من روائع الإمام البخاري (02) رحمه الله

من روائع الإمام البخاري (2) رحمه الله

* من روائع الإمام البخاري رحمه الله: – 2 –

ـ روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: كان رجال من الأعراب جفاةٌ يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه متى الساعة؟، فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: “إن يعشْ هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم”. قال هشام بن عروة: يعني موتهم.

وهذا معنى صحيح، كأنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى أن أهل ذلك القرن لن يُعمَّر أحد منهم أكثرَ مما لو عُمِّر ذلك الولد حتى وصل إلى سن الهرم، وبعد ذلك تقوم عليه ساعته، ولم يقل “حتى تقوم الساعة”.

وقد روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام فقال: “أرأيتَكم ليلتكم هذه، فإن رأس مئة سنة لا يبقى ممن هو اليومَ على ظهر الأرض أحد”. قال عبد الله بن عمر: فوهِل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مئة سنة، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم “لا يبقى ممن هو اليومَ على ظهر الأرض”، يريد بذلك أنها تخرم ذلك القرن.

وَهِل يوهَل وهَلا: فزع.

ـ وروى الإمام البخاري عن أنس أن رجلا من أهل البادية أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، متى الساعة قائمة؟. قال: “ويلك، وما أعددتَ لها؟”. قال: ما أعددتُ لها إلا أني أحب الله ورسوله. قال: “إنك مع من أحببت”. فقلنا: ونحن كذلك؟. قال: “نعم”. ففرحنا يومئذ فرحا شديدا، فمر غلام للمغيرة وكان من أقراني، فقال صلى الله عليه وسلم: “إن أخِّر هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة”.

وقوله هنا “حتى تقوم الساعة” بهذا الإطلاق غير صحيح، وقد حصل فيه خطأ من الراوي.

رجعت إلى كلام بعض شراح الحديث فوجدت أنهم فسروه بمعنى انخرام القرن!، وهذا التفسير لا يصلح لهذا اللفظ، وكان ينبغي بيان الخلل الذي وقع في هذه الرواية.

ـ حيث إن البخاري يرى صحة اللفظ الوارد في رواية عائشة رضي الله عنها “حتى تقوم عليكم ساعتكم” فإنه رواه [في كتاب الرقاق في باب سكرات الموت]، وهو الباب المناسب له، وحيث إنه يرى وقوع خلل في اللفظ الوارد في رواية أنس رضي الله عنه “حتى تقوم الساعة” فإنه لم يروه في باب قريب من هذا المعنى، وإنما رواه في باب مناسبٍ للفظٍ آخر اشتمل عليه الحديث، فرواه [في كتاب الأدب في باب ما جاء في قول الرجل ويلك]، وهو الباب المناسب لقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل “ويلك وما أعددتَ لها؟”. وفي هذا إشارة منه إلى إعلال هذه اللفظة هنا “حتى تقوم الساعة” الواردة في حديث أنس.

ـ أما الذين لا يعرفون طريقة البخاري ومنهجه في صحيحه فإنهم يقولون إن البخاري يصحح حديث عائشة وحديث أنس بكلا اللفظين!، لأنه روى في صحيحه الحديثين كليهما، وهذا مخالف لطريقة البخاري رحمه الله.

ـ وروى الإمام مسلم رحمه الله الحديثين في صحيحه، فقدَّم حديث عائشة وأخَّر حديث أنس، لأن من عادته تأخير ما وقع فيه خلل إلى آخر الباب، وفي هذا إشارة لطيفة منه إلى الخلل الواقع في رواية أنس.

أما الذين لا يتنبهون لهذا فيأخذون لفظا من ألفاظ الحديث مرويا في صحيح مسلم ويحتجون به!، ويقولون رواه مسلم في صحيحه!.

فرحمة الله على هذين الإمامين محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري، ما أدق ملحظهما.

وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 2/ 12/ 1439، والحمد لله رب العالمين.