الاضطراب في دراسة العلوم الشرعية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين
وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين
رب يسر ولا تعسر
رب تمم بالخير يا كريم
مقدمة:
دراسة العلوم الشرعية لا بد أن ترتكز على الثوابت، على كتاب الله عز وجل أولا، وهو الكتاب المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعلى السنة النبوية الثابتة عن الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه ثانيا، ثم على ما يمكن أن يتفرع عن هذين الأصلين.
القرآن الكريم أنزله الله تعالى قرآنا عربيا غير ذي عِوَج، بلغة العرب الذين خوطبوا به خطابا أوليا، ونبينا صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد، وكان يخاطِب بالدرجة الأولى العرب، ولذا فلا يمكن لأي إنسان أن يفهم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حق الفهم إلا إذا كان من المبرِّزين في فهم لغة العرب وأساليبهم في البيان.
مشكلة الاضطراب في فهم الكتاب والسنة:
عندنا اليوم مشكلة كبيرة، هي الاضطراب في فهم الكتاب والسنة عند كثير من الدارسين وبعض المتخصصين، حتى كثُر الاختلاف وتعمقَ التفرق ووقع العامة والأتْباع في التشوش والبلبلة.
عندما يختلف المجتهدون ـ بصفة عامة ـ في تفسير آية كريمة أو فهم حديث شريف أو في حكم فقهي أو في فتوى تتعلق ببعض النوازل فإنهم ينظرون في الأدلة ويرجحون حسبما آتاهم الله من علم، ويكون اجتهادهم في دائرة ما يسوغ فيه الاجتهاد، ويغلب عليهم التواضع والتماس العذر للمخالف.
أما اليوم فالوضع ـ في كثير من الأحيان ـ مختلف، فبعض الناس يتكلم في مرجعية القرآن وتفسير القرآن وهو لا يتقن علوم القرآن، وبعضهم لا ينظر في تسلسل نزول الآيات الكريمة وربطها مع الحوادث التي نزلت فيها فيخرج بنتائج عجيبة، تدمر البلاد وتهلك العباد.
كثيرون ممن يتكلمون في مسألة تصحيح الروايات الحديثية وتضعيفها يخوضون في ذلك عن تقليد في معرفة المنهج، دون تنبه إلى مناهج كبار أئمة الحديث، على الرغم من تقديرهم لأولئك الأئمة ومحبتهم، لكنها المحبة العاطفية، وليست المحبة المبنية على علم، فصححَ هؤلاء الخائضون في التصحيح والتضعيف كثيرا من الروايات الضعيفة، وأحيانا الرواياتِ المنكرةَ والباطلة.
كثيرون ممن يتكلمون في العقائد يخوضون في تفسير آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة المتعلقة بالعقيدة وهم بعيدون عن علوم اللغة وتذوق بلاغتها.
* ـ في خضم هذا التشويش وهذه البلبلة مع الاختلاف غير المنضبط وقع كثير من الناس في الحيرة والشك، فاتجه بعضهم بعيدا عن أصول الإسلام، وصار يتطلع إلى التجديد الذي يتخلص به من الدين أصولا وفروعا، ونعوذ بالله من ذلك، وربما يكون بعضهم بسوء نية وبعضهم بحسن نية، والذي يريد الوصول فلا بد له من المجاهدة. قال الله عز وجل {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}.
ووقع فريق في التساؤل والتطلع، فهو يرنو ببصره ذات اليمين وذات الشمال، يتطلع إلى بارقة أمل تعيدُ للمسلم العاقل المتدبر التوازنَ في الفهم، والمنهجَ الصحيح في العلم، وتبينُ له طريق الحق في الفتوى والعمل، مع التمييز بين الواضح الصريح الذي لا ينبغي أن يكون فيه اجتهادٌ وافتراقٌ وبين ما يمكن أن يكون فيه اجتهاد.
الحل المقترح:
ينبغي أن يتداعى أولو الرأي والسداد لإنشاء كلية شرعية أو قسم دراسي لتدريس العلوم الشرعية بطريقة علمية منهجية حقيقية، تعتمد على الكتاب والسنة الثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم، بعد التثبت من صحة المرويات على منهج كبار أئمة الحديث الشريف، لا على منهج المتساهلين، مع التفهم والتعقل والتدبر.
من الممكن أن تكون الدراسة على الشابكة العنكبوتية، لأن هذا قد أصبح اليوم أسهل وأشمل.
والمقصِد إخراج الناس من الفوضى والحَيرة والاضطراب الفكري إلى نور العلم المهتدي بأنوار الكتاب والسنة على بصيرة.
أكثر العلوم الشرعية التي وقع فيها اختلافٌ جذري عميق علمان، علوم الحديث الشريف وعلم العقيدة، فلا بد من أن نوليهما مزيد الاهتمام والعناية، ثم سائر علوم الشريعة كذلك.
* ـ لقد بعث الله عز وجل نبينا صلى الله عليه وسلم بالهداية وجعله رحمة للعالمين، فنسأل المولى تعالى أن يجعلنا من وُرَّاث علومه وخدام شريعته، لينتشر نور الرحمة المهداة في العالمين.
* ـ إذا وجدتْ هذه الدعوة لها صدًى وقَبولا لديكم فأرجو أن أسعد باتصالكم بي لنعمل سويا على تحقيق هذا الهدف.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي في 13/ 10/ 1437، الموافق 18/ 7/ 2016، والحمد لله رب العالمين.