بسم الله الرحمن الرحيم
الألباني وما قلت عنه في كشف المعلول
قلت عن الشيخ الألباني في مقدمة كتابي كشف المعلول:
غاية علم الحديث النبوي الشريف معرفة ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمييز ما صح عنه مما لم يصحَّ، هذا وقد قام أحد الباحثين بجهد كبير في هذا المجال، بعد اطلاع واسع على كتب الرواية، إلا أنه قصير الباع في علم الدراية، فصحح وضعف، وعلق وصنف، وخُيِّل إلى الكثيرين أنه من علماء هذا الشأن، [أعني من نقاده]، حتى إن بعضهم أعرض عن كلام الأئمة الأفذاذ، وعكف على أقوال هذا الباحث، فاستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
وأقوال هذا الباحث فيها خلل كثير، ومن أسباب ذلك:
– بحْثه في أحوال الرواة من حيث الجرحُ والتعديل كثيرا ما يعتمد فيه على مرجع واحد، وهو غالبا تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر رحمه الله، وهذا من المختصرات، ولا يغني عن المطولات من المراجع كتهذيب الكمال للحافظ المزي رحمه الله وتهذيب التهذيب لابن حجر، [فضلا عن أصول هذين الكتابين من المصادر].
كثيرا ما يصحح السند الذي قال ابن حجر عن أحد رواته “صدوق”، وقد يصرح في مثله قائلا “رجاله ثقات”، دون تفريق بين الثقة والصدوق، وشتان ما بينهما!!!.
ومن الطرائف أن بعض من تتلمذوا على هذا المنحى يقول: إن قول ابن حجر عن الراوي “صدوق” يعني أنه ثقة. فإذا طالبته بالدليل على ذلك طالبك بالدليل على خلاف ذلك!!، وهذا لا يسوغ، لأنه هو المدعي، و”البينة على المدعي”، ولكنه لا يعرف الفرق بين المدعِي والمدعَى عليه، لقلة الاهتمام بعلم الفقه. [إذ المدعي من يخالف قولُه الظاهر، والآخَر هو المدعى عليه].
يحسّن السند الذي قال ابن حجر عن أحد رواته “صدوق يخطئ”، أو “صدوق له أوهام”، دون التنبه إلى أن تلك الرواية قد تكون مما أخطأ أو وهم فيه، وبذا أصبحت كثير من المرويات المحكوم عليها بالخطأ أو النكارة: من الأحاديث الحسنة عند هذا الباحث، بل مقرونة بالصحيحة، فانتقلت من جانب الرد إلى جانب القبول!!. وفي هذه المسألة من المطالبة بالدليل نظير ما في التي قبلها.
رغم معرفته بتساهل ابن حبان في ذكْره كثيرا من الرواة ممن تُجهل أعيانهم أو أحوالهم في كتاب “الثقات” فإنه يوثق الراوي المذكور في ثقات ابن حبان إذا روى عنه ثلاثة، وفي هذا تساهل شديد، إذ رواية جماعة عن أحد الرواة لا تُعد توثيقا ولا قرينة على التوثيق.
لا يعتني العناية الكافية بمسألة الاتصال والانقطاع في السند.
رغم معرفته في الجملة بقاعدة المدلسين فإنه لا يكاد يفرق بين الثقة وبين الثقة الموصوف بالإرسال.
بُعْدُه الشديد [في كثير من الأحيان] عن علم العلل، ومَن لا يعرف هذا العلم فلا يجوز أن يتكلم في التصحيح والتضعيف، إذ من شروط الحديث الصحيح السلامة من العلة القادحة.
تقليده المتساهلين [في كثير من الأحيان] في مسألة اختلاف الرواية وصلا وإرسالا، أو رفعا ووقفا، إذ يقبلون رواية الوصل والرفع مطلقا، وإعراضه عن مذهب الأئمة النقاد من القدماء.
عدم تفريقه بين سند مستقل عن سند آخر فيمكن أن يُعدّ شاهدا له وبين طريق من طرق السند مختلِفٍ عن الطريق الآخَر في جزء من السند فلا يمكن أن يُعد أحد الطريقين شاهدا للطريق الآخر لأن مدار الطريقين على جزء واحد من السند. وهل يشهد الإنسان لنفسه؟! أو يشهد له غيره؟!!.
عدم تفريقه بين نص نظير نص آخر في كل فقراته فيمكن أن يُعد شاهدا له وبين نص نظير نص آخر في بعض فقراته فلا يمكن أن يُعد شاهدا له بإطلاق، بل شاهدا للفقرات المشتركة بينهما فقط.
بالإضافة إلى أوهام يقع فيها لا يكاد يسلم منها أحد، لكنها إذا كثرت أو فحُشت زحزحت مرتبة المرء عن أن يُوثَقَ بأحكامه ونُقُولِه.
هذا النص مقتطع من مقدمة كتابي “كشف المعلول مما سُمي بسلسلة الأحاديث الصحيحة”، وكانت كتابتها في 7/ 10/ 1413، الموافق 30/ 3/ 1993، والحمد لله رب العالمين.