حديث فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء

حديث “إن في السنة ليلةً ينزل فيها وباءٌ لا يمر بإناءٍ ليس عليه غطاءٌ أو سقاءٍ ليس عليه وِكاءٌ إلا نزل فيه من ذلك الوباء”.

ـ روى مسلم من طريق الليث بن سعد ومالكِ بن أنس وزهيرِ بن معاوية وسفيانَ الثوريِّ عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “غطوا الإناء، وأوْكوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح بابا، ولا يكشف إناء، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا ويذكرَ اسم الله فليفعل، فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم”. ولم يذكر قتيبة في حديثه “وأغلقوا الباب”.

الوِكاء هو رِباط القِربة، أوْكى يوكِي إيكاء: ربط فم القِربة بالوِكاء. الفويسقة: الفأرة.

وروى مسلم من طريق روح بن عبادة قال حدثنا ابن جريج أنه قال أخبرني عطاء أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كان جنحُ الليل فكفوا صبيانكم فإن الشيطان ينتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعةٌ من الليل فخلوهم، وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوْكوا قِرَبكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئا، وأطفئوا مصابيحكم”. وعن ابن جريج أنه قال أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع جابر بن عبد الله، بنحوه، ومن طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد عن ابن جريج بهذا الحديث عن عطاء وعمرو بن دينار.

وروى مسلم من طريق أبي خيثمة زهير بن معاوية وسفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العِشاء، فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العِشاء”.

الفواشي: جمع فاشية، وهي الماشية التي تنتشر من المال، كالإبل والبقر والغنم السائمة، لأنها تفشو، أي تنتشر في الأرض. فحْمة العِشاء: شدة سواد الليل وظلمته.

الروايات المتقدمة أسانيدها صحيحة.

ـ ثم رواه مسلم ـ في آخر الباب ـ وابنُ حنبل وأبو عوانة والبيهقي في الآداب وفي شعب الإيمان من طرق عن الليث بن سعد عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن جعفر بن عبد الله بن الحكم عن القعقاع بن حكيم عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “غطوا الإناء، وأوْكوا السقاء، فإن في السنة ليلةً ينزل فيها وَباءٌ لا يمر بإناءٍ ليس عليه غِطاءٌ أو سقاءٍ ليس عليه وِكاءٌ إلا نزل فيه من ذلك الوباء“.

[جعفر بن عبد الله بن الحكم الأنصاري الأوسي المدني ذكره ابن حبان في الثقات، وقال مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال: قال أبو عبد الرحمن النسائي في بعض النسخ المعتمدة من كتاب الجرح والتعديل: مدني ثقة. وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: من كبار شيوخ الليث وثقاتهم. وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: ثقة من الثالثة. مات قرابة سنة 115. القعقاع بن حكيم مدني صدوق ثقة].

الحديث بهذا اللفظ الأخير ـ أي من طريق القعقاع بن حكيم عن جابر بن عبد الله ـ في سنده وقفة، ولو صح إسناد هذا الطريق فهذا اللفظ معلول، حيث روى ثلاثة آخرون من الثقات عن جابر رضي الله عنه الحديثَ بغير هذا اللفظ، وهذا كافٍ في إعلاله.

[انظر لشرح هذا الوجه من الإعلال: المطلب الأول من النوع السابع من القسم الأول من كتاب منهج الإمامين البخاري ومسلم في إعلال المرويات الحديثية].

ولا يصح إطلاق القول بأنه رواه مسلم، لأن مسلما إنما روى الحديث من الطرق الصحيحة بغير هذا اللفظ وأخَّر هذا إلى آخر الباب، وفي هذا إشارة منه إلى وقوع الخلل فيه، فهو ضعيف، والله أعلم.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 21/ 8/ 1438، الموافق 18/ 5/ 2017، والحمد لله رب العالمين.