الرواية عن ابن مسعود في أنه كان يحك المعوذتين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وعلى آله وأصحابه وإخوانه أجمعين.
ـ روى ابن أبي شيبة [30831] عن أبي الأحوص، وعبدُ الله بن أحمد في زوائد المسند [21188] من طريق الأعمش، والطبرانيُّ في الكبير [9148 ـ 9150] من طريق سفيان الثوري ومن طريقين عن شعبة ومن طريق الأعمش، أربعتهم عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال: رأيت عبد الله يحك المعوذتين من مصحفه وقال: لا تخلطوا فيه ما ليس منه. ولفظه في زوائد المسند: كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول: “إنهما ليستا من كتاب الله”.
[أبو إسحاق السَبيعي عمرو بن عبد الله بن عبيد كوفي ثقة قد يدلس الإسناد ويرسل وتغير حفظه بآخره، ولد سنة 32 ومات سنة 127. عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ثقة مات سنة 82 تقريبا]. قال المرُّوذي لابن حنبل: من أصحاب أبي إسحاق المتثبتون؟. فقال: شعبة وسفيان. وقال يحيى بن معين: أثبت أصحاب أبي إسحاق الثوريُّ وشعبة. وروى البيهقي في المدخل إلى علم السنن [548] عن شعبة أنه قال: كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش وأبي إسحاق وقتادة. فهذا إسناد صحيح.
ـ وروى البزار [1586] عن الحسن بن يحيى الأرزي عن محمد بن أبي يعقوب الكرماني، والطبرانيُّ في الكبير [9152] عن عبد الله بن أحمد ابن حنبل عن الأزرق بن علي الحنفي الكوفي، كلاهما عن حسان بن إبراهيم عن الصلت بن بهرام عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنه كان يحك المعوذتين من المصاحف ويقول: إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتعوذ بهما ولم يكن يقرأ بهما.
[الحسن بن يحيى الأرزي بصري ثقة. محمد بن أبي يعقوب الكرماني صدوق. عبد الله بن أحمد ابن حنبل ثقة مات سنة 290. الأزرق بن علي الحنفي كوفي ذكره ابن حبان في الثقات وقال: يغرب. حسان بن إبراهيم الكرماني صدوق ثقة فيه لين. الصلت بن بهرام كوفي صدوق ثقة مات قرابة سنة 145. إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي كوفي ثقة مات سنة 96. علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي كوفي ثقة مات سنة 62]. فهذا إسناد جيد في المتابعات.
ـ وروى الحُميدي [378] وابن حنبل [21189] والشافعي في السنن المأثورة [94]، والطحاوي في مشكل الآثار [118 ـ 119] من طريق الشافعي والحميديِّ، والبيهقيُّ [4045] من طريق الحميدي، ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة قال حدثنا عبدة بن أبي لبابة وعاصم بن بهدلة أنها سمعا زر بن حبيش يقول: سألت أبي بن كعب عن المعوذتين فقلت: يا أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يحكهما من المصحف!. فقال: إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “قيل لي قلْ فقلتُ”. فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[سفيان بن عيينة كوفي مكي ثقة تغير حفظه بآخره ومات سنة 198. عبدة بن أبي لبابة كوفي نزل دمشق ثقة. عاصم بن بهدلة كوفي صدوق ثقة فيه لين واختلط في آخره، مات سنة 128. زر بن حبيش كوفي ثقة مات سنة 82]. فهذا إسناد لا بأس به في الشواهد.
أقول:
قراء الكوفة الذين أخذوا القراءة عن الذين سمعوها من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يثبتون المعوذتين في القرآن العظيم، لا اختلاف بينهم في ذلك، وهذا يعني أن ابن مسعود رضي الله عنه قد اعتراه النسيان في آخر عمره، والله أعلم.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 12/ 8/ 1439، سوى بعض الإضافات التي كتبتها لاحقا، والحمد لله رب العالمين.
* ـ أقوال بعض شراح الحديث في تعليقهم على ما وقفوا عليه مما نقله الرواة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
قال ابن قتيبة المتوفى سنة 276 في كتابه تأويل مختلف الحديث: [سببه في تركه إثباتَهما في مصحفه أنه كان يرى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يعوذ بهما الحسن والحسين، كما كان يعوذهما بـ “أعوذ بكلمات الله التامة”، فظن أنهما ليستا من القرآن، فلم يثبتهما في مصحفه].
قال الباقلاني المتوفى سنة 403 في كتاب الانتصار لنقل القرآن: “فإن قال قائل: كيف يسوغ لكم أن تدَّعوا وجوب تظاهر نقل جميع القرآن وقيام الحجة وتساوي حال الرسول صلى الله عليه وسلم في بيانه إلى الكافة على وجه يوجب العلم ويقطع العذر ويزيل الريب والشك مع الذي قد ظهر وانتشر عن عبد الله بن مسعود من إنكاره أن تكون المعوذتان من جملة القرآن وإسقاطه إياهما من مصحفه وحكِّه لهما من مصحف غيره؟!، فيُقال لهم: أما دعوى من ادعى أن عبد الله بن مسعود أنكر أن تكون المعوذتان قرآنا منزلا من عند الله تعالى وجحدَ ذلك فإنها دعوى تدل على جهل مَن ظن صحتها وغباوته وشدة بعده عن التحصيل، لأن كل عاقل سليم الحس يعلم أن عبد الله لم يجحد المعوذتين ولا أنكرهما ولا دفع أن يكون النبي صلى الله عليه تلاهما على الأمة وخبَّر أنهما منزَّلتان من عند الله تعالى”.
ثم قال بعد كلام طويل: [لو ثبت عنه بنص لا يحتمِل إلا أنه كان يحك الناس والفلق من المصحف لاحتمل ذلك تأويلاتٍ عن إنكاره أن يكونا قرآنا، فمنها أن يكون إنما حكهما لأنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبهما بحضرته ولا أمر بذلك فيهما فاعتقد لهذا أن السنة فيهما أن لا يُكتبا، ومنها أن يكونا قد كُتبا في بعض المصاحف في غير موضعهما الذي يجب أن يُكتبا فيه وأن يكون الذي كتبهما حيث تيسر له وإلى جنب البقرة لما حفظها فحكهما وأراد بقوله “لا تخلطوا به ما ليس منه” التأليف الفاسد الذي ليس منه، دون ذاتي السورتين، ومنها أن يكون قد رآهما كُتبتا بزيادة ونقصان وضرْب من التغيير فحكَّهما لما لحقهما في الرسم مما يفسد نظمهما وترتيبهما وقال “لا تخلطوا به ما ليس منه “، يعني فساد نظمهما وترتيبهما، ولم ير في ذلك شيئا لحقه الفساد والتغيير غيرهما فخصهما بالذكر لهذه العلة، ومنها أن يكون إنما حكهما لأنه كان من رأيه أن لا يُثبت القرآن إلا على تاريخ نزوله وأنه يجب لذلك إسقاط رسم فاتحة الكتاب والمعوذتين لأنهما قد جُعلتا خاتمتين في التلاوة وتقديم نزولهما يمنع من تأخيرهما في الرسم وإنْ تقدم عليهما ما نزل بعدهما فحكهما لذلك وقال “لا تخلطوا به ما ليس منه”، يعني بذلك أن اختموه في القراءة والتلاوة بهذه الخاتمة وافتتحوه بالفاتحة ولا تكتبوهما على غير تاريخ نزولهما، وإذا كان ذلك كذلك واحتمل حكُّهما ما وصفناه بطل قول من زعم أنه يجب حمْل هذا الفعل منه على جحد المعوذتين وإنكار كونهما قرآنا، وفي بعض هذه الجملة دلالة باهرة واضحة على أن هذه الأخبار مُتَكَذَّبة على عبد الله بن مسعود لا أصل لها، أو محمولة متأوَّلة على ما قلناه، دون الجحد والإنكار منه لكونهما قرآنا].
قال المازري المتوفى سنة 536 في كتابه المعْلم بفوائد صحيح مسلم: “يُحمل ما رُوي من إسقاط المعوذتين من مصحفه على أنه اعتقد أنه لا يلزمه أن يكتب كل ما كان من القرآن وإنما يكتب منه ما كان له فيه غرض، وكأن المعوذتين لقِصَرهما وكثرة دورهما في الصلاة والتعوذ بهما عند سائر الناس اشتهرت بذلك اشتهارا استغنى معه عن إثبات ذلك في المصحف”. ونقل القاضي عياض المتوفى سنة 544 في كتابه إكمال المعْلم بفوائد صحيح مسلم والنووي المتوفى سنة 676 في شرح صحيح مسلم ما قاله المازري وأقراه.
قال شمس الدين الكرماني المتوفى سنة 786 في كتابه الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري: “هذا كان مما اختلف فيه الصحابة، ثم ارتفع الخلاف ووقع الإجماع عليه، وقال بعضهم ما كانت المسألة في قرآنيتهما بل في صفة من صفاتهما وخاصة من خواصهما”.
قال شمس الدين البرماوي المتوفى سنة 831 في اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح: “الحاصل أنه كان فيهما اختلاف بين الصحابة، ثم رفِع ووقع الإجماع على أنهما قرآن، وقيل: إنما كانت المسألة في صفة من صفاتهما وخاصة من خواصهما لا في كونهما قرآنا”.
قال شهاب الدين ابن رسلان المتوفى سنة 844 في كتابه شرح سنن أبي داود: “حكى القرطبي عن بعض الأئمة أن عبد الله بن مسعود مات وهو لا يحفظ القرآن كله، حكاه القرطبي وقال: هذا فيه نظر”.
قال ابن حجر في فتح الباري: [أما قول النووي في شرح المهذب “أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن وأن من جحد منهما شيئا كفر وما نُقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح” ففيه نظر، وقد سبقه لنحو ذلك أبو محمد ابن حزم، فقال في أوائل المحلى: “ما نُقل عن ابن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين فهو كذب باطل”. وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره “الأغلب على الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل، والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يُقبل”. بل الرواية صحيحة والتأويل محتمِل، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر فهو مخدوش، وإن أراد استقراره فهو مقبول، وقد قال ابن الصباغ في الكلام على مانعي الزكاة “إنما قاتلهم أبو بكر على منع الزكاة ولم يقل إنهم كفروا بذلك، وإنما لم يكفروا لأن الإجماع لم يكن استقر، ونحن الآن نكفر من جحدها، وكذلك ما نقل عن ابن مسعود في المعوذتين”. يعني أنه لم يثبت عنده القطع بذلك ثم حصل الاتفاق بعد ذلك، وقد استشكل هذا الموضعَ الفخرُ الرازي فقال: “إن قلنا إن كونهما من القرآن كان متواترا في عصر ابن مسعود لزم تكفيرُ من أنكرهما، وإن قلنا إن كونهما من القرآن كان لم يتواتر في عصر ابن مسعود لزم أن بعض القرآن لم يتواتر، وهذه عقدة صعبة”. وأجيب باحتمال أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود لكن لم يتواتر عند ابن مسعود فانحلت العقدة بعون الله تعالى].
قال القسطلاني في إرشاد الساري: “يحتمِل أنه لم يسمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتواترا عنده، ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة، فقد أجمع الصحابة عليهما وأثبتوهما في المصاحف التي بعثوها إلى سائر الآفاق”.
قال البقاعي المتوفى سنة 885 في كتابه مصاعد النظر: [وعندي: أن ظاهر هذه الأخبار غير مراد، وأن ابن مسعود رضي الله عنه إنما كان ينكر كلمة “قل” فقط في أولهما ويحكهما من المصحف من المعوذتين، وأن قراءته كانت كذلك].
* ـ مقارنة الروايات وأقوال الشراح في حل الإشكال:
ـ الإشكال:
المعوذتان ثابتتان قطعا، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأهما في صلاته، ولا شك في قرآنيتهما، وقراء الكوفة الذين تلقوا القرآن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كلهم يثبتون هاتين السورتين في مصاحفهم، فكيف يحك ابن مسعود هاتين السورتين من مصحفه بعدما كتبهما فيه؟!.
ـ هذه هي الروايات التي في كتب الحديث بسند صحيح أو جيد على الأقل:
عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال: رأيت عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصحفه وقال: “لا تخلطوا فيه ما ليس منه”.
عن زر بن حبيش أنه قال: سألت أبي بن كعب عن المعوذتين فقلت: يا أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعود يحكهما من المصحف!.
عن علقمة بن قيس النخعي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يحك المعوذتين من المصاحف ويقول: إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتعوذ بهما ولم يكن يقرأ بهما.
ـ لا بد من المقارنة بين هذه الروايات وبين الأجوبة التي تقدم ذكرها:
القول بأن ابن مسعود ظن أنهما ليستا من القرآن فلم يثبتهما في مصحفه: غير صحيح، لأنهما كانتا في مصحفه ثم حكهما منه.
احتمال أنه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبهما بحضرته ولا أمر بذلك فيهما فاعتقد لهذا أن السنة فيهما أن لا يُكتبا: غير صحيح كذلك، لأنهما كانتا في مصحفه ثم حكهما منه.
احتمال أن يكونا قد كُتبتا في بعض المصاحف في غير موضعهما الذي يجب أن يُكتبا فيه وأن يكون الذي كتبهما حيث تيسر له وإلى جنب سورة البقرة لما حفظها فحكهما وأراد بقوله “لا تخلطوا به ما ليس منه” التأليفَ الفاسد الذي ليس منه دون ذاتي السورتين: هو غير صحيح كذلك، لأنه حكهما من مصحفه هو.
احتمال أن يكون قد رآهما كُتبتا بزيادة ونقصان وضرْب من التغيير فحكَّهما لما لحقهما في الرسم مما يفسد نظمهما وترتيبهما ولم ير في ذلك شيئا لحقه الفساد والتغيير غيرهما فخصهما بالذكر لهذه العلة: غير صحيح كذلك، لأنه حكهما من مصحفه هو.
احتمال أن يكون إنما حكهما لأنه كان من رأيه أن لا يُثبت القرآن إلا على تاريخ نزوله وأنه يجب لذلك إسقاط رسمهما لأنهما قد جُعلتا خاتمتين في التلاوة وتقدُّمُ نزولهما يمنع من تأخيرهما في الرسم إن تقدمَ عليهما ما نزل بعدهما فحكهما لذلك: هو كذلك غير صحيح، لأنه لم يرتب السورَ في مصحفه على تاريخ النزول، ولو كان قد فعل ذلك لقاله ولعرفه العلماء المشتغلون بعلوم القرآن، ولأنه لو ارتأى ذلك لَمَا كان يضره أن يجعل المعوذتين في موضعهما من تاريخ النزول أو يؤخرهما إلى آخر المصحف إذا رأى أنهما الخاتمتان في التلاوة.
القول بأن هذه الأخبار مكذوبة على عبد الله بن مسعود غير صحيح، فما رُوي بإسنادين صحيحين وإسناد ثالث جيد لا يصح إهداره إلا بما هو أقوى منه.
احتمال أنه اعتقد أنه لا يلزمه أن يكتب كل ما كان من القرآن وإنما يكتب منه ما كان له فيه غرض وكأن المعوذتين لقِصَرهما وكثرة دورهما في الصلاة والتعوذ بهما عند سائر الناس اشتهرت بذلك اشتهارا استغنى معه عن إثبات ذلك في المصحف: هو غير صحيح، لأنه لو كان ذلك كذلك لكانت سورة الفاتحة وسورة الإخلاص أولى بالحك منهما.
القول بأن مسألة حكهما لم تكن في قرآنيتهما بل في صفةٍ من صفاتهما وخاصةٍ من خواصهما: غير صحيح، لأنه لو كان كذلك فهذا لا يستدعي حكهما من المصحف، بل يستدعي تصحيح الخطأِ فحسب، ويعارضه أنه قال “لا تخلطوا فيه ما ليس منه”.
القول بأن عبد الله بن مسعود مات وهو لا يحفظ القرآن كله فلم يكتبهما لأنه لا يحفظهما غير صحيح، لأنه حكهما من مصحفه هو، وقد كانتا فيه قبل أن يحكهما منه.
القول بأنه لم يثبت عنده القطع بقرآنيتهما لأن كونهما من القرآن لم يكن قد تواتر في عصره غير صحيح، لأنهما كانتا في مصحفه قبل أن يحكهما منه، ثم إنه من كبار الصحابة وليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم واسطة نقلٍ ليُقال هل بلغتْه المعوذتان بالتواتر أو لا.
احتمال أنه لم يسمعهما من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يتواترا عنده ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة: غير صحيح، لأنه حكهما من مصحفه هو، وقد كانتا فيه قبل أن يحكهما منه.
القول بأنه إنما كان ينكر كلمة “قل” فقط في أول المعوذتين وأن قراءته كانت كذلك: هو غير صحيح، لأن الروايات الصحيحة فيها التصريح بأنه كان يحك المعوذتين وليس لفظة منهما فقط.
* ـ استنتاج:
يبدو لي ـ بعد تأمل طويل وتفكر عميق ـ أن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه ربما حصل له شيء من النسيان والتغير في آخر عمره، فوقع منه هذا، والظاهر أن تلاميذه الآخذين عنه شعروا بذلك، ولذا فإنهم استمروا على إثبات هاتين السورتين في المصحف الشريف ولم يحكَّهما أي واحد منهم من مصحفه، واستمروا على إقرائهم المصحفَ وفيه السورتان لمَن بعدهم بالرواية عن ابن مسعود وغيره من الصحابة رضي الله عنهم.
من المقطوع به أن أي صحابي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس معصوما من مثل هذا، ولكن هل هذا يقدح في صحة نقل القرآن الكريم؟، والجواب المقطوع به أنه ليس بقادح البتة، لأن نقل القرآن ليس عن طريق صحابي واحد نخشى من أنه نسي أو وهِم، ولكنه نقل جماعة كبيرة من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا المصحف الشريف هو الذي اتفق على نقله كما وصل إلينا عامة المسلمين من كافة الطوائف جيلا عن جيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أهل السنة والمعتزلة والشيعة الزيدية والإباضية وطائفة من كبار علماء الشيعة الإمامية، كل هؤلاء على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم في الاعتقاد والفقه والتاريخ مجْمعون على صحة نقل القرآن الكريم وتواتره عند كل طوائفهم، وقالت طائفة من الشيعة الإمامية بأن في نقله تحريفا!، وأنه من نقل أهل السنة!، وهذا خطأ واضح، إذ لو كان كذلك لما أقره المعتزلة والشيعة الزيدية والإباضية وطائفة من كبار علماء الشيعة الإمامية أنفسهم، وهؤلاء ليسوا من طائفة أهل السنة، وليسوا من المجاملين لأهل السنة.
كل أولئك كتبوه في المصاحف، وحفظوه في الصدور، وتلَوْه آناء الليل وأطراف النهار في صلاتهم وتهجدهم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وكتبه راجي عفو ربه صلاح الدين الإدلبي في 4/ 9/ 1441، الموافق 27/ 4/ 2020، والحمد لله رب العالمين.
تعقيب من الدكتور أحمد البراء الأميري
جعلك الله من الذائدين عن الكتاب والسنة ورفع مقامك عنده.
تعقيب من الدكتور طه فارس
جزاك الله خيرا شيخنا، وزادك من فضله وجوده، ورفع قدرك، وأطال في عمرك مع الصحة والعافية، آمين.