نداء إلى مشايخ المذهب الحنفي في البلدات السورية النائمة
ـ قال الفقيه الحنفي الكبير أبو بكر الرازي الجصاص أحمد بن علي المتوفى سنة 370 في كتابه أحكام القرآن عند قوله تعالى {قال لا ينال عهدي الظالمين}، قال رحمه الله: [لا يجوز أن يكون الظالم نبيا ولا خليفة لنبي ولا قاضيا ولا مَن يلزم الناسَ قبولُ قوله في أمور الدين من مفتٍ أو شاهد أو مخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرا، فقد أفادت الآية أن شرْطَ جميع من كان في محل الائتمام به في أمر الدين العدالةُ والصلاح، ألا ترى إلى قوله تعالى {ألم أعهدْ إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين؟!}، يعني أقدِّمْ إليكم الأمر به، وقال تعالى {الذين قالوا إن الله عهد إلينا}، ومنه عهد الخلفاء إلى أمرائهم وقضاتهم إنما هو ما يُتقدم به إليهم ليحملوا الناس عليه ويحكموا به فيهم، وذلك لأن عهد الله إذا كان إنما هو أوامره لم يخْلُ قوله {لا ينال عهدي الظالمين} من أن يريد أن الظالمين غيرُ مأمورين أو أن الظالمين لا يجوز أن يكونوا بمحلِّ مَن يُقبل منهم أوامرُ الله تعالى وأحكامُه ولا يُؤتمنون عليها، فلما بطَل الوجه الأول لاتفاق المسلمين على أن أوامر الله تعالى لازمة للظالمين كلزومها لغيرهم وأنهم إنما استحقوا سمة الظلم لتركهم أوامر الله؛ ثبت الوجه الآخر وهو أنهم غير مؤتمنين على أوامر الله تعالى وغيرُ مقتدًى بهم فيها فلا يكونون أئمة في الدين، فثبت بدلالة هذه الآية بطلانُ إمامة الفاسق وأنه لا يكون خليفة، وأن من نصب نفسه في هذا المنصب وهو فاسق لم يلزم الناسَ اتباعُه ولا طاعته، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”، ودل أيضا على أن الفاسق لا يكون حاكما وأن أحكامه لا تنْفـُذ إذا ولي الحكم، وكذلك لا تـُقبل شهادته ولا خبره إذا أخبر عن النبي ولا فتياه إذا كان مفتيا، ومن الناس مَن يظن أن مذهب أبي حنيفة تجويز إمامة الفاسق وخلافته وأنه يفرِّق بينه وبين الحاكم فلا يجيز حكمه، وذُكر ذلك عن بعض المتكلمين وهو المسمى زرقان، وقد كذب في ذلك وقال بالباطل، وليس هو أيضا ممن تـُقبل حكايته، ولا فرْق عند أبي حنيفة بين القاضي وبين الخليفة في أن شرط كل واحد منهما العدالة، وكيف يكون خليفة وروايته غيرُ مقبولة وأحكامه غيرُ نافذة؟!، وكان مذهبه مشهورا في قتال الظلمة وأئمة الجَور، ولذلك قال الأوزاعي “احتملنا أبا حنيفة على كل شيء حتى جاءنا بالسيف، فلم نحتمله”، يعني قتال الظلمة، وكان من قوله وجوبُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول فإن لم يُؤتمر له فبالسيف، على ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسأله إبراهيم الصائغ وكان من فقهاء أهل خراسان ورواة الأخبار ونسَّاكهم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال هو فرض، وحدثه بحديث عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله”، فرجع إبراهيم إلى مرو، وقام إلى أبي مسلم صاحب الدولة، فأمره ونهاه وأنكر عليه ظلمه وسفكه الدماءَ بغير حق، فاحتمله مرارا ثم قتله، وقضيته في أمر زيد بن علي مشهورة وفي حمله المالَ إليه وفتياه الناسَ سرا في وجوب نصرته والقتال معه، وكذلك أمْره مع محمد وإبراهيم ابني عبدِ الله بن حسن، وهذا إنما أنكره عليه أغمار أصحاب الحديث الذين بهم فـُقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تغلب الظالمون على أمور الإسلام، فمن كان هذا مذهبَه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كيف يرى إمامة الفاسق؟!].
ـ قال الفقيه الحنفي الكبير علي بن محمد بن أحمد السمناني المتوفى سنة 499 في كتابه روضة القضاة: “شروط الإمامة، … ومنها أن يكون في ظاهره عدلا غير فاسق، لأنه إن فسق بوجه من وجوه الفسق لم يُوثق بعدله، ولم يُؤمن أن يحيف في الأحكام وأن يجبي ما لا يستحقه من المال ويصرفه إلى من لا يستحقه، لأنه أمين فيما يأخذ ويعطي، فإذا كان فاسقا لم يُؤمَّر أميرا على المسلمين ولا يُعقد له ولاية ولا يجب له علينا طاعة”.
ثم قال: “والإمام إنما يُخلع إذا ارتكب من الأمور ما لا يجوز أن يُبتدأ له معه ولاية، لأنه نائب عن المسلمين، يستوفي ما وجب لهم من الحقوق، ويوفيهم ما وجب لهم، ويستوفي منهم ما يجب استيفاؤه لله تعالى، فهو الأمين، والذائد عن الدين، فإذا جار واعتدى وتمرد واحتوى على الأموال وجب على أهل الدين وعلى المسلمين خلعُه ومنعُه والاستبدالُ به”.
ـ قال نجم الدين عمر بن محمد النسفي المتوفى سنة 537 في العقائد النسفية: “الإمام يُشترط أن يكون من أهل الولاية المطلقة الكاملة، سائسا، قادرا على تنفيذ الأحكام وحفظ حدود دار الإسلام وإنصاف المظلوم من الظالم”.
ـ قال محمد بن محمود بن حسين الأُسْرُوشَني المتوفى سنة 632 كما في تبيين الحقائق لفخر الدين الزيلعي: “أهل البغي هم الخارجون على الإمام الحق بغير حق”. ومثله في تنوير الأبصار لمحمد بن عبد الله بن أحمد التمرتاشي المتوفى سنة 1004، ومثله في الفتاوى الهندية.
ـ قال الشريف الجرجاني علي بن محمد بن علي الشيرازي الحنفي المتوفى سنة 816 في شرح المواقف للإيجي: “وللأمة خلع الإمام وعزله بسبب يوجبه، مثل
+
أن يوجد منه ما يوجب اختلالَ أحوال المسلمين وانتكاسَ أمور الدين، كما كان لهم نصبه وإقامته لانتظامها وإعلائها، وإن أدى خلعه إلى الفتنة احتـُمل أدنى المضرتين”.
ـ قال كمال الدين ابن الهُمام محمد بن عبد الواحد المتوفى سنة 861 في كتابه فتح القدير شرح الهداية في باب البغاة: “والباغي في عرف الفقهاء الخارج عن طاعة إمام الحق، والخارجون عن طاعته أربعة أصناف، … والرابع قوم مسلمون خرجوا على إمام العدل ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم، وهم البغاة، ويجب على كل من أطاق الدفع أن يقاتل مع الإمام إلا إن أبْدَوا ما يجوِّز لهم القتال، كأنْ ظلمهم أو ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه، بل يجب أن يعينوهم حتى ينصفهم ويرجع عن جوره”.
ـ قال عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المعروف بشيخي زاده المتوفى سنة 1078 في كتابه مجمع الأنهر: “إذا خرج قوم مسلمون عن طاعة الإمام أي الخليفة العدل لا عن أمير ظلم بهم، فلو خرجوا عليه لظلم ظلمهم فليسوا ببغاة، كما في أكثر الكتب”.
ـ نقل ابن عابدين فقيه الديار الشامية وإمام الحنفية في عصره محمد أمين بن عمر المتوفى سنة 1252 في حاشيته كلامَ شارح المواقف ولم يتعقبه بشيء.
ـ ثم إنك ترى في المقابل من فقهاء الحنفية مَن توفي سنة 786 يقول: “السلطان لا ينعزل بالفسق والظلم، ولا تجوز منازعته في السلطنة بذلك”. وتجد منهم مَن توفي سنة 970 يقول: “الفسق لا يمنع أهلية الشهادة والقضاء والإمرة والسلطنة والإمامة والولاية في مال الولد والتولية على الأوقاف، ولا تحل توليته، وإذا فسق لا ينعزل، وإنما يستحقه، بمعنى أنه يجب عزله أو يحسُن عزله”.
يا مشايخ الحنفية المؤتمنين على دين الله تعالى:
أين أنتم عن فقه أبي حنيفة وكبار فقهاء المذهب رحمهم الله؟!.
هذا أبو بكر الرازي يقول ببطلان إمامة الفاسق وأنه لا يكون خليفة وأن من نصب نفسه في هذا المنصب وهو فاسق لم يلزم الناسَ اتباعُه ولا طاعته، ويخبركم أن مَن نقل عن أبي حنيفة تجويزَ إمامةِ الفاسق وخلافتِه فقد كذب في ذلك وقال بالباطل، وأن أبا حنيفة كان يقول بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول، وأن من أمر بالمعروف فلم يُؤتمر له فبالسيف.
وهذا السمناني يقول عن الإمام إن فسق بوجه من وجوه الفسق لم يُوثق بعدله، ولم يُؤمَن أن يحيف في الأحكام وأن يجبي ما لا يستحقه من المال ويصرفه إلى من لا يستحقه، وأنه إذا كان فاسقا لم يُؤمَّر أميرا على المسلمين ولا يُعقد له ولاية ولا يجب له علينا طاعة، وأنه إذا جار واعتدى وتمرد واحتوى على الأموال وجب على أهل الدين وعلى المسلمين خلعُه ومنعُه والاستبدالُ به.
وهذا نجم الدين النسفي يقول إنه يُشترط في الإمام أن يكون قادرا على تنفيذ الأحكام وحفظ حدود دار الإسلام وإنصاف المظلوم من الظالم.
يا مشايخ الحنفية المؤتمنين على دين الله تعالى:
بشار الأسد وزمرته فاسقون، ولا يُوثق بعدلهم، ويحيفون في الأحكام، ويجْبون من المال ما لا يستحقون ويصرفونه إلى من لا يستحقه، وقد جاروا واعتدَوا وتمردوا على الحق والعدل والإنصاف، ولا يقومون بتنفيذ الأحكام وحفظ دار الإسلام وإنصاف المظلوم من الظالم، بل هم خائنون للأمة متسلطون عليها بالقهر والإذلال، فمثل هذا ليست له ولاية، ولا يجب له على الأمة طاعة، ويجب على أهل الدين وعلى المسلمين خلعُه ومنعه والاستبدالُ به.
فكونوا أنصار الله وأنصار رسوله، ولا تكونوا عونا للظالم، قال الله جل شأنه {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون}.
وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي في 26/ 10/ 1432 ، 25/9/2011 سوى بعض الإضافات ففي 8/ 8/ 1433، 28/6/2012 ، والحمد لله رب العالمين.
جزاكم الله خير الجزاء
جميل جدا جزاكم الله خيرا