حديث ما فعل شِراد جملك

حديث “ما فعل شِراد جملك”

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الحديث رواه البغوي في معجم الصحابة والطبراني في المعجم الكبير وأبو نعيم في معرفة الصحابة وابن الجوزي في المنتظم وابن الأثير في أسْد الغابة من طريقين عن جرير بن حازم أنه قال:

سمعت زيد بن أسلم يحدث أن خَوَّات بن جبير قال: نزلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، فخرجت من خبائي، وإذا نسوة يتحدثن، فأعجبنني، فرجعتُ، فأخرجتُ حُلة لي من عَيبتي، فلبستُها، فجلست إليهن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته فقال لي: “يا أبا عبد الله ما يجلسك إليهن؟!”. فهِبْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم واختلطت، قلت: يا رسول الله، جمل لي شرود، فأنا أبتغي له قيدا. فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتبعتُه، فألقى إلي رداءه ودخل الأراك، كأني أنظر إلى بياض منكبيه إلى خضرة الأراك، فقضى حاجته، ثم جاء فقال: “أبا عبد الله، ما فعل شِراد جملك؟!”. فتعجلتُ إلى المدينة، واجتنبتُ المسجد ومجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما طال ذلك عليَّ تحينت ساعة خلوة المسجد، فأتيت المسجدَ وجعلت أصلي، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حُجَره، فجاء فصلى ركعتين خفيفتين ثم جلس، وطوَّلتُ ليذهب ويتركني، فقال: “طولْ أبا عبد الله ما شئتَ، فلست أبرح حتى تنصرف”. فقلت: والله لأغدونَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأبرئن صدره. فأتيته فقلت: سلام عليكم. فقال: “أبا عبد الله، ما فعل شِراد ذلك الجمل”. فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت. فقال: “رحمك الله، رحمك الله”. فأمسكَ عني ثم لم يعدْ. ووهِم من قال: رواه البخاري.

مَرّ الظهران: موضع على مرحلة من مكة. العَيبة: وعاء يُنقل فيه المتاع.

وذكره ابن كثير في جامع المسانيد والسنن ولم يعلق بشيء، والهيثميُّ في مجمع الزوائد، وعلق عليه فقال: “رواه الطبراني من طريقين، ورجال أحدهما رجال الصحيح، غير الجراح بن مخلد، وهو ثقة”.

أقول:

زيد بن أسلم مدني ثقة مات سنة 136. خَوَّات بن جبير صحابي شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات سنة 40 أو 42.

زيد بن أسلم مات بعد موت خوات بن جبير بما لا يقل عن 94 عاما، وقد ذكروا أنه لم يسمع من سعد بن أبي وقاص الذي مات سنة 55، ولا من أبي هريرة الذي مات سنة 58، ولا من جابر بن عبد الله الذي مات سنة 73، ولا من أبي سعيد الخدري الذي مات سنة 74، فهو لم يدرك خوات بن جبير الذي مات سنة 42 ولم يسمع منه من باب أولى. فالسند منقطع، فهو ضعيف.

إشكال وجواب:

قد يقول قائل: قال العطاف بن خالد: حدَّث زيد بن أسلم بحديث، فقال له رجل: يا أبا أسامة، عمَّن هذا؟!. فقال: يا ابن أخي، ما كنا نجالس السفهاء ولا نحمل عنهم الأحاديث!. فهل هذا يعني أن شيوخه كلهم ثقات؟.

أقول:

هذا يعني أنه يتخير الشيوخ الذين يسمع منهم، فهو لا يجالس السفهاء ولا يأخذ منهم الحديث، هذا صحيح، ولكن البلية ليست في السفهاء فحسب، فقد روى الإمام مسلم في مقدمة صحيحه والخطيب البغدادي في الكفاية عن الإمام الكبير يحيى بن سعيد القطان أنه قال: “لم نرَ الصالحين في شيء أكذبَ منهم في الحديث”. وفسرها مسلم بقوله: “يجري الكذب على لسانهم ولا يتعمدون الكذب”.

فالرواية عن راو لم ينصَّ الأئمة المتقدمون على توثيقه ليست بشيء.

ـ الخلاصة: هي أن هذا الحديث ضعيف.

وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي في 20/ 11/ 1439، 2/ 8/ 2018، والحمد لله رب العالمين.