فرض الكفاية
قال إمام الحرمين في مبحث فروض الكفايات: “ما يتعلق بالأبدان: ستر العراة وإطعام الجائعين وإغاثة المستغيثين، فكل ما ينتهي إلى الضرورة ففرض على الكافة القيام به، ثم اختلف فيما فوق سد الضرورة إلى تمام الكفاية، فقال قائلون يتحتم الكفاية في ذلك حتى لا يبقى ذو حاجة، وقال آخرون المفروض على الكفاية إزالة الضرورة، وما ذكرناه: بعد تفريق الصدقات على المستحقين وبعد أن يشغر بيت المال عن السهم المرصد للمصالح العامة، فإذ ذاك يثبت فرض الكفاية على أصحاب الثروة والمقدرة”. [نهاية المطلب في دراية المذهب: 17/ 394].
وقال أبو حامد الغزالي: “يصير الفرض على الكفاية لا على التعيين إذا كان الشيء مقصود الحصول في نفسه للشرع ولم يكن الشخص مقصودا بالامتحان، …، القسم الثاني ما يتعلق بالمعاش، كدفع الضرر عن محاويج المسلمين وإزالة فاقتهم، فإن بقيت ضرورةٌ بعد تفرقة الزكوات كان إزالتها من فرض الكفاية، وإن بقيت حاجة ففي وجوب إزالتها تردد”. [الوسيط: 7/ 6].
قلت: ينبغي التنبه للفرق بين الضرورة والحاجة.
وقال الرافعي: “منها ما يتعلق بمصالح المعاش وانتظام أمور الناس: كدفع الضرر عن المسلمين وإزالة فاقتهم، كستر العارين وإطعام الجائعين وإعانة المستغيثين في النائبات، وكل ذلك فرض كفاية في حق أصحاب الثروة والقدرة إذا لم تفِ الصدقات الواجبة بسد الحاجات ولم يكن في بيت المال من سهم المصالح ما يُصرف إليها، فإذا انسدت الضرورة فيكفي ذلك أم تجب الزيادة إلى تمام الكفاية التي يقوم بها من تلزمه النفقة؟، حكى الإمام فيه وجهين لأصحاب الأصول”. [فتح العزيز في شرح الوجيز: 11/ 354]. ونقله النووي مع الإقرار. [روضة الطالبين: 10/ 221].
وقال ابن تيمية وابن مفلح: “يجب إطعام الجائع وكسوة العاري فرضا على الكفاية”. [مجموع الفتاوى: 7/ 316. الفروع لابن مفلح: 4/ 307].
أقول مستعينا بالله تعالى:
هناك فرق واضح بين الضرورة والحاجة، والظاهر أن الوقت لا يخلو عن المضطرين وعن المحتاجين، وأن إغناء أهل الحاجة عن المسألة هو من المكارم، أما سد خَلة أهل الضرورات فهذا فرض كفاية على أهل اليسار، إذا قام به بعضهم فذاك، وإلا حنثوا وأثموا جميعا، والله أعلم.
ومما يُستأنس به في هذا قول الله عز وجل {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو، كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون}، قال القرطبي: “العفو: ما سهل وتيسر وفضل ولم يشق على القلب إخراجه، ومنه قول الشاعر: خذي العفو مني تستديمي مودتي … ولا تنطقي في سَورتي حين أغضبُ، فالمعنى: أنفقوا ما فضل عن حوائجكم ولم تؤذوا فيه أنفسكم فتكونوا عالة، هذا أولى ما قيل في تأويل الآية”.
وذكرت هنا أن الآية الكريمة يُستأنس بها لما رجحته ولم أقل يُستدل بها، وذلك لأن أهل التفسير لم يتفقوا على هذا المعنى، لكنه هو الذي أراه الأقرب من حيث اللغة، والله أعلم.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 30 شعبان 1444، الموافق 22/ 3/ 2023، والحمد لله رب العالمين.