السارق من كتاب عقائد الأشاعرة

السارق من كتاب عقائد الأشاعرة     Book Robbery

 

 

من جعل نفسه شاة دق عنقه الذئب

 

ـ “مَن جعل نفسه شاةً دقَّ عنقَه الذئب، ومن صيَّر نفسه نُخالةً أكله الدجاج”. هكذا قال أبو حيان التوحيدي في كتاب أخلاق الوزيرين.

وقال: “كما أن المنع في موضع الإعطاء حِرمان، كذلك الإعطاء في موضع المنع خذلان، وكما أن الكلام في موضع الصمت فُضولٌ وهَذَر، كذلك السكوت في موضع الكلام لكنةٌ وحَصَر”.

ـ مِن جميل ما نُسب للحسن البصري رحمه الله في جمهرة خطب العرب أنه قال: “ارغبوا بأنفسكم عن المطامع سَنيها ودنيها، وسفاسفِ الأمور ومحاقرها، فإنها مذلة للرقاب، مفسدة للكتاب، ونزهوا صناعتكم عن الدناءات، وتحابُّوا في الله عز وجل في صناعتكم، وتواصَوْا عليها بالذي هو أليق بأهل الفضل والعدل والنُبْل من سلفكم”.

ـ وقال ضياء الدين ابن الأثير في المثل السائر: “السكوت عن البدعة رضا بمكانها، وترك النهي عنها كالأمر بإتيانها”.

ـ ما أمرَّ الحديثَ عن بدعة السرقة، وعن سوء صنيع السرَّاقين!، إذ يرون تحريم السرقة والغش والخديعة والخلابة والمكر في الأموال ويرون جوازها في العلوم والمعارف!.

وكأن لسان الحال يقول: إذا كان لك عمل وجهد في باب من أبواب العلم والاكتشاف فلا عليَّ أن أسرقه وأبادر إلى الحصول على براءة الاختراع فيه باسمي، ولا داعي عندهم لأن أنسُبه لصاحبه، بدعوى حب العلم والحرص على نشره!!!.

السارق يعلم في قرارة نفسه أنه من أكذب الخلق على الله، لأنه كان من الممكن أن يعزو كل فائدة اقتنصها إلى مصدرها الذي أخذها منه.

وإذا كان الجانب العلمي هنا في علوم الدين فإن السارق قد تطوِّع له نفسه السرقة أكثر، بل ربما سولت له أن هذا من المستحبات أو الواجبات!.

ـ بعد هذه المقدمة أجدني مضطرا إلى التنبيه على ما اتصف به أحد الباحثين الأعاجم من خسة ودناءة نفس، لما فعله مع كتابي “عقائد الأشاعرة في حوار هادئ مع شبهات المناوئين”.

ولهذا الأمر قصة، وهي أنني بعدما انتهيت من كتابته أذنت بتصويره لعدد من الإخوة بقصد القراءة والإفادة والاستفادة، وأرسلته لأحد الإخوة الأفاضل بالبريد الإلكتروني، ففرح هذا الأخ الفاضل به أيما فرح، وأبدى متكرما شكره لكاتبه.

وراح يرسل هذا الكتاب ـ من باب التعبير عن شدة الفرح ـ إلى كل من يعرف من المهتمين بالموضوع.

فوقع الكتاب في يد رجل أعجمي ليس من أفاضلهم ولا من خيارهم، وفيهم أفاضل وأخيار، بل هو من أشباه الرجال فيهم، فسولتْ له خسة نفسه ودناءة طبعه أن يسرقَ من هذا الكتاب مجموعة كبيرة من غرر فرائده وفوائده، وهي مما تخيرْتُه وجمعته خلال سنين متطاولة، وأن يضمَّها إلى ما كان قد جمعه هو، مبادرا في سرعة الطباعة والنشر، ليحوزَ به عند الناس قصب السبق ـ على ما يبدو ـ، فيرميَ وزْر السرقة على المسروق منه بدلا من أن يكون على السارق!. وللقصة بقية أستبقيها في صدري، وهو يعرفها.

كنت في تلك الفترة أعرض كتابي “عقائد الأشاعرة في حوار هادئ مع شبهات المناوئين” على الناس ممن يعرفون بعض دور النشر، أستجدي رغبة راغب في طبعه، فلم أجد أحدا يقبل ذلك ـ وعلى الشروط التي يختارها هو ـ إلا بعد الفراغ منه ببضع سنوات!.

ـ إن سراق العلم كلهم مشتركون في التدليس، وفي إيذاء المؤمنين، ولكن الذي كنت أسمعه هو أن يسرق السارق من الكتب والأبحاث ما هو مطبوع ومنشور، وما استطعت أن أتصور أو أصدِّقَ ـ وما زلت لا أستطيع حتى الآن ـ أن يكون أحد ممن يشار إليه بأنه من طلبة العلم قد وصل إلى هذا الدرك الأسفل من الخسة والدناءة واللؤم!.

وليست سرقته من كتابي في موضع واحد أو اثنين أو خمسة أو عشرة، بل عشرات!.

ـ أقول هذه الكلمات للتوضيح، فربما يقع كتابي في يد من يقع في يده ذلك الكتاب، فيظن أنني أخذت منه وسطوت عليه، ولذا فقد وجب التنويه.

ـ وأخيرا فهديتي لهذا السارقِ حديثٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعله يتدبر ويدرك فحواه، وهو الحديث الذي رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “المتشبِّع بما لم يُعْطَ كلابس ثوبَيْ زور”.

قال الجوهري في الصحاح: “المتشبِّع: المتزيِّن بأكثر مما عنده، يتكثَّر بذلك ويتزين بالباطل”.

وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: “قال العلماء: معناه المتكثِّر بما ليس عنده، بأن يظهِر أن عنده ما ليس عنده، يتكثرُ بذلك عند الناس، ويتزين بالباطل، فهو مذموم كما يُذم من لبس ثوبي زور”.

اللهم نقِّنا من خطايانا وأخطائنا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.

وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي في 1/ 4/ 1431، الموافق 17/ 3/ 2010، والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

3 تعليقات على “السارق من كتاب عقائد الأشاعرة”

  1. أشعر بالأسف أن يقوم مسلم بهذا الفعل ، فكيف بمن يدعي أنه يعمل للإسلام .
    فإن أراد النشر كما تفضلتم فليكن النشر مع الإبقاء على اسم المؤلف
    أما أن يقتبس من عشرات المواضع و ينسبها لنفسه فتلك هي السرقة بعينها .
    أرجو من شيخنا الدكتور صلاح الدين الإدلبي ألا يلتفت إلى هؤلاء و أن يستمر بانتاجه العلمي الأكاديمي المحكم . و عزاؤك شيخي الكريم في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ كذب على لسانه الكاذبون .
    والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته

  2. حسبنا الله ونعم الوكيل
    هذا – لأسف – حالنا ،
    فالسارق ليس بجاهل ، بل طالب علم ، أو مشتغل بالعلم ،
    وقد وجدت مثله الكثير الكثير ،
    فكيف لنا أن ننهض بالعلم ، ومن يدعي العلم سارق !!
    لقد رأيت في حياتي بعض السرّاق ممن يسرقون بالجملة ، يسرقون من كتب العلم دون أدنى احترام لصاحبها ، ثم ينسبونها لأنفسهم دون أدنى خجل .
    قالوا قديماً : إذا لم تستح فاصنع ماشئت .

  3. أعجبني الموضوع وهو موضوع الساعة في الجامعات ، السرقة العلمية من معاول الهدم التي تعاني منها الجامعات العربية، وقد صادفتها عينات من هذا الشكل كان أبطالها أساتذة في الجامعة، وكان مبررهم الوحيد تيسير العلم على الطلبة ونشره،بل عمت البلوى حتى من تبوؤا مناصب وزارية، خاصة من يلجأون الى بحوث كتبت على الآلة الراقنة وأمسى أصحابها في رحمة الله، فيلجأ السارق الى التغيير في عنوانها أو سرقة بض فصولهاوانتسابها الى نفسه،دون الاشارة الى مصدرها، والآن أصبحت سلوكا يمتهنه كثير من طلبة العلم لقطف الثمار قبل نضوجها، ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *