حديث “ويح عمار تقتله الفئة الباغية”
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، رب تمم بالخير، واختم لنا بالخير، بفضلك ومَنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
يتساءل كثير من الناس: هل قال النبي صلى الله عليه وسلم “ويح عمار تقتله الفئة الباغية”؟، وهل ثبت ذلك عنه حقا؟، وهل هذه اللفظة مروية في صحيح الإمام البخاري رحمه الله؟، وللإجابة عن هذه التساؤلات جاء هذه البحث.
* ـ رُوي هذا الحديث من رواية أبي سعيد الخدري وأبي قتادة الأنصاري وأم سلمة وعبد الله بن عمْرٍو وعمْرِو بنِ حزم وعمْرِو بنِ العاص وأبي هريرة وخزيمة بن ثابت، ومن مرسل عبد الله بن أبي الهُذيل وعمرو بن ميمون.
1 ـ فأما حديث أبي سعيد الخدري وأبي قتادة الأنصاري فإسناده هو من طريق أبي سعيد، وقد صرح أبو سعيد في بعض الروايات أنه سمعه من أبي قتادة وقال هو خير مني، وهذا من رواية صحابي عن صحابي، وقد رواه البخاري [447، 2812] عن مسدد عن عبد العزيز بن المختار وعن عبد العزيز بن موسى عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، والبيهقيُّ في دلائل النبوة [2/ 546، 547] من طريق آخر عن عبد العزيز بن المختار ومن طريق آخر عن عبد الوهاب بن عبد المجيد، ورواه ابنُ حنبل [11861] عن محبوب بن الحسن، وابنُ حنبل [11166] والنسائي في السنن الكبرى [8494] من طريق شعبة بن الحجاج، وابنُ حبان [7078، 7079] من طريق يزيد بن زُريع ومن طريق خالد بن عبد الله الطحان، والبيهقيُّ في دلائل النبوة [2/ 547] من طريق خالد بن عبد الله الطحان، ستتهم عن خالد بن مهران الحذاء عن عكرمة مولى ابن عباس عن أبي سعيد الخدري أنه حدثهم عن بناء المسجد فقال: كنا نحمل لَبِنَةً لبِنَةً وعمارٌ لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، فينفض التراب عنه ويقول: «ويح عمار، تقتله الفئة الباغية”.
وجاء في الرواية الأولى عند البخاري [447] وفي الرواية الأولى عند ابنِ حنبل [11861] وفي كلتا الروايتين عند ابنِ حبان: زيادةٌ في آخر الحديث، هي قوله عليه الصلاة والسلام: “يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار». وفي الرواية الثانية عند البخاري [2812]: “يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار».
ورواه مسلم [7426، 7427] وابن حنبل [22609، 22610] وابن أبي عاصم في كتاب الآحاد والمثاني [1870، 1871] والنسائي في السنن الكبرى [8495] من طريق شعبة عن أبي مسلمة سعيد بن يزيد، والطيالسيُّ [637، 2282] وابن سعد [3/ 252] وابن حنبل [11011] من طريقين عن داود بن أبي هند، كلاهما عن أبي نضرة المنذر بن مالك عن أبي سعيد الخدري به.
[خالد بن مهران الحذاء بصري ثقة فيه لين مات سنة 141، وقد روى عنه هذا الحديثَ ستة من الرواة. عكرمة مولى ابن عباس مدني ثقة فيه لين مات سنة 105].
[شعبة بن الحجاج واسطي بصري ثقة مات سنة 160. أبو مسلمة سعيد بن يزيد بصري ثقة. وداود بن أبي هند بصري ثقة فيه لين مات سنة 140. أبو نضرة المنذر بن مالك بصري ثقة فيه لين مات سنة 109]. فهذا الإسناد بطريقيه عن أبي سعيد الخدري صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ملحوظة:
يرى بعض الإخوة الباحثين أن قوله “تقتله الفئة الباغية” ليس ثابتا في النسخ الموثقة من صحيح البخاري!، وسيأتي في أواخر هذا البحث شيء من المباحثة عن هذه المسألة إن شاء الله.
2 ـ وأما حديث أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية فرواه مسلم [7430] والطيالسي [1703] وابن الجعد [1175] وابن سعد [3/ 251] وابن أبي شيبة [39006] وابن راهويه [1877، 1918] وابن حنبل [26563، 26482، 26680] والنسائي في السنن الكبرى [8217، 8491 ـ 8493] وأبو يعلى [1645، 6990، 7025]، والطبراني في المعجم الكبير [852 ـ 858 من الجزء 23] وابن حبان [6736، 7077]، من خمسة طرق عن الحسن بن أبي الحسن البصري، ورواه مسلمٌ [7428 ـ 7429] وابن حنبل [26650] والنسائي في السنن الكبرى [8490] والطبراني في المعجم الكبير [874 من الجزء 23] من طريق شعبة عن خالد الحذاء عن سعيد بن أبي الحسن البصري، كلاهما عن أمهما عن أم سلمة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تقتل عمارا الفئة الباغية”.
[الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة إمام قد يدلس الإسناد، مات سنة 110. سعيد بن أبي الحسن بصري ثقة مات سنة 108. خَيْرة والدة الحسن البصري كانت تخالط أم سلمة وتدخل عليها، وذكرها ابن حبان في الثقات]. فهذا إسناد حسن. وإنما قدمت حديث أم سلمة على ما بعده لأنه في صحيح مسلم.
3 ـ وأما حديث عبد الله بن عمْرٍو فرواه ابن سعد [3/ 253] وابن حنبل [6499، 6500، 6926، 6927] والنسائي في السنن الكبرى [8498 ـ 8500] وأبو يعلى [7351] والطبراني في المعجم الكبير [14245، 14246، 759 من الجزء 19] من طرق عن الأعمش عن عبد الرحمن بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عمرو مرفوعا به.
ورواه ابنُ سعد [3/ 253] وابن أبي شيبة [39000] وابن حنبل [6538، 6929] والنسائي في السنن الكبرى [8496] عن يزيد بن هارون، والبلاذريُّ في أنساب الأشراف [400] والطبراني في المعجم الكبير [14428] والآجُري في كتاب الشريعة [1975] من ثلاثة طرق عن هُشيم بن بشير، كلاهما عن العوام بن حوشب عن أسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد عن عبد الله بن عمرو مرفوعا به.
وهذه ألفاظ بعض روايات هذا الحديث:
رواه ابن حنبل [6499] عن أبي معاوية عن الأعمش عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الله بن الحارث أنه قال: إني لأسيرُ مع معاوية في منصرَفه من صفين، بينه وبين عمرو بن العاص، فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: يا أبتِ، ما سمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار «ويحك يا ابن سُمية تقتلك الفئة الباغية»؟!. فقال عمْرٌو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول هذا؟!. فقال معاوية: لا تزال تأتينا بهَنَةٍ!، أنحن قتلناه؟!، إنما قتله الذين جاؤوا به.
ورواه ابن حنبل [6538] وابن أبي شيبة [39000] عن يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب عن أسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد أنه قال: بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار، يقول كل واحد منهما أنا قتلته، فقال عبد الله بن عمرو: ليطبْ به أحدُكما نفْسًا لصاحبه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقتله الفئة الباغية».
[سليمان بن مهران الأعمش كوفي ثقة قد يدلس الإسناد، مات سنة 148. عبد الرحمن بن أبي زياد كوفي صدوق. عبد الله بن الحارث بن نوفل مدني ثقة مات سنة 84].
[يزيد بن هارون واسطي ثقة مات سنة 206. العوام بن حوشب واسطي ثقة مات سنة 148. أسود بن مسعود بصري صدوق. حنظلة بن خويلد صدوق]. فهذا إسناد صحيح بمجموع الطريقين.
وله طريق آخرُ ضعيف لا بأس به في المتابعات، هو ما رواه البزار [2368] عن عمرو بن علي ومحمد بن خلف عن المعتمر بن سليمان عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو مرفوعا به. ليث هو ابن أبي سُليم، وهو صدوق ثم اختلط جدا ولم يتميز حديثه.
4 ـ وأما حديث عمرو بن حزم فرواه عبد الرزاق [20427] عن معْمر بن راشد عن عبد الله بن طاوس عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أنه قال: لما قتِل عمار بن ياسر دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قتِل عمار، وقد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «تقتله الفئة الباغية». فقام عمرو يرجِّع فزِعًا، حتى دخل على معاوية، فقال له معاوية: ما شأنك؟!. فقال: قتِل عمار!. فقال له معاوية: قتِل عمار فماذا؟!. قال عمرو: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقتله الفئة الباغية». فقال له معاوية: دحضتَ في بولك، أنحن قتلناه؟!، إنما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتى ألقَوه تحت رماحنا.
ورواه ابن حنبل [17778] عن عبد الرزاق به، وأبو يعلى [7175، 7346] والبيهقي [17239] من طريق عبد الرزاق به.
يرجِّع: أي يقول إنا لله وإنا إليه راجعون. الدحْض: الزلَق. دَحَضتْ رجله: زَلِقت.
[معْمر بن راشد بصري ثقة فيه لين، مات سنة 154. عبد الله بن طاوس يماني ثقة مات سنة 132. أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم مدني ثقة مات سنة 117. والده محمد بن عمرو بن حزم مدني صدوق ثقة، ولد سنة 10 ومات سنة 63]. فهذا إسناد جيد.
5 ـ وأما حديث عمرو بن العاص فرواه ابن أبي شيبة [39031] وعنه أبو يعلى [7342]، عن يحيى بن آدم عن ورقاء بن عمر عن عمرو بن دينار عن زياد مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص مرفوعا به.
[يحيى بن آدم كوفي ثقة مات سنة 203. ورقاء بن عمر كوفي ثقة فيه لين مات قرابة سنة 165. عمرو بن دينار مكي ثقة مات سنة 126. زياد مولى عمرو بن العاص ذكره ابن حبان في الثقات]. فهذا الإسناد لا يُعتمد عليه.
ورواه عبد الرزاق [20427] ومن طريقه ابن حنبل [17778] وأبو يعلى [7175، 7346] بسند جيد عن عمرو بن العاص مرفوعا به، كما تقدم في الفقرة السابقة في حديث عمرو بن حزم. فهذا إسناد صحيح بمجموع الطريقين.
6 ـ وأما حديث أبي هريرة فرواه الترمذي [3800] عن أبي مصعب المديني عن عبد العزيز بن محمد الدَرَاوَرْدِي، والبزارُ [8337] وأبو يعلى [6524] عن أحمد بن المقدام العجلي عن عبد الله بن جعفر، كلاهما عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أبشر يا عمار، تقتلك الفئة الباغية”. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، غريب من حديث العلاء بن عبد الرحمن.
[أحمد بن أبي بكر أبو مصعب الزهري مدني صدوق مات سنة 242. عبد العزيز بن محمد الدَرَاوَرْدِي مدني صدوق فيه لين مات سنة 187. وأحمد بن المقدام العجلي بصري صدوق مات سنة 253. عبد الله بن جعفر بن نجيح مدني ضعيف منكر الحديث مات سنة 178. والعلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مدني صدوق ثقة فيه لين مات سنة 138. عبد الرحمن بن يعقوب مدني صدوق ثقة مات قرابة سنة 105]. فهذا الإسناد حسن في المتابعات والشواهد.
لذلك حكم الترمذي للحديث بأنه حسن صحيح، وحكم عليه من هذا الطريق بأنه غريب.
7 ـ وأما حديث خزيمة بن ثابت فرواه ابن أبي شيبة [39030] وابن حنبل [21873] والبغوي في معجم الصحابة [605] وأبو نُعيم في معرفة الصحابة [2364] من طرق عن أبي معشر عن محمد بن عُمَارة بن خزيمة بن ثابت أنه قال: ما زال جدي كافًّا سلاحه يوم صفين ويوم الجمل حتى قتِل عمار، فلما قتِل سلَّ سيفه وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “تقتل عمارا الفئة الباغية”. فقاتل حتى قتِل.
[أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي مدني ضعيف مات سنة 170. محمد بن عمارة بن خزيمة ذكره ابن حبان في الثقات]. فهذا إسناد ضعيف.
8 ـ وأما مرسل عبد الله بن أبي الهذيل فرواه الطيالسيُّ [684] عن شعبة، وابنُ سعد [240 ـ 241] عن عفان بن مسلم عن عبد الوارث بن سعيد، كلاهما عن أبي التيَّاح يزيد بن حُميد، ورواه ابن سعد [3/ 251] عن عبد الله بن نُمير عن الأجلح بن عبد الله، كلا الرجلين يزيد بن حُميد والأجلح عن عبد الله بن أبي الهذيل عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا.
ورواه البزار [1428] من طريق شريك بن عبد الله النخعي عن الأجلح بن عبد الله، والحارثُ بنُ أبي أسامة [1017] من طريق حماد بن سلمة عن أبي التياح، كلاهما عن عبد الله بن أبي الهذيل عن عمار بن ياسر مرفوعا، لكن هذين الطريقين بالوصل معلولان بما تقدم من الطريقين اللذين جاءا بالإرسال.
[شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة مات سنة 160. عفان بن مسلم بصري بغدادي ثقة مات سنة 219. عبد الوارث بن سعيد بصري ثقة مات سنة 180. أبو التيَّاح يزيد بن حُميد بصري ثقة مات سنة 128. وعبد الله بن نُمير كوفي ثقة مات سنة 199. الأجلح بن عبد الله كوفي صدوق فيه لين مات سنة 145. كلاهما عن عبد الله بن أبي الهذيل، وهو كوفي صدوق ثقة مات قرابة سنة 85]. فهذا إسناد صحيح إلى ابن أبي الهذيل، وهو تابعي يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، والمرسل ضعيف، لكنه لا بأس به في الشواهد.
عبد الله بن أبي الهذيل نصَّ عدد من الأئمة على أنه كان عثمانيا، ومثله لا يروي حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه فضيلة لعمار بن ياسر لو لم يسمعه من صحابي، فروايته لهذا الحديث هي قرينة تعضد روايته إياه وتقويها. والله أعلم.
ـ وأما مرسل عمرو بن ميمون فرواه ابن سعد [3/ 248] عن يحيى بن حماد عن أبي عوانة عن أبي بَلْج عن عمرو بن ميمون أنه قال: [أحرقَ المشركون عمار بن ياسر بالنار، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَمُرُّ به ويُمِرُّ يده على رأسه فيقول: «يا نار كوني بردا وسلاما على عمار كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية»].
[يحيى بن حماد بصري ثقة مات سنة 215. أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري واسطي صدوق ثقة مات سنة 176. أبو بَلْج يحيى بن سُليم بن بلج كوفي واسطي، صدوق ثقة فيه لين مات قرابة سنة 125. عمرو بن ميمون كوفي ثقة من كبار التابعين مات سنة 75]. فهذا إسناد جيد إلى عمرو بن ميمون، وهو تابعي يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، والمرسل ضعيف، لكنه لا بأس به في الشواهد.
* ـ أقوال بعض الأئمة رحمهم الله في صحة هذا الحديث؟:
ـ كان الإمامان يحيى بن معين المتوفى سنة 233 وعلي بن المديني المتوفى سنة 234 يصححان هذا الحديث، كذا نقله الحاكم في تاريخ نيسابور عنهما بإسناد جيد. [فتح الباري لابن رجب: 3/ 310].
ـ قال الإمام أحمد ابن حنبل المتوفى سنة 241: “في هذا غيرُ حديث صحيح”. أي: فيه أكثر من حديث صحيح. كما يأتي في كلام الذهبي إن شاء الله.
ـ الإمامان البخاري ومسلم يصححان هذا الحديث، فقد روياه في صحيحيهما.
ـ الإمام يعقوب بن شيبة السدوسي المتوفى قُرابة سنة 265، فقد قال ابن رجب: قال يعقوب بن شيبة في مسند عمار من مسنده: سمعت أحمد ابن حنبل سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في عمار “تقتلك الفئة الباغية”، فقال أحمد: كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتلته الفئة الباغية. وقال: في هذا غير حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. [فتح الباري لابن رجب: 3/ 310]. ومن الواضح أنه نقل في مسنده كلام الإمام أحمد مع الإقرار.
ـ الإمام ابن حبان المتوفى سنة 354، فقد روى هذا الحديث في صحيحه في ثلاثة مواضع، وقال في كتابه مشاهير علماء الأمصار: عمار بن ياسر، قتِل بصفين مع علي بن أبى طالب سنة سبع وثلاثين وله ثلاث وتسعون سنة، وكان قد قال له النبي صلى الله عليه وسلم “يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية”.
ـ قال ابن عبد البر المتوفى سنة 463 في كتاب الاستيعاب: [تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “تقتل عمارا الفئة الباغية”، وهذا من إخباره بالغيب وأعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وهو من أصح الأحاديث]. [3/ 1140].
ـ قال الإمام الذهبي المتوفى سنة 748 في كتابه تاريخ الإسلام عن حديث “تقتلك الفئة الباغية”: [يُروى هذا الحديث عن ابن عباس وابن مسعود وحذيفة وأبي رافع وابن أبي أوفى وجابر بن سمرة وأبي اليَسَر السَلَمي وكعب بن مالك وأنس وجابر وغيرهم، وهو متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال أحمد ابن حنبل: “في هذا غيرُ حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قتلتْه الفئة الباغية”]. [2/ 328]. وبنحو هذا في كتابه سير أعلام النبلاء. [1/ 421].
وروى بسنده عن يعقوب بن شيبة أنه قال: سمعت أحمد ابن حنبل سئل عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم في عمار ” تقتلك الفئة الباغية” فقال: “هو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قتلتْه الفئة الباغية”. وقال: “في هذا غيرُ حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم”. وكره أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا. [تاريخ الإسلام: 7/ 649]. وذكر الحافظ ابن عساكر رحمه الله نحو هذا في تاريخ دمشق [43/ 436].
قلت: قوله “في هذا غيرُ حديث صحيح”: معناه في لغة العرب أنه يوجد في هذا المعنى أكثرُ من حديث صحيح.
ـ قال الحافظ ابن رجب في كتابه فتح الباري: وقع في بعض نسخ صحيح البخاري زيادة في هذا الحديث، وهي “تقتله الفئة الباغية”. [3/ 305]. ونقل تصحيح عدد من الأئمة لهذا الحديث مع الإقرار. [فتح الباري لابن رجب: 3/ 310].
ـ قال الحافظ ابن حجر المتوفى سنة 852 في كتابه فتح الباري: [روى حديثَ “تقتل عمارا الفئة الباغية” جماعةٌ من الصحابة، منهم قتادة بن النعمان كما تقدم، وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه، وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة آخرين يطول عدُّهم، وفي هذا الحديث عَلَمٌ من أعلام النبوة، وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار، وردٌّ على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه]. [1/ 543 عند شرحه الحديث 447].
* ـ تساؤل: هل ضعَّف الإمام أحمد ابن حنبل هذا الحديث؟:
روى الخلال في كتاب السنة [722] عن محمد بن عبد الله بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد ابن حنبل أنه قال: رُوي في «تقتل عمارا الفئة الباغية» ثمانية وعشرون حديثا، ليس فيها حديث صحيح. [محمد بن عبد الله بن إبراهيم لم أجد له ولا لأبيه ترجمة]. فهذا إسناد تالف.
فهذه الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله رواية منكرة، ومما يؤكد نكارتها أنه روَى في مسنده ثماني عشرة رواية من روايات هذا الحديث، وبعضها أسانيدها صحيحة.
لكن، روى الخلال في كتاب السنة كذلك [721] عن إسماعيل بن الفضل عن أبي أمية محمد بن إبراهيم أنه قال: سمعت في حلْقةٍ أحمدَ ابنَ حنبل ويحيى بنَ معين وأبا خيثمة والمُعَيْطي ذكروا «يقتلُ عمارًا الفئة الباغية» فقالوا: ما فيه حديث صحيح. [إسماعيل بن الفضل صدوق ثقة مات سنة 286. أبو أمية محمد بن إبراهيم ثقة مات سنة 273]. فهذا إسناد صحيح، لكن متن الرواية منكر، حصل فيه اشتباه فانقلب المعنى. أبو خيثمة هو زهير بن حرب، إمام حافظ مات سنة 234. المُعَيْطي لعله محمد بن عمر المتوفى 222.
يبدو أن أصل هذه الرواية هو أن ابن حنبل رحمه الله قال “في هذا غيرُ حديث صحيح”، كما تقدم بالسند الثابت عنه، أي إنه يوجد في هذا المعنى أكثرُ من حديث صحيح، ففهمها بعض من سمعها ممن لا يجيد فهْم لغة العرب على غير معناها، وحرَّفها من حيث لا يشعر إلى نقيض المعنى، فقال مِن عنده “ما فيه حديث صحيح”.
* ـ هل روى الإمام البخاري كلمة “تقتله الفئة الباغية” في صحيحه أو إنها مقْحَمة فيه؟:
يرى بعض الباحثين أن صحيح الإمام البخاري رحمه الله ليس فيه هذه الكلمة “تقتله الفئة الباغية”، وأنها مقحمة فيه!، فلا بد من البحث.
الطريقان المرويان في النسخة المشهورة من الجامع الصحيح للإمام البخاري بهذا اللفظ هما من حديث أبي سعيد الخدري، وتقدم القول بأن هذا الحديث رواه ستة من الرواة عن خالد الحذاء عن عكرمة مولى ابن عباس عن أبي سعيد، وأن رواية البخاري هي من طريق راويين من أولئك الرواة الستة عن خالد الحذاء، وأن البخاري لم ينفرد بالرواية عن ذينك الراويين بل رواه البيهقي في دلائل النبوة كذلك من طريقين آخرين عنهما، وأن رواياتهم جميعا مشتملة على هذا اللفظ.
فإذا افترضنا أن هذا اللفظ ليس بثابت في رواية البخاري فإن ثبوته في تلك الطرق الستة كافٍ في ثبوت صحة الحديث بهذا اللفظ.
ـ لكن يبقى هذا التساؤل: هل روى الإمام البخاري كلمة “تقتله الفئة الباغية” في صحيحه أو إنها مقحمة فيه؟:
وللجواب عنه أقول:
جاء النص في بعض النسخ من صحيح البخاري في الموضع الأول هكذا «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار»، وفي الموضع الثاني «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار»، وجاء في بعض النسخ منه بدون هذه الزيادة “تقتله الفئة الباغية”.
* ـ نسخ صحيح البخاري التي ليس فيها تلك الزيادة “تقتله الفئة الباغية”:
ذكر أبو مسعود الدمشقي والبيهقي ومحمد بن فتُوح الحُميدي وعبد الحق الإشبيلي ومجد الدين ابن الأثير وأبو العباس القرطبي والمزي أن رواياتهم لصحيح البخاري ليس فيها تلك الزيادة. [دلائل النبوة للبيهقي: 2/ 546 ـ 548. الجمع بين الصحيحين للحُميدي: 1794. الجمع بين الصحيحين لعبد الحق الإشبيلي: 4/ 199. جامع الأصول لابن الأثير: 6583. اختصار صحيح البخاري لأبي العباس القرطبي: 1342. تحفة الأشراف للمزي: 4248].
ومن ذلك أن ابن الأثير نقل في كتابه جامع الأصول عن أبي مسعود الدمشقي أن البخاري لم يذكر هذه الزيادة، ثم أفاد أن النسخة التي قرأها من كتاب البخاري هي من طريق أبي الوقت عبد الأول السجزي، وأنها قُرئت عليه وعليها خطه، وأن النص المكتوب في متن الكتاب من تلك النسخة ليس فيه تلك الزيادة، وأن كاتب النسخة قد كتب في حاشيتها تلك الزيادة ووضع عليها علامة التصحيح وجعلها في جملة الحديث، وأنه جعلها من رواية أبي الوقت السجزي بإضافتها إلى الحديث، وذلك في موضعين من الكتاب.
وهذا ما جعل بعض الباحثين يتوهم أن أبا الوقت عبد الأول السجزي قد انفرد برواية تلك الزيادة!.
* ـ نسخ صحيح البخاري المشتملة على تلك الزيادة “تقتله الفئة الباغية”:
ـ نسخة الشيخ أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي المتوفى سنة 553، وقد وصفه الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء بالشيخ الإمام الزاهد الخيِّر الصوفي شيخ الإسلام مسنِد الآفاق، وهي ما تقدمت الإشارة إليها فيما ذكره ابن الأثير في جامع الأصول.
وربما ذهب وهْمُ بعض الناس إلى أن مسنِد الآفاق أبا الوقت هو الذي أضاف هذه الزيادة من كيسه، وهذا يدل على أن مثل هذا القائل لا خبرة له بالمخطوطات وقراءتِها على الشيوخ، وأهل الخبرة بهذا يعلمون أن كاتب النسخة ينقلها غالبا من إحدى النسخ ثم يقرؤها على أحد الشيوخ الذين لهم إسناد بالكتاب إلى مؤلفه ليثبِّت إسناده هو بها.
وهذا ما عمله كاتب تلك النسخة، إذ نقلها من إحدى النسخ، ثم جاء إلى أبي الوقت فقرأها عليه ليثبِّت إسناده بها، وكان يكتب التصحيحات على الحاشية كما يسمعها من الشيخ الحافظ رحمه الله، ومن جملة ذلك إثبات تلك الزيادة.
ـ نسخة الحافظ ابن عساكر المتوفى سنة 571، وقد قال في تاريخ دمشق: [فجعلَ النبي صلى الله عليه وسلم ينفُض التراب عنه ويقول “ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار”، رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن الثقفي وعن مسدد عن عبد العزيز بن المختار جميعا عن خالد]. [43/ 413].
ـ نسخة ابن الجوزي المتوفى سنة 597، وقد ذكر في كتابه جامع المسانيد حديثَ “ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار”، وعلق عليه بقوله: “انفرد بإخراجه البخاري”. [1983]. والمراد من انفراد البخاري برواية هذا الحديث دون مسلم هو انفراده بذلك الطريق، أي طريق خالد الحذاء عن عكرمة عن أبي سعيد.
ـ نسخة شرف الدين علي بن محمد بن أحمد اليونيني المتوفى سنة 701، وقد قابلها على عدد من روايات صحيح البخاري، ثم إنه أشار في الموضع الأول من الكتاب [1/ 97] إلى أن قوله “تقتله الفئة الباغية” سقط من نسخة أبي ذر الهروي ومن نسخة الأصيلي، وأشار في الموضع الثاني منه [4/ 21] إلى أنه سقط هذا اللفظ من نسخة أبي ذر الهروي.
وحيث إنه يشير إلى النُسخ التي سقط منها اللفظ المشار إليه لا إلى النسخ التي ثبت فيها فهذا يعني أن ذلك اللفظ ثابت في الموضع الأول في غير نسخة الهروي والأصيلي وفي الموضع الثاني في غير نسخة الهروي.
ـ نسخة ابن تيمية المتوفى سنة 728، إذ يقول: “أما الحديث الذي فيه أن عمارا تقتله الفئة الباغية فهذا الحديث قد طعن فيه طائفة من أهل العلم، لكن رواه مسلم في صحيحه، وهو في بعض نسخ البخاري”. [الفتاوى الكبرى: 3/ 456. النبوات: 1/ 567].
ـ نسخة الحافظ ابن رجب المتوفى سنة 795، فقد قال في كتابه فتح الباري: [في بعض نسخ صحيح البخاري زيادةٌ في هذا الحديث، وهي “تقتله الفئة الباغية”]. [3/ 305].
ـ نسخة ابن الملقن المتوفى سنة 804، وهو من شيوخ الحافظ ابن حجر، إذ يقول في كتابه البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير: [حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمار “تقتلك الفئة الباغية» مروي من طرق، أخرجه مسلم في صحيحه، وأخرجه البخاري في باب التعاون في بناء المسجد من كتاب الصلاة من حديث أبي سعيد الخدري، وثبت ذلك في نسخة صحيحة منه].
ـ نسخة زين الدين العراقي المتوفى سنة 806، وهو من شيوخ الحافظ ابن حجر، إذ يقول في كتابه المغني عن حمل الأسفار في الأسفار: “حديثُ إخباره صلى الله عليه وسلم بأن عمارا تقتله الفئة الباغية أخرجه مسلم من حديث أبي قتادة وأمِّ سلمة والبخاريُّ من حديث أبي سعيد”. [ص 872].
ـ نسخة الحافظ ابن حجر المتوفى سنة 852 أو إحدى النسخ التي عنده من صحيح البخاري، فقد قال في كتابه فتح الباري في باب التعاون في بناء المسجد: [وقع في رواية ابن السَكَن وكريمة وغيرهما وكذا ثبت في نسخة الصَغَاني التي ذكر أنه قابلها على نسخة الفَرَبْري التي بخطه: زيادةٌ توضح المراد وتفصح بأن الضمير يعود على قتلته، وهم أهل الشام، ولفظه “ويح عمار تقتله الفئة الباغية”]. [فتح الباري: 1/ 542].
أما ابن السكن فهو سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن، المولود سنة 294 والمتوفى سنة 353، وقد روى صحيح البخاري عن الفَرَبْري عن مصنفه الإمام البخاري. وأما الفَرَبْري فهو محمد بن يوسف بن مطر، المولود سنة 231 والمتوفى سنة 320، كان ثقة ورعا، سمع صحيح البخاري من مصنفه مرتين، سنة 248، وسنة 252. وأما كريمة بنت أحمد المروزية المتوفاة سنة 463، فقد كانت كاتبة فاضلة عالمة، وروتْ صحيح البخاري عن محمد بن مكي الكُشْمِيهَني، وكانت تضبط كتابها وإذا حدثتْ قابلتْ بنسختها، ورواه الكُشْمِيهَني المتوفى سنة 389 عن الفربري عن البخاري. وأما الصَغَاني فهو الحسن بن محمد بن الحسن المتوفى سنة 650، وكان شيخا صالحا صدوقا، إماما في اللغة والفقه والحديث.
ـ نسخة القسطلاني أحمد بن محمد بن أبي بكر، المتوفى سنة 923، فقد أتى على ذكر هذا الحديث في كتابه إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري [1/ 441، 5/ 49]، والزيادة ليست موجودة عنده في الموضع الأول، لكنها ثابتة عنده في الموضع الثاني وأشار إلى أنها ساقطة من نسخة أبي ذر الهروي في هذا الموضع، وهذا يتوافق مع ما ذكره اليونيني عن نسخة الأصيلي.
ـ تساؤل:
إذا كانت تلك الزيادة موجودة في بعض النسخ من الجامع الصحيح للإمام البخاري وتخلو منها بعض النسخ الأخرى فكيف حصل هذا؟:
هنالك احتمالان: أحدهما أن تلك الزيادة ليست في صحيح البخاري وزادها بعض المتأخرين في نسخته من الكتاب!، والاحتمال الثاني أنها مروية فيه وقام بعضهم بحذفها من نسخته.
أما الاحتمال الأول من هذين فهو غير سديد، ولا يفعله أحد من الثقات البتة، ولو تجرأ راو على فعله لرمَوه بالكذب والوضع، فلم يبقَ إلا أنها ثابتة في الرواية عند المصنف وقام بعض رواة الكتاب بحذفها، ومثل هذا يقع أحيانا من بعض الرواة والمحدثين، وغالبا ما يكون الحاملُ على ذلك عند من يفعله أنه يرى في شيء من الرواية وقفةً وأنه قد حصل فيها وهَم من الراوي، وربما كان ذلك بسبب ما يخشاه من حدوث فتنة.
وعلى هذا فالظاهر أن بعض رواة الجامع الصحيح غلب على ظنِّه أن في إثبات هذه اللفظة فتنةً ما فحذفها من نسخته.
هذا وقد ذكر ابن حجر احتمالا بعيدا جدا، خلاصته أن يكون البخاري قد حذف تلك الزيادة عمدا، حيث إن أبا سعيد الخدري اعترف أنه لم يسمع الزيادة من النبي صلى الله عليه وسلم وأنه سمعها من أبي قتادة الأنصاري، وأن يكون البخاري قد اقتصر على القدْر الذي سمعه هو من النبي صلى الله عليه وسلم!. [فتح الباري: 1/ 542 ـ 543].
لكن الروايات المروية عن أبي سعيد الخدري في بناء المسجد ليس فيها أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من قوله في ذلك، وإنما صحَّ عنه أنه سمع أبا قتادة الأنصاري يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «ويح عمار تقتله الفئة الباغية»، وهذا لا يعني أن أبا سعيد سمع ما سوى هذه الزيادة من النبي عليه السلام، فالظاهر أن الحافظ ابن حجر قد وهم في ذلك.
* ـ درجة الحديث:
هذا حديث مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد كثيرة عن عدد من الصحابة، ذكرتُ منها في هذا البحث ثلاثة أسانيد صحيحة، وإسنادا جيدا، وإسنادين حسنين، وإسنادا ضعيفا، وإسنادين مرسلين، فلا شك في أنه ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه في درجة عالية من درجات الصحة.
كما تبين من خلال هذه الدراسة أن هذا الحديث مروي في الجامع الصحيح للإمام البخاري رحمه الله بهذا اللفظ: «ويح عمار، تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار».
وهذا ما أثبته العلماء الثقات في كتبهم، ومنها ما أثبته أحد العلماء في نسخته التي قابلها على نسخة الفَرَبْري التي بخطه، وهو الثقة الورع الذي سمع صحيح البخاري من مصنفه مرتين، سنة 248، وسنة 252.
وفي ختام هذا المبحث أسأل الله تعالى القبول، وأن يوفقنا لدراسة تاريخنا في ضوء المرويات الثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم.
وكتبه صلاح الدين بن أحمد الإدلبي في 19/ 2/ 1445، الموافق 4/ 9/ 2023، سوى بعض الإضافات والتنقيحات، وهذا للنصف الأول منه، وأتممت كتابة النصف الثاني منه في العشرين من شهر المحرم 1446، الموافق 26/ 7/ 2024، والحمد لله رب العالمين.
* * *