جواب للأخ الشيخ الفاضل
الأخ الكريم الشيخ الفاضل حفظك الله بخير وعافية
السلام عليكم ورحمة الله
سعدتُ بقراءة رسالتك الأخوية الودية التي أرسلتها إلي، فجزاك الله خيرا من أخ ناصح، وأكرمك المولى تعالى وأجزل لك المثوبة.
وهذا نص رسالتك وجوابي على فقراتها:
[فضيلة الشيخ صلاح سلمه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[وأسعد الله أوقاتك بكل خير، وعافية، أما بعد:
[فأنا أقرأ كل ما يصلني منك، وأشكرك على ما تقوم به من جهد كبير، لكنني أسأل هل ترى فيما تقوم به من نقض بعض القضايا التي اتفقت عليها الأمة قديماً وحديثاً من فائدة إلا المعارك والإثارات التي تضر ولا تنفع؟!!
[تلقت الأمة الصحيحين بالقبول قديماً وحديثاً وكتبت كتب في ذلك وقعد علماء المصطلح قواعد وأفتوا فتاوى بشأن الصحيحين، فهل من الحكمة أن نرجع لمخالفة إجماع الأمة، ونأخذ بأقوال بعض المغمورين أو الحاقدين أو الكارهين أو على الأقل تلتقي أقوالنا مع ما يرمون إليه.
[تعيد دراسة أسانيد درست من مئات السنين ولا تأت بجديد وتبني على ذلك نتائج لا تحتملها الدراسة.
[ضعفت لنا أحاديث فضائل الشام بسبب قول عامي يقول: لو لم تنتصر ثورة سوريا لكفر بالنبي “صلى الله عليه وسلم” الذي قال تلك الأحاديث، ثم الآن تضعف لنا حديث النبي “صلى الله عليه وسلم” الذي ورد في صحيح مسلم، وتزيد علينا مخالفة حديث السيدة عائشة رضي الله عنها في سن زواجها ثم ترد على تصحيح وتحسين الألباني وتنتقد المستكثرين من الأخذ عنه، فما الفرق بينكما، وما الفائدة التي تقدمها للأمة؟!!].
أقول:
فضيلة الأخ الشيخ الغيور على السنة والتراث:
لم أضعف أحاديث فضائل الشام بسبب قول عامي يقول “لو لم تنتصر ثورة سوريا لكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي قال تلك الأحاديث”، وكان بحثي وتأليف كتابي في تضعيفها قبل ذلك بزمن، وعندما نقل لي أحد الإخوة تلك المقولة الآثمة أرسلت له كتابي ليحوله لذلك القائل، مؤملا أن يطلع عليه فيعلمَ ضعف أسانيد تلك الأحاديث وأن الذين صححوا أسانيدها هم من المتساهلين.
القضايا التي أوصلتني نتيجة البحث إلى نقضها ليست مما اتفقت عليه الأمة، وهي قد تثير معارك، لكنها بين من يبحث عن الدليل وبين الذين يقدسون مشايخهم ومذاهبهم ويرى كل واحد منهم أن ما قاله مشايخه وأهل مذهبه هو الحق المطلق ولو لم نجد له دليلا.
هذه المعارك إذا نظرنا إليها بنور البصيرة فهي تنفع ولا تضر، ألا ترى أن كثيرين من الطيبين يقفون الآن ومن قبل ومن بعد إلى جانب المجرم الفاجر السفاح الذي ينتهك زبانيته كل الحرمات ومنها حرمات المصونات العفيفات، وهم يتذرعون بحجة أن ذلك المجرم الفاجر لا يبوح بالكفر ولو كانت كل القرائن تشير إلى خلاف ذلك!، ثم ألا ترى أن كثيرين منهم يتجاهلون جرائمه وفجوره ولا يقفون في صفه ولا في الصف المقابل!، وذلك لأن دلالات عدد من النصوص الشرعية التي يتمسكون بها هي في الكتب التي لا يجوز المساس بها ـ عند طائفة من أهل العلم ـ تقول ذلك!. وقد وقف الكثيرون أمام أدلتهم حائرين، وربما دخل بعضهم في متاهات التأويل المتكلـَّف لرد تلك الدلالات، فجاءت الردود غير منسجمة مع دلالات النصوص الظاهرة الواضحة، غافلين عما في أسانيدها من علل.
معظم متون الأحاديث المروية في الصحيحين صحيحة ثابتة، ولكن هذا لا يعني أنها كلها كذلك.
أطلق أكثر العلماء القول بصحة أحاديث الصحيحين، لكن بعض الأئمة انتقدوا بعض الروايات فيهما، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في مقدمة فتح الباري: “هذه جملة أقسام ما انتقده الأئمة على الصحيح، وقد حررتُها وحققتها وقسمتها وفصَّلتها، لا يظهر منها ما يؤثر في أصل موضوع الكتاب بحمد الله إلا النادر”.
هذا يعني أن فيهما بعض الروايات التي لم تصحَّ ولكنها نادرة، وأرى أن بيانها للأمة أولى من السكوت.
وبناء على ذلك فينبغي حمل تلقي الأمة لأحاديث الصحيحين بالقبول على الأكثر، وليس على الكل.
الذين ينبغي أن نتلقى كلامهم بالقبول هم المجتهدون من علماء الأمة، أما المقلدون فلا شأن لهم بالخوض في غمار هذه المسائل.
أنا لا أخالف إجماع الأمة، لكن متى حصل هذا الإجماع؟!.
وهل انعقد الإجماع بدون الدارقطني وأبي مسعود الدمشقي وأبي علي الغساني والعُقيلي وأبي الفضل ابن عمار الشهيد والباجي؟!، وكيف غفل ابن حجر عن وجود هذا الإجماع؟!.
أنا لا آخذ بأقوال المغمورين والحاقدين والكارهين للتراث المجيد الذي قدمه أسلافنا رحمهم الله، ولكن بأقوال الأئمة الكبار الذين هم مصابيح هذا العلم.
إذا التقت نتائج بعض البحوث مع ما يقوله بعض الذين لا يقدرون تراث أئمتنا فهذا بسبب تقاعس أهل العلم عن متابعة البحث العلمي، فربما وجد بعض الناس ثغرات ينفذون منها.
عندما يجد الناس حديثا معزوا للنبي صلى الله عليه وسلم يقول “إن أُخِّرَ هذا فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة” ويصححه الناس ويسكتون عنه فلا بد أن نجد مَن يقول إنه مخالف للواقع المشاهَد، وأن نجد من يقول ـ بسبب ذلك ـ إن في الصحيحن أحاديث مكذوبة موضوعة.
وما ذاك إلا لغفلة أولئك المصححين للحديث بهذا اللفظ عن اللفظ الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأرجوك رجاء حارا أن تقرأ ما كتبه أخوك كاتب هذه الصفحات بعنوان “حديث إن يعش هذا الغلام”، وستجد فيه ما يثلج صدرك إن شاء الله.
وإن لم أكن قد أرسلته لك من قبل فتجده في هذا الموقع: إدلبي نت أو: idlbi.net
بعض الدراسات التي قمتُ بها ـ بفضل الله وتوفيقه ـ لم أجد أنها دُرست من قبل، لا من عشرات السنين ولا من مئات السنين، وربما تجد فيها بعض الجديد المفيد، ولعلك تغير رأيك إذا قرأت البحث المشار إليه حول حديث “إن يعش هذا الغلام”.
أرجو أن يتسع وقتك لقراءة كتيب “حديث كان الله ولم يكن شيء غيره”، وكتاب “منهج الإمامين البخاري ومسلم في إعلال المرويات الحديثية”.
ضعَّفتُ حديث “إن أبي وأباك في النار” وإن كان قد رواه مسلم رحمه الله لأنني أراه معلولا بهذا اللفظ، ولأنني أرى ـ كما رأى غيري ـ أنه مخالف لكتاب الله عز وجل.
ضعفتُ الحديث الوارد في مقدار عمر السيدة عائشة رضي الله عنها وقت العقد ووقت الزواج ـ بالرغم من صحة سنده ـ لأنني أرى أنه شاذ، لمخالفته لعدد من القرائن التاريخية، وقد وصل عددها الآن عندي إلى عشرة قرائن.
وجدتُ عددا من الإخوة الذين يحاورون غير المسلمين قد فرحوا بهذا البحث عن مقدار عمر السيدة عائشة فرحا شديدا، لأنهم ـ كما أخبروني ـ كانوا يردون على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام وتمكنوا من الرد القوي المتين سوى الرد على هذه الشبهة.
فإذا وقفنا على عشرة قرائن تشير إلى وقوع وهَم في تلك الرواية فهل هذا من المحاسن أو المساوئ؟!.
رددتُ على تصحيح وتحسين الألباني رحمه الله وغفر له لبعض الأحاديث لأنه يشتغل في دراسة الأسانيد على المنهج التساهلي، وكانت النتيجة أنه حكم بتصحيح وتحسين كثير من المرويات الضعيفة، منها حديث أعله سبعة من كبار الأئمة النقاد، أحدهم الإمام البخاري رحمه الله!، وصحح حديثا في سنده راو اتهمه عدد من الأئمة بالكذب!.
فهل المطلوب مني أن لا أبين هذا للناس؟!.
الفرق هو أن أحد الرجلين يمشي على منهج الأئمة الجهابذة المتقدمين ومنه منهج الإمامين البخاري ومسلم وغيرهما في إعلال المرويات الحديثية وأن الآخر يمشي على مذهب الذين يتساهلون في دراسة الأسانيد ولا علم لهم بمنهج الأئمة في الإعلال.
الفائدة التي أقدمها للأمة ـ حسب اجتهادي ـ هي محاولة سد بعض الثغرات التي أرى أنه لا بد من تصحيح بعض المسار فيها، والتي أرى أن الأمة لن تنهض من كبوتها ما دامت متعثرة بسب تلك الثغرات، وما أقدمه هو ابتغاء الأجر والمثوبة من الله تعالى.
فإن أصبتُ فبتوفيق الله وله المنة والفضل، وإن أخطأتُ فمنه وحده العفو والمغفرة والأجر إن شاء الله.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 15/ 8/ 1438، الموافق 12/ 5/ 2017، والحمد لله رب العالمين.