حوار حول حديث من يجدد لها دينها 6
الحوار السادس
ـ نقل الأخ المحاور عن الحافظ العراقي رحمه الله أنه قال عن حديث مَن يجدد لها دينها: “إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات، وقد تقرر في علمَي الأصول والحديث أن الحديث إذا رفَعَه ثقة ووقفَه ثقة فإن الحكم لمَن رفعه على الصحيح”.
الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة 806 هو من أكبر شيوخ الحافظ ابن حجر رحمهما الله.
ـ إذا قرر العالم أمرا وقال “على الصحيح” فمعناه أن ما يخالفه باطل!!، فهل ما قاله هنا صحيح؟!:
كنت قد جمعت ما وقع لي من الأحاديث التي اختلفت فيها الطرق رفعا ووقفا أو وصلا وإرسالا مما تكلم عليه الإمام البخاري رحمه الله، فكانت النتيجة أن نسبة الأحاديث التي رجَّح فيها الوقف على الرفع هي أكثر من 88 بالمئة، ونسبة الأحاديث التي رجح فيها الإرسال على الوصل هي أكثر من 82 بالمئة.
أما عند أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين في كتاب العلل لابن أبي حاتم ـ وكنت قد قرأت نصف الكتاب ـ فترجيح الوقف نسبته أكثر من 92 بالمئة، وترجيح الإرسال نسبته أكثر من 87 بالمئة.
لم أقم بإحصاء أحكام الأئمة الآخرين من علماء العلل، وأتوقع ـ من خلال قراءتي في تلك الكتب ـ أن النسبة عند الجميع قريبة مما تقدم.
ـ كلام الإمام البخاري في إعلال المرويات المشارُ إليه هنا أكثره هو إجابات عما سأله عنه تلميذه الإمام الترمذي، وكلام الإمامين أبي حاتم وأبي زرعة هو إجابات عما سألهما عنه ابن أبي حاتم الموصوف بالإمام الحافظ، وكلام الإمام الدارقطني هو إجابات عما سأله عنه تلميذه البَرقاني الموصوف بالإمام الحافظ، وهؤلاء الذين يوجهون السؤالات هم من العلماء ويعرفون ماذا يسألون.
ـ هذا يعني أن قول العراقي المنقول هنا هو خطأ محض، وأن الصحيح في علم الحديث هو بخلاف قوله، أي إن الذي تقرر في علم الحديث هو أن الأصل في الحديث إذا رفَعَه ثقة ووقفَه ثقة هو أن الحكم لمَن وقفَه، احتياطا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا إذا كان هناك قرينة قوية ترجح جانب الرفع على الوقف.
ـ لهذا وغيره أرى أن الأصل هو كلام الأئمة المتقدمين، وأن المتأخرين يُستفاد من تنقيحاتهم وتخريجاتهم ما لم تخالف منهج المتقدمين.
ـ إذا صحح الحديثَ جماعة من العلماء الذين يمشون على المنهج الذي ذكره الحافظ العراقي هنا ـ وهو على خلاف المنهج الذي سار عليه أئمة هذا العلم ـ فكلامهم لا وزن له في هذا العلم أصلا، ولا يجوز أن يُقال هذا قول علماء الحديث، لأنه مصادم للمنهج الذي سار عليه أئمتهم، ويمكن أن يُقال هذا قول المتأخرين من علماء الحديث. وبين التعبيرين فرق كبير.
ـ أسأل المولى تعالى أن يغفر لنا ويرحمنا جميعا، وأن يتغمد علماءنا بواسع رحمته، وأن ينفعنا بعلومهم وأن يعْلي مقامهم في الجنة.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 26/ 11/ 1439، الموافق 8/ 8/ 2018، والحمد لله رب العالمين.