حديث ضغطة القبر

حديث ضغطة القبر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، رب تمم بالخير، واختم لنا بالخير، بفضلك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

حديث “إن للقبر ضغطة ولو نجا أحد منها لنجا سعد بن معاذ”

هذا الحديث رواه علي بن الجعد في مسنده وابن حبان في صحيحه والطبري في تهذيب الآثار والطحاوي في مشكل الآثار والبيهقي في شعب الإيمان من طريق شعبة عن سعد بن إبراهيم عن نافع عن صفية امرأة ابن عمر عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إن للقبر ضغطة، ولو نجا أحد منها لنجا سعد بن معاذ”. وهذا سند جيد.

ورواه ابن سعد وإسحاق بن راهويه والنسائي في السنن وأبو نعيم في معرفة الصحابة من طريق عبد الله بن إدريس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولفظه “هذا الذي تحرك له العرش وفـُتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفا من الملائكة لقد ضُمَّ ضمة ثم فـُرِج عنه”. وهذا سند ظاهره الصحة لكنه معلول بالإرسال.

فقد رواه ابن سعد كذلك عن عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع أنه قال: بلغني أنه شهد سعدَ بنَ معاذ سبعون ألف ملك لم ينزلوا إلى الأرض، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لقد ضُم صاحبكم ضمة ثم فُرج عنه”. فهذا الإسناد مرسل، وهو يعني أن من رواه عن نافع عن ابن عمر فقد أخطأ في السند وسلك الجادة.

أما المتن بما تقدم فهو صحيح ثابت، وليس في هاتين الروايتين أن ضمة القبر لسعد بن معاذ كانت عذابا وكربا وشدة، بل هي ضمة من عالم البرزخ، لا من عالمنا الدنيوي، وفيها إشعار بهيبة الانتقال من عالم الدنيا إلى عالم آخر، وكأنها للمؤمن ضمة الأم لولدها الذي طال انتظارها له، وليس فيها شيء من الشدة والعذاب عليه.

فَرَجَ يفْرِج بين الشيئين أي فتح، وفرَج القومُ للرجل: أوسعوا له في الموقف أو المجلس، وفرَّج الله الغم ـ بالتشديد ـ أي كشفه، فلا بد من التنبه للفرق بينهما.

ولكن هنالك روايات أخرى لم تثبت:

منها ما رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة وابن حبان من حديث جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد يوم مات وهو يُدفن: “لـَهذا العبدُ الصالح الذي تحرك له العرش وفـُتحت له أبواب السماء شُدد عليه ثم فـُرج عنه”. وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وهو صدوق فيه لين، ومعاذ بن رفاعة وهو ثقة فيه لين، فهذا إسناد لين.

ورواه ابن سعد من طريق آخر عن جابر بن عبد الله أنه قال: لما انتهَوا إلى قبر سعد نزل فيه أربعة نفر، فلما وُضع في قبره تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبح ثلاثا، فسبح المسلمون ثلاثا، ثم كبر ثلاثا، وكبر أصحابه ثلاثا، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقيل: يا رسول الله، رأينا بوجهك تغيرا وسبحت ثلاثا!. فقال: “تضايق على صاحبكم قبره وضُم ضمة لو نجا منها أحد لنجا سعد منها ثم فرج الله عنه”. وفيه الواقدي وشيخه إبراهيم بن الحصين بن عبد الرحمن، وهذا لم أجد له ترجمة، فهذا الطريق تالف.

ومنها ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف وابن حبان والحاكم في المستدرك من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر أنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر سعد بن معاذ، فاحتبس، فلما خرج قيل: يا رسول الله، ما حبسك؟. قال: “ضُم سعد في القبر ضمة، فدعوت الله، فكشف عنه”. وهذا سند ضعيف، محمد بن فضيل سمع من عطاء بعد الاختلاط.

ومنها ما رواه الطحاوي في مشكل الآثار من حديث سعد بن أبي وقاص، وفيه: ثم احتـُمل فوُضع في قبره، فتغير لون النبي صلى الله عليه وسلم، فقال المسلمون: يا رسول الله، رأينا لونك قد تغير حين قعدت على القبر. فقال: “ضُم سعد في القبر ضمة، ولو أعفِي منها أحد أعفِي منها سعد”.

ففي هذه الرواية لفظة غريبة، وهي “فتغير لون النبي صلى الله عليه وسلم”، وسند هذه الرواية ضعيف، فيه يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري، وهو صدوق فيه لين في أحسن أحواله، وفيه محمد بن صالح التمار، وهو ثقة فيه لين.

ومنها الرواية المنكرة التي رواها ابن سعد في الطبقات الكبرى عن شبابة بن سوار عن أبي معشر عن سعيد المقبري أنه قال: لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا قال: “لو نجا أحد من ضغطة القبر لنجا سعد، ولقد ضُم ضمة اختلفت منها أضلاعه من أثر البول”. وهذا السند ضعيف جدا، فيه أبو معشر المدني نجيح بن عبد الرحمن وهو ضعيف، وفيه علة الإرسال.

* ـ الحديث باللفظ الأول وما في معناه صحيح الإسناد، وما سوى ذلك ضعيف.

اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب جهنم، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.

وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي في 5/ 9/ 1431 سوى بعض الإضافات والتعديلات، والحمد لله رب العالمين.