من روائع الإمام البخاري (07) رحمه الله

من روائع الإمام البخاري (7) رحمه الله

 ـ روى البخاري في صحيحه من طريق حفصِ بنِ غياثٍ عن الأعمش عن جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض”.

وتابع حفصَ بنَ غياثٍ على روايته عن الأعمش بهذا اللفظ “ولم يكن شيء غيره” أربعةٌ من الرواة في عدد من مصادر السنة المشرفة.

ورواه خمسة من الرواة في عدد من المصادر عن عبدِ الرحمن بن عبدِ الله بن عتبة المسعودي وهو أحدُ أقران الأعمش عن شيخه جامع بن شداد به، مثل رواية الأعمش سندا ومتنا.

عبد الرحمن بن عبدِ الله بن عتبة المسعودي كان قد اختلط قبل موته، ولكن إسناده هنا صحيح، لأن ثلاثة من أولئك الرواة الخمسة عنه هم ممن نص أئمة الحديث على أن سماعهم منه كان قبل اختلاطه.

ـ ورواه البخاري من طريق أبي حمزة السكري محمدِ بنِ ميمونٍ عن الأعمش به بلفظ “كان الله ولم يكن شيء قبله”.

وتابع أبا حمزة السكري على روايته عن الأعمش بهذا اللفظ راو واحد.

ـ لا يشك أحد وقف على طرق هذا الحديث المتقدمة ممن له إلمام بهذا العلم في أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حدَّث به باللفظ الأول “كان الله ولم يكن شيء غيره”، لكثرة المتابعات لهذا اللفظ، وأن اللفظ المروي في الرواية الثانية “كان الله ولم يكن شيء قبله” هو من باب الرواية بالمعنى.

ـ الإمام البخاري رحمه الله أشار في صحيحه إلى صحة اللفظ المروي في الرواية الأولى، وذلك إذ روى هذه الرواية في باب ما جاء في قول الله تعالى {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده} من كتاب بدء الخلق، وهو المناسب لها في كونها تنص على أن الله عز وجل بدأ الخلق ابتداء بعد أن لم يكن شيء، وروى الرواية الثانية في باب {وكان عرشه على الماء} من كتاب التوحيد، وهو مناسب لجزء آخر من الحديث.

ـ مَن لا يعرف منهج الإمام البخاري فإنه قد يقول إن البخاري روى في صحيحه أن النبي صلى الله عيه وسلم قال “كان الله ولم يكن شيء قبله” ويسكت على ذلك!، وهذا لا ينبغي إلا مع التنبيه على أن البخاري رواه وأشار إلى ترجيح غيره عليه.

فرحمة الله على هذا الإمام الجليل محمدِ بنِ إسماعيلَ البخاريِّ، ما أدقَّ ملحظه.

ـ كنت قد ذكرت في كتابي “حديث كان الله ولم يكن شيء غيره روايةً ودرايةً وعقيدة” الذي كتبته قبل أكثر من ثمانية عشر عاما أسماء جماعة من العلماء الذين قالوا بأن الله عز وجل كان ولم يكن شيء غيره، منهم المحدث الثقة يزيد بن هارون المتوفى سنة 206 والإمام أحمد ابن حنبل المتوفى سنة 241 والإمام محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة 310 رحمهم الله تعالى، وخشيت أن أدرج معهم الإمام البخاري رحمه الله، لأنني لم أكن أدري في ذلك الوقت أن له هذا الملحظ الدقيق من خلال عناوين الأبواب في ترجيح اللفظ الذي يرى رجحانه.

واكتفيت فيه بقولي: [ويمكن أن يضاف إلى هؤلاء: الإمامُ البخاري، حيث اختار في كتاب بدء الخلق من صحيحه رواية “كان الله ولم يكن شيء غيره” دون الرواية الأخرى، مشيرا بذلك إلى أن الله تعالى ابتدأ الخلق بعد أن لم يكن، لأنه قد كان سبحانه ولم يكن شيء غيره].

وكانت تلك اللمحة هي الومضةَ الأولى التي بدأتُ منها التعرف على منهج الإمام البخاري في ترجيح اللفظ الذي يرى رجحانه، ولم أجزم بأن هذا هو منهج له إلا بعد أن وقفت على نبذة ثانية وثالثة.

والحمد لله الذي هداني لهذا، وما كنت لأهتدي له لولا أن هداني هو إليه، فهو بمحض فضله وكرمه وهدايته سبحانه وتعالى، وله الحمد والشكر.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 30/ 12/ 1439، الموافق 10/ 9/ 2018، والحمد لله رب العالمين.