من روائع الإمام البخاري (03) رحمه الله

* من روائع الإمام البخاري رحمه الله: – 3 –  

ـ روى الإمام البخاري في صحيحه من طريق عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين. وروى كذلك من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه قال: بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يُوحى إليه، ثم أمِر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين.

وروى من طريق عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين.

وروى من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق وليس بالآدم، وليس بالجَعْد القَطَط ولا بالسَبِط، بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة.

ـ لا شك في أن حديث ابن عباس وعائشة صحيحان وأن حديث أنس وقع فيه خلل في جزء منه، لأنه قد خالف بقوله “توفاه الله على رأس ستين سنة” رواياتٍ كثيرةً منها ما تقدم من الروايات عن ابن عباس وعائشة.

ـ لكن الإمام البخاري رحمه الله أشار في صحيحه إلى إعلال هذا الجزء من رواية أنس، وذلك إذ روى روايتي حديث ابن عباس في باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة من كتاب مناقب الأنصار، وروى حديث عائشة في باب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب المناقب وكتاب المغازي، أما حديث أنس فرواه في باب مناسب للفظة أخرى في هذا الحديث، وهو باب الجعد من كتاب اللباس.

ـ مَن لا يعرف طريقة البخاري في صحيحه فإنه قد يقول إن البخاري روى أن النبي صلى الله عيه وسلم توفاه الله على رأس ستين سنة ويسكت على ذلك!، وهذا لا ينبغي إلا مع التنبيه إلى أن البخاري رواه وأشار إلى إعلاله.

ـ أما الإمام مسلم رحمه الله فإنه يأتي بالروايات متتالية، وإذا رأى في رواية خللا فإنه يؤخرها إلى آخر الباب.

وقد روى في صحيحه من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم، ولا بالجعد القطط ولا بالسَبِط، بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. وهذا لبيان صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم روى من طريق الزبير بن عدي عن أنس بن مالك أنه قال: قبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين.

وروى من طريق عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.

وروى من طريق عمرو بن دينار ومن طريق أبي جمرة الضبعي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث بمكة ثلاث عشرة وتُوفي وهو ابن ثلاث وستين.

وروى من طريق جرير بن عبد الله البجلي عن معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبِض وهو ابن ثلاث وستين سنة.

ثم ختم الباب بأن روى من طريق عمار بن أبي عمار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوفي وهو ابن خمس وستين!.

ـ مَن لا يعرف طريقة الإمام مسلم في صحيحه فإنه قد يقول إن مسلما روى أن النبي صلى الله عيه وسلم توفاه الله وهو ابن خمس وستين سنة ويسكت على ذلك!، وهذا لا ينبغي إلا مع التنبيه إلى أن مسلما رواه وأشار إلى إعلاله.

فرحمة الله على هذين الإمامين محمدِ بنِ إسماعيلَ البخاريِّ ومسلمِ بنِ الحجاجِ النيسابوريِّ، ما أدقَّ ملحظهما.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 7/ 12/ 1439، والحمد لله رب العالمين.


سبب تضعيف الرواية التالية:

قال البخاري رحمه الله في كتابه الجامع الصحيح: حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك بن أنس عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سمعه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير، وليس بالأبيض الأمهق، وليس بالآدم، وليس بالجعد القطط، ولا بالسبط، بعثه الله على رأس أربعين سنة، فأقام بمكة عشر سنين، وبالمدينة عشر سنين، وتوفاه الله على رأس ستين سنة، وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء.

أقول:

ظن عدد من الإخوة أنه لا تعارض بين الروايات التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين ـ وهي في الصحيحين ـ وبين هذه الرواية!، وأن كلا الأمرين صحيح!، وأن ثلاثا وستين هي بالشهور القمرية وأن الستين هي بالشهور الشمسية!.

وهذا وهَم ظاهر، لأن العرب لم يكونوا يعرفون الحساب الشمسي في ذلك الوقت.

ثم تأملْ هذه الكلمات “بعثه الله على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين”، فقد وقع الوهَم لأحد الرواة هنا، حيث أصاب في أن الله تعالى بعثه صلى الله عليه وسلم على رأس أربعين سنة وأنه أقام بالمدينة عشر سنين، ووهِم في أنه أقام بمكة عشر سنين، وجمع أربعين وعشرا وعشرا فكان المجموع ستين.

فهذه الرواية غير صحيحة في بعض أجزائها، وهذا منشأ الوهَم فيها، وقد صرح الإمام العلامة حافظ المغرب شيخ الإسلام أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر رحمه الله بتضعيفها.

قلت في مبحث أحاديث الصحيحين هل ضعف بعض العلماء بعضها: [علق ابن عبد البر في كتاب التمهيد بعد أن ذكر رواية ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعددا من الروايات في أن النبي صلى الله عليه وسلم تُوفي وهو ابن ثلاث وستين فقال: “المنفرد أولى بإضافة الوهَم إليه من الجماعة، وأما من طريق الإسناد فحديث ربيعة أحسن إسنادا في ظاهره إلا أنه قد بان من باطنه ما يضعِّفه، وذلك مخالفة أكثر الحفاظ له”].