حقيقة حديث الفرقة الناجية

حديث “تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة”

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وله الحمد في الأولى والآخرة.

هذا الحديث رُوي من رواية أبي هريرة وأنس بن مالك ومعاوية بن أبي سفيان وعوف بن مالك وأبي أمامة وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن مسعود وعمرو بن عوف وأبي الدرداء وواثلة بن الأسقع وعن علي بن أبي طالب موقوفا:

* فأما حديث أبي هريرة فرواه أبو داود والترمذي ومحمد بن نصر المروزي في كتاب السنة وأبو يعلى وابن حبان والآجري في كتاب الشريعة وأبو منصور البغدادي في كتاب الفرق بين الفرق والبيهقي في السنن وفي الاعتقاد، ورواه ابن حنبل وابن ماجه وابن أبي عاصم في كتاب السنة، من خمسة طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة”. ولم يأت ذكر النصارى في المصادر الثلاثة الأخيرة. [محمد بن عمرو بن علقمة صدوق فيه لين، وروايته عن أبي سلمة عن أبي هريرة لينة].

* وأما حديث أنس فرُوي عنه من طريق زياد النميري وسعيد بن أبي هلال وزيد بن أسلم والزبير بن عدي وسلمان بن طريف وعبد العزيز بن صهيب ويحيى بن سعيد الأنصاري وسعد بن سعيد الأنصاري ويزيد الرقاشي وقتادة:

ـ فأما طريق زياد النميري فرواه ابن حنبل عن وكيع عن عبد العزيز بن عبد الله الماجشون عن صدقة بن يسار الجزري المكي عن زياد النميري عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن بني إسرائيل قد افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، وأنتم تفترقون على مثلها، كلها في النار إلا فرقة”. زياد النميري بصري ضعيف.

ـ وأما طريق سعيد بن أبي هلال فرواه ابن حنبل عن الحسن بن موسى الأشيب عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أنس به نحوه، وفيه: وتخلص فرقة. قالوا: يا رسول الله من تلك الفرقة؟. قال: الجماعة. عبد الله بن لهيعة كان قد اختلط. فهذا الطريق ضعيف.

ـ وأما طريق زيد بن أسلم فرواه أبو يعلى عن محمد بن بكار، والآجريُّ في كتاب الشريعة من طريق عاصم بن علي، كلاهما عن أبي معشر عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن زيد بن أسلم عن أنس مرفوعا به نحوه. [محمد بن بكار بن الريان بغدادي صدوق ثقة مات سنة 238. وعاصم بن علي بن عاصم واسطي صدوق فيه لين مات سنة 221. أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني ضعيف وتغير قبل موته بسنتين تغيرا شديدا ومات سنة 170. يعقوب بن زيد بن طلحة مدني ثقة مات بعد سنة 140. زيد بن أسلم مدني ثقة فيه لين وكان يرسل ومات سنة 136]. فهذا الطريق ضعيف.

ـ وأما طريق الزبير بن عدي فرواه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث من طريق بشر بن الحسين عن الزبير بن عدي عن أنس به نحوه. [بشر بن الحسين متروك متهم بالكذب]. فهذا الطريق تالف.

ـ وأما طريق سلمان بن طريف فرواه الآجري في كتاب الشريعة وابن بطة في الإبانة الكبرى من طريق سلمان بن طريف عن أنس به نحوه. [سلمان بن طريف أو طريف بن سلمان أبو عاتكة منكر الحديث ذاهب الحديث]. فهذا الطريق تالف.

ـ وأما طريق عبد العزيز بن صهيب فرواه الآجري في كتاب الشريعة وابن بطة في الإبانة الكبرى من طريق مبارك بن سحيم عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس به نحوه. [مبارك بن سحيم متروك الحديث ذاهب الحديث]. فهذا الطريق تالف.

ـ وأما طريق يحيى بن سعيد الأنصاري فرواه العُقيلي في الضعفاء من طريق معاذ بن ياسين الزيات عن الأبرد بن الأشرس عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس به، بلفظ “تفترق أمتي على سبعين أو إحدى وسبعين فرقة، كلهم في الجنة إلا فرقة واحدة”. قالوا: يا رسول الله، من هم؟. قال: “الزنادقة وهم القدرية”. [معاذ بن ياسين الزيات مجهول. الأبرد بن الأشرس كذاب وضاع]. فهذا الطريق تالف.

ورواه بحشل في تاريخ واسط والطبراني في الأوسط وفي الصغير عن وهب بن بقية عن عبد الله بن سفيان الواسطي عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة. قالوا: يا رسول الله وما تلك الفرقة؟. قال: ما كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي. [عبد الله بن سفيان قال العقيلي: لا يُتابع على حديثه]. فهذا الطريق ضعيف.

ـ وأما طريق سعد بن سعيد الأنصاري فرواه العُقيلي في الضعفاء من طريق ياسين الزيات عن سعد بن سعيد الأنصاري عن أنس به بنحو الطريق السابق. [ياسين بن معاذ الزيات منكر الحديث متروك الحديث]. فهذا الطريق تالف.

ـ وأما طريق يزيد الرقاشي فرواه محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة والطبري وابن أبي حاتم كلاهما في التفسير وأبو القاسم الأصبهاني في كتاب الحجة والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه والبسوي في المعرفة والتاريخ واللالكائي من طرق، عن الأوزاعي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة واحدة”. قالوا: يا رسول الله ومَن هذه الواحدة؟. قال: “الجماعة”.

ورواه أبو يعلى من طريق عكرمة بن عمار اليمامي عن يزيد الرقاشي عن أنس به نحوه.

ورواه الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه من طريق عبد الله بن غزوان الحمصي عن عمرو بن سعد مولى غفار عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن بني إسرائيل تفرقت على واحدة وثمانين ملة، وستفترق أمتي على اثنتين وثمانين ملة، كلها في النار غير ملة واحدة”. قالوا: وأية ملة هي يا رسول الله؟. قال: “الجماعة”.

ورواه عبد الرزاق عن معمر عن يزيد الرقاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ولفظه: “إن بني إسرائيل اختلفوا على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وإنكم ستختلفون مثلهم أو أكثر، ليس منها صواب إلا واحدة”. قيل: يا رسول الله وما هذه الواحدة؟. قال: “الجماعة”.

[عكرمة بن عمار اليمامي صدوق ثقة فيه لين، وأحاديثه عن يحيى بن أبي كثير مضطربة. عبد الله بن غزوان وعمرو بن سعد مولى غفار مجهولان. يزيد بن أبان الرقاشي بصري من العباد، وهو ضعيف متروك الحديث مات سنة 120 تقريبا]. فطريق يزيد الرقاشي كله تالف.

ـ وأما طريق قتادة فرواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة ـ ومن طريقه الضياء المقدسي في المختارة ـ قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا قتادة عن أنس بن مالك به. ورواه ابن المقرئ في معجمه والضياء في المختارة والخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث من طريق موسى بن عامر ابن خريم وعبد الملك بن الأصبغ البعلبكي قالا حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي عن قتادة عن أنس به. وكذا رواه أبو منصور البغدادي في كتاب الفرق بين الفرق من طريق الوليد بن سلمة عن الأوزاعي عن قتادة عن أنس به. لكن الوليد بن سلمة متهم بالكذب والوضع، وذكرته هنا لمجرد المعرفة، والعمدة على ما رواه الوليد بن مسلم من الطرق الثلاثة السابقة عنه.

[هشام بن عمار الدمشقي صدوق ثقة، لكن كبر فصار يتلقن. وموسى بن عامر ابن خريم صدوق فيه لين. وعبد الملك بن الأصبغ البعلبكي صدوق فيه لين. الوليد بن مسلم ثقة فيه لين كثير التدليس والتسوية، فإذا لم يتسلسل الإسناد منه إلى منتهاه بما يدل على السماع فالسند غير مقبول. قتادة بن دعامة ثقة مدلس، ولم أجد أنه صرح بسماعه لهذا الحديث من أنس].

هذا الطريق فيه ما يكفي لتضعيفه، ولكن الأهم من ذلك أنه معلول، لأنه قد جاء هنا من رواية الأوزاعي عن قتادة عن أنس!، والثابت عن الأوزاعي ـ من طرق عنه ـ أنه رواه عن يزيد الرقاشي عن أنس، كما تقدم قريبا، وهذا يعني أن رواية هذا الحديث من طريق الأوزاعي عن قتادة عن أنس هي مجرد خطأ، ويزيد الرقاشي ضعيف متروك الحديث. فهذا الطريق تالف.

ووجه الإعلال هو أنه لو كان هذا الحديث عند الأوزاعي عن قتادة ويزيد الرقاشي عن أنس فإما أن يجمعهما في الرواية وإما أن يقتصر على روايته عن قتادة عن أنس، فقتادة ثقة ويزيد الرقاشي ضعيف متروك الحديث، وأما الرواية مرة عن هذا ومرة عن ذاك فهذا نوع من العبث الذي تـُصان عنه أفعال العقلاء، وفي مثل هذا الحال فإن الأئمة النقاد من علماء الحديث يحكمون بتثبيت القدر الأدنى ويعلون ما فوقه، فلا مناص عن الحكم بأن الرواية الثابتة عن الأوزاعي هي عن يزيد الرقاشي وليست عن قتادة.

وإذا عُلم أن هذا الطريق معلول فقد جاءت رواية ابن ماجه مختلفة قليلا عن غيرها من روايات الوليد بن مسلم، فألقت الضوء بذلك على وجه الخطأ.

قال ابن ماجه رحمه الله في السنن: حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا أبو عمرو قال حدثنا قتادة عن أنس بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة”. أي إن الوليد بن مسلم كما روى هذا الحديث عن الأوزاعي عن يزيد الرقاشي عن أنس فكذلك رواه عن أبي عمرو عن قتادة عن أنس.

وللإيضاح أقول: الإمام الأوزاعي رحمه الله هو عبد الرحمن بن عمرو وكنيته أبو عمرو، والوليد بن مسلم سمع من أبي عمرو الأوزاعي كثيرا ومن أبي عمرو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وحدَّث عنهما، وأكثرَ من الرواية عن الأوزاعي، ولذا فإن بعض الرواة بمجرد سماعه منه كلمة “حدثنا أبو عمرو” يظن أن شيخه في هذه الرواية هو الأوزاعي، ولهذا فإن عددا من روايات هذا الحديث قد جاء فيها أنه عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن قتادة!، ويبدو أن هذا خطأ، وأن الوليد بن مسلم إنما سمع هذا الحديث من أبي عمرو الأوزاعي عن يزيد الرقاشي ومن أبي عمرو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن قتادة، وابن تميم هذا ضعيف متروك الحديث.

ولا يمتنع ـ عند الأئمة النقاد من علماء الحديث ـ أن يكون الحديث عند الوليد بن مسلم عن أبي عمرو الأوزاعي عن يزيد الرقاشي عن أنس وعن أبي عمرو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن قتادة عن أنس فيرويَه مرة عن هذا ومرة عن ذاك، لأن في كلا الوجهين راويا ضعيفا، فكلاهما في درجة الضعف. [ومن المفيد قراءة كتاب منهج الإمامين البخاري ومسلم في إعلال المرويات الحديثية، فهو مفيد في هذا الباب].

هذا وقد روى عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن قتادة أنه قال: سأل النبي صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بنَ سلام: على كم تفرقت بنو إسرائيل؟. فقال: على واحدة أو اثنتين وسبعين فرقة. فقال: “وأمتي أيضا ستفترق مثلهم أو يزيدون واحدة، كلها في النار إلا واحدة”. ويبدو أن هذه الرواية المرسلة هي أصل رواية قتادة، فأخذها منه عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فزاد فيها في المتن وجعلها عن قتادة عن أنس.

* وأما حديث معاوية فرواه ابن حنبل والدارمي وأبو داود والبسوي وأبو زرعة الدمشقي في الفوائد المعللة وابن أبي عاصم في كتاب السنة ومحمد بن نصر المروزي في كتاب السنة والطبراني في الكبير والآجري في كتاب الشريعة واللالكائي من خمسة طرق، عن صفوان بن عمرو السكسكي عن أزهر بن عبد الله الحَرَازي عن أبي عامر عبد الله بن لحي الهوزني أنه قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة قام حين صلى صلاة الظهر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة، يعني الأهواء، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة”. [صفوان بن عمرو ثقة فيه لين. أزهر بن عبد الله الحَرَازي صدوق فيه لين. عبد الله بن لحي صدوق].

* وأما حديث عوف بن مالك فرواه ابن ماجه والبسوي في المعرفة والتاريخ وابن أبي عاصم في كتاب السنة والطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين واللالكائي وأبو القاسم الأصبهاني في كتاب الحجة، عن عمرو بن عثمان بن سعيد ويزيد بن عبد ربه عن عباد بن يوسف عن صفوان بن عمرو السكسكي عن راشد بن سعد عن عوف بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار”. قيل: يا رسول الله من هم؟. قال: “الجماعة”.

[عمرو بن عثمان بن سعيد حمصي صدوق ثقة مات سنة 250. ويزيد بن عبد ربه حمصي ثقة مات سنة 224. عباد بن يوسف حمصي ذكره ابن حبان في الثقات، وقال عنه ابن عدي: روى عن صفوان بن عمرو وغيره أحاديث ينفرد بها. وقال الذهبي في المغني: ليس بالقوي. فهو لين. صفوان بن عمرو حمصي ثقة فيه لين. راشد بن سعد حمصي صدوق ثقة يرسل ومات سنة 113. عوف بن مالك صحابي مات سنة 73]. فهذا الطريق لين.

هذا الطريق فيه ما يكفي لتضعيفه، ولكن الأهم من ذلك أنه معلول، فقد روى خمسة من الرواة حديث افتراق الأمة عن صفوان بن عمرو السكسكي عن أزهر بن عبد الله الحَرَازي عن عبد الله بن لحي الهوزني عن معاوية، وليس عن صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن عوف بن مالك، فرجع هذا الطريق لحديث معاوية.

ـ ورواه البزار والطبراني في الكبير وفي مسند الشاميين والحاكم وابن عدي في الكامل والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، من طريق نعيم بن حماد عن عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم، يحرمون الحلال ويحلون الحرام”.

قال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه: عرضت على عبد الرحمن بن إبراهيم الحديث الذي حدثناه نعيم بن حماد عن عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال”، فرده وقال: هذا حديث صفوان بن عمرو، حديث معاوية. قال أبو زرعة: قلت ليحيى بن معين في حديث نعيم هذا وسألته عن صحته، فأنكره، قلت: من أين يُؤتى؟. فقال: شُبه له.

وقول دُحيم الحافظ عبد الرحمن بن إبراهيم “هذا حديثُ صفوان بن عمرو حديثُ معاوية” كأنه يريد بذلك أن حديث افتراق الأمة مشهور من رواية صفوان بن عمرو، الذي رواه عن أزهر بن عبد الله الحَرَازي عن عبد الله بن لحي عن معاوية، وأن عيسى بن يونس هو من الرواة عن صفوان، وأنه مما انقلب إسناده على نعيم بن حماد فوهِم فيه، فجعله “عن عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك”، بدلا من أن يقول “عن عيسى بن يونس عن صفوان بن عمرو عن أزهر بن عبد الله عن عبد الله بن لحي عن معاوية”.

وروى الخطيب البغدادي هذا عن أبي زرعة الدمشقي، ثم روى عن محمد بن علي بن حمزة المروزي أنه قال: سألت يحيى بن معين عن حديث عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم تفترق أمتي، فقال: ليس له أصل. قلت: فنعيم بن حماد؟. قال: نعيم ثقة. قلت: كيف يحدث ثقة بباطل؟. قال: شُبه له.

ورواه أبو إسماعيل الهروي في ذم الكلام من طريق نعيم بن حماد وعبد الوهاب بن الضحاك وسويد بن سعيد عن عيسى بن يونس به.

ورواه ابن عدي في ترجمة نعيم بن حماد من طريقه به، ثم من طريق أبي عبيد الله ابن أخي ابن وهب أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه عبد الله بن وهب عن عيسى بن يونس كرواية نعيم، ثم قال: وهذا الحديث كان يُعرف بنعيم بن حماد بهذا الإسناد، حتى رواه عبد الوهاب بن الضحاك وسويد الأنباري وشيخ خراساني يقال له أبو صالح الخراساني عن عيسى بن يونس، وأبو عبيد الله اتهم بهذا الحديث أيضا، وعبد الوهاب بن الضحاك اتهم أيضا فيه، وذاك لأن هذا الحديث معروف بنعيم عن عيسى بن يونس.

ورواه ابن عدي في ترجمة سويد بن سعيد الأنباري من طريقه به، وقال: وهذا إنما يعرف بنعيم بن حماد، ورواه عن عيسى بن يونس فتكلم الناس فيه، ثم رواه رجل من أهل خراسان يقال له الحكم بن المبارك يكنى أبا صالح الخواشتي، يقال إنه لا بأس به، ثم سرقه قوم ضعفاء ممن يُعرفون بسرقة الحديث، منهم عبد الوهاب بن الضحاك والنضر بن طاهر وثالثهم سويد الأنباري، ولسويد مما أنكرتُ عليه غيرُ ما ذكرت، وهو إلى الضعف أقرب.

ورواه الخطيب من طريق نعيم بن حماد به، ثم من طريق عبد الله بن جعفر الرقي وسويد بن سعيد الحدثاني الأنباري وعمرو بن عيسى بن يونس وعبد الوهاب بن الضحاك وعبد الله بن وهب ومحمد بن سلام المنبجي عن عيسى بن يونس به، ثم روى عن عبد الغني بن سعيد الحافظ أنه قال: “كل من حدث به عن عيسى بن يونس غير نعيم بن حماد فإنما أخذه من نعيم، وبهذا الحديث سقط نعيم بن حماد عند كثير من أهل العلم بالحديث، إلا أن يحيى بن معين لم يكن ينسبه إلى الكذب، بل كان ينسبه إلى الوهَم”.

فحديث عوف بن مالك من هذا الطريق ليس له أصل، وهو خطأ سندا ومتنا، وأصله الحديث الذي رواه صفوان بن عمرو عن أزهر بن عبد الله عن عبد الله بن لحي عن معاوية، فرجع حديث عوف بن مالك من هذا الطريق كذلك لحديث معاوية.

ـ ورواه الطبراني في الكبير عن يحيى بن عبد الباقي عن يوسف بن عبد الرحمن المروروذي عن أبي تقي عبد الحميد بن إبراهيم الحمصي عن معدان بن سليم الحضرمي عن عبد الرحمن بن نجيح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة واحدة في الجنة وسائرهن في النار؟!”. قلت: ومتى ذاك يا رسول الله؟. قال: “إذا كثرت الشرط ومَلـَكت الإماء…، ويفزع الناس يومئذ إلى الشام، تعصمهم من عدوهم”. قلت: وهل يُفتح الشام؟. قال: “نعم، وشيكا، ثم تقع الفتن بعد فتحها، ثم تجيء فتنة غبراء مظلمة، ثم يتبع الفتن بعضها بعضا، حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي، فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين”.

[يحيى بن عبد الباقي ثقة مات سنة 292. يوسف بن عبد الرحمن: لم أجد له في أسانيد الطبراني ذكرا سوى هذه المرة الواحدة، ولم أجد له ترجمة، وقد قال الذهبي وابن حجر: يوسف بن عبد الرحمن حدث عنه عيسى بن إبراهيم البِرَكي بحديثين موضوعين. وعيسى بن إبراهيم صدوق فيه لين مات سنة 228، فإن يكن يوسف بن عبد الرحمن الذي حدث عنه البركي هو الذي حدث عنه يحيى بن عبد الباقي فالظاهر أنه أحد الكذابين، وإلا يكـنْه فهو مجهول. عبد الحميد بن إبراهيم الحمصي ضعيف مات سنة 215 تقريبا. معدان بن سليم وعبد الرحمن بن نجيح لم أجد لهما ترجمة، وفي الرواة معدان بن حدير يروي عن عبد الرحمن بن جبير فلعل في السند تحريفا، وقد يكون هذا من افتعال يوسف بن عبد الرحمن]. فهذا الطريق تالف.

* وأما حديث أبي أمامة فرواه ابن أبي شيبة وابن أبي عاصم في كتاب السنة والحارث بن أبي أسامة ومحمد بن نصر المروزي في كتاب السنة والطبراني في الكبير واللالكائي، من طرق عن أبي غالب أنه قال: كنت في مسجد دمشق، فجاؤوا بسبعين رأسا من رؤوس الحرورية، فنـُصبت على درج المسجد، فجاء أبو أمامة فنظر إليهم، فقال: كلاب جهنم، شر قتلى قـُتلوا تحت ظل السماء، ومن قـَتلوا خيرُ قتلى تحت السماء. قلت: يا أبا أمامة، إني رأيتك تهريق عبرتك. قال: نعم، رحمة لهم، إنهم كانوا من أهل الإسلام، قد افترقت بنو إسرائيل على واحدة وسبعين فرقة، وتزيد هذه الأمة فرقة واحدة، كلها في النار إلا السواد الأعظم، عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم، وإن تطيعوه تهتدوا، وما على الرسول إلا البلاغ، السمع والطاعة خير من الفرقة والمعصية. فقال له رجل: يا أبا أمامة، أمن رأيك تقول أم شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال: إني إذا لجريء، بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين. حتى ذكر سبعا.

ورواه الطبراني في الكبير والأوسط من طريقين عن أبي غالب عن أبي أمامة أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، تزيد عليها أمتي فرقة، كلها في النار إلا السواد الأعظم.

ورواه الطبراني في الكبير واللالكائي والبيهقي من طرق بنحوه، وفيها: قلت: يا أبا أمامة، من قِبَل رأيك تقول أم شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال: بل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة ـ أو قال اثنتين وسبعين فرقة ـ، وإن هذه الأمة ستزيد عليهم فرقة كلها في النار إلا السواد الأعظم. ففي هذه الرواية الأخيرة لا يدخل حديث افتراق الأمة فيما سمعه أبو أمامة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[أبو غالب صاحب أبي أمامة: وثقه موسى بن هارون الحمال وابن معين في رواية والدارقطني مرة، وقال ابن معين في رواية: صالح الحديث. وقال الدارقطني مرة: يُعتبر به. وقال ابن عدي: ولم أر في أحاديثه حديثا منكرا جدا وأرجو أنه لا بأس به. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وضعفه النسائي، وقال ابن سعد وابن حبان: منكر الحديث]. فسنده ضعيف.

* وأما حديث سعد فرواه عبد بن حميد ومحمد بن نصر المروزي في كتاب السنة والبزار والآجري في كتاب الشريعة من طريق موسى بن عُبيدة الربذي عن أخيه عبد الله بن عبيدة عن عائشة بنت سعد عن أبيها أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين ملة، ولن تذهب الليالي ولا الأيام حتى تفترق أمتي على مثلها، وكل فرقة منها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة. موسى بن عُبيدة ضعيف منكر الحديث.

* وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص فرواه الترمذي ومحمد بن وضاح في البدع والآجري في كتاب الشريعة واللالكائي وأبو منصور البغدادي في كتاب الفرق بين الفرق وأبو القاسم الأصبهاني في كتاب الحجة، من طرق عن عبد الرحمن بن زياد بن أَنْعُم الإفريقي عن عبد الله بن يزيد المعافري المصري عن عبد الله بن عمرو أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة. قالوا: ومن هي يا رسول الله؟. قال: ما أنا عليه وأصحابي. عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ضعيف.

* وأما حديث ابن مسعود فرواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة والطبراني في الكبير عن هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده عبد الله بن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، لم ينج منها إلا ثلاث”.

[بكير بن معروف وثقه مروان بن محمد الطاطري، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو داود والنسائي: ليس به بأس. وقال أحمد: ما أرى به بأسا. وقال في رواية أخرى: ذاهب الحديث. وقال الدارقطني في العلل: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به وليس حديثه بالمنكر جدا. وقال فيه ابن المبارك: ارم به]. فالظاهر أنه لين وإلى الضعف أقرب.

ـ ورواه ابن أبي عاصم في السنة ومحمد بن نصر المروزي في السنة والطبري والطبراني في الكبير وفي الصغير والحاكم من طريق الصعق بن حزن عن عقيل الجعدي عن أبي إسحاق عن سويد بن غفلة عن ابن مسعود مرفوعا به نحوه. [عقيل الجعدي قال فيه البخاري وابن حبان: منكر الحديث].

والطريقان السابقان ـ زيادة على ما فيهما من الضعف ـ معلولان بالوقف على الصحابي:

فقد روى ابن أبي حاتم في التفسير هذا الحديث عن أبيه عن هشام بن عمار عن شهاب بن خراش عن حجاج بن دينار عن منصور بن المعتمر عن الربيع بن عميلة الفزازي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: “إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم اخترعوا كتاباً من عند أنفسهم، فافترقت بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين ملة”. ورواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني عن أبي سعيد بن الأعرابي عن سعدان بن نصر عن أبي معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن الربيع بن عميلة عن ابن مسعود بنحوه، وعنده “فاختلفت بنو إسرائيل على بضع و سبعين فرقة”.

[هشام بن عمار الدمشقي صدوق ثقة، لكن كبر فصار يتلقن. شهاب بن خراش صدوق ثقة فيه لين. حجاج بن دينار ثقة فيه لين. منصور بن المعتمر ثقة. الربيع بن عميلة ثقة. ورجال الإسناد عند البيهقي ثقات]. فهذا الإسناد صحيح.

* وأما حديث عمرو بن عوف فرواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا إن بني إسرائيل افترقت على موسى على سبعين فرقة، كلها ضلالة إلا فرقة واحدة، الإسلام وجماعتهم، وإنها افترقت على عيسى عليه السلام على إحدى وسبعين فرقة، كلها ضلالة إلا فرقة الإسلام وجماعتهم، ثم إنكم تفترقون على اثنتين وسبعين فرقة، كلها ضلالة إلا فرقة الإسلام وجماعتهم”. [كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف متروك متهم بالكذب].

* وأما حديث أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأنس فرواه الطبراني في الكبير والآجري في كتاب الشريعة وأبو إسماعيل الهروي في كتاب ذم الكلام وأهله من طريق كثير بن مروان الفلسطيني عن عبد الله بن يزيد بن آدم الدمشقي عن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ذروا المراء، فإن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة والنصارى على ثنتين وسبعين، كلهم على الضلالة إلا السواد الأعظم. قالوا: يا رسول الله ومن السواد الأعظم؟. قال: من كان على ما أنا عليه وأصحابي. ورواه ابن عساكر من طريق أبين بن سفيان عن عبد الله بن يزيد بن آدم به.

[كثير بن مروان الفلسطيني كذاب يحدث بالمنكرات. وأبين بن سفيان ضعيف منكر الحديث، وقال البخاري: لا يُكتب حديثه. عبد الله بن يزيد بن آدم الدمشقي ليس بثقة، أحاديثه موضوعة]. فهذا إسناد تالف.

* وأما الموقوف على علي فرواه محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني ـ كما في الإتحاف ـ عن مروان بن معاوية عن حسان بن أبي يحيى الكندي عن شيخ من كندة عن علي رضي الله عنه أنه قال: افترقت النصرانية على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت اليهودية على ثنتين وسبعين فرقة، والذي نفسي بيده لتفترقن الحنيفية على ثلاث وسبعين فرقة، فتكون ثنتان وسبعون في النار، وفرقة في الجنة. [حسان بن أبي يحيى الكندي شيخ مروان بن معاوية ذكره ابن حبان في الثقات، لكن وقع في نسخة كتاب الثقات تسميته بحسان بن أبي حسان. وشيخه مبهم]. فهذا الطريق ضعيف.

ـ ورواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة من طريق يعقوب بن عبد الله القمي عن ليث بن أبي سُليم عن مجاهد عن ابن عباس عن علي أنه قال: تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأنتم على ثلاث وسبعين، وإن من أضلها وأخبثها الشيعة. [ليث بن أبي سُليم اختلط جدا ولم يتميز حديثه].

ـ ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة وابن أبي حاتم في التفسير من طريقين عن عبد الله بن وهب عن أبي صخر حميد بن زياد عن أبي معاوية البجلي عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء البكري عن علي بن أبي طالب أنه قال: لقد افترقت بنو إسرائيل بعد موسى على إحدى وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة.

[حميد بن زياد مدني سكن مصر ومات سنة 145 تقريبا، صدوق فيه لين. أبو معاوية البجلي: قال المزي: يُقال إنه عمار الدهني ويُقال غيره. سعيد بن جبير ثقة. أبو الصهباء صدوق فيه لين]. عمار الدهني ثقة لم يسمع من سعيد بن جبير شيئا، فإن كان أبو معاوية البجلي المذكور في هذا السند هو عمارا الدهنيَّ فالسند منقطع، وإلا يكنْه فهو مجهول. فهذا الطريق ضعيف.

ـ ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة وابن عساكر من طريق عطاء بن مسلم الحلبي عن العلاء بن المسيب عن شريك البرجمي عن زاذان أبي عمر عن علي بنحوه.

[عطاء بن مسلم الكوفي الحلبي صدوق فيه لين مات سنة 190. العلاء بن المسيب كوفي ثقة فيه لين. شريك البرجمي لم أجد فيه سوى أن ذكره ابن حبان في الثقات. زاذان أبو عمر ثقة فيه لين مات سنة 83]. فهذا الطريق ضعيف.

ـ ورواه ابن بطة في الإبانة الكبرى من طريق شبابة بن سوار عن سوادة بن سلمة عن عبد الله بن قيس عن علي رضي الله عنه أنه قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، لتفترقن هذه الأمة على مثل ذلك، وأضلها فرقة وشرها الداعية إلينا أهلَ البيت، وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. [سوادة بن سلمة لم أجد له ترجمة، ولا فيمن اسمه سواد. عبد الله بن قيس يحتمِل أن يكون الذي ذكره ابن حبان في الثقات]. فهذا الطريق ضعيف جدا.

ـ ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن إبراهيم بن الحسن التغلبي عن عبد الله بن بكير عن محمد بن سوقة عن أبي الطفيل عن علي أنه قال: “تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، شرها فرقة تنتحل حبنا وتفارق أمرنا”. ثم علقه المؤلف بعد روايته مسندا عن أبي نعيم عن عبد الله بن بكير نحوه كذلك، وعن محمد بن سلمة الحراني عن محمد بن عبيد الله الفزاري عن محمد بن سوقة نحوه كذلك.

[محمد بن عثمان بن أبي شيبة كوفي مات سنة 287، وثقه جماعة، ويبدو أن له أخطاء كان يصر عليها فكذبه جماعة لأجلها. عبد الله بن بكير الغنوي الكوفي صدوق وليس بقوي. محمد بن سوقة كوفي ثقة. أبو الطفيل صحابي. أبو نعيم لعله الفضل بن دكين وهو ثقة. محمد بن سلمة الحراني ثقة مات سنة 192. محمد بن عبيد الله الفزاري العرزمي كوفي متروك الحديث مات سنة 155 تقريبا]. فهذا الطريق ضعيف.

ثم إنه معلول بما رواه الآجري في الشريعة من طريق رجاله ثقات، والخطيبُ البغدادي من طريق واه، كلاهما عن أبي معاوية قال حدثنا محمد بن سوقة عن حبيب بن أبي ثابت عن علي رضي الله عنه أنه قال: تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين فرقة، شرهم قوم ينتحلون حبنا أهلَ البيت ويخالفون أعمالنا. [أبو معاوية محمد بن خازم كوفي صدوق ربما دلس ومات سنة 194. محمد بن سوقة كوفي ثقة رأى أنس بن مالك. حبيب بن أبي ثابت كوفي ثقة يدلس ويرسل، ولم يدرك عليا، ومات سنة 119]. فهذا الطريق منقطع بين حبيب بن أبي ثابت وعلي رضي الله عنه، فهو ضعيف.

ووجه الإعلال هو أن الطريق السابق لهذا الأثر الموقوف على علي رضي الله عنه رُوي من طريق محمد بن سوقة عن أبي الطفيل عن علي من وجه ضعيف، ولو صحَّ من هذا الطريق لكان الأثر صحيح الإسناد، ورُوي من طريق محمد بن سوقة عن حبيب بن أبي ثابت عن علي من وجه قوي، فبذلك يكون الطريق السابق ـ زيادة على ضعفه ـ معلولا بالوجه الأقوى، وإذا كان ذلك كذلك فالصحيح أن محمد بن سوقة رواه عن حبيب بن أبي ثابت وليس عن أبي الطفيل، فيكون هذا الطريق عن علي ضعيفا لأنه منقطع الإسناد بين حبيب بن أبي ثابت وعلي رضي الله عنه.

* خلاصة القول في درجة هذا الحديث:

هذا الحديث طرقه كلها ضعيفة، ولعل أمثلها حديث معاوية، والثابت منها هو قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه “فاختلفت بنو إسرائيل على بضع وسبعين فرقة”.

قد يقول قائل: ألا يصل الحديث بهذه الطرق الكثيرة لمرتبة الحديث المتواتر فنحكمَ بصحته على الجزم والقطع؟! أو لمرتبة الصحيح لغيره؟! أو لمرتبة الحسن لغيره على الأقل؟!.

أقول:

قلت في كتاب متنزه الأنظار: [ولا ارتباط بين صحة الحديث وعدد الطرق التي رُوي بها، لأن مجرد كثرة الطرق لا تفيد الصحةَ ولا الحسن، فضلا عن إفادة الجزم والقطع، وقد أشار الإمام أحمد ابن حنبل عليه رحمة الله إلى هذا المعنى إذ قال: “يطلبون حديثاً من ثلاثين وجهاً!! أحاديثُ ضعيفة”. والذي أقول به وأؤكده هو أنه لا ارتباط بين عدد الطرق التي يُروى بها الحديث وبين الصحة والحسن، فقد يكون للحديث عشرة طرق أو عشرون أو ثلاثون ويبقى ضعيفا، وقد يكون له طريق واحد ويكون صحيحا، والمعوَّل عليه هو عدالة الرواة وضبطهم مع اتصال السند وسلامة الحديث من العلل ومن الشذوذ].

وترقية الحديث بتوارد الطرق الضعيفة له شرط أهمله المتأخرون، وهو أن لا يكون الحديث شاذا، وهذا الحديث فيه شذوذ من وجهين:

أحدهما: أن الله تعالى أخبرنا أنه هدى المؤمنين لما وقع فيه الاختلاف فقال سبحانه {فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه}، فلا يُعقل أن تكون أمة الهداية التي أثنى عليها الحق جل جلاله أشدَّ اختلافا وتفرقا من الذين غضب الله عليهم.

وثانيهما: أن الفِرقة التي جاء الإخبار عنها بأنها الفرقة الناجية ـ حسب معظم طرق هذا الحديث ـ ليست هي المتمسكة بالحق أو بالكتاب والسنة مثلا، ولكن ـ حسب تلك الروايات ـ هي الجماعة، كذا في حديث معاوية وعوف بن مالك وسعد وعمرو بن عوف وعدد من الطرق عن أنس، وورد أنها السواد الأعظم، كما في حديث أبي أمامة والحديثِ المروي عن أبي أمامة وأبي الدرداء وواثلة وأنس، وهذا مخالف للنصوص القرآنية الكريمة التي تبين أن أكثر الناس ليسوا على الحق، فقد قال الله تعالى {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} {ولكن أكثر الناس لا يشكرون}.

وهذا ما جعل بعض السلف مضطرا إلى أن يؤول لفظة “الجماعة” تأويلا بعيدا يخرجها عن المعنى المعروف في اللغة والظاهر من السياق، فمعناها المعروف والظاهر هو أنها تعني السواد الأعظم.

ولكن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “الجماعة الكتاب والسنة وإن كنتَ وحدك”. وفي رواية “الجماعة أهل الحق وإن كنت وحدك”. وفي رواية “إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، إن الجماعة ما وافق طاعة الله عز وجل”. وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: “الجماعة هي الحق وإن كنت وحدك”. وقال نعيم بن حماد: “إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ”. وكل هذه المعاني تحمل مفهوما مغايرا لما ترمي إليه تلك الروايات حسبما يظهر منها.

ومن القرائن التي تدل على عدم ثبوت الحديث ـ المروي من طرق ضعيفة كثيرة دون أن يكون فيها إسناد صحيح ـ أن يغلب على الظن أن هنالك جهةً ما تسعى لإشاعته وترويجه، وفي مثل هذه الحال فالواجب عدم التسرع في تصحيح الحديث خشية الوقوع في نسبة كلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يقله.

والخلاصة أن هذا الحديث لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي في 24/ 5/ 1435، الموافق ل 25/ 3/ 2014، والحمد لله رب العالمين.

قال أحد المعلقين:

“وجود الفرق والملل والنحل في تاريخ الأمة دليل واقعي لهذا الحديث العظيم، والخوض في مسائل هذا الحديث ومشكلاته ومروياته وألفاظه ومدلولاته من الصعوبة بمكان، ووجدت رسائل علمية عديدة عن هذا الحديث قديما وحديثا، وكلها بحاجة إلى تحرير وتدقيق، والقول بتضعيف الحديث من جميع طرقه ومروياته لا فائدة مرجوة من ذلك”.

أقول:

هل وجود الفرق والملل والنحل في تاريخ الأمة دليل واقعي على ثبوت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؟!. هذا ليس بدليل، ولم يقل أحد من أئمة علماء الحديث إن مثل هذا يُعد دليلا على تصحيح نسبة مثل هذا القول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

للأطباء كلمات في الطب، وللحكماء كلمات من عيون الحكمة، وللصحابة والتابعين وغيرهم كلمات وتعليقات عن الواقع الذي كانوا يعايشونه، وكذا لمسلمة أهل الكتاب، فإذا روى الرواة الضعفاء شيئا من هذا وتحققت صحته في الواقع فإنه لا يعني صحة نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قد يكون القول فائدة طبية صحيحة، أو حكمة جميلة، أو وصفا لبعض ما وقع في عصر السلف، أو مقتبساتٍ من مأثورات بني إسرائيل، وربما من كلام بعض الكذابين لمآرب قد تكون ظاهرة وقد تكون خفية، وقد تكون مما ظاهره فيه الرحمة وباطنه فيه العذاب.

أي قد تكون مثل تلك الأقوال التي رُويت عن النبي صلى الله عليه وسلم هي مما تسرب إلى الرواة الضعفاء فحدثوا بها عن الصحابة أو ثقات التابعين، فإذا وجدنا في الواقع صحة مدلولاتها فهذا لا يعني إطلاقا ثبوتها من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

ولعل كثيرين منا لا يعلمون أن الحافظ ابن عدي رحمه الله صاحبَ كتاب الكامل في ضعفاء الرجال روى بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى {وشاورهم في الأمر} أنه قال: “أبو بكر وعمر”. وعلق رحمه الله على هذا الحديث الموقوف بأنه ليس بمحفوظ، وكأن الحافظ ابن عدي يستنكر هذه الرواية التي تجعل الأمر بالمشاورة مقصورا على هذين الصحابيين الجليلين، رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيرا ما يشاورهما. ولكن هذا لم يشفع لهذا السند فيصيره حسنا، وبقي مثل هذا التفسير مستنكرا غير محفوظ.

ولعل كثيرين لا يعلمون أن كثيرا من الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الخلفاء الراشدين الأربعة محكوم عليها بالوضع، وأن صحة أحاديث أخرى كثيرة في فضائلهم لم تشفع لها فتخرجَها من زمرة المكذوبات الموضوعات. فتنبه.

ولذا فإن وصف المعلق لهذا الحديث بأنه الحديث العظيم كلام ليس له دعامة.

وإذا كان هذا المعلق يرى أن الخوض في مسائل هذا الحديث ومشكلاته ومروياته وألفاظه ومدلولاته من الصعوبة بمكان فهذا لا يطعن في صحة النتيجة التي كانت هي خلاصة البحث، وكذلك إذا كان قد وجد رسائل علمية عديدة عن هذا الحديث قديما وحديثا وكلها بحاجة إلى تحرير وتدقيق.

ملحوظة المعلق الأخيرة بأن القول بتضعيف الحديث من جميع طرقه ومروياته لا فائدة مرجوة من ذلك هي رأيه الخاص، فجزاه الله خيرا على إبداء الرأي، ولكن لا أدري لم تكون نتيجة البحث المتخصص المتعمق ـ بغض النظر عما هي ـ ليست بفائدة!، بل إذا كنا متفقين على أن السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أهم مصادر المعرفة بعد القرآن الكريم فهذا يشجعنا على مزيد من البحث والتمحيص والتثبت، والله أعلم.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي.