حديث الجساسة
رُوي هذا الحديث عن فاطمة بنت قيس وجابر بن عبد الله وأبي هريرة وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
* ـ فأما حديث فاطمة بنت قيس فرواه مسلم [7496 ـ 7499] وأبو داود الطيالسي [1751] وابن أبي شيبة [38675] وابن راهويه [2361] وابن حنبل [27102، 27331، 27350] وأبو داود [4326 ـ 4327] والترمذي [2253] والنسائي في الكبرى [4244] وابنُ ماجه [4074] وابن حبان [6788 ـ 6789]، من ثمانية طرق عن عامر بن شراحيل الشعبي عنها.
وهذا نص الرواية في صحيح مسلم [7496]:
رواه من طريق عبد الله بن بُريدة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس أنها قالت: سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: “ليلزمْ كل إنسان مصلاه”. ثم قال: “أتدرون لم جمعْتكم؟”. قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: “إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتْهم دابة أهلبُ كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟. فقالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟. قالت: أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمَّتْ لنا رجلا فرِقنا منها أن تكون شيطانة، فانطلقنا سراعا، حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟. قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟. قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة، فلقيتْنا دابة أهلب كثير الشعر لا يُدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟. فقالت: أنا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟. قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعا، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟. قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟. قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر، أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟. قال: هل فيها ماء؟. قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، أخبروني عن عين زُغَر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟. قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟. قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟. قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتَلَه العرب؟. قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟. فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟. قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يُؤذن لي في الخروج، فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة منهما استقبلني ملَك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكةً يحرسونها”. قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعن بمخصرته في المنبر: “هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة”. يعني المدينة، “ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟!”. فقال الناس: نعم. “فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشأم، أو بحر اليمن، لا، بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو”. وأومأ بيده إلى المشرق، قالت: فحفظتُ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم ينفرد الشعبي وهو إمام ثقة برواية هذا الحديث، فقد رواه أبو داود [4325] وابن أبي عاصم في كتاب الآحاد والمثاني [3180] وأبو يعلى في معجمه [157] والطبراني في الكبير [922 من الجزء 24] من طرق عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس به نحوه.
ـ فاطمة بنت قيس صحابية، لكن هل هي مقبولة الرواية بإطلاق أو هي ممن ينبغي أن يُتوقف في قبول روايتها؟:
جاء في بعض المصادر أنها من المهاجرات الأُوَل!، وفي هذا نظر، فهي أخت الضحاك بن قيس، وهي أكبر منه بعشر سنين، وقد وُلد الضحاك فيما بين السنة الأولى والسنة السادسة من الهجرة، وإذا افترضنا أنه وُلد في السنة الأولى فتكون ولادتها قبل الهجرة بتسع سنوات، فمتى هاجرت حتى تكون من المهاجرات الأُوَل؟!، هذا في غاية البعد، ويبدو أن الإمام الذهبي رحمه الله قد استبعد ذلك، ولذا فإنه اقتصر في كتابه سير أعلام النبلاء على قوله عنها “إحدى المهاجرات”.
روتْ عن النبي صلى الله عليه وسلم أمرا يخصها ووهمتْ فيه، وذلك أنها قالت: “طلقني زوجي ثلاثا، فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة”. [صحيح مسلم: 3709، وانظر روايات الحديث عنده في 3698 ـ 3709].
وقد أنكر عليها روايتَها هذه من الصحابة عائشة وعمر رضي الله عنهما، فيبدو أنها لم تكن من أهل الضبط.
ـ فهذا الإسناد لا يُعتمد عليه.
* ـ وأما حديث جابر فرواه أبو داود [4328] والفاكهيُّ في أخبار مكة [1457] وأبو يعلى في مسنده [2164، 2178، 2200] من طريق الوليد بن عبد الله بن جُميع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعا به نحوه.
هذا الإسناد لين، لكن الأهم هو أنه معلول، فقد تقدم أنه رواه أبو داود وابن أبي عاصم في كتاب الآحاد والمثاني وأبو يعلى في معجمه والطبراني في الكبير من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس، كما تقدم، وليس عن جابر بن عبد الله، فرجع هذا الطريق إلى أنه طريق من طرق الحديث عن فاطمة بنت قيس.
وسئل الدارقطني في العلل [3290] عن هذا الحديث من طريق أبي سلمة عن جابر فقال: “يرويه الوليد بن عبد الله بن جُميع عن أبي سلمة عن جابر، وخالفه الزهري، رواه عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس، وقول الزهري أشبه بالصواب”.
* ـ وأما حديث أبي هريرة وعائشة فرواه الطبراني في المعجم الكبير [برقم 960 من الجزء 24] عن الحسين بن إسحاق عن عثمان بن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن سليمان بن أبي سليمان الشيباني عن الشعبي عن محرر بن أبي هريرة عن أبيه، وعن الشعبي عن عبد الله بن أبي بكر عن عائشة.
[الحسين بن إسحاق التستري صدوق. عثمان بن أبي شيبة ثقة له أوهام. محمد بن فضيل صدوق. سليمان بن أبي سليمان الشيباني ثقة. عامر بن شراحيل الشعبي ثقة. محرر بن أبي هريرة ذكره ابن حبان في الثقات. عبد الله بن أبي بكر لم أجد رجلا بهذا الاسم في شيوخ الشعبي ولا في الرواة عن عائشة]. فهذا الطريق ضعيف.
ـ ورواه ابن منده في كتاب الإيمان [1057] عن محمد بن الحسين بن الحسن عن أحمد بن الأزهر بن منيع عن أسباط بن محمد عن سليمان بن أبي سليمان الشيباني عن الشعبي عن محرر بن أبي هريرة عن أبيه، وعن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن عائشة.
[محمد بن الحسين بن الحسن القطان الراوي عن أحمد بن الأزهر بيَّض له الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد والذهبي في تاريخ الإسلام. أحمد بن الأزهر بن منيع صدوق. أسباط بن محمد ثقة له أوهام]. فهذا الطريق ضعيف.
ـ ورواه الحميدي [368] وابن أبي شيبة [38791] وابن راهويه [2362 ـ 2364] وابن حنبل [27101، 27349] والطبراني في الكبير [برقم 961 من الجزء 24] من طرق عن مجالد بن سعيد عن الشعبي عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه، وعن القاسم بن محمد عن عائشة.
[مجالد بن سعيد ضعفه العلماء تضعيفا شديدا، وقال ابن حنبل: ليس بشيء. وقال عبد الرحمن بن مهدي: حديث مجالد عند الأحداث يحيى بن سعيد وأبي أسامة ليس بشيء. وقال يحيى بن سعيد لمن أراد أن يكتب السيرة عن وهب بن جرير عن أبيه عن مجالد: “تكتب كذبا كثيرا، لو شئتُ أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فَعَل”]. فهذا الطريق شديد الضعف.
ـ ولحديث أبي هريرة طريق آخر رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده الكبير عن محمد بن أبي بكر عن سعد بن زياد أبي عاصم عن مولاه نافع عن أبي هريرة، ذكره البوصيري في كتابه إتحاف الخيرة المهرة [5596] وابن كثير في كتاب النهاية في الفتن والملاحم.
[محمد بن أبي بكر المقدمي بصري صدوق ثقة مات سنة 234. أبو عاصم سعد بن زياد روى عن نافع مولى حمنة بنت شجاع وغيرِه، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه وليس بالمتين. وذكره الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء وفي ميزان الاعتدال ونقل فيهما قول أبي حاتم ليس بالمتين. نافع مولى حمنة ذكره ابن حبان في الثقات]. فهذا الطريق ضعيف.
* ـ خلاصة البحث في الإسناد أنه ضعيف، وأما المتن فمنكر، والله أعلم.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 20/ 1/ 1444، الموافق 18/ 8/ 2022، والحمد لله رب العالمين.