حديث الحوض مَن الذين يُذادون عنه؟

حديث الحوض مَن الذين يُذادون عنه؟

رُوي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية عبد الله بن مسعود وسهل بن سعد وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وأم سلمة وجابر بن عبد الله وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم:
* ـ فأما حديث ابن مسعود فرواه البخاري [7049، 6576] ومسلم [6043 ـ 6045] من ثلاثة طرق عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أنا فرطكم على الحوض، ليُرْفَعَنَّ إليَّ رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم اخْتُلِجوا دوني، فأقول أي ربِّ، أصحابي!، يقول لا تدري ما أحدثوا بعدك“.
* ـ وأما حديث سهل بن سعد فرواه البخاري [6583، 7050] ومسلم [6032] من طريقين عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني فرطكم على الحوض، لَيَرِدَنَّ عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يُحال بيني وبينهم».
* ـ وأما حديث ابن عباس فرواه البخاري [4625، 3349، 3447، 4740، 6526] ومسلم [7303] وابن حبان في صحيحه [7347] من طريقين عن المغيرة بن النعمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا وإنه يُجاء برجال من أمتي فيُؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول يا رب أُصَيْحابي!، فيُقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح {وكنتُ عليهم شهيدا ما دمتُ فيهم فلما توفيتني كنتَ أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد}، فيُقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتَهم“.
* ـ وأما حديث أبي هريرة فرواه البخاري [6585 ـ 6587] من طريقين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “فأقول يا رب أصحابي!، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى“.
ورواه مسلم [505] من طريق آخر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أناديهم ألا هلمَّ، فيُقال إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول سُحْقًا سحقا“.
* ـ وأما حديث أبي سعيد الخدري فرواه البخاري [6584، 7050] ومسلم [6033] من طريقين عن أبي حازم عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “فأقول إنهم مني، فيُقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن غيَّر بعدي“.
* ـ وأما حديث أنس فرواه البخاري [6582] ومسلم [824، 6062] من طريقين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لَيَرِدَنَّ عليَّ ناس من أصحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم اختُلِجوا دوني، فأقول أصحابي!، فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك“.
وفي إحدى روايتيْ صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليردن علي الحوضَ رجال ممن صاحبني، حتى إذا رأيتهم ورُفعوا إلي اختُلجوا دوني، فلأقولنَّ: أيْ ربِّ أصيحابي، أصيحابي!. فلَيُقالنَّ لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك”.
* ـ وأما حديث أسماء فرواه البخاري [6593، 7048] ومسلم [6037] من طرق عن نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إني على الحوض حتى أنظر من يَرِدُ عليَّ منكم، وسيُؤخذ ناس دوني، فأقول يا رب مني ومن أمتي!، فيُقال: هل شعرتَ ما عملوا بعدك؟!، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم”.
* ـ وأما حديث أم سلمة فرواه مسلم [6039] عن يونس بن عبد الأعلى عن عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن بُكير عن القاسم بن عباس عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إني لكم فرط على الحوض، فإياي لا يأتينَّ أحدُكم فيُذّبَّ عني كما يُذّبُّ البعير الضال، فأقول فيم هذا؟، فيُقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول سحقا”.
* ـ وأما حديث جابر فرواه ابن حنبل [15121] عن روح بن عبادة عن زكريا بن إسحاق عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا على الحوض أنظر من يَرِد علي، فيُؤخذ ناس دوني، فأقول: يا رب، مني ومن أمتي!. فيُقال: وما يدريك ما عملوا بعدك؟!، ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم”.
[روح بن عبادة ثقة. زكريا بن إسحاق ثقة. أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس صدوق ثقة فيه لين، وقد يدلس الإسناد، لكنه هنا صرح بالسماع]. فهذا الإسناد جيد في المتابعات والشواهد.
* ـ وأما حديث أبي موسى الأشعري فرواه البزار [3168] عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن أبي أسامة عن بُرَيد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إنكم سترِدون علي الحوض وتُختلَجون دوني، فأقول يا رب أصحابي، فيُقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك”.
[إبراهيم بن سعيد الجوهري ثقة. أبو أسامة حماد بن أسامة ثقة فيه لين. بُريد بن عبد الله بن أبي بردة صدوق ثقة فيه لين. أبو بردة بن أبي موسى ثقة]. فهذا الإسناد جيد في المتابعات والشواهد.
* ـ مَن هؤلاء الذين يُذادون ويُبعدون عن ورود حوض النبي صلى الله عليه وسلم؟:
جاء في صحيح البخاري عقب الحديث [3447] تعليق صغير كتبه محمد بن يوسف الفربري تلميذ البخاري وراوي النسخة عنه، وهو هكذا: [قال محمد بن يوسف الفربري: ذُكِر عن أبي عبد الله عن قبيصة أنه قال: “هم المرتدون الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه”]. أبو عبد الله هو الإمام البخاري، وقبيصة هو قبيصة بن عقبة أحد شيوخ البخاري، وقال ابن حجر في فتح الباري “وصلَه الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة”، وقوله هذا ربما وافقه عليه بعض العلماء اللاحقين، لكنه بعيد عما تدل عليه الألفاظ النبوية الثابتة في هذا الحديث.
للجواب على السؤال أقول:
لقد قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: “أصحابي. أعرفهم ويعرفوني. أُصَيْحابي. إنهم مني. رجال ممن صاحبني. مني ومن أمتي”.
وهذا يعني أنهم ليسوا المرتدين الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر رضي الله عنه؟، وليسوا المرتدين البعيدين الذين لا صحبة لهم والذين لا يعرفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرفونه ولا تربطهم به رابطة نسب، فهم رجال صاحَبوه ويعرفهم ويعرفونه ويجمعهم معه نسب غير بعيد، لكنهم غيَّروا وبدَّلوا وأحدثوا مرتدين على أعقابهم بعدما فارقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
السؤال المهم الذي ينبغي أن يتوقف المهتمون بشؤون الأمة عنده مليًّا: هو ما التغيير والتبديل والإحداث الذي وقع في الأمة من قِبَل من لهم صحبة قَبل انقراض عصر الصحابة؟، ومَن هم رموزه الذين يستحقون عقوبة الإبعاد عن حوض المصطفى صلى الله عليه وسلم وهم ممن لهم صحبة؟، وما الطريق الذي ينبغي أن تسلكه الأمة للعودة إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار قبل وقوع ذلك التغيير؟.
* ـ خلاصة البحث:
هذا الحديث رواه عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، منهم ثمانية في الصحيحين، فهو ثابت عنه ومتواتر عنه من طريق الثقات.
لا بد من البحث عن التغيير الذي وقع في الأمة قبل انقراض عصر الصحابة؟، ومَن هم رموزه؟، وما الطريق الذي ينبغي أن تسلكه الأمة للعودة إلى ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار قبل وقوع ذلك التغيير؟.
وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي في 11/ 4/ 1446، الموافق 14/ 10/ 2024، والحمد لله رب العالمين.