حديث المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان

حديث “المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان”

بسم الله الرحمن الرحيم

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم

ـ هذا الحديث رواه الترمذي والبزار وابن خزيمة وابن حبان والطبراني في الكبير وابن عدي من طرق عن قتادة عن مُوَرِّق العجلي عن أبي الأحوص عوف بن مالك عن عبد الله بن مسعود t عن النبي e أنه قال: “المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان”. وسقط من بعض الطرق قوله “عن مورق”.

ـ ورواه ابن أبي شيبة والطبراني في الكبير من طريقين عن حُميد بن هلال عن أبي الأحوص عوف بن مالك عن ابن مسعود t من قوله.

ورواه ابن أبي شيبة عن أبي الأحوص سلَّام بن سُليم، والطبرانيُّ في الكبير من طريق عمرو بن مرزوق عن شعبة، كلاهما عن أبي إسحاق السَبيعي عن أبي الأحوص عوف بن مالك عن ابن مسعود t من قوله كذلك.

ـ الطريق المرفوع معلول بعلة الوقف على الصحابي، إذ رواه قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا، ورواه ثقتان آخران عن أبي الأحوص عن ابن مسعود موقوفًا عليه، فالثابت هو أنه من قول ابن مسعود t، لا من قول رسول الله e.

ـ قد يقال: رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي عبد الله الحاكم عن أبي النضر محمد بن محمد بن يوسف الفقيه عن أبي علي صالح بن محمد البغدادي الحافظ عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عن بهز بن أسد عن شعبة عن أبي إسحاق السَبيعي عن أبي الأحوص عوف بن مالك عن ابن مسعود t مرفوعا!.

فالجواب أن هذا الحديث قد اختُلف فيه على شعبة عن أبي إسحاق، فجاء من هذا الطريق مرفوعا، وكذا من طريق عمرو بن عاصم عن شعبة كما ذكره الدارقطني، لكن رواه عمرو بن مرزوق عن شعبة به موقوفا كما تقدم، وذكر الدارقطني أن إسرائيل رواه هو وغيره عن أبي إسحاق موقوفا، فثبت بهذا أن الرواية عن أبي إسحاق السَبيعي هي بالوقف، وضبْط إسرائيل لروايات جده أبي إسحاق معروف مشهور، فمن رواه بالرفع فقد وهِم، ولعل الوهَم في الطريق المذكور هو من أبي النضر محمد بن محمد بن يوسف الطوسي الفقيه، فكثير من المشتغلين بالفقه يوْهَمون في رفع الموقوفات.

ـ كلام الدارقطني على هذا الحديث في كتاب العلل:

سئل الدارقطني عن حديث أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم “المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان”، فقال: “يرويه قتادة، واختُلف عنه، فرواه همَّام وسعيد بن بشير وسويد بن إبراهيم عن قتادة عن مورق العجلي عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه سليمان التيمي عن قتادة عن أبي الأحوص، لم يذكر بينهما مورقا، ورفعَه أيضا، ورواه حميد بن هلال عن أبي الأحوص عن عبد الله موقوفا، ورواه أبو إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص، واختلف عنه، فرفعه عمرو بن عاصم عن شعبة عن أبي إسحاق، ووقفه غيره من أصحاب شعبة، وكذلك رواه إسرائيل وغيره عن أبي إسحاق موقوفا، والموقوف هو الصحيح من حديث أبي إسحاق وحميد بن هلال، ورفعه صحيح من حديث قتادة”.

لم يصحح الدارقطني رفع الحديث، إذ لم يقل “رفعه صحيح”، بل قال “رفعه صحيح من حديث قتادة”، وبينهما فرق كبير، ثم إنه رواه ثقتان عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود من قوله ليس فيه أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني ـ حسب منهج الإمام الدارقطني نفسه وسائر أئمة علم العلل ـ أن الراجح في هذا الحديث أنه موقوف، أي من قول ابن مسعود وليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم.

فقد ذكر السُلمي في سؤالاته أن الإمام الدار قطني سئل عن الحديث إذا اختلف فيه الثقات فقال: “يُنظر ما اجتمع عليه ثقتان فيُحكم بصحته”. ونقل الحافظ ابن حجر هذا النص في كتابه النكت وأقره.

ـ الخلاصة:

هذا الحديث ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ثابت عن ابن مسعود رضي الله عنه من قوله.

وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي في 11/ 12/ 1439، والحمد لله رب العالمين.