حديث “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب”
رُوي هذا الحديث من رواية جابر بن عبد الله وعبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وأبي كبشة الأنماري، ومن مرسل عبد الله بن حبيب وسالم بن أبي الجعد:
* ـ فأما حديث جابر فرواه مسلم [3388] وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي [1158] والنسائي في الكبرى وأبو عوانة في المستخرج والطحاوي في مشكل الآثار وابن حبان والطبراني في الكبير وأبو نعيم في المستخرج والبيهقي، من ثلاثة طرق عن هشام بن أبي عبد الله الدَسْتَوائي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه مسلم [3389] وابن حنبل [14537] وأبو عوانة وأبو نعيم كلاهما في المستخرج على صحيح مسلم وأبو نعيم في معرفة الصحابة والبيهقي في شعب الإيمان، من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث وعبد الرحمن بن علقمة عن حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا به.
ورواه النسائي في السنن الكبرى [9073] عن قتيبة بن سعيد عن حرب عن أبي الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
[أبو الزبير محمد بن مسلم بن تَدْرُس مكي صدوق ثقة فيه لين وربما دلس الإسناد، مات سنة 126]. ولم يصرح أبو الزبير في تلك الطرق بما يدل على سماعه هذا الحديثَ من جابر، فالسند منقطع، فهو ضعيف.
ـ هل أعل حديثَ جابر أحد العلماء السابقين؟:
قال الترمذي بعد تخريجه الحديث: حديث جابر حديث حسن صحيح غريب. وكأنه يعني بذلك صحة السند ظاهرا وغرابة المتن.
وروى النسائي في السنن الكبرى روايةَ هشام بن أبي عبد الله الدَسْتَوائي عن أبي الزبير مسندة متصلة الإسناد، وروى روايةَ حرب بن أبي العالية عن أبي الزبير مرسلة ليس فيها ذكر لجابر بن عبد الله، وعلق على الرواية الثانية بقوله: هذا كأنه أولى بالصواب من الذي قبله. فهو يشير بهذا إلى إعلال الحديث بالإرسال.
وذكر الذهبي هذا الحديث مع حديثين آخرين في ميزان الاعتدال وقال: “في صحيح مسلم عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع من جابر وهي من غير طريق الليث عنه ففي القلب منها شيء”. وذكرها في سير أعلام النبلاء وقال: “هذه غرائب، وهي في صحيح مسلم”.
* ـ وأما حديث ابن مسعود فرواه الدارمي [2237] والبيهقي في شعب الإيمان عن قبيصة بن عقبة عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عبد الله بن حلّام عن عبد الله بن مسعود أنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فأعجبته، فأتى سودةَ وهي تصنع طيبا وعندها نساء، فأخلينه، فقضى حاجته. [قبيصة بن عقبة كوفي صدوق ثقة إلا في روايته عن سفيان الثوري، فهو كثير الغلط عنه لأنه سمع منه وهو صغير]. فهذا إسناد ضعيف.
وهذا الحديث مما تبين فيه وجه الخطأ، إذ رواه قبيصة مرفوعا بهذا اللفظ ورواه اثنان من الثقات عن سفيان موقوفا وبلفظ مغاير، وذلك فيما رواه ابن أبي شيبة [17486] عن وكيع وعبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به موقوفا على عبد الله بن مسعود أنه قال: “من رأى منكم امرأة فأعجبته فليواقع أهله، فإن معهن مثل الذي معهن”. فازداد هذا الحديث بذلك وهنا على وهن.
* ـ وأما حديث أنس فرواه الطبراني في مسند الشاميين [2573] من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس مرفوعا به نحوه. [سعيد بن بشير الأزدي البصري الشامي ضعيف مات سنة 169]. فالسند ضعيف.
* ـ وأما حديث أبي كبشة فرواه ابن حنبل [18028] والطبراني في المعجم الأوسط [3251] والكبير [848 من الجزء 22] ومسند الشاميين [2047] وعبدُ الملك بن حبيب في كتاب أدب النساء من ثلاثة طرق عن معاوية بن صالح عن أزهر بن سعيد الحَرازي عن أبي كبشة الأنماري أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه، فدخل، ثم خرج وقد اغتسل، فقلنا: يا رسول الله، قد كان شيء؟!. قال: “أجلْ، مرت بي”، فلانة، “فوقع في قلبي شهوة النساء، فأتيت بعض أزواجي فأصبتها، فكذلك فافعلوا، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال”.
[أزهر الحَرازي حمصي مات سنة 129: روى ابن عدي والعُقيلي من طريقين عن يحيى بن معين أنه قال: “أزهر الحرازي وأسد بن وداعة كانوا يسبون علي بن أبي طالب، وكان ثور بن يزيد لا يسب عليا، فإذا لم يَسُبَّ جرُّوا برجله”. وروى ابن حبان في كتاب الثقات بسند صحيح عن أزهر الحَرازي أنه قال: “كنتُ في الخيل الذين سَبَوْا أنس بن مالك، وكان فيمن يؤلب على الحجاج، وكان مع عبد الرحمن بن الأشعث، فوسمَ في يده عتيق الحجاج وقال: لولا أنك خدمتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لضربتُ عنقك”. أي: وكان أنس فيمن يؤلب على الحجاج، وكان كذلك مع عبد الرحمن بن الأشعث الذي خرج على الحجاج، فوسمَ الحجاج في يد أنس “عتيق الحجاج”!. أرى أن هذه الكلمة “سَبَوْا أنس بن مالك” وقع فيها تصحيف، ولعل الصواب “بيَّتوا أنس بن مالك”، هكذا جاءت في تهذيب الكمال للمزي وتاريخ الإسلام وسير أعلام النبلاء للذهبي. أزهر الحَرازي وثقه العجلي ومحمد بن وضاح، وذكره ابن حبان وابن خلفون في الثقات. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: تابعي حسن الحديث، لكنه ناصبي ينال من علي رضى الله عنه. وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: صدوق تكلموا فيه للنصب. وقال أبو الفتح الأزدي: يتكلمون فيه. وذكره ابن الجارود في كتاب الضعفاء. قلت: الذين وثقوه عندهم تساهل في التوثيق، والذين تكلموا فيه ربما تكلموا فيه لبدعة النصب وربما لشيء في مروياته، وأرى أنه لين الحديث، والله أعلم. أبو كبشة الأنماري: هو غير أبي كبشة مولى النبي صلى الله عليه وسلم، قال يحيى بن معين في رواية الدوري ومسلمٌ في الكنى وأبو داود في سؤالات الآجري وابن حبان في الثقات والدارقطني في المؤتلف والمختلف وأبو نعيم في معرفة الصحابة وابن عبد البر في الاستغنا عن أبي كبشة: له صحبة. قلت: لم تثبت صحبته بأحد الطرق الأربعة التي تثبت بها الصحبة، فالظاهر أنهم قالوا له صحبة من حيث إن له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم]. فهذا إسناد ضعيف.
* ـ وأما مرسل عبد الله بن حبيب فرواه ابن أبي شيبة [17484] عن وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري عن أبي حَصين عن عبد الله بن حبيب مرفوعا مرسلا به نحوه. وعنده “فرجع إلى أم سلمة وعندها نسوة يَدُفْنَ طيبا”. [أبو حَصين عثمان بن عاصم كوفي ثقة ربما دلس الإسناد مات سنة 128. عبد الله بن حبيب كوفي تابعي ثقة مات سنة 72 تقريبا]. داف الطيبَ يدُوفه دَوفا: خلطه.
ورواه ابن أبي شيبة [17485] عن عبد الرحيم بن سليمان عن سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن حبيب به مرفوعا مرسلا كذلك. والظاهر أن عبد الرحيم بن سليمان وهم في تسمية شيخ سفيان هنا، فجعله عن أبي إسحاق بدلا من أن يكون عن أبي حَصين، وعبد الرحيم بن سليمان ثقة فيه لين ووكيع ثقة متقن. والحديث على كلا الحالين مرسل، والمرسل ضعيف.
* ـ وأما مرسل سالم بن أبي الجعد فرواه ابن أبي شيبة [17487] عنه مرفوعا به نحوه. [سالم بن أبي الجعد تابعي ثقة]. وهذا حديث مرسل، والمرسل ضعيف.
* ـ درجة الحديث:
أسانيده ضعيفة، ولا يرتقي باجتماع هذه الطرق لمرتبة الحسن لما فيه من الغرابة التي هي الشذوذ، فقد اختل فيه الشرط الثالث من شروط الحديث الحسن التي نص عليها الإمام الترمذي رحمه الله، فهو ضعيف.
* ـ أصل هذا الحديث:
روى مسلم [3390] من طريق معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا أحدُكم أعجبته المرأةُ فوقعت في قلبه فليعمِدْ إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يرد ما في نفسه”.
وروى ابن أبي شيبة [17486] من طريق عبد الله بن حَلَّام عن عبد الله بن مسعود أنه قال: “من رأى منكم امرأة فأعجبته فليواقع أهله، فإن معهن مثل الذي معهن”. ورُوي في بعض طرقه مرفوعا، ولم يصحَّ.
يغلب على الظن أن هذا صحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وأن راويا ما ركَّب عليه الرواية الضعيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب فقضى حاجته، وأن تلك الرواية تسربت بعد ذلك إلى الرواة الضعفاء، والله أعلم.
تمَّ في 13/ 4/ 1437، الموافق 23/ 1/ 2016، وتمَّ بعد التعديلات في 24/ 7/ 1441، الموافق 18/ 3/ 2020، وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي، والحمد لله رب العالمين.
الدكتور نزار محمود قاسم الشيخ يقول:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ما شاء الله وجزاكم الله خيرا عن سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهنيئا لكم