أحاديث الصحيحين هل ضعَّف بعض العلماء بعضَها؟ إضافة

تم نشر أول البحث على الصفحة التالية

وفيما يلي : إضافة لمبحث أحاديث الصحيحين هل ضعف بعض العلماء بعضها

* ـ روى مسلم في صحيحه [7155] وابن حنبل [8341] والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات [812] من طريق ابن جريج أنه قال أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: “خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل”.

هذا الحديث أعلَّه الإمام علي بن المديني المتوفى سنة 234 شيخُ الإمامِ البخاريِّ رحمهما الله والإمامُ البخاريُّ المتوفى سنة 256 والبيهقي وابن كثير والقَسْطَلّاني:

قال البخاري في كتابه التاريخ الكبير [1317] في ترجمة أيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري: [روى إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد الأنصاري عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “خلق الله التربة يوم السبت”، وقال بعضهم “عن أبي هريرة عن كعب”، وهو أصح]. هذا قول الإمام البخاري في حديث رواه الإمام مسلم في صحيحه.

وروى البيهقي المتوفى سنة 458 في كتاب الأسماء والصفات هذا الحديث من الطريق الذي رواه به مسلم، ورواه عن علي بن المديني عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة به، وأن علي بن المديني قال: “ما أرى إسماعيل بن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم بن أبي يحيى”. قلت: إبراهيم بن أبي يحيى متروك الحديث.

وقال ابن كثير المتوفى سنة 774 في تفسيره: “هذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعا، وقد حرر ذلك البيهقي”.

وقال القَسْطَلّاني المتوفى سنة 923 في كتابه إرشاد الساري بعد أن نقل الحديث من مسند الإمام أحمد: [وهكذا رواه مسلم، وقد تُكلم فيه، فقال البخاري في تاريخه “قال بعضهم عن كعب الأحبار وهو أصح”، يعني أنه مما سمعه أبو هريرة وتلقاه عن كعب فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعا، وفي متنه غرابة شديدة].

* ـ روى البخاري في صحيحه حديث أنس بن مالك في الإسراء والمعراج من طريق الزهري ومن طريق قتادة ومن طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس، وفي رواية شريك عن أنس كلام لأهل العلم:

روى البخاري [7517] هذا الحديث من طريق شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: “ليلةَ أسرِي برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة، أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يُوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عينه ولا ينام قلبه، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم، فأوعيت منهم إبراهيم في السادسة وموسى في السابعة، ودنا للجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، واستيقظ وهو في مسجد الحرام”. وفي ألفاظ هذه الرواية مخالفة واضحة لما في سائر الروايات.

هذه الرواية من هذا الطريق أعلَّها الإمام مسلم والخطابي والقاضي عياض وعبد الحق الإشبيلي والنووي والبرماوي والعيني:

أشار مسلم في صحيحه [333] إلى هذه الرواية وبعضِ أوجه الخلل فيها ولم يسقْ لفظها بتمامه، حيث اكتفى منها بما يلي: “عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسرِي برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة، أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام، وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البُناني، وقدَّم فيه شيئا وأخَّر وزاد ونقَص”. هذا قول الإمام مسلم في طريق من طرق حديث رواه الإمام البخاري في صحيحه.

وقال الخطابي المتوفى سنة 388 في كتابه أعلام الحديث: [إنما سردنا هذه القصة بطولها ولم نختصر موضع الحاجة منها، لبشاعة ما وقع فيها من الكلام الذي لا يليق بصفة الله تعالى ولا ينبغي لمسلم أن يعتقده على ظاهره، وهو قوله “ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان قاب قوسين أو أدنى”، وذلك أن هذا يوجب تحديد المسافة بين أحد المذكورَين وبين الآخر، وتمييز مكان كل واحد منهما، هذا إلى ما في التدلي من التشبيه والتمثيل له بالشيء الذي يعلو من فوق إلى أسفل، وقد رُوي هذا الحديث عن أنس من غير طريق شريك بن عبد الله فلم تُذكر فيه هذه الألفاظ البشعة، فكان ذلك مما يقوي الظن أنها صادرة من قِبَل شريك والله أعلم].

وقال القاضي عياض المتوفى سنة 544 في كتابه إكمال المعْلم: [جاء في البخاري من رواية شريك في هذا الحديث اضطراب وأوهام أنكرها عليه العلماء، وقد نبه مسلم على ذلك بقوله “فقدم وأخر وزاد ونقص منها”].

وقال عبد الحق الإشبيلي المتوفى سنة 582 في كتاب الجمع بين الصحيحين: “هذا الحديث بهذا اللفظ من رواية شريك بن أبي نمر عن أنس، وقد زاد فيه زيادة مجهولة، وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، وقد روى حديثَ الإسراء جماعة من الحفاظ المتقنين والأئمة المشهورين فلم يأت أحد منهم بما أتى به شريك”.

وقال النووي المتوفى سنة 676 في شرح صحيح مسلم: [جاء في رواية شريك في هذا الحديث في الكتاب أوهام أنكرها عليه العلماء، وقد نبه مسلم على ذلك بقوله “فقدم وأخر وزاد ونقص”، منها قوله “وذلك قبل أن يُوحى إليه”، وهو غلط لم يُوافق عليه، ومنها أن العلماء مجمعون على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء فكيف يكون هذا قبل أن يُوحى إليه؟!].

قلت: كلمة الإمام النووي الأخيرة فيها رد على من يقول إن الإسراء والمعراج كان مرتين الأولى قبل البعثة والثانية بعد البعثة، وحديث الإسراء والمعراج فيه أن فرض الصلاة كان في تلك الليلة، ولا يمكن أن يكون فرض الصلاة قبل البعثة!. فرحمه الله رحمة واسعة.

وقال شمس الدين البرماوي المتوفى سنة 831 في كتابه اللامع الصبيح عن رواية الحديث من طريق شريك: “في روايته أوهام أنكرها العلماء، وقالوا خلط فيها بأشياء من تقديم وتأخير ووضْع للأنبياء في غير مواضعهم في السماوات، وقد خالفه الحفاظ الثقات عن أنس”.

وقال بدر الدين العيني المتوفى سنة 855 في كتابه عمدة القاري: “جاء في رواية شريك أوهام أنكرها العلماء”.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 23/ 6/ 1442، الموافق 05/ 02/ 2021، والحمد لله رب العالمين.