ما هي الرؤية الإسلامية للدنيا

ما هي الرؤية الإسلامية للدنيا ؟

هل هي ملعونة ؟

وإن كانت ملعونة فلماذا جعلنا الله خلفاء في الأرض ؟

وكيف نوازن بين الزهد في الدنيا وبين أداء مهمة الاستخلاف فيها ؟

تجدون الجواب عن ذلك في هذه الحلقة بعنوان : هل الدنيا ملعونة ؟

تقديم  صلاح الدين الإدلبي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حديث “الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلما”

 

رُوي هذا الحديث عن أبي الدرداء وعن كعب الأحبار من قولهما، ومن مرسل محمد بن المنكدر، ومن حديث أبي الدرداء وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم:

ـ فأما الحديث الموقوف على أبي الدرداء فرواه ابن أبي شيبة في المصنف وابن أبي الدنيا في الزهد ـ ومن طريقه البيهقي في الشعب ـ، من طريقين عن موسى بن عقبة عن بلال بن سعد بن تميم الكندي الدمشقي عن أبيه عن أبي الدرداء من قوله موقوفـًا عليه. وهذا سند صحيح.

ورواه أبو داود في الزهد من طريق معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية حُدير بن كـُريب عن جُبير بن نُفير عن أبي الدرداء موقوفـًا. وهذا سند جيد.

ورواه عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد، والبسوي في المعرفة والتاريخ وابن أبي الدنيا في الزهد وابن عبد البر في جامع بيان العلم وابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق ابن المبارك، ورواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن الأعرابي في الزهد والبيهقي في الشعب والمدخل إلى السنن الكبرى من طريق عبد الرزاق بن همام، كلاهما عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء موقوفـًا. وهذا الطريق رجاله ثقات، إلا أنه منقطع بين خالد بن معدان وأبي الدرداء، وخالد بن معدان من الرواة عن جبير بن نفير، فالظاهر أنه سمعه منه، ويكون بذلك قد رجع هذا الطريق إلى الطريق الذي قبله.

ـ وأما الموقوف على كعب فرواه ابن أبي شيبة في المصنف ـ وعنه الدارمي في السنن ـ، عن يحيى بن يمان عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن عبد الله بن ضمرة عن كعب الأحبار. يحيى بن يمان صدوق سيئ الحفظ. عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان تغير حفظه بآخره، ولكن نقل الرواية عن كعب الأحبار ليس مظِنة وقوع الوهَم.

ـ وأما مرسل ابن المنكدر فرواه الإمام أحمد في الزهد، وكذا أبو داود في المراسيل عن محمد بن بشار، كلاهما عن يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا مرسلا. والمرسل ضعيف.

ـ وأما الحديث المرفوع من طريق أبي الدرداء فرواه ابن أبي عاصم في الزهد والطبراني في مسند الشاميين من طرق عن موسى بن أيوب النصيبي عن خداش بن مهاجر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم عن أبي الدرداء مرفوعًا. [خداش بن مهاجر ذكره الأزدي في الضعفاء، وقال عنه أبو حاتم الرازي: مجهول أُرى حديثَه مستقيمًا. وكلمة أبي حاتم هذه لا تعني أكثر من أنه وجد له رواية مستقيمة، ولذا فإنه قدَّم قبل ذلك أن الرجل مجهول، ليُعلم أنه لم يتتبع مروياته. ويبدو أن خداشًا قد أخطأ في رفع الحديث، لأنه معروف عن أبي الدرداء من قوله، هكذا جاء عنه من طريقين جيدين، كما تقدم]. فهذا السند تالف، لأنه ضعيف ومعلول بعلة الوقف على الصحابي.

ـ  وأما حديث أبي سعيد الخدري فرواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم من طريق عبد الملك بن حبيب المصيصي عن عبد الله بن المبارك عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا. [عبد الملك بن حبيب لم أجد فيه جرحًا ولا تعديلا]، فهذا الطريق خطأ، وهو تالف، لأنه ضعيف ولمخالفته لما ثبت عن ابن المبارك من روايته عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء موقوفـًا.

ـ وأما حديث أبي هريرة فرواه الترمذي وابن ماجه في السنن وابن أبي عاصم في الزهد والعُقيلي والبيهقي في الشعب وابن عبد البر في جامع بيان العلم من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد ضعيف، فيه ابن ثوبان وهو صدوق قد ضعفه جماعة وتغير بآخره.

ـ  وأما حديث ابن مسعود فرواه البزار في المسند والطبراني في مسند الشاميين والمعجم الأوسط، من طريق أبي مطرف المغيرة بن مطرف الواسطي عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن عبدة بن أبي لبابة عن أبي وائل عن ابن مسعود به مرفوعا. [المغيرة بن مطرف ذكره الذهبي في المقتنى في سرد الكنى وقال عنه واهٍ. عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ضعفه جماعة وتغير بآخره]. فهذا الطريق فيه ضعيفان، فهو ضعيف جدا.

ـ  وأما حديث جابر فرواه ابن الأعرابي في الزهد وأبو نعيم في الحلية والخليلي في الإرشاد والبيهقي في شعب الإيمان وفي الزهد، من طرق عن عبد الله بن الجراح القهستاني عن أبي عامر العقدي عبد الملك بن عمرو عن سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر به مرفوعا. [عبد الله بن الجراح قال فيه أبو حاتم: كان كثير الخطأ ومحله الصدق. ووثقه النسائي في مشيخته والخليلي في الإرشاد، وذكره ابن حبان في الثقات]. ووصْل هذا الحديث بذكر جابر فيه هو من أخطاء عبد الله بن الجراح، لأن الثقة الثبت يحيى بن سعيد القطان رواه عن سفيان عن ابن المنكدر مرفوعا مرسلا، فهذا الطريق تالف، لأنه لين ومعلول بالإرسال.

وله طريق آخر عن سفيان الثوري، رواه ابن أبي الدنيا وابن الأعرابي والبيهقي كلهم في الزهد، من طريق مهران بن أبي عمر عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. [مهران صدوق فيه لين وكان عنده غلط كثير في حديث سفيان، والمنكدر ذكره ابن حبان في ثقات التابعين]، فهذا إسناد مرسل، وقد أخطأ فيه مهران، لأن الثقة الثبت يحيى بن سعيد القطان رواه عن سفيان عن محمد بن المنكدر مرسلا، فهو مرسل على كل حال، لكن من مرسل ابن المنكدر، لا من مرسل أبيه.

ـ خلاصة الأمر أن هذا الحديث ضعيف ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قد صح من قول أبي الدرداء رضي الله عنه، وأن أبا الدرداء قد سمعه ـ فيما يبدو ـ من كعب الأحبار، والله أعلم.