير القرطبي:14/243].
4- وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها} [الآية 31 من سورة النور] قبل ذكر أقوال السابقين في الاستثناء: «فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تبدي زينتها إلا لمن تحل له، أو لمن هي محرمة عليه على التأبيد، فهو آمن أن يتحرك طبعه إليها، لوقوع اليأس له منها». [تفسير القرطبي: 12/227].
وبهذه النصوص وبغيرها تنهار دعوى نسبة ذلك النص إلى الإمام القرطبي رحمه الله، وتنهار معه دعوى الإجماع وما ذكر معها.
دليله الرابع:
استدل الباحث بأقوال بعض العلماء، فنقل عن القرطبي أنه قال: «من فعل ذلك منهن فرحا بحليهن فهو مكروه، ومن فعل ذلك منهن تبرجا وتعرضا للرجال فهو حرام مذموم، وكذلك من ضرب بنعله من الرجال، إن فعل ذلك تعجبا حرم، فإن العُجْب كبيرة، وإن فعل ذلك تبرجا لم يجز». ونقل عن القفال الشاشي جواز تحمير المرأة وجهها وتسويدِها شعرَها، بدون كراهة إن كان لها زوج، ومع الكراهة إن لم يكن لها زوج. ونقل عن البهوتي جواز تحسين المرأة وجهها وتحميرِه ونحو ذلك مما فيه تزيينه. ونقل عن الحطاب عن ابن القطان جواز أن تتزين المرأة للناظرين للخطبة. ونقل عن أبي حيان الأندلسي جواز أن تبدي المرأة للأجانب عنها ما كان ظاهرا من زينتها، كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب. [البحر المحيط لأبي حيان: 6/447. تفسير البغوي: 3/338-339. تفسير الرازي: 23/205-206].
أقول: أما ما نقله عن القرطبي فهو نقل في غير محله، إذ مراد الناقل الاستشهاد به على جواز إبداء المرأة الزينة الظاهرة على وجه الفرح بها دون قصد التعرض للرجال، والقرطبي لم يقل هذا الكلام في تفسير «إلا ما ظهر منها»، كما توهمه الباحث، وإنما قاله في التعليق على قوله تعالى {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن}، فالناقل في واد، والمنقول منه في واد آخر.
وأما ما نقله عن القفال الشاشي والبهوتي فكلاهما في الجواز من حيث هو، بقطع النظر عن إبداء ذلك للرجال الأجانب أو عدم إبدائه، ولم يقل واحد منهما بجواز التزيين مع الإظهار للأجانب، ولا يُتصور أن يقول فقيه من فقهاء الإسلام بجواز تزيين المرأة وجهها وتحميره وإبدائه للرجال الأجانب عنها، هذا ما لا أظنه كان، وما أظنه يكون أبدا، ونسأل الله السلامة والعافية.
وأما ما نقله عن الحطاب عن ابن القطان المالكي فهو قول مردود على قائله، إذ لا مستند له من نصوص الكتاب و السنة، ولا من روح الشريعة، ولا من كلام الأئمة المجتهدين، وإسفافه رحمه الله وغفر له في مسألة النظر إلى المخطوبة معلوم عند أهل الفقه، ومع ذلك فلا مستند فيه للباحث، إذ يقصر ابن القطان جواز تزين المرأة للناظرين على موضوع الخِطبة، بينما يريد الباحث تعميمه.
وأما ما نقله عن أبي حيان فهو قول قاله هو وجماعة من المفسرين، رحمهم الله تعالى وغفر لنا ولهم، وقد وقع لهم ذلك ـ والله أعلم ـ اعتمادًا على ما وجدوه مرويا عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى {إلا ما ظهر منها}، إذْ لم يكونوا من نقاد الأسانيد وعلماء الدراية في الحديث، فظنوا أن ذلك ثابت عن حبر الأمة وترجمان القرآن رضي الله عنه، ولو علموا ضعف أسانيد تلك الروايات التي اعتمدوا عليها وصحة إسناد الرواية التي فسر فيها الآية بالكف ورقعة الوجه؛ لما ترددوا لحظة واحدة في نبذ الروايات الضعيفة، ولتمسكوا بالرواية الصحيحة عنه، ويبدو أنهم لم يقفوا عليها.
دليله الخامس:
هو عين دليله الخامس المتقدم في الفصل الأول المتعلق بخروج المرأة من بيتها متعطرة، والجواب هنا يعلم من الجواب هناك.
أدلة تحريم إبداء المرأة زينتها للرجال الأجانب عنها
يحرم على المرأة إظهار زينتها أمام غير الزوج والنساء والرجال المحارم، وهذه هي الأدلة:
الدليل الأول:
قال الله تعالى في القرآن العظيم: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن…} [الآية 31 من سورة النور].
لفظ «زينتهن» مدلوله واحد في الموضعين، لأنه معرفة، إذ تكرير اللفظ المعرَّف يفيد أن مدلوله في المرتين واحد، وتكرير اللفظ المنكَّر يفيد اختلاف المدلول، فثبت بهذه الآية الشريفة نهي الله تبارك وتعالى للمؤمنات عن إبداء زينتهن إلا للأزواج والآباء ومن ذكر معهم.
والقول المروي في التفريق بين الزينتين قول لا تساعد عليه اللغة.
وأما الاستثناء الوارد في قوله تعالى {إلا ما ظهر منها} فلا يصح ـ من حيث اللغة ـ أن يكون المراد منه استثناء بعض ما تتزين به المرأة، إذ هذا مقصور في الآية ذاتها على الأزواج والآباء ومن ذكر معهم، ويتعين حمله على معنى آخر، فإما يحمل على ما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لابد منه، وإما ظاهر الثياب التي ليست بزينة، وإما الوجه والكفان.
وعلى هذا فيجب على المؤمنات الاحتياط والحذر من ظهور ما لا يحل إبداؤه، ويجب ستر ظاهر الثياب التي تعد زينة في العرف بما لا يعد زينة، كما يجب ستر الوجه والكفين إذا غلب على ظن المرأة أن هناك من ينظر إليها نظر ريبة.
الدليل الثاني:
ـ قال الله تعالى: {… ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن…} [الآية 31 من سورة النور].
نهى الله تبارك وتعالى المؤمنات أن يضربن بأرجلهن ليسمع الرجال صوت الخلاخل فيعلموا أنهن يلبسنها، حتى ولو لم يروها، وعُلم من التعليل في الآية أن سبب النهي والتحريم هو خشية استمالة قلوب الرجال بسماع صوت الخلخال، فما كان مساويا لهذا في الاستمالة فهو مساو له في التحريم، أما ما كان زائدا عليه في الاستمالة ـ كتحمير الوجه وتكحيل العينين والتختم بالذهب أمام الرجال الأجانب ـ فهو أشد في التحريم، وما أظن مسلما متجردا عن الهوى يشك في هذا أو يتردد فيه إذا تدبره بعين الإنصاف.
الدليل الثالث:
قال الله تعالى: {والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة} [الآية 60 من سورة النور]. البروج: الظهور والارتفاع، ومنه: برج الحِصْن، وبرج الحَمَام، وبروج السماء. تبرجت السماء: تزينت بالكواكب. تبرجت المرأة: أظهرت زينتها ومحاسنها.
لفظ «زينة» في هذه الآية يدل على العموم، لأنه نكرة في سياق النفي.
إذا كان الله تبارك وتعالى قد أذن للمرأة الكبيرة المنقطعة الرغبة عن الزواج في التخفف من بعض الثياب واشترط عليها عدم إظهار الزينة؛ ففي هذا أوضح دليل على تحريم إظهار المرأة زينتها أمام غير الزوج والمحارم، وإذا كان هذا في المرأة الكبيرة فلا يتردد أولو البصائر أن التحريم في الشابة أشد.
الدليل الرابع :
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان ضعيفا الإسناد جدا، أذكرهما للتنبيه :
أحدهما «يا أيها الناس، انْهَوْا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد، فإن بني إسرائيل لم يُلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة وتبختروا في المساجد». [سنن ابن ماجه: 2/1326].
والثاني «مَثَل الرافلة في الزينة في غير أهلها كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها». [سنن الترمذي: 1087.المعجم الكبير للطبراني:25/38]. وفي سنديهما موسى بن عبيدة، وهو واه.
الدليل الخامس:
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نهيه المرأة عن خروجها متطيبة، وما ذلك إلا لما فيه من استمالة الرجال، وخروجها متزينة بزينة تبديها مثله في الاستمالة، فهو مثله في التحريم.
الدليل السادس:
نهي السلف المرأة المسلمة عن إظهار زينتها، والنصوص المروية عن السلف في موضوع التزين أقل من المروي عنهم ـ حسب اطلاعي القاصر ـ في موضوع التطيب، ومردُّ ذلك إلى ندرة الوقوع أو ندرة النقل عنهم، لا إلى عدم الإنكار.
فمن ذلك الرواية عن عمر بن الخطاب من الصحابة، وعطاء بن أبي رباح من التابعين، وعبد الله بن المبارك من أتباع التابعين.
ـ فأما الرواية عن عمر بن الخطاب فقد روى عبد الرزاق عن معمر عن ليث بن أبي سُليم أن امرأة خرجت متزينة، أذن لها زوجها، فأُخبر بها عمر بن الخطاب، فطلبها، فلم يقدر عليها، فقام خطيبا، فقال: «هذه الخارجة وهذا الْـمُرْسِلُها!! لو قدَرت عليهما لشَتَرْتُ بهما». ثم قال: «تخرج المرأة إلى أبيها يكيد بنفسه، وإلى أخيها يكيد بنفسه، فإذا خرجت فلتلبَس معاوزها، فإذا رجعت فلتأخذ زينتها في بيتها، ولتتزين لزوجها». قال الإمام المصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني عقب الرواية: شَتَرت: سمَّعت بهما، والمعاوز: خلق الثياب. [مصنف عبد الرزاق: 4/371 – 372].
ورواه البيهقي في شعب الإيمان في باب الحياء، تحت عنوان «فصل في حجاب النساء والتغليظ في سترهن»، من طريق زهير بن معاوية عن ليث بن أبي سُليم عن مجاهد أنه قال: خرجت امرأة متزينة، فبلغ ذلك عمرَ رضي الله عنه، فأرسل إليها، فاختبأت منه، فأرسل إلى زوجها، فاختبأ، فقام فخطب، فقال: «ما هذه الخارجة أمْ هذا المرسلها؟! أما لو أُتيتُ بها لشترت بها، أو لشُرْت بها وبه، فإذا أرادت أن تخرج لحاجة فلتخرج متنكرة في بِذلتها، فإذا فرغت من حاجتها فلترجع إلى بيتها». [شعب الإيمان للبيهقي: 6/172]. شارَها يشُورها: عرضها وأبرزها، أي: أظهر شأنها وشأن زوجها تنكيلا بهما.
والسند ضعيف لأن ليثا كان قد اختلط ولم يتميز حديثه، ولكنه هنا يصلح للاستئناس به، لمجيئه على وَفق المعروف من أحوال الصحابة.
ـ وأما الرواية عن عطاء بن أبي رباح فقد تقدمت في الدليل الخامس من أدلة تحريم خروج المرأة متعطرة ص ، وهي قوله: كان يُنهى أن تطّيّب المرأة وتزّيّن ثم تخرج. ثم قال: «ولا تبرجن». فسئل: وتبرجٌ ذلك؟. فقال: نعم. [مصنف عبد الرزاق: 4/371]. وسنده صحيح، وعطاء من فقهاء التابعين بمكة، وقد نَقل النهي عن خروج المرأة متطيبة متزينة، فإما أن يكون النهي من الصحابة، أو من كبار التابعين، ويكفينا فتواه أن هذا من التبرج الوارد في قوله تعالى {ولا تبرجن}.
ـ وأما الرواية عن عبد اللـه بن المبارك فقد قال الإمام الترمذي في سننه: وروي عن عبد اللـه بن المبارك أنه قال: أكره اليوم الخروج للنساء في العيدين، فإن أبت المرأة إلا أن تخرج فليأذن لها زوجها أن تخرج في أطمارها الخلقان، ولا تتزين، فإن أبت أن تخرج كذلك فللزوج أن يمنعها عن الخروج. [سنن الترمذي: 2/495]
ـ وأما أقوال العلماء في ذلك:
ـ فقد قال الإمام النووي في باب خروج النساء إلى المساجد: «هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تُمنع المسجد، لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث، وهي أن لا تكون متطيبة، ولا متزينة، ولا ذات خلاخل يُسمع صوتها، ولا ثيابٍ فاخرة، ولا مختلطة بالرجال». [شرح صحيح مسلم: 4/161].
ـ وقال الحافظ شمس الدين الذهبي: «ومن الأفعال التي تُلعن عليها المرأة إظهار الزينة والذهب واللؤلؤ من تحت النقاب وتطيبها بالمسك والعنبر والطيب إذا خرجت». [الكبائر: ص135. ونقله عنه الهيتمي بنحوه في الزواجر عن اقتراف الكبائر: 1/157].
ـ وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في مبحث صلاة النساء جماعة في المسجد: «قال ابن دقيق العيد: إلا أن الفقهاء خصوه بشروط: منها أن لا تتطيب،… ويلحق بالطيب ما في معناه، لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة، كحسن الملبس، والحَلْي الذي يظهر، والزينة الفاخرة، وكذا الاختلاط بالرجال». [فتح الباري: 2/349 – 350].
ـ ثم قال ابن حجر: «لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع الطيب والزينة». [فتح الباري: 2/350].
ـ وقال تقي الدين الحصني في مبحث صلاة العيد ناقلًا للمذهب الشافعي ثم معلقًا بتغيير الحكم وواصفًا حالة المسلمين في القرن التاسع الهجري التي دعته إلى تغيير الحكم: «والمذهب أنها تُشْرع للمنفرد والمسافر والعبد والمرأة، لأنها نافلة، فأشبهت الاستسقاء والكسوف، نعم يُكره للشابة الجميلة وذوات الهيئة الحضور، ويُستحب للعجوز الحضور في ثياب بِذلتها بلا طيب، قلت: ينبغي القطع في زماننا بتحريم خروج الشابات وذوات الهيئات، لكثرة الفساد،… وأيضا فكان الزمان زمان أمن، فكن لا يبدين زينتهن ويغضضن من أبصارهن، وكذا الرجال يغضون من أبصارهم، وأما زماننا فخروجهن لأجل إبداء زينتهن، ولا يغضضن أبصارهن، ولا يغض الرجال من أبصارهم، ومفاسد خروجهن محققة،… وقد قال بمنع النساء من الخروج إلى المساجد خلق غير عائشة رضي الله عنها، منهم عروة بن الزبير، والقاسم، ويحيى الأنصاري، ومالك، وأبو حنيفة مرة، ومرة أجازه، وكذا منعه أبو يوسف، وهذا في ذلك الزمان، وأما في زماننا هذا فلا يتوقف أحد من المسلمين في منعهن إلا غبي قليل البضاعة في معرفة أسرار الشريعة،… فالصواب الجزم بالتحريم، والفتوى به، والله أعلم». [كفاية الأخيار: 1/95]. [وانظر: الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي: 1/204]. ولو رأى الحصني مانراه من حالة المسلمين في القرن الخامس عشر الهجري فما الذي كان سيقوله؟!!!.
ـ قال عبد اللـه ابن الإمام أحمد: سمعت أبي سئل عن النساء: يخرجن إلى العيدين؟. فقال: «لايعجبني في زماننا هذا، لأنهن فتنة». [مسائل الإمام أحمد: ص130].
وقال الكاساني: «ولا يباح للشوابّ منهن الخروج إلى الجماعات». [بدائع الصنائع: 1/157].
وقال ابن حجر الهيتمي نقلا عن منسك ابن جماعة الكبير: «ومن المنكرات أيضا ما يفعله نساء مكة وغيرهن عند إرادة الطواف وعند دخول المسجد من التزين واستعمال ما تقوى رائحته من الطيب». [الفتاوى الكبرى: 1/202].
ـ وقال ابن حجر الهيتمي نقلا عن بعض المتأخرين: «ويتضح الأمر بذكر تلك المحرمات المقترنة بالخروج: فمنها أن خروجها متبرجة أي مظهرة لزينتها منهي عنه بالنص، قال تعالى {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}،… ولذلك شرط العلماء لخروجها أن لا تكون بزينة». ثم قال معلقا عليه: «وما أحسنه وأحقه بالصواب». [الفتاوى الكبرى: 1/203].
وعدّ ابن حجر الهيتمي خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة إذا تحققت الفتنة من الكبائر، أما مع ظنها فهو حرام غير كبيرة. [الزواجر عن اقتراف الكبائر: 2/ 45].
ـ وقال الشيخ زروق: «فالواجب على المرأة أن لا تخرج فيما ينظر فيه الرجال، بل في ثياب مهنتها». [شرح رسالة ابن أبي زيد: 2/ 374].
ـ واشترط الغروي لخروج المرأة من بيتها شروطا، أحدها أن تلبس أدنى ثيابها. [شرح رسالة ابن أبي زيد: 2/377].
ـ وقال القباب: «ولا يُمنعن من الخروج والمشي في حوائجهن…، وإنما يمنعن من التبرج والتكشف والتطيب للخروج والتزين، بل يخرجن وهن منتقبات». [انظر: مواهب الجليل للحطاب: 3/405].
ـ وقال ابن عابدين نقلا عن فتح القدير للكمال ابن الهمام: «وحيث أبحنا لها الخروج فإنما يباح بشرط عدم الزينة وتغيير الهيئة إلى ما لا يكون داعية لنظر الرجال والاستمالة، قال الله تعالى {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}». [رد المحتار: 2/665. وذكره بنحوه في: 2/360].
ـ وقال الحصكفي نقلا عن الأشباه والنظائر لابن نُجيم: «والمعتمد جواز الحمَّام بلا تزين». وعلق ابن عابدين في حاشيته فقال: «وليس عدم التزين خاصا بالحَمّام، لما قاله الكمال: وحيث أبحنا لها الخروج فبشرط عدم الزينة». [الدر المختار ورد المحتار: 2/360].
فهذه بعض النقول الفقهية عن النووي والذهبي وابن دقيق العيد وابن حجر العسقلاني والحصني وابن حجر الهيتمي والشيخ زروق والغروي والقباب وابن الهمام وابن نُجيم والحصكفي وابن عابدين، ومن قبلهم عطاء بن أبي رباح فقيه مكة في عهد التابعين، وعبد اللـه بن المبارك فقيه خراسان في عهد أتباع التابعين، فمن العلماء بعد هؤلاء ؟!!!.
أقول : وعُلم من هذا تحريم خروج المرأة ـ ولو إلى المسجد ـ بالملابس الحسنة الجميلة، لأن الملابس الحسنة الجميلة زينة، فلابد من سترها بثوب خارجي ليس فيه حسن وجمال ولا يُعتبر زينة في العرف، وكذا تحريم الخروج بالحلي الذي يظهر كالخاتم مثلا، لأنه زينة، فلابد من إخفائه، وكذا تحريم الخروج بأي شكل من أشكال الزينة، كلُبس النظارات مع كشف الوجه، وكما إذا كان على حقيبة المرأة أو حذائها تزيين.
الفصل الثالث
ستر المرأة البدن بملابس ضيقة
قال الباحث في مبحث بيان عورة المرأة أمام الرجل الأجنبي: «فيتبين بعد ما ذكرنا… أن ما تستعمله المرأة لستر عورتها إن حكى الحجمَ وأظهر اللونَ لا يكفي، وإن حكى الحجمَ وستر اللون فهو كافٍ مع الكراهة، لأن المرأة لا تقدر على أن تلبَس لباسا لا يحكي شيئا من عورتها على الإطلاق، والأحسن أن تلبس ما كان أوسع كالجلباب، والكراهية في المذاهب الثلاثة مذهب الشافعي ومالك وأحمد هي الكراهية التنزيهية، أي ما لاعقاب على فعله، وفي تركه الثواب».
دليله:
استدل الباحث على قوله بجواز أن تستر المرأة بدنها أمام الرجال الأجانب بما يستر اللون ويظهر حد العورة لرقته أو ضيقه وإحاطته مع الكراهة فقط بعدد من النصوص المنقولة من كتب الفقه مع وضعها في غير محلها :
فنقل عن شمس الدين الرملي أنه قال: «وأما الساتر فشرطه أن يكون يمنع إدراك لون البشرة وإن حكى حجمها، كسروال ضيق، ولكنه مكروه لها».
ونقل عن الشيخ زكريا الأنصاري أنه قال: «ولا يضرها بعد سترها اللون أن تحكي الحجم، لكنه للمرأة مكروه».
ونقل عن المرداوي أنه قال فيما يستر المرأة : «فأما إن كان يستر اللون ويصف الخلقة لم يضرَّ، قال الأصحاب: لا يضر إذا وصف التقاطيع، ولا بأس بذلك، نص عليه، لمشقة الاحتراز». أي نصَّ عليه الإمام أحمد. ونقل عن المرداوي أنه قال : «فأما المرأة فيكره الشد فوق ثيابها لئلا يحكي حجم أعضائها وبدنها, قال ابن تميم وغيره: ويكره للمرأة في الصلاة شد وسطها بمنديل ومنطقة ونحوهما».
ونقل عن الشيخ محمد عليش أنه قال: «وكُره لباس مُحَدِّد، أي مظهرٌ حد العورة، لرقته أو ضيقه وإحاطته، أو باحتزام عليه ولو بغير صلاة، لإخلاله بالمروءة ومخالفته لزي السلف».
أقول: هذه النصوص هي في كتب الفقه في مبحث ما يشترط في الساتر الذي تستر به المرأة بدنها في الصلاة، فنقلها الباحث ووضعها في كتابه في مبحث بيان عورة المرأة أمام الرجل الأجنبي، وشتان ما بينهما !!!.
هل قال شمس الدين الرملي بجواز أن تظهر المرأة أمام الرجال الأجانب بالسراويل الضيق مع الكراهة؟!!! هذا ما لم يقله ولم يخطر على باله مطلقا، وغاية ما في كلامه أن المرأة إذا صلت بغير حضور من هو أجنبي عنها بهذا اللباس صحت صلاتها مع الكراهة.
وهل قال الإمام أحمد ابن حنبل بأن المرأة تظهر أمام الرجال الأجانب بما يستر لون البدن ويصف التقاطيع وأنه لابأس بذلك ؟!!! هذا مالم يقله الإمام أحمد ولا فقيه واحد من فقهاء الإسلام، وحاشاهم من ذلك.
وهل قال الشيخ محمد عليش بجواز اللباس المحدِّد للعورة ولو بغير صلاة أمام الرجال الأجانب؟!!! لم يقل هذا أبدا، وغاية ما في كلامه صحة صلاة المرأة مع الكراهة إذا صلت بلباس محدد للعورة، بسبب كونه رقيقا أو ضيقا محيطا بالبدن، أو بسبب احتزامها بمنديل ونحوه فوق ثيابها، وهذا الاحتزام مكروه ولو كانت خارج الصلاة، لإخلاله بالمروءة ومخالفته لزي السلف.
فقول الشيخ محمد عليش «ولو بغير صلاة لإخلاله بالمروءة…» راجع إلى قوله «أو باحتزام عليه»، فهذا هو المكروه، لا إلى اللباس الضيق المحدد للعورة.
هذا واستدلال الباحث بما مر من الأقوال الفقهية على مجردِ كراهية ارتداء المرأة لمثل ذلك اللباس المحدِّد وعدمِ تحريم ظهورها به أمام الرجال الأجانب هو تحميل للنصوص فوق ما تحتمل وتقويل للفقها ما لم يقولوه.
وأعتقد أن من أكبر المشكلات في تاريخ تراثنا العلمي والتي ما نزال نعاني منها مشكلةَ تحميل النصوص أكثر مما تحتمل والاستدلال بها على ما لا يندرج تحتها، لا بمنطوق العبارة، ولا بمدلول الإشارة.
ـ ومن النصوص الفقهية التي بينت حكم الكراهية المتقدم في مبحث لباس المرأة في الصلاة ـ بقطع النظر عن كونها وحدها أو أمام الناس ـ ما يلي:
ـ قال النووي: «قال الشافعي في المختصر:… إلا أن المرأة يستحب لها… أن تكثِّف جلبابها وتجافيه راكعة وساجدة، لئلا تصفها ثيابها». [المجموع: 3/526].
ـ وقال أبو إسحاق الشيرازي في المهذب: «ويجب ستر العورة بما لا يصف لون البشرة». قال النووي في شرحه: «فلو ستر اللون ووصف حجم البشرة… صحت الصلاة فيه». [المجموع: 3/170].
ـ وقال الغزالي في الوجيز: «وأما الساتر فكل ما يحول بين الناظر وبين البشرة». قال الرافعي في شرحه: «أما لو ستر اللون ووصف حجم الأعضاء فلا بأس، كما لو لبس سروالا ضيقا». [فتح العزيز شرح الوجيز: 4/92]. ثم قال الرافعي: «ويستحب أن تصلي المرأة في قميص سابغ وخمار، وتتخذ جلبابا كثيفا فوق ثيابها، ليتجافى عنها ولا يتبين حجم أعضائها». [4/105].
ـ وقال القرافي نقلا عن الجواهر في وصف الساتر : «يكون صفيقا كثيفا، فإن كان شفافا فهو كالعدم مع الانفراد، وإن كان يصف ولا يشف كُره وصحت الصلاة». [الذخيرة 2/108].
ـ وقال ابن قدامة: «والواجب الستر بما يستر لون البشرة، فإن كان خفيفا يبين لون الجلد من ورائه فيعلم بياضه أو حمرته لم تجز الصلاة فيه، لأن الستر لا يحصل بذلك، وإن كان يستر لونها ويصف الخلقة جازت الصلاة، لأن هذا لا يمكن التحرز منه وإن كان الساتر صفيقا». [المغني: 2/286 – 287 الطبعة المحققة].
أدلة تحريم خروج المرأة من بيتها بالملابس الضيقة
الدليل الأول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة » كذا وكذا. رواه مسلم.
توعد النبي صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث ـ صنفين من الناس لم يكونا في زمنه بالنار، ثانيهما نساء كاسيات عاريات، وقال إنهن لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وليس مراده هنا العاريات، بل الكاسيات العاريات، وهذا جمع بين ضدين من حيث الظاهر، لأن الكاسية ليست عارية، والعارية ليست كاسية، فكيف جمع صلى الله عليه وسلم بين الوصفين؟ لاشك أن المراد أنهن كاسيات من وجه عاريات من وجه، فكل من كانت على هذه الشاكلة فهي داخلة تحت هذا الوعيد. أفليست التي تلبس الملابس الضيقة أمام الرجال الأجانب تعتبر نفسها مكسوة وهي تشبه العارية؟! فهي كاسية باعتبار، عارية باعتبار آخر. ومثلها التي تلبس الملابس الرقيقة وإن لم تكن ضيقة، أو التي تستر بعض ما أوجب الله ستره وتكشف عن بعض، فكلهن كاسيات عاريات.
الدليل الثاني:
روي عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مالك لم تلبس القبطية؟». فقلت: يا رسول الله، كسوتها امرأتي. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مرها فلتجعل تحتها غلالة، إني أخاف أن تصف حجم عظامها». [حم : 5/205.سنن البيهقي: 2/234، 374]. رواه اثنان عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو ضعيف، عن محمد بن أسامة بن زيد، وهو ثقة، عن أبيه رضي الله عنه. ولضعف السند قلت «رُوي عن أسامة»، ولم أقل «قال أسامة».
وهذا الحديث لا يُعتمد عليه وحده في الاستدلال، لضعف سنده، ولكن يُستأنس به، لما عضَّده من الحديث المرفوع السابق والحديث الموقوف اللاحق.
الدليل الثالث:
ـ كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهى النساء عن لبس القباطي، فقالوا: إنه لايشف؟!. فقال: «إلا يشفَّ فإنه يصفُ». [مصنف ابن أبي شيبة: 8/195، 196.سنن البيهقي: 2/234 – 235].
ـ قال الإمام البغوي: «ودخلت حفصة بنت عبد الرحمن على عائشة ـ وعلى حفصة خمار رقيق ـ، فشقته عائشة، وكستها خمارًا كثيفًا». [شرح السنة: 12/15].
ـ روي عن نافع أنه قال: كسا ابن عمر مولاه يوما من قباطي مصر، فانطلق به، فبعث ابن عمر، فدعاه، فقال: ما تريد أن تصنع؟. فقال: أريد أن أجعله درعا لصاحبي. [لعلها: لزوجتي]. فقال ابن عمر: «إن لم يكن يشف فإنه يصف». [مصنف ابن أبي شيبة: 8/196]. وسنده ضعيف لانقطاعه بين حاتم بن وردان ونافع.
ـ روي عن ابن عباس أنه كان يكره لبس القباطي، فإنه إلا يشف يصف. [مصنف ابن أبي شيبة: 8/196]. وفي سنده أشعث بن سوار، وهو ضعيف.
ـ قال السرخسي في أحكام النظر إلى المرأة وعليها ثيابها: [وهذا إذا لم تكن ثيابها بحيث تلصق في جسدها وتصفها حتى يستبين جسدها، فإن كان كذلك فينبغي له أن يغض بصره عنها، لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال «لا تلبسوا نساءكم الكتان ولا القباطي فإنها تصف ولا تشف»، وكذلك إن كانت ثيابها رقيقة]. [المبسوط: 10/155].
ـ قال ابن عابدين: [مُفَاده أن رؤية الثوب بحيث يصف حجم العضو ممنوعة ولو كثيفا لا ترى البشرة منه،… وعلى هذا لا يحل النظر إلى عورة غيره فوق ثوب ملتزق بها يصف حجمها». [رد المحتار: 5/234].
ـ قال الإمام مالك: «وبلغني أن عمر بن الخطاب نهى النساء عن لبس القباطي، قال: فإن كانت لا تشف فإنها تصف». قال ابن رشد في شرحه: «القباطي ثياب ضيقة تلصق بالجسم لضيقها، فتبدو ثخانة جسم لابسها من نحافته، وتصف محاسنه، وتبدي ما يستحسن منه مما لا يستحسن، فنهى عمر بن الخطاب أن يلبسها النساء، امتثالا لقوله تعالى {ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}». [البيان والتحصيل: 17/95].
ـ قال ابن القاسم تلميذ الإمام مالك: «إذا صلت وليس عليها خمار أو صلت وعليها ثوب رقيق يصف أو نحو ذلك مما تعاد فيه الصلاة فإنها تعيد ما كانت في الوقت،… وكذلك قال مالك». قال ابن رشد شارحا وموضحا: «لأنهن إذا لبسن ما يصفهن ولا يسترهن فهن كاسيات في الفعل والاسم، عاريات في الحكم والمعنى». [البيان والتحصيل: 2/142].
ـ قال ابن رشد: [ومن اللباس ما هو محظور على النساء،… وهو الرقيق الذي يصف من الجباب، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «نساء كاسيات عاريات»، يريد كاسيات في الحقيقة عاريات في المعنى]. [المقدمات الممهدات: 3/ 431].
ـ قال ابن أبي زيد القيرواني: «ولا يلبس النساء من الثياب ما يصفهن إذا خرجن». قال الشيخ زروق في شرحه: «أما لبس النساء مايصفهن إذا خرجن فمن التبرج بالزينة، وهو حرام». [رسالة ابن أبي زيد مع الشرح: 2/373].
ـ قال القرطبي في تفسير قوله تعالى {غير متبرجات بزينة} [الآية 60 من سورة النور] : «قال ابن العربي: وإنما جعلهن كاسيات لأن الثياب عليهن، وإنما وصفهن بأنهن عاريات لأن الثوب إذا رق يصفهن ويبدي محاسنهن، وذلك حرام». [تفسير القرطبي: 12/310].
ـ قال الحافظ الهيثمي: «باب فيما يحرم على النساء مما يصف البشرة». [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: ص 351].
فهذه آثار مروية عن عمر وعائشة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم من الصحابة، وأقوال جماعة من العلماء من بعدهم: السرخسي وابن عابدين وابن رشد وابن أبي زيد القيرواني والشيخ زروق والحافظ الهيثمي.
الفصل الرابع
ستر المرأة وجهها وكفيها
قال الباحث: «اعلم أن عورة المرأة أمام الرجل الأجنبي جميع بدنها سوى وجهها وكفيها، فيجوز لها أن تخرج من بيتها كاشفة وجهها إجماعا، وقد نقل هذا الإجماع ابن حجر الهيتمي في كتابيه الفتاوى الكبرى وحاشية شرح الإيضاح على مناسك الحج للنووي، ففي الأول: وحاصل مذهبنا أن إمام الحرمين نقل الإجماع على جواز خروج المرأة سافرة الوجه وعلى الرجال غض البصر. وقال في الثاني: إنه يجوز لها كشف وجهها إجماعا وعلى الرجال غض البصر، ولا ينافيه الإجماع على أنها تؤمر بستره، لأنه لا يلزم من أمرها بذلك للمصلحة العامة وجوبه».
أقول: من المفيد قبل الكلام على حكم المسألة أن أقدم ههنا بعض الملحوظات:
الملحوظة الأولى:
لقد سها ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى في فتاويه الكبرى، إذ عزا إلى إمام الحرمين أنه نقل الإجماع على جواز خروج المرأة سافرة الوجه، بل الذي نقل هذا الإجماع هو القاضي عياض، أما إمام الحرمين فقد نقل اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه، هذا هو المعروف المشهور، وقد ذكره ابن حجر الهيتمي على الصواب في كتابه الآخر تحفة المحتاج [7/193].
الملحوظة الثانية:
أخذتْ مسألة ستر الوجه والكفين في زمننا هذا مجالا كبيرا من الاختلاف والأخذ والرد، ففي الوقت الذي نرى فيه من يقول بوجوب ستر المرأة وجهها وكفيها ولو عند أمن الفتنة، وبوجوب تعزيرها وسَجنها إذا هي خالفت؛ نرى في المقابل من يقول بجواز كشف المرأة وجهها وكفيها ولو عند عدم أمن الفتنة، وأنْ لا حرج عليها إذا لم يغضَّ الرجال من أبصارهم!!! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فما حكم المسألة؟ وهل فيها إجماع؟!!! وما القدر المُجْمَع عليه؟.
حكم المسألة:
مما ينبغي في هذا المقام التفريق بين موضوع عورة المرأة أمام الرجال الأجانب وبين موضوع خروجها كاشفة وجهها وكفيها، فبعض العلماء يرون أن عورة المرأة أمام الرجال الأجانب جميع بدنها سوى الوجه والكفين وأن لها الخروجَ كاشفة وجهها وكفيها، ويرى آخرون أن العورة ما سوى الوجه والكفين وأن لها الخروج مع كشفهما عند أمن الفتنة بحيث لا تجد من ينظر إليها نظر ريبة، ويرى بعضهم أن العورة أمام الرجال الأجانب جميع البدن وأنه يحرم عليها الخروج مع كشفهما، سواء عند أمن الفتنة أو لا.
القول الأول: هو قول القاضي عياض، ولكنه لم يقل إن هذا جائز لها ولو عند خوف الفتنة، أو فيما لو كان هناك من ينظر إليها نظر ريبة، ولكن إطلاق كلامه أوهم بعض الناقلين بذلك، وعندما قال الزرقاني شارح المختصر الخليلي «وأما الوجه والكفان فله رؤيتهما… إلا لخوف فتنة أو قصد لذة فيحرم» علق البنّاني في حاشيته فقال: «وهل يجب عليها حينئذ ستر وجهها؟… أو لا يجب عليها ذلك وإنما على الرجل غض بصره وهو مقتضى نقل ق عن عياض؟». [شرح الزرقاني على مختصر الشيخ خليل وحاشية البناني: 1/176].
وقال الشيخ محمد عليش: «فإن خيفت الفتنة به: فقال ابن مرزوق مشهور المذهب وجوب سترهما، وقال عياض لا يجب سترهما ويجب عليه غض بصره». [منح الجليل على مختصر سيدي خليل: 1/222، وفي الطبعة الأخرى: 1/133].
ولكن هذا العزو للقاضي عياض غير صحيح، وهو من باب تحميل النص ما لا يحتمل، ولازم المذهب ليس بمذهب، حيث إنه لم يصرح بذلك، ولأنه كان يتحدث عن عصره والعصور السالفة، حيث كان الغالب على الأبصار الغض، وعلى القلوب عدم الافتتان، فهل ينطبق ما قاله على العصور الخالفة؟!. وإذا كان الأمر كذلك رجع قوله إلى القول الثاني.
القول الثاني: هو قول الحنفية والمالكية، وجمهور الشافعية، لاسيما المتقدمين.
ـ سئل الإمام مالك: هل تأكل المرأة مع غير ذي محرم أو مع غلامها؟ فقال: «ليس بذلك بأس إذا كان ذلك على وجه ما يُعرف للمرأة أن تأكل معه من الرجال، وقد تأكل المرأة مع زوجها ومع غيره ممن يؤاكله، أو مع أخيها على مثل ذلك، ويكره للمرأة أن تخلو مع الرجل ليس بينه وبينها حرمة». [الموطأ: *].
ـ قال الباجي في شرحه: «هذا يقتضي أن نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها مباح، لأن ذلك يبدو منها عند مؤاكلتها». ثم نقل عن أبي بكر الأبهري رحمه الله أنه قال: «إنما قال مالك رحمه الله أن تأكل المرأة مع من تأمن الفتنة في الأكل معه». [المنتقى: 7/252].
ـ علق ابن القطان ـ من علماء المالكية ـ على فتوى الإمام مالك بقوله: «فيه إباحة إبداء المرأة وجهها ويديها للأجنبي، إذ لا يُتصور الأكل إلا هكذا». [شرح الخراشي على مختصر الشيخ خليل: 1/247].
ـ قال ابن عبد البر: «المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين، على هذا أكثر أهل العلم، وقد أجمعوا على أن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام، وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وهو قول الأوزاعي وأبي ثور: على المرأة أن تغطي منها ما سوى وجهها وكفيها. وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها». ثم قال ابن عبد البر: «قول أبي بكر هذا خارج عن أقاويل أهل العلم، لإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها تباشر الأرض به، وأجمعوا على أنها لا تصلي متنقبة، ولا عليها أن تلبس قفازين في الصلاة، وفي هذا أوضح الدلائل على أن ذلك منها غير عورة، وجائز أن ينظر إلى ذلك منها كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه،… وقد روي نحو قول أبي بكر بن عبد الرحمن عن أحمد ابن حنبل». [التمهيد: 6/364 – 365]. وأشار إلى بعض هذا في موضع آخر. [انظر: التمهيد: 8/ 324].
ـ قال القاضي عبد الوهاب ـ أحد أئمة المالكية ـ : «والنظر إلى المتجالّة جائز، وإلى الشابة الأجنبية مكروه، إلا لعذر من علاج أو شهادة على عينها أو عند خطبة، إذا اجتنبت المواضع المحظورة». [التلقين: ص 189]. والمتجالَّة : الكبيرة.
ـ قال ابن رشد: «فلما أُمرت المرأة الحرة بالستر من الأجنبيين وأن لا تبدي عند غير ذي المحرم منها من زينتها إلا ما ظهر منها ـ وهو الوجه والكفان على ما قاله أهل العلم بالتأويل ـ وجب عليها مثل ذلك في الصلاة، سنة واجبة لا ينبغي لها تركها». [المقدمات الممهدات: 1/133 مطبعة السعادة]. [وانظر: البيان و التحصيل: 1/397].
ـ وقال ابن رشد: «وذلك الوجه والكفان، فجائز للرجل أن ينظر إلى ذلك من المرأة عند الحاجة والضرورة». [البيان والتحصيل: 4/427 – 428]. ولعل المراد أن النظر إلى ذلك عند غير الحاجة والضرورة مكروه، كما تقدم في كلام القاضي عبد الوهاب.
ـ قال ابن أبي زيد: «ولا تخرج امرأة إلا مستترة». قال الشيخ زروق في شرحه: «إلا الوجه والكفين، لضرورة التصرف في ضرورياتها،… واختُلف في وجوب التنقب على المرأة عند خروجها،… قال القاضي عبد الوهاب: إلا أن يكون ذلك منها فتنة فيجب ستره». [الرسالة لابن أبي زيد وشرحها: 2/377 – 378]. وقال الغروي في شرحه: «غير الوجه والكفين، مالم يكن النظر إلى وجهها يؤدي إلى الفتنة فيجب عليها ستره». [شرح رسالة ابن أبي زيد: 2/377].
ـ قال النفراوي: «عورة الحرة مع الذكور المسلمين الأجانب جميع جسدها إلا وجهها وكفيها،… وأما مع الكافر غير عبدها فجميع جسدها حتى الوجه والكفين». [الفواكه الدواني: 1/127].
ـ قال القرطبي: «وقد قال ابن خُوَيْزَمَنْداذ من علمائنا: إن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك، وإن كانت عجوزا أو مقبحة جاز أن تكشف وجهها وكفيها». [تفسير القرطبي: 12/229].
ـ قال الشيخ خليل في المختصر: «ومع أجنبي غير الوجه والكفين». قال الخراشي في شرحه: «فيجوز النظر لهما بلا لذة ولا خشية فتنة من غير عذر ولو شابة». [شرح الخراشي على مختصر خليل: 1/247].
ـ قال الزرقاني في شرحه: «وأما الوجه والكفان ظاهرهما وباطنهما فله رؤيتهما مكشوفين ولو شابة بلا عذر من شهادة أو طب، إلا لخوف فتنة أو قصد لذة فيحرم». قال البناني في حاشيته: «وهل يجب عليها حينئذ ستر وجهها وهو الذي لابن مرزوق في اغتنام الفرصة قائلا إنه مشهور المذهب…؟ أو لا يجب عليها ذلك …؟ وفصَّل الشيخ زروق في شرح الوغليسية بين الجميلة فيجب عليها وغيرها فيستحب». [شرح الزرقاني على مختصر الشيخ خليل وحاشية البناني: 1/176]. [ونحو ذلك في حاشية الرهوني وكنون: 1/343. وفي منح الجليل على مختصر سيدي خليل للشيخ محمد عليش: 1/222 وفي الطبعة الأخرى: 1/133].
ـ استدل ابن بطال علي بن خلف بن عبد الملك القرطبي المالكي المتوفى سنة 449 بقصة المرأة الخثعمية على أن ستر المرأة وجهها ليس فرضا. لكن قال ابن حجر: «وفي استدلاله بقصة الخثعمية لما ادعاه نظر، لأنها كانت محرمة». [فتح الباري: 11/8].
ـ قال أبو بكر الرازي الجصاص: «وإذا كان كذلك جاز للأجنبي أن ينظر من المرأة إلى وجهها ويديها بغير شهوة». [أحكام القرآن: 3/316].
ـ قال السرخسي: فقد جاءت الأخبار في الرخصة بالنظر إلى وجهها وكفيها». [المبسوط: 10/152]. [وانظر: تفسير النسفي: 2/159].
ـ قال الحصكفي: «وتُمنع المرأة الشابة من كشف الوجه بين الرجال، لا لأنه عورة، بل لخوف الفتنة،… فإنه يحرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة، أما بدونها فيباح». [الدر المختار: 1/424 – 425 مع الحاشية].
ـ وقال الحصكفي في بيان الحالات التي يحق للزوج فيها تعزير زوجته «أو كشفت وجهها لغير مَحْرَم». ولم يتعقبه ابن عابدين.[الدر المختار ورد المحتار: 3/189]. وهذا لأن من حقوق الزوج على زوجته منعَها من كشف وجهها أمام غير المحارم، وهو أدرى منها بمعرفة أحوال الرجال والحكم على نظراتهم.
ـ قال الشيخ محمد بن سليمان الكردي الشافعي المتوفى سنة 1194: «واختلفوا في جواز نظر الوجه والكفين حيث لا شهوة ولا خوف فتنة، ونسب الإمام القول بعدم الحرمة للجمهور، ونسبه الرافعي للأكثرين، قال لاسيما المتقدمين». [الحواشي المدنية: 1/185].
ـ قال القاضي أبو يعلى من الحنابلة: «يحرم عليه النظر إلى ما عدا الوجه والكفين، لأنه عورة، ويباح له النظر إليهما مع الكراهة إذا أمن الفتنة ونظر لغير شهوة». [انظر: المغني لابن قدامة: 9/499].
ـ قال المرداوي: «وجوز جماعة من الأصحاب نظر الرجل من الحرة الأجنبية إلى ما ليس بعورة صلاة، وجزم به في المستوعب في آدابه، وذكره الشيخ تقي الدين رواية،… وقال ابن عقيل: لا يحرم النظر إلى وجه الأجنبية إذا أمن الفتنة». قال المرداوي: «وهذا الذي لا يسعُ الناسَ غيرُه، خصوصا للجيران والأقارب غير المحارم الذين نشأ بينهم، وهو مذهب الشافعي». [الإنصاف: 8/28].
القول الثالث: وهو قول التابعيَّين الجليلين أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وهو ظاهر قول عبد اللـه بن مسعود رضي الله عنه وجماعة من التابعين ومنهم عَبِيدة السَلْماني من كبار فقهاء التابعين بالكوفة، وهو قول الإمام أحمد ابن حنبل وكثير من فقهاء الشافعية.
ـ روى ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أحد فقهاء التابعين في المدينة أنه قال: «كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها». [مصنف ابن أبي شيبة: 4/ 420]. وسنده جيد.
ـ وروى ابن أبي شيبة عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أحد فقهاء التابعين في المدينة أنه قال: «تلبس المحرمة السراويل والقفازين وتخمِّر وجهها كله». [مصنف ابن أبي شيبة: 4/92]. وسنده صحيح. ولو كان القاسم رحمه الله يرى جواز كشف الوجه والكفين أمام الرجال لما أباح للمحرمة ـ المأمورة بكشف ذلك حالة الإحرام ـ بتغطية وجهها كله وستر كفيها بالقفازين، فدل ذلك على أنه يرى عدم جواز كشف الوجه والكفين أمام الرجال الأجانب.
ـ وأما عبد اللـه بن مسعود رضي الله عنه وجماعة من التابعين فقد فسروا قوله تعالى {إلا ما ظهر منها} بظاهر الثياب فقط، دون الوجه والكفين.
ـ وقال محمد بن سيرين: سألت عَبيدة [السلماني] عن قوله تعالى { يدنين عليهن من جلابيبهن }، فقال بثوبه، فغطى رأسه ووجهه، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه. [تفسير الطبري: */*]. وسنده صحيح. ورواه الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. [الدر المنثور للسيوطي: 5/221].
ـ روى ابن جرير الطبري عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: «أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة». [تفسير الطبري: */*]. سنده ضعيف، لأن فيه ثلاثة كل واحد منهم صدوق فيه لين، ولانقطاعه بين علي بن أبي طلحة وابن عباس. ورواه ابن أبي حاتم وابن مردويه. [الدر المنثور: 5/221].
ـ روي عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: «كان رجل من المنافقين يتعرض لنساء المؤمنين، يؤذيهن، فإذا قيل له قال كنت أحسبها أمة، فأمرهن الله تعالى أن يخالفن زي الإماء ويدنين عليهن من جلابيبهن، تخمر وجهها إلا إحدى عينيها». [الطبقات الكبرى لابن سعد: 8/176 – 177]. وهذا سنده ضعيف جدا، ولم يعزه السيوطي لغير الطبقات الكبرى [الدر المنثور: 5/221]. وذكرته للمعرفة.
ـ وأما الإمام أحمد رحمه الله فقد قال ابن قدامة: «فأما نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب فإنه محرم إلى جميعها في ظاهر كلام أحمد، قال أحمد: لا يأكل مع مطلقته، هو أجنبي لايحل له أن ينظر إليها، كيف يأكل معها؟ ينظر إلى كفيها؟! لايحل له ذلك». [المغني: 9/498 – 499 الطبعة المحققة].
ـ قال ابن أبي زيد القيرواني المالكي: «ولا تخرج امرأة إلا مستترة». قال الشيخ زروق في شرحه: «واختُلف في وجوب التنقب على المرأة عند خروجها، وظاهر كلام الشيخ وجوبه، لتخصيصه النساء في الستر». [الرسالة لابن أبي زيد وشرحها: 2/ 377].
ـ قال القرطبي: «وبما تضمنته أصول الشريعة من أن المرأة كلها عورة بدنَها وصوتَها فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة، كالشهادة عليها أو داءٍ يكون ببدنها أو سؤالها عما يَعْرِض وتعيَّن عندها». [تفسير القرطبي: 14/227].
ـ وقال القباب: «وإنما يُمنعن من التبرج والتكشف والتطيب للخروج والتزين، بل يخرجن وهن منتقبات». [انظر: مواهب الجليل للحطاب: 3/405].
ـ قال أبو إسحاق الشيرازي: «وأما من غير حاجة فلا يجوز للأجنبي أن ينظر إلى الأجنبية، ولا للأجنبية أن تنظر إلى الأجنبي». [المهذب مع نسخة الشرح: 16/133].
ـ قال الإمام الغزالي في ذكر المنكرات والمحرمات التي تمنع حضور دعوة الطعام: «والمنكر فرش الديباج…، وحضور النسوة المنكشفات الوجوه، وغير ذلك من المحرمات». [إحياء علوم الدين: 2/15].
ـ قال النووي في منهاج الطالبين : «ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية، وكذا وجهها وكفها عند خوف الفتنة، وكذا عند الأمن على الصحيح».
قال ابن حجر الهيتمي في شرحه: «ووجَّهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه،… على أن السبكي قال الأقرب إلى صنيع الأصحاب أن وجهها وكفيها عورة في النظر، ولا ينافي ما حكاه الإمام من الاتفاق نقلُ المصنف عن عياض الإجماع على أنه لا يلزمها في طريقها ستر وجهها وإنما هو سنة وعلى الرجال غض البصر عنهن، لأنه لا يَلزمُ من منع الإمام لهن من الكشف لكونه مكروها ـ وللإمام المنع من المكروه لما فيه من المصلحة العامة ـ وجوبُ الستر عليهن بدون منع مع كونه غير عورة، ورعاية المصالح العامة مختصة بالإمام ونوابه، نعم من تحققت نظر أجنبي لها يلزمها ستر وجهها عنه، وإلا كانت معينة له على حرام فتأثم». [تحفة المحتاج: 7/193].
ـ قال ابن حجر الهيتمي: «وحاصل مذهبنا أن إمام الحرمين نقل الإجماع على جواز خروج المرأة سافرة الوجه وعلى الرجال غض البصر، واعتُرض بنقل القاضي عياض إجماع العلماء على منعها من ذلك، وأجاب المحققون عن ذلك بأنه لا تعارض بين الإجماعين، لأن الأول في جواز ذلك لها بالنسبة إلى ذاتها مع قطع النظر عن الغير، والثاني بالنسبة إلى أنه يجوز للإمام ونحوه أو يجب عليه منع النساء من ذلك خشية افتتان الناس بهن،… على أن ما ذكره إمام الحرمين يتعين حمله على ما إذا لم تقصد كشفه ليُرى، أو لم تعلم أن أحدا يراه، أما إذا كشفته ليُرى فيحرم عليها ذلك، لأنها قصدت التسبب في وقوع المعصية، وكذا لو علمت أن أحدًا يراه ممن لا يحل له». [الفتاوى الكبرى: 1/199].
ـ قال ابن حجر الهيتمي: «ومن ثَم حرم أئمتنا النظر لقلامة ظفر المرأة،… بناءً على الأصح من حرمة نظر اليدين والوجه، لأنهما عورة في النظر من المرأة ولو أَمَةً على الأصح، وإن كانا ليسا عورة من الحرة في الصلاة». [الزواجر: 2/5]. [ونحوه في حاشية الشرقاوي على تحفة الطلاب: 1/173 وفي الطبعة الأخرى: 1/250 – 251].
ـ قال الخطيب الشربيني: «ويُكره أن يصلي الرجل ملتثما والمرأة منتقبة، إلا أن تكون في مكان وهناك أجانب لا يحترزون عن النظر إليها، فلا يجوز لها رفع النقاب». [الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع: 1/106].
ـ قال ابن قاسم الغزي: «أما عورة الحرة خارج الصلاة فجميع بدنها». [شرح متن أبي شجاع: ص 53].
وخلاصة الحكم في هذه المسألة أنه يجب على المرأة ستر وجهها وكفيها إذا غلب على ظنها وجود من ينظر إليها نظرة افتتان، وما أظن أن عالما من علماء المسلمين خالف في هذا، ولعل هذا القدر هو المتفق عليه، أما إذا كانت تأمن الفتنة بحسب ما يغلب على ظنها فهذا هو المختلف فيه، فمنهم من قال بالوجوب، ومنهم من قال بعدم الوجوب.
وأما دعوى الإجماع على جواز كشف الوجه والكفين فهل أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعَبيدة السلماني هم من فقهاء التابعين أو لا؟! ومتى انعقد الإجماع؟ إن كان في زمنهم فكيف انعقد دونهم؟! وإن كان قبلهم فكيف خفي ذلك عليهم حتى خرقوا الإجماع؟! وإن كان بعدهم فكيف خفي على الإمام أحمد ابن حنبل؟! وكيف خفي مثل ذلك الإجماع على كثير من فقهاء الحنابلة وفيهم ابن قدامة وغيره؟! وعلى كثير من فقهاء الشافعية وفيهم النووي وغيره؟! بل إن ابن حجر الهيتمي الذي نقل هو نفسه ذلك النص أوَّله بخلاف ما فهمه منه بعض الناقلين، فدعوى الإجماع هنا فيها نظر، وما أكثر ما يقع الخطأ في نسبة الأقوال إلى الإجماع، والله أعلم.
الفصل الخامس
المفاخذة
قال الباحث: «المعاصي تنقسم إلى قسمين: كبائر، وصغائر،… وقد اختلفت الأقوال في تعداد الكبائر،… وأحسن ما يقال في ذلك: الكبيرة كل ذنب أُطلق عليه بنص كتاب أو سنة أو إجماع أنه كبيرة، أو عظيم، أو أُخبر فيه بشدة العقاب، أو عُلق عليه الحد وشُدد النكير عليه، وما سوى الكفر و الكبائر من الذنوب فهو من الصغائر».
ثم قال: «المفاخذة من المحرمات الصغائر».
ثم قال: «مستحل المفاخذة مع الأجنبية كافر، لاستحلاله ما عُلم من الدين بالضرورة حرمتُه».
ووَجَّه الكلامَ لمن يخالفه في أنها من الصغائر لا من الكبائر قائلًا : «فاعلمْ أن انتقادك علينا لقولنا إن المفاخذة من المحرمات الصغائر ليس لك دليل عليه، وإنما هو من اجتهادك الفاسد، وإليك مستنداتِنا من كتب المحدثين والفقهاء،…» . ثم قال : «فعلامَ استندتَ حين اعترضتَ؟ فإن كان ما قلتَ صوابًا فأظهر الدليل».
دليله:
استدل الباحث بما نقله ابن حجر العسقلاني في فتح الباري عن أبي عبد اللـه الحليمي من كبار فقهاء الشافعية أنه قال : «المفاخذة مع الأجنبية صغيرة». وبقولِ النووي والشيخ زكريا الأنصاري الشافعيين إذ يقول كل منهما في تعداد الصغائر: «ومباشرة الأجنبية بغير جماع».
أقول : لقد أحسن الباحث في تقسيم المعاصي إلى كبائر وصغائر، وفي تحريم المفاخذة، وفي حكمه بالكفر على مستحلها مع من لا تحل له، وفي مطالبته المعترضَ عليه بإظهار الدليل، وهذا كله حسن جميل، لكن في تعريفه المختار للكبيرة نظر، وكذا في جعْله المفاخذةَ من الصغائر.
وهذا توضيح لمعاني بعض الكلمات:
المفاخذة وضْع الفخذ على الفخذ، والفَخِذ ما فوق الركبة، والمراد هنا وضع الرجل فخذه على فخذ امرأة لا يحل له ذلك منها. والمباشرة وضْع البشرة على البشرة، والبَشَرة ظاهر الجلد، فقد تكون باليد أو بغير ذلك، وتشمل المفاخذة وغيرها.
ولي على كلام الباحث مؤاخذات:
المؤاخذة الأولى في تعريف الكبيرة:
اقتصر الباحث على التعريف الذي اختاره، وهو يَقْصُر سبيل الحكم بكون الذنب من الكبائر على نص الكتاب والسنة والإجماع، ويستبعد القياس، فالذنب الذي لم يأت استعظامه نصاً ولا إجماعا لا يُعَدُّ عنده من الكبائر، أي حتى ولو كان مستبشعا مستهجنا حسب روح الشريعة ومقاصدها، وهذا يتفق مع المنهج الظاهري في فهم الشريعة، لا منهجِ الفقهاء المحققين الذين يعتمدون القياس دليلا شرعيا بعد نص الكتاب والسنة والإجماع.
والتعريف الذي اختاره الباحث للكبيرة قد يفتح الباب لضعاف الإيمان فيشكّوا في عدد من الكبائر، بحجة أنه ليس في الكتاب أو السنة نص يشير إلى كونها كبيرة، ولا يوجد إجماع واضح صريح، كتناول المخدرات مثلا، أو ترويجها والاتجار فيها، فهل هذا ليس من الكبائر؟!!.
بل لو رجعنا إلى كلام الشيخ زكريا الأنصاري الذي نقله واحتج به الباحث على أن المفاخذة من الصغائر لوجدنا عنده: «ومن الصغائر: النظر المحرم، … وإشرافه على بيوت الناس، … وكشف العورة، … ومباشرة الأجنبية بغير جماع». ومقتضى إطلاقه القولَ بأن الإشراف على بيوت الناس من الصغائر: أن استراق النظر إلى الرجال مع زوجاتهم في غرف نومهم ليس من الكبائر!!! ومقتضى إطلاقه القولَ بأن كشف العورة من الصغائر: أن ظهور الرجل أو المرأة عُريانين أمام الناس ليس من الكبائر!!! وما أظن الباحث يقول بهذا، كما لا أظن أن الشيخ زكريا الأنصاري يقصد حقيقة تلك الإطلاقات التي وردت في كلامه، وما أظنه يقصد أكثر من بعض الحالات الخفيفة التي يشملها إطلاقه، أما الحالات القصوى من تلك الإطلاقات فلا شك في أنها من الكبائر، لعظم شناعتها ومفسدتها، ولدلالتها المؤكدة على قلة اكتراث مرتكبها بالدين، أفلا يدلنا هذا على أنه لا غنى لمن يتصدى للفتوى عن الأدلة الشرعية الأربعة: القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، والقياس.
والعلماء المحققون في هذه المسألة لا يرون أن الكبيرة هي ما ورد استعظامها بالنص أو الإجماع فحسب، بل كل معصية فيها من الشناعة والمفسدة وقلة الاكتراث بالدين مثل ما في الكبائر المنصوص عليها فهي كبيرة، ومن المتفق عليه أن الفرع إذا ساوى الأصل في العلة وجب قياسه عليه وتسويته معه في الحكم.
وهذه طائفة من أقوال العلماء في حد الكبيرة:
ـ قال الإمام العيني: «والأصح ما نُقل عن شمس الأئمة الحلواني أنه قال: ما كان شنيعًا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله تعالى والدين فهو من جملة الكبائر». [شرح كنز الدقائق: 2/106].
ـ قال ابن عابدين: «الأصح أن الكبيرة كل ما كان شنيعا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الدين، كما بسطه القهستاني وغيره، كذا في شرح الملتقى». [رد المحتار: 4/377].
ـ قال الإمام القرافي: «ماوردت به السنة أو الكتاب العزيز بجعله كبيرة أو أجمعت عليه الأمة أو ثبت فيه حد من حدود الله تعالى… وكذلك ما فيه وعيد صُرِّح به في الكتاب أو في السنة: فنجعله أصلا، وننظر، فما ساوى أدناه مفسدة أو رَجَحَ عليها مما ليس فيه نص ألحقناه به،… وما وجدناه قاصرًا عن أدنى رتب الكبائر التي شهدت لها الأصول جعلناه صغيرة». [الفروق: 4/66].
ـ قال الإمام المجتهد ابن دقيق العيد: «اختلف الناس في الكبائر، فمنهم من قصد تعريفها بتعدادها،… ومنهم من سلك طريق الحصر بالضوابط،… وسلك بعض المتأخرين طريقا فقال: إذا أردت معرفة الفرق بين الصغائر والكبائر فاعرضْ مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإذا نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر، وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر أو أربت عليه فهي من الكبائر». ثم عقَّب ابن دقيق العيد قائلًا: «إذا سلكنا هذا المسلك فقد تكون مفسدة بعض الوسائل إلى بعض الكبائر مساويًا لبعض الكبائر أو زائدًا عليها، فإن من أمسك امرأة محصنة لمن يزني بها أو مسلما معصوما لمن يقتله فهو كبيرة، أعظم مفسدة من أكل مال الربا أو أكل مال اليتيم، وهما منصوص عليهما». [إحكام الأحكام: 2/273، 274].
ـ قال إمام الحرمين في الإرشاد: «كل جريرة تُؤْذِنُ بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة مبطلة للعدالة، وكل جريرة لا تؤذن بذلك بل يبقى حسن الظن ظاهرًا بصاحبها لا تحبط العدالة، وهذا أحسن ما يُميَّز به أحد الضدين عن الآخر».
وقال الهيتمي معلقا عليه: «ولهذا تابعه ابن القشيري في المرشد، واختاره الإمام السبكي وغيره». ثم نقل عن البرماوي قوله: «ورجح المتأخرون مقالة الإمام، لحسن الضبط بها، ولعلها وافية بما ورد في السنة من تفصيل الكبائر الآتي بيانها وما أُلحق بها قياسًا». [الزواجر عن اقتراف الكبائر: 1/4]. [وهو قول الهيتمي في تحفة المحتاج : 10/213].
ـ قال تاج الدين السبكي في تعريف الكبيرة: «والمختار ـ وفاقاً لإمام الحرمين ـ : كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة». [جمع الجوامع المطبوع مع شرح المحلي وحاشية ابن قاسم العبادي: 3/250].
ـ عرّف السيوطي الكبيرة بما قاله إمام الحرمين. [الأشباه والنظائر للسيوطي: ص 414].
ـ أقر الزركشي مقالة إمام الحرمين إذ قال في تعريف الكبيرة: «قيل : المعصية الموجبة للحد، وقيل : ما لحق صاحِبَها وعيد شديد، وقيل : ما تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة، قاله إمام الحرمين، وقيل : ما نص الكتاب على تحريمه أو وجب في جنسه حد، والظاهر أن كل قائل ذكر بعض أفرادها، ويجمع الكبائر جميعُ ذلك». [البحر المحيط: 4/276].
ـ قال سلطان العلماء عز الدين ابن عبد السلام: «لم أقف على ضابط الكبيرة، والأَولى ضبطها بما يشعر بتهاون مرتكبها إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها».
ـ قال هبة الله بن عبد الرحيم البارزي المتوفى سنة 738 في كتابه تيسير الفتاوي في تحرير الحاوي: «والتحقيق أن الكبيرة كل ذنب قُرن به وعيد أو حد أو لعن بنص كتاب أو سنة، أو عُلم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به وعيد أو حد أو لعن أو أكثر من مفسدته، أو أشعر بتهاون مرتكبه في دينه إشعار أصغر الكبائر المنصوص عليها بذلك». [انظر: الآيات البينات لابن قاسم العبادي: 3/250. تنوير البصيرة ببيان علامات الكبيرة للشيخ عبد الله ابن الصديق الغماري: ص 12 مع إقراره وترجيحه].
المؤاخذة الثانية في اعتبار أقوال العلماء حجة بذاتها:
استدل الباحث في قوله بأن المفاخذة ليست من الكبائر ببعض أقوال العلماء، دون أن يكون لها ما يؤيدها من كلام الله تعالى، أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو إجماع المجتهدين، أو القياس، وهذه هي الأدلة الأصلية المتفق عليها عند علماء أصول الفقه، وليس معه قول صحابي واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تساعده قاعدة المصالح المرسلة، ولا سد الذرائع.
وأود أن أشير هنا إلى مسألة غاية في الأهمية، وهي هل أقوال العلماء يُحتج بها؟ أو يُحتج لها؟.
ولعل من الواضح البيِّن أنها ليست حججاً بذاتها بحيث تُطلب الحجة منها، بل يُحتج لها، بحيث نبحث لها عن دليل من الأدلة الشرعية لتأييدها.
وهذا لا يعني إهمالها والتسرعَ في مخالفتها، بل إيرادُها ـ إذا لم تخالف دليلا من الأدلة الشرعية ـ أمر حسن مطلوب على سبيل الاستئناس، لا على سبيل الاحتجاج.
قد يقال: هذا للمجتهد أو لمن عنده نوع اجتهاد بحيث ارتقى عن مرتبة التقليد.
فأقول: نعم، لأن المقلد المحض لا مرام له سوى أن يجد النص على حكم المسألة عند بعض العلماء الذين ارتضى تقليدهم، وقُصاراه أن يفهم كلامهم، دون بحث عن دليل، ولا مناقشة للاستدلال، ولا كلام في مسائل العلم مع هذا النوع من المقلدين.
ولو جاز لنا أخذُ أقوال العلماء بالتسليم دون بحث ولا مناقشة لجاز لمن قرأ كلام أبي الليث السمرقندي ـ رحمه الله وغفر له ـ أن يقلده في موضوع الكبائر والصغائر، ومن غرائبه أنه جعل السجود لغير الله تعالى من الصغائر، لا من الكبائر!!! ومن المقطوع به أنه لا يقصد السجود لغير الله تعالى مع اعتقاد الربوبية أو الألوهية فيه، فذلك كفر واضح، ولكنه يقصد فعل بعض الجهلة السفهاء الذين يسجدون لعظمائهم سجود تحية، ولا شك في أن هذا محرم في هذه الشريعة المحمدية التي نسخت ما كان من ذلك في الشرائع السابقة، ولكن هل السجود لغير الله تعالى من الصغائر؟!!!.
دليل اعتبار المفاخذة من الكبائر:
ـ إذا نظرنا في تعريفات الكبيرة المذكورة في المؤاخذة الأولى وما في المفاخذة من المفاسد فإننا سنجزم دون شك بأن المفاخذة من المحرمات الكبائر، إذ لا شك في كونها أمرًا شنيعًا بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله تعالى والدين، ولا شك في أن المفاسد التي فيها لا تقل عن مفاسد بعض الكبائر المتفق عليها، كما لا شك في أنها تُشعر بقلة اهتمام مرتكبها بالدين وبرقة تدينه.
وإذا كانت أقوال معظم العلماء تقضي باعتبارها كبيرة وإطلاقات بعضهم تقتضي أنها صغيرة ؛ فأي الفريقين أولى بأن يُقلَّد في هذه المسألة؟؟؟ الفريق الذي يؤيده الدليل هو الأولى.
ـ والدليل هو القياس على ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال، كما لعن الرجل يَلْبَس لِبْسة المرأة والمرأة تلبَس لِبْسة الرجل، واللعن هو الدعاء على المرء بالطرد من رحمة الله، تشبيها له بإبليس الذي قال فيه ربنا جل شأنه { وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين }، فهو أمارة من أمارات كبائر الذنوب.
[لا شك في أن مفاسد المفاخذة لا تقل عن مفاسد تشبه الرجال بالنساء أو تشبه النساء بالرجال]، وهذا التشبه أصل يُقاس عليه، والمفاخذة فرع يُراد إلحاقه بالأصل، وحيث إن مفاسدها تربو على مفاسد التشبه فوجب إلحاقها به في الحكم، وهو كونهما من الكبائر، بسبب اشتراكهما في العلة.
ـ ولعل الواقف على هذا يرجع عن ظنه أن مَن جعل المفاخذة من المحرمات الكبائر ليس له على ذلك دليل، وأن قوله هذا إنما هو من اجتهاده الفاسد.
ـ هذا وفي كلام الحليمي نفسه وكلام البيهقي ما يؤيد اعتبار المفاخذة من الكبائر، فقد قال الحليمي : «وأما ما دون الزنى الموجب للحد فإنه من الصغائر». ثم قال: «وتعاطي الصغيرة على وجهين أو أوجه من التحريم كبيرة». [المنهاج في شعب الإيمان: 1/ 398، 399]. وقال الإمام البيهقي: «وتعاطي الصغيرة على وجه يجمع وجهين أو أوْجُهًا من التحريم كبيرة». [شعب الإيمان: 1/268].
أفليس فيها النظر المحرم واللمس المحرم وكشف العورة المحرم؟!!! فاجتماع هذه المحرمات الصغائر ـ حتى مع افتراض كونها بدون شهوة ولا خوف فتنة ـ يجعلها كبيرة من الكبائر.
وقد نقل الهيتمي أن عددًا من العلماء عدوا النظر إلى المرأة التي لايحل له ذلك منها من جملة الكبائر إذا كان بشهوة مع خوف الفتنة، وكذا لمسها، وكذا الخلوة بها، فمن جمع هذه الثلاثة فقد جمع على هذا القول ـ ثلاثة من الكبائر. فهل المفاخذة أقل ؟!!!.
قال الهيتمي: «الكبيرة الثانية والأربعون والثالثة والأربعون والرابعة والأربعون بعد المئتين: نظرُ الأجنبيةِ بشهوة مع خوف فتنة، ولمسها كذلك، وكذا الخلوة بها،… أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدركٌ ذلك لا محالة، العينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخُطى، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدِّق ذلك الفرجُ أو يكذبه». ثم قال بعد أن سرد عددًا من الأحاديث الأخرى : «عَدُّ هذه الثلاثة من الكبائر هو ما جرى عليه غير واحد، وكأنهم أخذوه من الحديث الأول وما بعده، لكن الذي جرى عليه الشيخان وغيرهما أن مقدمات الزنى ليست كبائر، ويمكن الجمع بحمل هذا على ما إذا انتفت الشهوة وخوف الفتنة، والأول على ما إذا وجدتا». [الزواجر: 2/2، 3]. والشيخان اللذان رويا الحديث هما البخاري ومسلم، والشيخان اللذان نقل عنهما في الفقه هما الرافعي والنووي.
وأنت ترى أن ابن حجر الهيتمي سلك مسلك الجمع بين أقوال شيوخ المذهب، فهو أقوى من حملها على التعارض، ووجْه الجمع بين قول الأولين الذين رأوا أن النظر واللمس والخلوة كبائر وبين قول الآخِرين الذين رأوا أنها صغائر: هو أن نحمل هذا القول الأخير على ما إذا حصل ذلك دون شهوة ولا خوف فتنة، وأن نحمل القول الأول على ما إذا حصل ذلك مع الشهوة وخوف الفتنة.
وقد قدمت أقوال عدد من العلماء في ضبط الكبائر، وهم شمس الأئمة الحلواني والعيني والقهستاني وابن عابدين والقرافي وابن دقيق العيد وإمام الحرمين والبرماوي وتاج الدين السبكي والسيوطي وابن حجر الهيتمي والزركشي وسلطان العلماء عز الدين ابن عبد السلام والبارزي، وهؤلاء ممن حققوا المسألة، فلا محيد عن قولهم، وهذا المسلك الذي ارتضَوه يدخِل القياس في سبل الحكم على المعصية بكونها كبيرة، وهو أقرب إلى روح الشريعة ومقاصدها وقواعدها، ولابد منه كي تنضبط موازين الحكم على أي ذنب من الذنوب بكونه من الكبائر أو الصغائر.
فلْيحذرِ المسلم والمسلمة من الذنوب كلها كبيرها وصغيرها، وليعلمْ أن من تشبه من الرجال بالنساء ملعون وفاعل كبيرة، وكذا المتشبهة من النساء بالرجال، ولو في اللِبْسة، أي في هيئة اللباس، والنظرُ واللمسُ والخلوة مع الشهوة وخوف الفتنة كبائر، وبدونها صغائر، لكن إذا جمعت المعصية وجهين أو أوجهًا من التحريم أصبحت كبيرة، والإصرار على الصغيرة كبيرة، فالبِدارَ البِدارَ إلى التوبة، فإن الله يحب التوابين، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. قال الله عز وجل: {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى}.
الخاتمة
لقد تبين بوضوح ـ بعد عرض الأدلة ومناقشتها وإيراد أقوال العلماء ـ ما يلي :
1، 2، 3 ـ تحريم خروج المرأة من بيتها متعطرة، أو متزينة، أو بملابس ضيقة، وسواء في ذلك أقصدت فتنة الرجال أو لم تقصد، ومما لا شك فيه أنها إذا قصدت ذلك فالمعصية أعظم.
4 ـ وأن العلماء لم يجمعوا على جواز كشف الوجه والكفين، فالمسألة خلافية، والستر هو الأسلم والأحوط، وهذا حيث لا يكون من ينظر نظرة افتتان، أما إذا كان من ينظر إلى المرأة مثل تلك النظرة فلا شك في وجوب الستر الكامل.
5 ـ وأن المفاخذة من المحرمات الكبائر، لا الصغائر.
هذا وإني لم أبحث وأجهد وأكتب إن شاء الله إلا ابتغاء مرضاة الله تعالى، وغاية مناي الوصول إلى الحق، فإن وُفقت لذلك فبفضل الله، وأسأله القبول، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، وأسأل الله تعالى العفو والمغفرة.
وأرجو من الباحث الذي لم أتفق معه في هذه المسائل وممن يوافقه فيها أن تتسع صدورهم للبحث والمناقشة، فإن العلم محتجب وإظهاره بالمناظرة، [كما في الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي: ص 207].
ولا ينبغي لأحد أن يأنف من أن يرد ويُرد عليه إذا كان الهدف واحدا وهو الوصول إلى الحق، وقد قال التابعي الجليل مجاهد بن جبر رحمه الله تعالى: «ليس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنت آخذ من قوله وتارك». [كما في الفقيه والمتفقه: ص 167].
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، واجعلنا نحب ظهوره سواء على لسان مَن وافقَنا أو من خالفَنا، لا نبالي في محبته ونصرته لومة لائم، واجمعنا على الحق الذي يرضيك عنا، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم.
وكان الفراغ من كتابة هذا المبحث في بييرفوند من ضواحي مونتريال، يوم الجمعة 4/ 1/ 1419 الموافق 1/ 5/ 1998، سوى بعض الإضافات اليسيرة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
______________________________________________
المحتوى
خروج المرأة من بيتها متعطرة……………………………………… 3
دليله الأول:…………………………………………………………. 3
دليله الثاني:…………………………………………………………. 4
دليله الثالث:…………………………………………………………. 4
دليله الرابع:…………………………………………………………. 7
دليله الخامس:……………………………………………………….. 8
دليله السادس:……………………………………………………….. 8
أدلة تحريم خروج المرأة متعطرة بطيب تظهر رائحته……………… 10
الدليل الأول:………………………………………………………. 10
الدليل الثاني:………………………………………………………. 11
الدليل الثالث:………………………………………………………. 17
الدليل الرابع:………………………………………………………. 18
الدليل الخامس:……………………………………………………. 18
خروج المرأة من بيتها بزينة تظهرها……………………………… 23
دليله الأول:……………………………………………………….. 23
دليله الثاني:……………………………………………………….. 24
دليله الثالث:……………………………………………………….. 30
دليله الرابع:……………………………………………………….. 32
دليله الخامس:……………………………………………………… 34
هو عين دليله الخامس المتقدم في الفصل الأول المتعلق بخروج المرأة من بيتها متعطرة، والجواب هنا يعلم من الجواب هناك……………………… 34
أدلة تحريم إبداء المرأة زينتها للرجال الأجانب عنها……………….. 35
الدليل الأول:………………………………………………………. 35
الدليل الثاني:………………………………………………………. 36
الدليل الثالث:………………………………………………………. 36
الدليل الرابع :……………………………………………………… 36
الدليل الخامس:……………………………………………………. 37
الدليل السادس:…………………………………………………….. 37
ستر المرأة البدن بملابس ضيقة…………………………………… 43
دليله:………………………………………………………………. 43
أدلة تحريم خروج المرأة من بيتها بالملابس الضيقة………………… 47
الدليل الأول:………………………………………………………. 47
الدليل الثاني:………………………………………………………. 47
الدليل الثالث:………………………………………………………. 48
ستر المرأة وجهها وكفيها………………………………………….. 51
الملحوظة الأولى:…………………………………………………. 51
الملحوظة الثانية:………………………………………………….. 51
حكم المسألة:………………………………………………………. 52
المفاخذة……………………………………………………………. 61
دليله:………………………………………………………………. 61
المؤاخذة الأولى في تعريف الكبيرة:………………………………. 62
المؤاخذة الثانية في اعتبار أقوال العلماء حجة بذاتها:……………… 65
سؤال من نور : هل يجوز للمرأة المسلمة أن تلبَس الملابس التي تصف جسمها؟ أي الملابس الضيقة؟
جواب الشيخ صلاح الدين حفظه الله :
إذا كانت المرأة تصلي في بيتها ولا يراها أحد من الناس – ويُستثنى الزوج بطبيعة الحال – وكانت الملابس التي تصلي فيها ضيقة ولكنها ساترة للعورة أي لكل البدن ما عدا رقعة الوجه والكفين فصلاتها صحيحة، أي هي تجزئ عن الفريضة، ولكن مع الكراهة
أما أن تظهر فيها أمام الناس فهذا من المحرمات
سوى ما يظهر بنفسه دون أن تكون هي التي تظهره، فهذا لا حرج فيه – والله أعلم -، ولهذا ومع كون المرأة محجبة فقد أمرنا ربنا عز وجل بغض الأبصار
هل هذا هو للمرأة المسلمة فقط؟
الجواب: لا، بل هو للرجل المسلم كذلك، مع مراعاة الفرق بين ما هو عورة من الرجل وما هو عورة من المرأة.