* من روائع الإمام البخاري رحمه الله: – 15 –
* ـ روى الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله من طريق ابن شهاب الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ثم فَتَرَ عني الوحي فترة، فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري قِبَل السماء، فإذا الملَك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فجُئِثـْتُ منه، حتى هَوَيْت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى {يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر}”. جُئِثـْتُ منه: أَي ذُعِرْتُ وخِفْتُ.
[صحيح البخاري: رقم 4، 3238، 4925، 4926، 4954، في باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي باب ذكْر الملائكة، وفي باب {وثيابك فطهر}، وفي باب {والرجز فاهجر}، وفي باب {ما ودعك ربك وما قلى}. صحيح مسلم: رقم 255، 256].
قلاه يقليه قِلًى: أبغضه.
هذه رواية ابن شهاب الزهري عن أبي سلمة عن جابر، وهي صحيحة سندا ومتنا.
* ـ ورواه البخاري ومسلم من طريق يحيى بن أبي كثير أنه قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن، فقال: {يا أيها المدثر}. قلت: يقولون {اقرأ باسم ربك الذي خلق}؟!. فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن ذلك وقلتُ له مثل الذي قلتَ، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري هبطتُ، فنُوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا، ونظرت أمامي فلم أر شيئا، ونظرت خلفي فلم أر شيئا، فرفعت رأسي فإذا هو جالس على كرسي بين السماء والأرض، فأتيت خديجة، فقلت دثروني وصبوا علي ماء باردا، فدثروني وصبوا علي ماء باردا، فنزلت {يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر}”.
[صحيح البخاري: 4922، 4924، في باب سورة المدثر، وفي باب قوله {وربَّك فكبر}. صحيح مسلم: رقم 257].
هذه رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر، وقد وقع فيها خلل في بعض الألفاظ فيما يتعلق ببدء الوحي، ففيها أن أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن {يا أيها المدثر}!!، وهذا خطأ واضح، لأن الثابت في الروايات الصحيحة هو أن أول ما نزل {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، وأن الوحي فتر بعد ذلك مدة، وأن {يا أيها المدثر} نزلت بعد ذلك، فهي أول ما نزل بعد فتور نزول الوحي، وليست أول ما نزل من القرآن بإطلاق.
* ـ أشار الإمام البخاري رحمه الله إلى صحة الرواية الأولى التي فيها أن {يا أيها المدثر} هي أول ما نزل من القر آن بعد فتور نزول الوحي في الباب المناسب لها، وهو باب بدء الوحي، ورواها كذلك في غيره.
وأشار إلى وقوع الخلل في الرواية الثانية التي فيها أن {يا أيها المدثر} هي أول ما نزل من القرآن مطلقا إذ لم يروها في باب بدء الوحي، ورواها في بعض أبواب تفسير سورة المدثر حيث لا إشكال فيها فيما يتعلق بالتفسير.
* ـ وأشار الإمام مسلم رحمه الله إلى صحة الرواية الأولى حيث قدمها، وإلى وقوع الخلل في الرواية الثانية حيث أخرها إلى آخر الباب، ومن طريقته أنه يؤخر الرواية التي وقع فيها خللٌ ما إلى آخر الباب.
ـ وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 28/ 7/ 1440، الموافق 4/ 4/ 2019، والحمد لله رب العالمين.