دعوة إلى الاجتماع وعدم التفرق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون .
وصلتْني مقالة كتبها أحد الباحثين ـ جزاه الله خيرا ـ فيها دعوة طيبة إلى الاجتماع وعدم التفرق، فوددت نقل فقرات منها مع التعليق عليها، لعل في ذلك خطوة في سبيل توحيد الرؤى بين من يحملون هم توحيد الأمة الإسلامية وتجميع صفوفها:
قال الباحث:
“من السبل النافعة في اجتماع الأمة وائتلافها الحذر والتحذير من الاختلاف والافتراق”. وذكر آياتٍ كريمات وأحاديثَ نبويةً في التحذير من الاختلاف والتفرق.
أقول وبالله أستعين: جزاه الله خيرا وأثابه على حسن المقصد.
قال الباحث:
“التعريف الشامل للافتراق: هو الخروج عن منهج أهل السنة والجماعة في أصلٍ واحدٍ أو أكثر من أصول الدين الاعتقادية منها أو العملية”.
أقول:
لم يبين الباحث أصول منهج أهل السنة والجماعة الاعتقادية والعملية التي يقولون بها في أصول الدين، ووددت لو ذكر أهمها مع الاستدلال بنصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم، لنعرف من يدخل في هذا المسمى ومن لا يدخل.
قال الباحث:
“أهل الافتراق هم المخالفون لنهج السلف الصالح، ومنهم أهل الجدل والخصومات في الدين، وأهل الكلام، وأصحاب البدع والمحدثات في الدين، كالخوارج، والشيعة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم”.
أقول:
لم يبين الباحث نهج السلف الصالح، ولم يبين قبل ذلك من الذين يدخلون في مسمى السلف الصالح عنده.
وأخشى أن يكون الأخ الباحث من الذين يسمون شيوخهم أهل السلف الصالح ويخْرجون كل علماء المسلمين الذين لا توافق أقوالـُهم أقوالَ أولئك الشيوخ من دائرة السلف الصالح، وإذا كان الأخ الباحث من هؤلاء فإن دعوته للاجتماع ونبذ الافتراق ـ بهذه الطريقة ـ تفقد مصداقيتها.
قال الباحث:
“وقد حصل الافتراق في الأمة في أصولٍ كثيرةٍ، كتعطيل الأسماء والصفات، ومسألة الإيمان”.
أقول:
أسماء الله تبارك وتعالى وصفاته مذكورة في القرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة، فهل هي هذه الأسماء والصفات أو عند الباحث غيرها كذلك؟.
وكيف نفهم آيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.
الآيات القرآنية والأحاديث النبوية هي بلسان عربي مبين، فلا شك في أنها يجب أن تُفهم باللسان العربي الذي جاءت به وعلى وَفق أساليب العرب في البيان. فهل الأخ الباحث يقبل بهذا؟!، لا أدري.
وأما مسألة الإيمان فمن الغريب حقا أن لا نتفق حتى اليوم في معرفة ما الإيمان ونحن نتلو كتاب الله عز وجل ونقرأ أحاديث نبيه الكريم؟!.
قال الباحث:
“التفرق له أسبابه الكثيرة: فمنها: الخللُ في منهج التلقي: فمنهم من جعل علم الكلام والفلسفة مصدرا لمعرفة الحق، ومنهم من سلك طريق الكشف والذوق واعتمد على الرؤى والمنامات والأحاديث الضعيفة بل الموضوعة في معرفة الحق، ومنهم من جعل دينه التعصب للرجال والأحزاب والجماعات”.
أقول:
لا يجوز قبول شيء مما في علم الكلام أو الفلسفة أو غيرهما إلا إذا أيده النص القرآني أو النبوي، ولا يجوز اعتماد شيء منها مصدرا لمعرفة الحق، وإذا أيد النص القرآني أو النبوي شيئا منها فمصدر معرفة الحق هو النص، ولا يقول مسلم يؤمن بالله ورسوله غير هذا.
ولا يجوز الاعتماد على الرؤى والمنامات والأحاديث الضعيفة أو الموضوعة في معرفة الحق.
وليتنا ـ معشر أهل السنة ـ نحدد قواعد واضحة نتفق عليها ثم نناقش المختلف فيه بالحوار والاستدلال، منطلقين من المتفق عليه لحل مشاكل المختلف فيه.
قال الباحث:
“ومنها: اتباع الهوى الذي هو من أكبر الأسباب في ردِّ الحق والإقامة على الباطل كما قال سبحانه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}، وإنهما أمران لا ثالث لهما: إما أن يكون المرء متبعاً للحقِّ، أو يكون متبعاً للهوى، قال تعالى:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ}”.
أقول:
هذا صحيح، وليتنا ندعو كل الأطراف ممن يدخلون تحت الإطار العام لأهل السنة ليلتقوا في حوار علمي هادئ لمناقشة هذه الرؤى بعيدا عن الأهواء النفسية، وبعيدا عن التعصب لمذاهبهم أو مشايخهم أو رموزهم العلمية أو انتماءاتهم كيفما كانت.
قال الباحث:
“ومنها: اتباع المتشابه وترك المحكم الواضح المبين ، وقد حذَّر الله هذه الأمة من اتباع المتشابهات ، فقال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}”.
أقول:
بعض النصوص القرآنية والحديثية يعدها بعض المشايخ محْكمة ويعدها معارضوهم من المتشابه، وبعض ما يعده هؤلاء من المحْكم قد يعده الآخرون من المتشابه، فما المعيار الذي يُحتكم إليه؟!.
لا بد من الرجوع للغة وأساليب أرباب الفصاحة في البيان.
قال الباحث:
“ومنها: الابتداع في الدين، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}، وقال صلى الله عليه وسلم “من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ”.
أقول:
لا يجوز إحداث شيء في الدين مما ليس منه، ولكن كيف السبيل لتمييز ما هو منه مما ليس منه، فالذي يثبت أمرا فالواجب عليه أن يأتي بالدليل على صحة قوله، وكذلك الذي ينفي فالواجب عليه الدليل.
وأخيرا:
فإن بعض شرائح أهل السنة يحتكرون اسم أهل السنة لأنفسهم!، ويدَّعون أنهم هم وحدهم على الحق!، وأنهم ـ دون من سواهم ـ هم الفرقة الناجية!، فلا غرو أن يقابلهم بعض خصومهم بمثل ذلك!. واأسفاه.
نداء لمن يُسمون اليوم بأهل السنة:
يا معشر من تسمون أنفسكم اليوم بأهل السنة: ربكم واحد، وإلهكم واحد، ونبيكم واحد، وقرآنكم واحد، وقبلتكم واحدة، ومنهج التصحيح والتضعيف للمرويات يجب أن يكون عندكم واحدا، فاجتمعوا على الأصول المتفق عليها وتحاوروا في المختلف فيه، وكلما تم الاتفاق على جزئية من المختلف فيه فانقلوها إلى دائرة المتفق عليه.
لا أخص بهذا النداء من يُسمون بأهل السنة مدعيا أنهم هم وحدهم المسلمون، لكن لأنها خطوة على الطريق.
وأقول في الختام: اللهم اجمعنا على ما يرضيك عنا، وارض عنا رضًا لا سخط بعده، وصل وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وإخوانه، واجعلنا منهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 3/ 1/ 1438، الموافق 4/ 10/ 2016، والحمد لله رب العالمين.