حديث “اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه”

حديث “اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه”

هذا حديث دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورواه عدد من الرواة عن مجموعة من الصحابة الذين سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه عنهم عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبو الطُفيل وزاذان أبو عمر، وكذا أبو إسحاق السَبيعي عن بعض التابعين عنهم، ورُوي كذلك عن زيد بن أرقم وسعد بن أبي وقاص والبراء بن عازب وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم مرفوعا.
* ـ فأما حديث ابن أبي ليلى عن مجموعة من الصحابة فرواه البزار [632] عن يوسف بن موسى، والمحامليُّ في أماليه [133] من طريق عبد الأعلى بن واصل، والخطيبُ البغدادي في تالي تلخيص المتشابه [53] من طريق محمد بن الحسين بن أبي الحُنَيْن، ثلاثتهم عن مالك بن إسماعيل عن جعفر الأحمر عن يزيد بن أبي زياد وعن مسلم بن سالم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: سمعت عليا يَنْشُد الناسَ، يقول: أَنْشُد امرءا مسلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خُمٍّ إلا قام. فقام اثنا عشر رجلا فقالوا: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد علي ثم قال: «أيها الناس، ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟!”. قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «اللهم من كنت مولى له فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه».
ورواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند [961] وأبو يعلى [567] وأبو نُعيم في تاريخ أصبهان [2/ 198، 276] والخطيب البغدادي في المتفق والمفترق [1117] وابن عساكر في تاريخ دمشق [42/ 206] من طريقين آخرين عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به.
[يوسف بن موسى كوفي رازي بغدادي، صدوق ثقة مات سنة 253. عبد الأعلى بن واصل كوفي صدوق ثقة مات سنة 247. محمد بن الحسين بن أبي الحُنَيْن كوفي صدوق ثقة مات سنة 277. أبو غسان مالك بن إسماعيل كوفي ثقة مات سنة 217. جعفر بن زياد الأحمر كوفي صدوق مات سنة 167. يزيد بن أبي زياد كوفي ضعيف مات سنة 136. ومسلم بن سالم النهدي كوفي صدوق. عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني ثم الكوفي من كبار التابعين، ثقة مات سنة 83]. فهذا الطريق جيد.
* ـ وأما حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة عن مجموعة من الصحابة فرواه ابن حنبل في المسند [19302] وفي فضائل الصحابة [1167] عن حسين بن محمد وأبي نُعيم، والبزارُ [492] عن يوسف بن موسى ومحمد بن عثمان بن كرامة عن عبيد الله بن موسى، والنَسائيُّ في السنن الكبرى [8424] عن أبي داود الحراني عن محمد بن سليمان، والطحاويُّ في مشكل الآثار [1762] من طريق مصعب بن المقدام، وابنُ حبان في صحيحه [6931] عن عبد الله بن محمد الأزدي عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي نُعيم ويحيى بن آدم، ستتهم عن فِطْر بن خليفة عن أبي الطُفيل أنه قال: جمعَ عليٌّ رضي الله عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئٍ مسلمٍ سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم ما سمع لَـمَا قام. فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟». قالوا: نعم يا رسول الله. قال: «من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه».
[حسين بن محمد بن بهرام المَرُّوذي ثقة مات سنة 214. أبو نعيم الفضل بن دكين كوفي ثقة مات سنة 218. عبد الله بن محمد الأزدي هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيرويه، نيسابوري، وصفه الذهبي بالإمام الحافظ الفقيه، مات سنة 305. إسحاق بن إبراهيم ابن راهويه المَرْوَزي النيسابوري ثقة مات سنة 238. يحيى بن آدم كوفي ثقة مات سنة 203. فطر بن خليفة كوفي ثقة فيه لين، مات سنة 155. أبو الطفيل عامر بن واثلة من صغار الصحابة، وثقه ابن سعد وابن حنبل، مات سنة 110، وهو آخر الصحابة وفاة]. فهذا الطريق جيد في المتابعات والشواهد.
الرَحْبَة أو الرَحَبَة: البقعة المتسعة بين أفنية القوم.
* ـ وأما حديث زاذان أبي عمر عن مجموعة من الصحابة فرواه ابن حنبل في فضائل الصحابة [991] عن عبد الله بن نُمير، وأبو نعيم في معرفة الصحابة [7213] عن أبي عمرو ابن حمدان عن الحسن بن سفيان عن عمار بن خالد عن إسحاق الأزرق، كلاهما عن عبد الملك عن أبي عبد الرحيم الكِندي عن زاذان أبي عمر أنه قال: سمعت عليا في الرحبة وهو ينشد الناس.
[عبد الله بن نُمير كوفي ثقة مات سنة 199. أبو عمرو بن حمدان هو محمد بن أحمد بن حمدان، الحِيري النيسابوري، ثقة مُعَمَّر، مات سنة 376. الحسن بن سفيان النَسَوي ثقة مات سنة 303. عمار بن خالد واسطي صدوق ثقة مات سنة 260. إسحاق بن يوسف الأزرق أبو محمد، واسطي ثقة فيه لين مات سنة 195. عبد الملك بن أبي سليمان كوفي ثقة فيه لين مات سنة 145. أبو عبد الرحيم أو أبو عبد الرحمن سَلْم بن عبد الرحمن النَخَعي كوفي صدوق ثقة. زاذان أبو عمر الكندي كوفي ثقة فيه لين مات سنة 82]. فهذا الطريق جيد في المتابعات والشواهد.
* ـ وأما حديث أبي إسحاق السَبيعي عن بعض التابعين عن مجموعة من الصحابة فرواه ابن حنبل في فضائل الصحابة [1022] عن محمد بن جعفر عن شعبة، والآجُرِّيُّ [1542] عن أبي بكر بن أبي داود عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر عن شعبة، والنَسائيُّ في السنن الكبرى [8430] عن علي بن محمد بن علي عن خَلَف عن إسرائيل، وعبدُ الله بن أحمد في زوائد المسند [951] عن علي بن حكيم عن شريك، عن أبي إسحاق عن عمْرٍو ذي مُرٍّ أنه قال: نشدَ عليٌّ الناسَ. الحديثَ.
[محمد بن جعفر بصري ثقة مات سنة 193. شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة مات سنة 160. وعلي بن محمد بن علي المَصِّيصي صدوق ثقة. خلف بن تميم كوفي نزل المَصِّيصة صدوق ثقة مات سنة 206 أو بعدها. إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السَبيعي كوفي ثقة مات سنة 161. علي بن حكيم كوفي صدوق ثقة مات سنة 131. شريك بن عبد الله النخعي كوفي صدوق تغير حفظه بعدما ولي القضاء، ولد سنة 90 ومات سنة 177، وولي القضاء سنة 155. أبو إسحاق السَبيعي عمْرُو بنُ عبد الله بن عبيد كوفي ثقة معمَّر اختلط بآخره، مات سنة 127، وسماع شعبة منه قبل الاختلاط. عمْرٌو ذو مُرٍّ أو عمْرُو بنُ ذي مُرٍّ ضعيف مات سنة 74، وقال فيه ابن حجر مجهول]. هذا الإسناد ثابت عن عمْرِو بنِ ذي مُرٍّ، لكنَّ عَمْرًا هذا ضعيف، فهذا الطريق ضعيف.
ـ هذا الطريق مروي عن أبي إسحاق السَبيعي عن عمْرِو بنِ ذي مُرٍّ، وهذا ضعيف، وهو مروي كذلك من طريق الثقات عن أبي إسحاق عن راويين آخرين، أحدهما سعيد بن وهب، وهذا ثقة، والآخَر زيد بن يُثَيْع، وهذا وثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات، لكني آثرتُ هنا أن أقتصر على روايته من طريق الراوي الضعيف.
ـ خلاصة القول في الإسناد من هذه الطرق الأربعة:
هذا الحديث مروي من أربعة طرق عن تلك المجموعة من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد تلك الطرق جيد، واثنان منها جيدان في المتابعات والشواهد، وواحد منها ضعيف، فهو بمجموع هذه الطرق صحيح ثابت عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
* ـ وأما حديث زيد بن أرقم فقد رُوي عنه من طريق أبي الطفيل وأُنيسة بنت زيد وأبي الضحى مسلم بن صُبيح وعطية العوفي:
ـ فأما طريق أبي الطفيل عنه فله طريقان:
الأول منهما رواه ابن حنبل [19302] عن حسين بن محمد، والنَسائيُّ في الكبرى [8424] عن أبي داود سليمان بن سيف الحراني عن محمد بن سليمان الحراني، والطحاويُّ في مشكل الآثار [1762] من طريق مصعب بن المقدام، ثلاثتهم عن فطر عن أبي الطفيل أنه قال: جمع عليٌّ رضي الله عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم: أنشد اللهَ كلَّ امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم ما سمع لَمَا قام. فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذه بيده فقال للناس: «أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟». قالوا: نعم يا رسول الله. قال: «من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه». قال: فخرجتُ وكأن في نفسي شيئا، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت عليا رضي الله عنه يقول كذا وكذا، قال: فما تنكر؟!، قد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له.
[حسين بن محمد بن بهرام المَرُّوذي ثقة مات سنة 214. فطر بن خليفة كوفي ثقة فيه لين مات سنة 155. أبو الطفيل عامر بن واثلة من صغار الصحابة، وثقه ابن سعد وابن حنبل، مات سنة 110، وهو آخر الصحابة وفاة].
والثاني منهما رواه النَسائي في الكبرى [8092، 8410] والبزار [4298] عن محمد بن المثنى عن يحيى بن حماد عن أبي عوانة عن سليمان أنه قال حدثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم أنه قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدَوْحات فقُمِمْن، ثم قال: «إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن». ثم أخذ بيد علي فقال: «من كنت وليَّه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه». فقلت لزيد: سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. قال: «ما كان في الدوحات رجل إلا رآه بعينه وسمع بأذنه».
ورواه الطحاوي في مشكل الآثار [1765] عن النسائي به، ورواه الآجري [1523] والحاكم [4576] من طرق أخرى عن يحيى بن حماد به، ورواه البزار [4300] والطبراني في المعجم الكبير [4970] وأبو نُعيم في معرفة الصحابة [2966] من طرق عن شريك بن عبد الله النخعي عن الأعمش به.
[محمد بن المثنى بصري ثقة مات سنة 252. يحيى بن حماد بصري ثقة مات سنة 215. أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري واسطي ثقة مات سنة 176. سليمان بن مهران الأعمش كوفي ثقة قد يدلس الإسناد مات سنة 148، وقد صرح هنا بالتحديث. حبيب بن أبي ثابت كوفي ثقة قد يدلس الإسناد وقد يرسله، مات سنة 119. أبو الطفيل من صغار الصحابة، وثقه ابن سعد وابن حنبل، مات سنة 110]. فطريق أبي الطفيل عن زيد بن أرقم صحيح.
ـ وأما طريق أُنيسة بنت زيد بن أرقم عن أبيها فرواه الطبراني في المعجم الكبير [5128] عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن يوسف بن موسى القطان عن سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن حبيب بن زيد بن خلاد الأنصاري عن أُنيسة بنت زيد بن أرقم عن أبيها مرفوعا به.
[محمد بن عبد الله الحضرمي ثقة مات سنة 297. يوسف بن موسى القطان كوفي صدوق ثقة مات سنة 253. سلمة بن الفضل رازي معمَّر، صدوق فيه لين مات سنة 191. محمد بن إسحاق بن يسار مدني صدوق قد يدلس الإسناد، مات سنة 151. حبيب بن زيد بن خلاد الأنصاري مدني صدوق مات قرابة سنة 125. أُنيسة بنت زيد بن أرقم ذكرها ابن حبان في الثقات]. فهذا الطريق لين.
ـ وأما طريق أبي الضحى مسلم بن صُبيح عن زيد بن أرقم فرواه الطبراني في المعجم الكبير [4983] عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن إسماعيل بن موسى السُدِّيِّ عن علي بن عابس عن الحسن بن عبيد الله عن أبي الضحى عن زيد بن أرقم مرفوعا به.
[محمد بن عبد الله الحضرمي ثقة مات سنة 297. إسماعيل بن موسى السُدِّيِّ كوفي صدوق مات سنة 245. علي بن عابس كوفي ضعيف. الحسن بن عبيد الله النخعي كوفي ثقة مات سنة 139. أبو الضحى مسلم بن صُبيح كوفي ثقة مات سنة 100]. فهذا الطريق ضعيف.
ـ وأما طريق عطية بن سعد العَوْفي عن زيد بن أرقم فرواه الطبراني في الكبير [5069] عن زكريا بن يحيى الساجي، والآجُرِّيُّ في كتاب الشريعة [1522] عن عبد الله بن العباس الطيالسي، كلاهما عن محمد بن موسى الحَرَشي عن عَثَّام بن علي عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطية العوفي عن زيد بن أرقم أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه». فأخذتُ أستزيده، فقال: إنما أنتهي حيث انتُهِيَ بي. وليس في رواية الآجُرِّيِّ قوله “فأخذتُ أستزيده فقال إنما أنتهي حيث انتُهِيَ بي”.
[زكريا بن يحيى الساجي بصري ثقة مات سنة 307. وعبد الله بن العباس الطيالسي لا بأس به. محمد بن موسى الحَرَشي صدوق فيه لين. عثام بن علي صدوق ثقة مات سنة 195. عبد الملك بن أبي سليمان كوفي ثقة فيه لين مات سنة 145. عطية بن سعد العوفي كوفي لين مات سنة 111]. فهذا الطريق ضعيف.
ـ خلاصة القول في الإسناد من هذه الطرق الأربعة:
هذا الحديث مروي من أربعة طرق عن زيد بن أرقم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد تلك الطرق صحيح، وواحد منها لين، واثنان منها ضعيفان، فهو بمجموع هذه الطرق صحيح ثابت عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إشكال وجواب:
قد يقول قائل: روى ابن حنبل هذا الحديث في مسنده [19279] وفي فضائل الصحابة [992] عن عبد الله بن نمير عن عبد الملك يعني ابن أبي سليمان عن عطية العوفي عن زيد بن أرقم أنه قال: كنا بالجُحْفة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلينا ظهرا وهو آخذٌ بعضد علي رضي الله عنه فقال: «يا أيها الناس، ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟!». قالوا: بلى. قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه». قال: فقلت له: هل قال “اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه”؟. قال: إنما أخبرك كما سمعتُ. أفلا يدل هذا على أن ما سمعه زيد بن أرقم من النبي صلى الله عليه وسلم هو قوله «من كنت مولاه فعلي مولاه» دون أي زيادة على هذا القول؟!.
أقول:
الإسناد المذكور هنا منقول من مسند ابن حنبل، وتوقفتُ عند هذه الرواية طويلا، ودلت القرائن عندي على أن هناك خللا ما.
راجعتُ إسناد الرواية في كتاب فضائل الصحابة لابن حنبل فوجدته هكذا: “حدثنا ابن نمير قال حدثنا عبد الملك عن عطية العوفي”.
فمَن القائل في مسند ابن حنبل “يعني ابن أبي سليمان”؟!، بعد كلمة “حدثنا عبد الملك”؟!. يحتمِل أن يكون القائلُ هو الإمامَ أحمدَ أو ولدَه عبدَ الله الذي روى الكتاب عن والده أو القطيعيَّ الذي روى نسخة المسند عن عبد الله بن أحمد.
وأيًّا ما كان الحال فهذا التفسير ليس ملزما لمن جاء بعدهم إلا إذا كان عبد الله بن نُمير لم يرو عمن اسمه عبد الملك إلا واحدا.
وهذا لا ينطبق على الحالة التي هي محل البحث هنا، وذلك لأننا لو راجعنا أسماء شيوخ ابن نمير لوجدنا أنه يروي عن اثنين ممن يُسمى عبدَ الملك، أحدهما عبد الملك بن أبي سليمان، والثاني عبد الملك بن سلع، والأول من هذين ثقة فيه لين، والثاني منهما ضعيف لم أجد فيه سوى أن ذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان ممن يخطئ.
إذا وقع التردد والشك في السند بين أمرين فمذهب الأئمة المتقدمين هو الاعتماد على أدناهما لا على أعلاهما، لأن الأقل هو المؤكد وما زاد فمشكوك فيه، وإذا كان ذلك كذلك فيجب أن نبني الدراسة على أن عبد الملك هنا هو عبد الملك بن سلع، وهو ضعيف، وبهذا يتبين أن إسناد هذه الرواية عند ابن حنبل ضعيف لا يُعتمد عليه.
حديث زيد بن أرقم جاء في روايتي الطبراني والآجُرِّيِّ بلفظ «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»، وجاء في رواية الطبراني أن الحديث انتهى عند قوله هذا، مما يعني أن زيد بن أرقم قد أثبت سماعه لهذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم ونفى كونه سمع منه زيادة على هذا. والحديث في روايتي الطبراني والآجُرِّيِّ ضعيف الإسناد لكن تؤيده الروايات السابقة عن زيد بن أرقم رضي الله عنه.
بينما جاء الحديث عن زيد بن أرقم في روايتي ابن حنبل بلفظ «من كنت مولاه فعلي مولاه»، وأن الحديث انتهى هنا، مما يعني أن زيد بن أرقم قد نفى كونه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول «اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»!. والحديث في روايتي ابن حنبل ضعيف الإسناد وهو بخلاف الروايات السابقة المروية عن صحابيِّه فهذا يعني أنه لا ينبغي أن يُلتفت إليه.
* ـ وأما حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فرواه النَسائي في السنن الكبرى [8427] والطحاوي في مشكل الآثار [1766] وضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة [1014] من طريقين عن محمد بن يحيى بن أبي عمر عن يعقوب بن جعفر بن أبي كثير، والنَسائيُّ في السنن الكبرى [8340، 8425، 8426] والطحاوي في مشكل الآثار [1767، 1768] من ثلاثة طرق ـ أحدها صحيح ـ عن موسى بن يعقوب الزَمْعي، كلاهما عن مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن سعد رضي الله عنه مرفوعا به.
[محمد بن يحيى بن أبي عمر العَدَني صدوق مات سنة 243. يعقوب بن جعفر بن أبي كثير مدني أحد أصحاب القراءات القرآنية، أخذ القراءة عن نافع، ومات قرابة سنة 195. موسى بن يعقوب الزمعي مدني صدوق فيه لين مات قرابة سنة 155. مهاجر بن مسمار مدني ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن سعد: ليس بذاك وهو صالح الحديث. وقال البزار: رجل مشهور صالح الحديث. ووثقه الذهبي في الكاشف. عائشة بنت سعد بن أبي وقاص وثقها العجلي وذكرها ابن حبان في الثقات]. فهذا الإسناد لين.
* ـ وأما حديث البراء بن عازب رضي الله عنه فرواه ابن أبي شيبة [32781] وابن حنبل في المسند [18479] وفي فضائل الصحابة [1016] عن عفان بن مسلم، وابنُ ماجه [116] من طريق أبي الحسين العُكْلي زيد بن الحباب، والآجُرِّيُّ في الشريعة [1524] والقطيعي في زوائد فضائل الصحابة [1042] من طريق حجاج بن مِنْهال، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب مرفوعا به.
[عفان بن مسلم بصري ثقة فيه لين مات سنة 220. وأبو الحسين العُكْلي زيد بن الحُبَاب كوفي صدوق ثقة فيه لين، مات سنة 203. وحجاج بن مِنْهال بصري ثقة مات سنة 217. حماد بن سلمة بصري ثقة فيه لين مات سنة 167. علي بن زيد ابن جُدعان المكي ثم البصري ضعيف مات سنة 131. عدي بن ثابت الأنصاري كوفي ثقة مات سنة 116]. فهذا إسناد ضعيف.
* ـ فائدة:
جاء في بعض طرق حديث «اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه»: زيادة ضعيفة الإسناد، هي قوله «وانصرْ من نصره واخذلْ من خذله»، فهي ليست من قول النبي صلى الله عليه وسلم.
* ـ إشكال وجواب:
قال ابن تيمية المتوفى سنة 728 سامحه الله: [هذا اللفظ وهو قوله «اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» كذبٌ باتفاق أهل المعرفة بالحديث]. [منهاج السنة النبوية: 7/ 55].
وقال: [نقلَ الأثرمُ في سننه عن أحمد أن العباس سأله عن حسين الأشقر وأنه حدَّث بحديثين: أحدهما قوله لعلي “إنك ستُعْرَض على البراءة مني فلا تتبرأ”، والآخَر “اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»، فأنكره أبو عبد الله جدا لم يشكَّ أن هذين كذب]. [منهاج السنة النبوية: 7/ 319].
فهل ضعَف الإمام أحمد ابن حنبل هذا الحديث؟!.
أقول:
هذا النقل الذي نقله ابن تيمية عن الأثرم مختزل وقع فيه اختصار أخلَّ بالمعنى، وقد نقل العُقيلي هذه الواقعة في ترجمة حسين بن حسن الأشقر من كتابه الضعفاء [297]، حيث روى عن إبراهيم بن عبد الوهاب عن أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم عن أبي عبد الله أحمد ابن حنبل أنه قال في حسين بن حسن الأشقر بعد ما اطلع على بعض مروياته: “ما هو بأهل أن يُحدَّث عنه”. [فقال له العباس بن عبد العظيم: حدَّثَ حسين الأشقر عن ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه عن حُجْر المَدَري أن عليا قال له: إنك ستُعرَضُ على سَبِّي فسُبَّني وتُعْرَضُ على البراءة مني فلا تتبرأ مني. فاستعظمه أبو عبد الله وأنكره، وقال العباس: وروى عن ابن عيينة عن ابن طاوس عن أبيه أنه قال: أخبرني أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه». فأنكره أبو عبد الله جدا وكأنه لم يشكَّ أن هذين كذب. وحكى العباس عن علي أنه قال: هذان كذب، ليس هذان من حديث ابن عيينة].
[أي: حكى العباسُ بن عبد العظيم عن علي بن المديني أنه قال ذلك القول].
[إبراهيم بن عبد الوهاب هو الأبزاري لم أجد له ترجمة، وقد روى عنه العُقيلي في كتابه الضعفاء ثلاث روايات عن الأثرم، ولعله مات قرابة سنة 285. أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم ثقة مات قرابة سنة 265. العباس بن عبد العظيم العنبري بصري ثقة مات سنة 246. حسين بن حسن الأشقر منكر الحديث مات سنة 208].
من الواضح أن تضعيف ابن حنبل وابن المديني رحمهما الله للروايتين اللتين بهذا الإسناد هو من أجل راويهما حسين الأشقر، وهو منكر الحديث، وتضعيف إسنادِ الحديث لا يلزمُ منه تضعيفُ المتن، فإذا كان للحديث إسناد آخَرُ صحيح فهو صحيح، وهذا هو واقع الحال في حديث «اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه».
ومن الواضح أن قول علي بن المديني رحمه الله عن ذينك الحديثين اللذين تقدم ذكرهما “هذان كذب ليس هذان من حديث ابن عيينة”: هو كذلك من حيث الإسناد.
أما المتن فهو صحيح ثابت كما تقدم، ولا يخفى ذلك على مثل ذينك الإمامين الكبيرين.
* ـ خلاصة البحث:
حديث دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله “اللهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه”: مرويٌّ عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد عن عدد من الصحابة، وإسناده عن مجموعة من الصحابة صحيح، وعن زيد بن أرقم صحيح، وعن سعد بن أبي وقاص لين، وعن البراء بن عازب ضعيف، فلا شك في أنه ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي ختام هذا المبحث أسأل الله تعالى القبول، وأن يوفقنا لدراسة تاريخنا في ضوء المرويات الثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 5 ربيع الأول 1446، الموافق 8/ 9/ 2024، والحمد لله رب العالمين.
تتميم للبحث:
الذي تعنيه كلمة المولاة هو المحبة والمودة والنصرة، وكان بين سيدنا علي رضي الله عنه وبين كبراء الصحابة كساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم محبة ومودة وتناصر، ويكفيك أن عليا رضي الله عنه كان له عدد من الأولاد، منهم عمر وعثمان ومحمد المُكَنَّى أبا بكر، وهو الأصغر، أي هو غير محمد الأكبر من أولاد علي. [وتسمية أولاده هنا هي من المصادر الشيعية].
ولو كان بين علي وبين أبي بكر وعمر وعثمان تنافر أو تباغض لما سمى بعض أولاده بأسمائهم.
شيعةُ سيدنا علي رضي الله عنه الأولون هم من أهل السنة الحقيقيين، الموالين للخلفاء الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وكبراءِ الصحابة الكرام رضي الله عنهم، فهم يوالونهم جميعا ولا يعادونهم.
أما من جاء بعدهم وخالف منهج علي رضي الله عنه وطريقتَه فليس من شيعته البارين.
اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين الذين يحبون حبيبك المصطفى عليه الصلاة والسلام ويحبون أحبابه وأولياءه وأنصاره ويعادون من يعاديه ويعادي أحبابه وأولياءه وأنصاره.