حديث الركعتين بعد العصر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، رب تمم بالخير، واختم لنا بالخير، بفضلك ومنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
هل يُستحب للمسلم أن يصلي ركعتين بعد صلاة العصر أو يُكره له ذلك بدون سبب كأن يصلي الركعتين اللتين بعد الظهر إذا فاتتاه بشغلٍ شاغل أو نسيان في ذلك الوقت؟:
* ـ رُوي حديث النهي عن الصلاة بعد العصر أو الركعتين بعد العصر عن جماعة من الصحابة، منهم عمر وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وابن عباس ومعاوية وعمرو بن عبسة وزيد بن ثابت وأم سلمة، وهو ما قالته عائشة أولا في سنة 50 أو ما قبلها:
ـ فأما حديث عمر رضي الله عنه فرواه البخاري وأبو داود الطيالسي وابن حنبل وأبو داود وابن ماجه من طريق قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس أنه قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب. وجاء عند البخاري وابن حنبل من طريقين “عن قتادة أنه قال سمعت أبا العالية”.
وروى ابن حنبل عن الحارث بن معاوية الكندي أنه سأل عمر بن الخطاب عن الركعتين بعد العصر، فقال: نهاني عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإسناده جيد.
وروى ابن أبي شيبة عن وكيع عن شعبة عن أبي جمرة عن ابن عباس أنه قال: رأيت عمر يضرب على الركعتين بعد العصر. وهذا إسناد صحيح. ورواه بنحوه من طرق أخرى عن عمر رضي الله عنه.
ـ وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فرواه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم من طريقين عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس.
ـ وأما حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فرواه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عبيد الله بن أبي يزيد عن قزعة أنه قال: كنت أصلي ركعتين بعد العصر، فلقيني أبو سعيد الخدري فنهاني عنهما، فقلت: أتركهما لك؟!. قال: نعم. [عبيد الله بن أبي يزيد مكي ثقة ولد سنة 40 ومات سنة 126. قزعة بن يحيى بصري قدم دمشق صدوق]. فهذا إسناد جيد.
ـ وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما فرواه البخاري وغيره ـ كما تقدم ـ عن ابن عباس أنه قال: شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب.
وروى الشافعي من طريق ابن جريج أنه قال: أخبرني عامر بن مصعب أن طاوسا أخبره أنه سأل ابن عباس عن الركعتين بعد العصر، فنهاه عنهما، قال طاوس: فقلت: ما أدَعُهما. فقال ابن عباس: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}. عامر بن مصعب لين، ويتقوى الإسناد بما بعده.
ورواه الدارمي وابن عبد البر في جامع بيان العلم من طريق سفيان بن عيينة عن هشام بن حُجير أنه قال: كان طاوس يصلي ركعتين بعد العصر، فقال له ابن عباس: اتركهما. قال: إنما نُهي عنها أن تُتخذ سلما. فقال ابن عباس: إنه قد نُهي عن صلاة بعد العصر، فلا أدري أتُعذب عليها أم تُؤجر، لأن الله يقول {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}. قال سفيان: “تُتخذ سلما”: يقول: يصلي بعد العصر إلى الليل. هشام بن حجير مكي صدوق ثقة فيه لين.
وروى الترمذي والبزار من طريق جرير بن عبد الحميد الرازي عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: إنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر، ثم لم يعدْ لهما.
سنده ضعيف، لأن جرير بن عبد الحميد سمع من عطاء بن السائب بعد الاختلاط، ولكن ثبوت معنى هذا الحديث عن أم سلمة ـ كما سيأتي ـ قرينة على أن رواية عطاء بن السائب هنا هي من صحيح حديثه. ولذا فقد قال الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله بعد روايته لهذا الحديث: حديث ابن عباس حديث حسن.
ورواه المخلص من طريق أبي حفص عمر بن عبد الرحمن عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنه قال: بلغَ ابنَ عباس أن عائشة تأمر بركعتين بعد العصر أو ترخص فيهما وتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما في بيتها، فقال ابن عباس: سلوا عائشة أصلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها قط إلا مرة؟!، وذاك أنه صلى الظهر ثم أتاه مال فشُغل في قسمه حتى صلى العصر، فكره أن يصليهما حيث يراه الناس، فدخل بيت عائشة فصلاهما.
سنده جيد إلى عطاء بن السائب، وعمر بن عبد الرحمن سمع منه بعد الاختلاط، وقد ظهر منه ذلك في قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى تينك الركعتين بعد العصر في بيت عائشة.
ـ وأما حديث معاوية فرواه البخاري عنه أنه قال: إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيناه يصليها، ولقد نهى عنهما. يعني الركعتين بعد العصر.
ـ وأما حديث عمرو بن عبسة فرواه أبو داود عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت فإن الصلاة مشهودة حتي تصلي العصر، ثم أقصرْ حتى تغرب الشمس”. سنده لا بأس به في المتابعات.
ـ وأما حديث زيد بن ثابت فرواه ابن حنبل والطبراني في مسند الشاميين من ثلاثة طرق عن ابن لهيعة ليس فيهم أحد العبادلة عن عبد الله بن هبيرة عن قبيصة بن ذؤيب أنه قال: إن عائشة أخبرتْ آلَ الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عندها ركعتين بعد العصر، فكانوا يصلونها. قال قبيصة: فقال زيد بن ثابت: يغفر الله لعائشة، نحن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منها، إنما كان ذلك لأن أناسا من الأعراب أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجير، فقعدوا يسألونه ويفتيهم حتى صلى الظهر ولم يصل ركعتين، ثم قعد يفتيهم حتى صلى العصر، فانصرف إلى بيته، فذكر أنه لم يصل بعد الظهر شيئا، فصلاهما بعد العصر، يغفر الله لعائشة، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر. وقد ظهر في هذه الرواية شيء من التخليط في قوله “فقعدوا يسألونه ويفتيهم، ثم قعد يفتيهم”.
[عبد الله بن لهيعة ثقة خلط بعد احتراق كتبه، ورواية العبادلة عنه أمثل من غيرها. عبد الله بن هبيرة حضرمي مصري ثقة ولد سنة 41 ومات سنة 126. قبيصة بن ذؤيب مدني شامي ثقة، أعلم الناس بقضاء زيد بن ثابت، ولد سنة 8 ومات سنة 87]. فهذا الإسناد ضعيف، وهو هنا لا بأس به ولعله من صحيح حديث ابن لهيعة، لموافقته للثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
ـ وأما حديث أم سلمة فرواه ابن خزيمة من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، وابنُ حنبل من طريق يحيى بن أبي كثير، كلاهما عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر فصلى ركعتين، فقلت: أيْ رسول الله، أي صلاة هذه؟!، ما كنت تصليها!. فقال: “إنه قدم وفد من بني تميم فشغلوني عن ركعتين كنت أركعهما بعد الظهر”. وهذا إسناد صحيح.
ورواه ابن راهويه في مسنده عن النضر بن شُميل، وابنُ أبي عاصم في الآحاد والمثاني عن هدبة بن خالد، والطحاويُّ في معاني الآثار من طريق أبي الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، والطبرانيُّ في الكبير من طريق حجاج بن المنهال، والبيهقيُّ من طريق سليمان بن حرب، خمستهم عن حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان مولى عائشة عن أم سلمة أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر ركعتين في بيتي، فقلت: يا رسول الله، ما هاتان الركعتان؟!. فقال: “كنت أصليهما بعد الظهر، فجاءني مال فشغلني، فصليتهما بعد العصر”. وسنده جيد.
ورواه ابن أبي شيبة والطحاوي في معاني الآثار والطبراني في الكبير من طرق عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أم سلمة أنها قالت: شُغل النبي صلى الله عليه وسلم عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر. [طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله مدني نزل الكوفة، صدوق فيه لين ولد سنة 61 ومات سنة 148]. فهذا الطريق لا بأس به في المتابعات.
ـ وأما حديث عائشة الذي روته في سنة 50 أو ما قبلها فإنه كان في ولاية معاوية في وقتٍ كان قد قدم فيه إلى المدينة، وذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن معاوية قدم إلى المدينة في السنوات التالية: 41، 44، 50.
وهذا الحديث رُوي عنها من طريق كريب مولى ابن عباس وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعبد الله بن الحارث بن نوفل وعبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب:
ـ فأما طريق كريب فرواه البخاري ومسلم والدارمي وأبو داود وأبو عوانة وابن حبان عنه أن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر أرسلوه إلى عائشة فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر، وقل لها إنا أخبِرنا عنك أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنهما. قال كريب: فدخلت على عائشة فبلغتها ما أرسلوني به، فقالت: سل أم سلمة. فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة، فقالت أم سلمة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما، ثم رأيته يصليهما، فسألته عنهما، فقال لي: “يا بنت أبي أمية، سألتِ عن الركعتين بعد العصر، وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان”.
ـ وأما طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن فرواه الشافعي وعبد الرزاق والطحاوي في معاني الآثار عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة، فبينا هو على المنبر إذ قال: يا كثير بن الصلت، اذهب إلى عائشة فسلها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر. قال أبو سلمة: فذهبتُ معه إلى عائشة، وبعث ابنُ عباس عبدَ الله بن الحارث بن نوفل معنا، فأتى عائشةَ فسألها عن ذلك، فقالت له: لا علم لي، ولكن اذهب إلى أم سلمة فسَلْها. فذهبتُ معه إلى أم سلمة، فسألها، فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بعد العصر، فصلى ركعتين لم أكن أراه يصليهما، فسألته، فقال: “إني كنت أصلي ركعتين بعد الظهر، وإنه قدم علي وفد بني تميم فشغلوني عنهما، فهما هاتان الركعتان”. [عبد الله بن أبي لبيد وثقه جماعة من الأئمة، وقال العُقيلي: يخالف في بعض حديثه]. ولا مخالفة هنا، فهذا إسناد جيد.
ـ وأما طريق عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فرواه ابن حنبل من طريق عبيد الله بن عبد الله بن موهب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عنه، وفيه: فقالت عائشة: أخبرتني أم سلمة. فقالت أم سلمة: يغفر الله لعائشة، لقد وضعتْ أمري على غير موضعه، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر وقد أتِي بمال، فقعد يقسمه حتى أتاه المؤذن بالعصر، فصلى العصر، ثم انصرف إلي وكان يومي، فركع ركعتين خفيفتين، فقلت: ما هاتان الركعتان يا رسول الله؟، أمِرتَ بهما؟!. فقال: “لا، ولكنهما ركعتان كنت أركعهما بعد الظهر، فشغلني قسْم هذا المال حتى جاءني المؤذن بالعصر، فكرهت أن أدعهما”. وقالت أم سلمة: ما رأيته صلاهما قبلها ولا بعدها.
[عبيد الله بن عبد الله بن موهب وثقه ابن حبان توثيقا في كتاب الثقات وفي مشاهير علماء الأمصار، ولم يتكلم فيه شعبة، إنما تكلم في ابنه يحيى، والذي قال عنه الإمام أحمد “أحاديثه مناكير” هو ولده يحيى. فلا ينزل عبيد الله عن مرتبة الصدوق. أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مدني ثقة مات سنة 94. عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مدني ثقة مات سنة 43]. فهذا إسناد جيد.
ـ وأما طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فرواه ابن حنبل عن عبد الله بن نمير عن طلحة بن يحيى بن طلحة عنه أن معاوية أرسل إلى عائشة يسألها هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر شيئا؟، فقالت: أما عندي فلا، ولكن أم سلمة أخبرتني أنه فعل ذلك، فأرسلْ إليها فاسألها. فأرسل إلى أم سلمة، فقالت: نعم، دخل علي بعد العصر فصلى سجدتين، فقلت: يا نبي الله، أنزِل عليك في هاتين السجدتين؟!. فقال: “لا، ولكن صليت الظهر فشُغلت، فاستدركتهما بعد العصر”. [عبد الله بن نمير كوفي ثقة مات سنة 199. طلحة بن يحيى بن طلحة مدني صدوق فيه لين مات سنة 148. عبيد الله بن عبد الله بن عتبة مدني ثقة مات سنة 98]. فهذا الإسناد فيه لين، ولا بأس به في المتابعات.
ـ وأما طريق عبد الله بن الحارث بن نوفل فرواه ابن أبي شيبة وابن ماجه من طرق عن يزيد بن أبي زياد عنه أنه قال: دخلت مع ابن عباس على معاوية، فأجلسه معاوية على السرير ثم قال له: ما ركعتان يصليهما الناس بعد العصر لم نر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما ولا أمر بهما؟!. فقال: ذلك ما يفتي به الناسَ ابن الزبير. فأرسلَ إلى ابن الزبير فسأله، فقال: أخبرتني ذلك عائشة. فأرسلَ إلى عائشة فقالت: أخبرتني ذلك أم سلمة. فأرسلَ إلى أم سلمة، فانطلقتُ مع الرسول، فسألَ أم سلمة فقالت: يرحمها الله، ما أرادت إلى هذا؟!، فقد أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر ثم دخل منزلي فصلى ركعتين، فلما فرغ قلت: ما الركعتان رأيتك تصليهما بعد العصر لم أرك تصليهما؟!. فقال: “شغلني أمر الساعي، لم أكن صليتهما بعد الظهر فصليتهما”.
[يزيد بن أبي زياد كوفي، قال فيه ابن حبان: كان صدوقا إلا أنه لما كبر ساء حفظه وتغير، وكان يُلقن ما لـُقن، فوقعت المناكير في حديثه، فسماع من سمع منه قبل التغير صحيح، ولد سنة 47، ومات سنة 136. عبد الله بن الحارث بن نوفل مدني ثقة مات سنة 84]. فهذا الإسناد ضعيف، ولا بأس به في المتابعات.
ـ وأما طريق عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب فرواه الطحاوي في معاني الآثار من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عنه أن معاوية أرسل إلى عائشة يسألها عن السجدتين بعد العصر فقالت: ليس عندي صلاهما، ولكن أم سلمة حدثتني أنه صلاهما عندها. فأرسلَ إلى أم سلمة فقالت: صلاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي لم أره صلاهما قبل ولا بعد، فقلت: يا رسول الله ما سجدتان رأيتك صليتهما بعد العصر ما صليتهما قبل ولا بعد؟!. فقال: “هما سجدتان كنت أصليهما بعد الظهر، فقدم علي قلائص من الصدقة، فنسيتهما حتى صليت العصر، ثم ذكرتهما، فكرهت أن أصليهما في المسجد والناس يروني، فصليتهما عندك”. [عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب بيض له البخاري وابن أبي حاتم]. فهذا الإسناد ضعيف، ولا بأس به في المتابعات.
ـ هذه الروايات الستة تشير أو تصرح بأن عائشة رضي الله عنها لم يكن عندها علم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم للركعتين بعد العصر في ذلك الوقت.
وروى بقي بن مخلد في مسنده ـ كما في فتح الباري لابن رجب ـ عن محمد بن مصفى، والطبرانيُّ في مسند الشاميين من طريق علي بن بحر، كلاهما عن بقية بن الوليد أنه قال: حدثني محمد بن زياد قال: سمعت عبد الله بن أبي قيس يقول: سألت عائشة عن الركعتين بعد العصر فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركعهما قبل الهاجرة، فسها عنهما، فركعهما بعد العصر، لم يركعهما قبلها ولا بعدها. وهذا إسناد جيد. قوله “قبل الهاجرة” هكذا هي في هذه الرواية، ولعلها “بعد الهاجرة”.
والظاهر أن هذا كان من عائشة رضي الله عنها قبل أن يقع لها النسيان.
* ـ ورُوي حديث استحباب الركعتين بعد العصر عن جماعة من الصحابة، منهم أبو موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود وزيد بن خالد الجهني وتميم الداري وعائشة في أواخر العمر:
ـ فأما حديث أبي موسى الأشعري فرواه ابن حنبل من طريق أبي دارس عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد العصر.
[أبو دارس إسماعيل بن دارس قال الذهبي في الميزان: ضعفه ابن معين. وقال أبو حاتم: شيخ ليس بمعروف. ونقل ابن أبي حاتم عن ابن معين أنه قال فيه: إنما يروي حديثا واحدا، ليس به بأس. وذكره ابن حبان في الثقات]. فالسند لين.
ـ وأما حديث ابن مسعود فرواه ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه عن يوسف بن يعقوب بن خالد النيسابوري عن إسحاق بن إبراهيم الصواف عن بدل عن عبد الملك بن الوليد بن معدان الضبعي عن عاصم بن بهدلة عن زر عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين قبل الفجر وفي الركعتين بعد صلاة العصر بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد.
[يوسف بن يعقوب بن خالد لم أجد له ترجمة. إسحاق بن إبراهيم الصواف ضعيف. بدل بن المحبر بصري ثقة فيه لين. عبد الملك بن الوليد بن معدان الضبعي بصري ضعيف منكر الحديث]. فهذا إسناد شديد الضعف.
ـ وأما حديث زيد بن خالد الجهني فرواه الطبراني في الكبير من طريق ابن جريج عن أبي سعيد الأعمى عن السائب بن يزيد عن زيد بن خالد الجهني أنه قال لعمر بن الخطاب في الركعتين بعد العصر: لا أدعهما بعد ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما. ورواه الطحاوي في معاني الآثار من طريق ابن جريج عن أبي سعد الأعمى به نحوه. [أبو سعيد أو أبو سعد الأعمى مجهول]. فهذا الإسناد شديد الضعف.
ـ وأما حديث تميم الداري فرواه ابن حنبل والطبراني في الكبير من طريقين عن عروة بن الزبير أنه قال: خرج عمر على الناس يضربهم على السجدتين بعد العصر، حتى مر بتميم الداري، فقال: لا أدعهما، صليتهما مع من هو خير منك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: إن الناس لو كانوا كهيئتك لم أبالِ. وعلقه الذهبي في تاريخ الإسلام عن خالد بن عبد الله الطحان الواسطي عن بيان بن بشر عن وبرة بن عبد الرحمن به نحوه.
عروة بن الزبير ولد سنة 23 أو 29 ومات سنة 94، وروايته عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي مات سنة 55 مرسلة، فروايته عن تميم الداري الذي مات سنة 40 مرسلة من باب أولى. ووبرة بن عبد الرحمن كوفي مات سنة 116، ووَفَيَات شيوخه كانت في هذه السنوات: 65، 68، 73، 74، 95، 99، 110، 114، 121، فروايته عن تميم الداري كذلك مرسلة. فالسند مرسل ضعيف.
ـ وأما حديث عائشة رضي الله عنها في أواخر العمر فقد روى البخاري ومسلم وابن حنبل والنسائي والطحاوي في معاني الآثار عن عروة عنها أنها قالت: ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجدتين بعد العصر عندي قط.
ورواه البخاري ومسلم من طريق الأسود بن يزيد بن قيس ومسروق بن الأجدع، ورواه البخاري من طريق عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما وأيمن الحبشي المكي، ورواه مسلم من طريق طاوس، ورواه الطحاوي في معاني الآثار ومشكل الآثار من طريق شريح بن يزيد، كلهم عن عائشة به نحوه.
ورواه مسلم والنسائي وابن خزيمة وأبو عوانة من طريق محمد بن أبى حرملة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر فقالت: كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شُغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.
وروى مسلم والبيهقي من طريق طاوس عن عائشة أنها قالت: وهِم عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتحرى طلوع الشمس وغروبها.
واعترض ابن رجب في فتح الباري على من يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى صلاة أثبتها فقال: في هذا نظر، فإنه لما فاته صلاة الصبح بالنوم وقضاها نهارا لم يداوم على مثل تلك الصلاة كل يوم، وكذلك لما قضى صلاة العصر يوم الخندق.
ـ وما روته عائشة رضي الله عنها من أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك السجدتين بعد العصر عندها قط هو غير صحيح، لأنه يعارضه ما هو أصح منه من حديث ابن عمر وأم حبيبة وعائشة نفسها:
ـ فأما حديث ابن عمر فرواه البخاري ومسلم من طريق نافع عن ابن عمر أنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر، وسجدتين بعد الظهر، وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العشاء، وسجدتين بعد الجمعة، فأما المغرب والعشاء ففي بيته، وحدثتني أختي حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين بعد ما يطلع الفجر.
في هذا دليل على اهتمام ابن عمر بمعرفة الركعات الرواتب التي كان رسول الله صلى الله عليه يحافظ عليها ولو في بيته، ومعرفتُه لِما كان يصليه رسول الله في بيته هو مما يكون في بيت أخته حفصة، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد العصر في بيته لعلمه عبد الله بن عمر، لأنه لا يُعقل أن يصليهما رسول الله في بيت عائشة ولا يصليهما في بيت حفصة!.
ـ وأما حديث أم حبيبة فرواه مسلم وابن حنبل وأبو داود وابن خزيمة من طريق داود بن أبي هند عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها قال: “من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُني له بهن بيت في الجنة”.
ورواه ابن راهويه والترمذي وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام من طريق سفيان الثوري، وعبدُ بن حميد عن النضر بن شميل عن إسرائيل بن يونس، كلاهما عن أبي إسحاق عن المسيب بن رافع عن عنبسة بن أبي سفيان به، بزيادة “أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الصبح”. وله طرق فيها اختلاف، لكن قال الترمذي عن الحديث بعد روايته من هذا الطريق: حسن صحيح.
ـ وأما حديث عائشة نفسها فرواه مسلم وابن راهويه وابن حنبل وأبو داود والترمذي ومحمد بن نصر في قيام الليل وابن خزيمة والسراج في حديثه وأبو عوانة وابن حبان من سبعة طرق عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق أنه قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تطوعه فقالت: كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلي بالناس العشاء، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين. هذه رواية صحيح مسلم، وكلهم لم يذكروا في الرواية ركعات مسنونة مع صلاة العصر.
ـ فهذه هي الركعات المؤكدة التي كان يصليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي روتها عائشة نفسها وغيرها من الصحابة، ليس فيها ركعتان بعد العصر، ومن وقف على هذه الروايات علم أن حديث عائشة في إثبات الركعتين بعد العصر هو من الأوهام.
* ـ ورُوي استحباب الركعتين بعد العصر عن جماعة من الصحابة موقوفا عليهم، منهم علي بن أبي طالب وأبو أيوب الأنصاري وعبد الله بن عمر وأبو الدرداء:
ـ فأما حديث علي رضي الله عنه فرواه ابن أبي شيبة من طريق إسرائيل، والبيهقيُّ من طريق شعبة، كلاهما عن أبي إسحاق السَبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي أنه صلى بفسطاطه ركعتين بعد العصر. [أبو إسحاق السَبيعي كوفي ثقة ربما دلس الإسناد واختلط بآخره، ورواية شعبة عنه جيدة. عاصم بن ضمرة كوفي صدوق فيه لين]. فهذا الإسناد لا يُعتمد عليه، ولو صح سنده فيحتمِل أنه شُغل عن الركعتين اللتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، كما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم.
وروى الطحاوي في معاني الآثار من طريق ابن شهاب عن حزام بن دراج أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سبح بعد العصر ركعتين بطريق مكة، فدعاه عمر فتغيظ عليه وقال: والله لقد علمتَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عنهما.
وروى أبو داود من طريق وهب بن الأجدع عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة. [وهب بن الأجدع وثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات، وهما من المتساهلين]. فهذا الإسناد لا يُعتمد عليه، والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس.
وروى أبو داود والطحاوي في معاني الآثار من طريقين عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر. وهذا إسناد لين، ولكن المتن متوافق مع الروايات الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم.
ـ وأما حديث أبي أيوب الأنصاري فرواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أن أبا أيوب كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر، فلما استُخلف عمر تركهما، فلما توفي ركعهما، فقيل له: ما هذا؟. فقال: إن عمر كان يضرب الناس عليهما. هذا الطريق فيه شبهة الانقطاع بين طاوس وأبي أيوب، فهو ضعيف.
[لم يذكر المزي في تهذيب الكمال رواية طاوس عن أبي أيوب، وطاوس يمني كان ينزل الجَنَد باليمن، وحج أربعين حجة، وأبو أيوب الأنصاري لم يزل غازيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مع علي في العراق، ولم يقعد عن الغزو في زمان عمر وعثمان ومعاوية، حتى توفي في بعض غزواته بالقسطنطينية سنة 51. وقد سئل يحيى بن معين: سمع طاوس من عائشة؟. فقال: لا أراه. وماتت عائشة سنة 58 بعد أبي أيوب بسبع سنين].
ورواه أبو أحمد الحاكم في فوائده وابن عساكر عن أبي عمرو محمد بن القاسم بن سنان الدقاق عن هارون بن زياد الحنائي عن الحارث بن عمير عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين أن أبا أيوب كان يصلي بعد العصر ركعتين، فنهاه زيد بن ثابت، فقال: إن الله لا يعذبني على أن أصلي، ولكن يعذبني على أن لا أصلي. فقال: إني آمرك بهذا وأنا أعلم أنك خيرٌ مني، ما عليك بأس أن تصلي ركعتين بعد العصر، ولكني أخاف أن يراك من لا يعلم فيصلي في الساعة التي حرم الله فيها الصلاة.
[أبو عمرو محمد بن القاسم بن سنان الدقاق لم أجد له ترجمة. هارون بن زياد الحنائي المصيصي صدوق فيه لين، ذكره ابن حبان في الثقات وقال: يغرب. وقال الدارقطني: ليس به بأس. الحارث بن عمير بصري قال فيه ابن حجر: وثقه الجمهور، في أحاديثه مناكير ضعفه بسببها الأزدي وابن حبان وغيرهما، فلعله تغير حفظه في الآخر]. فهذا الطريق شديد الضعف.
[وزيادة على ذلك فإن القرائن تدل على أن ابن سيرين لم يلق أبا أيوب المتوفى سنة 51 ولا زيد بن ثابت المتوفى سنة 45، فقد ذكر أبو حاتم أن روايته عن كعب بن عجرة مرسلة، وقد مات كعب بعد سنة 50، وذكر أبو حاتم كذلك أنه لم يسمع من عائشة شيئا، وماتت عائشة سنة 58، وقال ابن حنبل وعلي بن المديني لم يسمع من ابن عباس، ومات ابن عباس سنة 68، ثم إن المزي لم يذكر له في تهذيب الكمال رواية عن أبي أيوب].
ـ وأما حديث ابن عمر فرواه أبو داود والبيهقي من طريق شعبة عن أبي شعيب عن طاوس أن ابن عمر رخص في الركعتين بعد العصر.
قال يحيى بن معين: أبو شعيب الذي روى عن طاوس عن ابن عمر مشهور بصري. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهذا الإسناد ضعيف.
ـ وأما حديث أبي الدرداء فرواه الطبراني في الكبير من طريق علي بن الجعد عن شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الله بن يزيد أو زيدٍ عن جبير بن نفير أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمير بن سعد الأنصاري وهو على حمص ينهى الناس أن يصلوا ركعتين بعد العصر، فقال أبو الدرداء: أما أنا فلا أدعهما، فمن شاء أن ينحَضِج فلينحضج. معناه: من شاء أن ينشقَّ من الغيظ فلينشقّ.
وعلقه ابن حزم عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الله بن يزيد عن جبير بن نفير به. [عبد الله بن يزيد لم أجد له ترجمة]. فهذا السند ضعيف.
* ـ هل يصح حمل ما قالته السيدة عائشة في محافظة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاة ركعتين بعد العصر على أنه من الخصائص؟:
يرى بعض شراح الحديث ثبوت ما قالته السيدة عائشة من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد صلاة العصر، وأن هذا لا يتعارض مع نهيه عن الصلاة بعد العصر، إذ يمكن حمله على أنه من خصائصه.
لكن هذا يتعارض مع سياق الروايات الثابتة في عدِّ ركعات الصلوات المؤكدة، ومنها الرواية الثابتة عن عائشة نفسها في وصف ركعات السنن التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحافظ عليها والتي لم تذكر فيها أن لصلاة العصر سنة راتبة.
قد يحتج بعضهم بما رواه ابن حنبل وأبو يعلى والطحاويُّ في معاني الآثار من طرق عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن أم سلمة أنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها!. فقال: “قدمَ علي مال فشغلني عن ركعتين كنت أركعهما بعد الظهر فصليتهما الآن”. فقلت: يا رسول الله، أفنقضيهما إذا فاتتا؟. قال: “لا”. ففي هذا ـ إن ثبت ـ إشارة إلى أنه من الخصائص.
أقول: جاء في آخر هذه الرواية أن أم سلمة قالت يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا؟ فقال لا، وهذه زيادة في الحديث ضعَّفها البيهقي في معرفة السنن والآثار، وأراها غير ثابتة، فالذي بُني عليها غير صحيح.
وجه تضعيف هذه الزيادة هو أنه قد تقدم في حديث أم سلمة رضي الله عنها أن خمسة من الرواة رووه عن حماد بن سلمة به دون الزيادة، ولم أقف عليها من غير طريق يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة، وقد أشار عدد من أئمة المحدثين إلى أن حمادا وقع في حفظه شيء من الأوهام، فلعله وهِم عندما حدَّث يزيدَ بن هارون بهذا الحديث، وما رواه خمسة عن حماد أولى بالقبول مما تفرد به واحد عنه.
* ـ الخلاصة:
صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة بعد العصر من طريق جماعة من الصحابة.
لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد العصر شيئا من النوافل.
ثبت أنه صلى ركعتين بعد العصر مرة واحدة قضاء عن الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الظهر واللتين شُغل عنهما في ذلك اليوم.
ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت “ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجدتين بعد العصر عندي قط”، وهو محمول على أنها قالته في أواخر العمر إذ أصابها شيء من النسيان، ولم يثبت عن غيرها من الصحابة لا مرفوعا ولا موقوفا. والله أعلم.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 2/ 10/ 1439، الموافق 16/ 6/ 2018، والحمد لله رب العالمين.