* من روائع الإمام البخاري رحمه الله:
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا عبد الله، ألم أُخْبَرْ أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟!”. فقلت: بلى يا رسول الله. قال: “فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإن ذلك صيام الدهر كله”. قلت: يا رسول الله إني أجد قوة!. قال: “فصم صيام نبي الله داود، ولا تزد عليه”. قلت: وما كان صيام نبي الله داود؟. قال: “نصف الدهر”. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اقرإ القرآن في شهر”. قلت: إني أجد قوة!. حتى قال: “فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك”.
اختلفت الروايات المروية عن عبد الله بن عمرٍو في الزمن الذي أذِن له رسول الله صلى عليه وسلم أن يختم فيه القرآن، وقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه منها ثلاث روايات:
رواه من طريق أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو بلفظ “فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك”، ورواه من طريق أبي عوانة عن مغيرة عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بلفظ “واقرأ في كل سبع ليال مرة”، ورواه من طريق شعبة عن مغيرة عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بلفظ “اقرإ القرآن في كل شهر”، فما زال حتى قال “في ثلاث”.
والبخاري يرجح أنه صلى الله عليه وسلم أذن لعبد الله أن يختم في كل سبع، إذ قال معقبا على إحدى الروايات: “وقال بعضهم في ثلاث، وفي خمس، وأكثرهم على سبع”.
ـ لذا وحيث إنه يرى صحة اللفظ الوارد في الروايتين الأوليين من تلك الروايات الثلاث التي رواها “فاقرأه في سبع” فإنه رواهما في [بابٌ في كم يقرأ القرآن]، وهو الباب المناسب للفظ الذي يصححه.
وحيث إنه يرى عدم صحة اللفظ الوارد في الرواية الثالثة “فما زال حتى قال في ثلاث” فإنه رواه في [باب صوم يوم وإفطار يوم]، وهو الباب المناسب للفظٍ آخر اشتمل عليه الحديث، وهو المتعلق بصيام يوم وإفطار يوم، ولم يروه في الباب الذي روى فيه الروايتين الأوليين.
ـ أما الذين لا يعرفون طريقة البخاري ومنهجه في صحيحه فإنهم يقولون إن البخاري صحح اللفظين المشتملين على الإذن في قراءة القرآن في كل سبع ليال وفي كل ثلاث كذلك!، لأنه روى في صحيحه الروايتين كلتيهما، وهذا مخالف لطريقة البخاري رحمه الله.
هو إمام كبير من أئمة علم الحديث، ولكن كثيرا من الناس لا يعرفون قدره.