من روائع الإمام البخاري (13) رحمه الله

* من روائع الإمام البخاري رحمه الله: – 13 –

هذه النبذة من روائع البخاري تتعلق بحديث رافع بن خديج في المزارعة أو فيما يسمى كراء المزارع. وأقدمُ له بمقدمة:

المزارعة لفظة واضحة بنفسها تمام الوضوح في أذهان علماء اللغة الذين شاهدوا العرب الذين ينطقون بها، فلا يفسرونها ولكن يفسرون بها الكلمات الغامضة المعنى.

المزارعة نوع من أنواع المشاركة، وهي أن يعطي صاحب الأرض الزراعية الأرضَ لمن يقوم بزراعتها على أن يقتسما المحصول بينهما على نسبة يتفقان عليها.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جواز المزارعة على النصف، أي ونحو ذلك كالثلث مثلا، وكذا عدمُ جواز أن يشترط أحد المتعاملين بها لنفسه قدرا محددا مما تنبته الأرض أو محصولَ بقعة محددة منها، كأن يكون له عشرة أوسق أو ما أنبتته هذه البقعة مثلا.

وضع البخاري بابا في صحيحه سماه باب المزارعة بالشطر ونحوه، وذكر فيه عن أبي جعفر الباقر رحمه الله أنه قال: “ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع”. وروى فيه عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عاملَ أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.

* ـ حديث رافع بن خديج في المزارعة:

ـ روى البخاري في صحيحه من طريق حنظلة بن قيس الأنصاري عن رافع بن خديج أنه قال: كنا أكثر أهل المدينة حقلا، وكان أحدنا يكري أرضه فيقول: هذه القطعة لي وهذه لك، فربما أخرجت ذه ولم تخرج ذه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم.

ولفظه في رواية أخرى عنه: كنا أكثر الأنصار حقلا، فكنا نكري الأرض، فربما أخرجت هذه ولم تخرج ذه، فنُهينا عن ذلك، ولم نُنه عن الورِق.

وهاتان الروايتان في باب ما يُكره من الشروط في المزارعة، وفي باب الشروط في المزارعة. وهذان البابان مناسبان للمعنى الصحيح الذي يريد الإمام البخاري أن يؤكده من خلال المرويات الحديثية، وهو جواز المزارعة على النصف أو الثلث ونحو ذلك، وعدم جوازها إذا اشترط أحد المتعاملين بها لنفسه قدرا محددا أو ما أنبتته بقعة محددة.

ـ وروى البخاري من طريق نافع عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن كراء المزارع، ومن طريق سالم بن عبد الله عن رافع بن خديج بنحوه.

وهاتان الروايتان في باب إذا استأجر أرضا فمات أحدهما، وفي باب ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضا في الزراعة، وفي بابٍ يلي باب شهود الملائكة بدرا.

وحيث إن هذا المعنى لا يصح بهذا الإطلاق، فلذلك رواهما البخاري في ثلاثة أبواب بعيدة عما يشير إلى صحة المزارعة أو عدم صحتها.

ـ ورواه البخاري بألفاظ أخرى في باب كراء الأرض بالذهب والفضة، وفي باب ما كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضا في الزراعة.

ـ وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 17/ 3/ 1440، الموافق 25/ 11/ 2018، والحمد لله رب العالمين.