هل اشتملت كتابات بعض المناوئين للأشاعرة على اتهام بلا برهان؟
النبذة: 3
ـ قال الباحث الأول في كتابه عن عقائد الأشاعرة: “الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري خالف الأشاعرة فيما هو من خصائص مذهبهم، فمثلا خالفهم في الإيمان”.
ـ قلت في كتابي عقائد الأشاعرة في حوار هادئ مع شبهات المناوئين:
[ذكر الباحث أن ابن حجر خالف الأشاعرة فيما هو من خصائص مذهبهم، ومن ذلك أنه خالفهم في الإيمان، وأحال الباحث إلى الجزء والصفحة من فتح الباري، ولكن الموجود في ذلك الموضع لا يخالف ما قاله الأشاعرة.
[قال ابن حجر: “والإيمان لغة التصديق، وشرعاً تصديق الرسول فيما جاء به عن ربه، وهذا القدر متفق عليه، ثم وقع الاختلاف: هل يشترط مع ذلك مزيد أمر من جهة إبداء هذا التصديق باللسان المعبِّر عما في القلب إذ التصديق من أفعال القلوب؟ أو من جهة العمل بما صدق به من ذلك كفعل المأمورات وترك المنهيات؟… فالسلف قالوا هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله، والمرجئة قالوا هو اعتقاد ونطق فقط، والكرامية قالوا هو نطق فقط، والمعتزلة قالوا هو العمل والنطق والاعتقاد، والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحته والسلف جعلوها شرطاً في كماله”.
[ومما ينبغي التنبيه عليه ـ وإن كان لا يغيب عن فطنة الفطِن ـ هو أن ابن حجر لم يذكر قولاً للأشاعرة في مسألة الإيمان، وما ذاك إلا لأنه يعتقد أن قولهم لا يخرج عن قول السلف، إذ تفسير الأشاعرة للإيمان بالتصديق والاعتقاد لا يعني أنهم يطرحون قول اللسان وعمل الجوارح، وإنما يعني أن الإيمان الذي يخرج به المرء من الكفر إلى الحد الأدنى من الإيمان هو التصديق والاعتقاد، وأما القول والعمل فهما من ثمار الإيمان، وهما شرط في كمال الإيمان لا في صحته.
[فهل خالف ابن حجر الأشاعرة في الإيمان؟!، فتأمل ـ أيها القارئ المنصف ـ واعجب!].
أقول:
ذكر ابن حجر رحمه الله في مسألة الإيمان قول السلف وأقوال المرجئة والكرامية والمعتزلة، والسياق يفيد بأنه يقول بقول السلف وهو أن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان، وأنهم أرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله.
والمطلوب من المناوئين للأشاعرة اليوم أن يذكروا نصوص علماء الأشاعرة ـ من كتبهم ـ التي يقولون فيها بما يخالف ما ذكره ابن حجر عن السلف، أي بأن العمل بالأركان ليس شرطا في الإيمان لا في صحته ولا في كماله، ويكفينا نصوص ثلاثة من علمائهم.
فإن أتوا بذلك علمنا أن الباحث الأول كان أمينا ودقيقا في النقل عنهم، وإلا فهو يذكر النقول دون تحرٍ ولا تثبت.
قال ابن تيمية رحمه الله: “الذي يدل عليه القرآن أن كل من تكلم بلا علم فأخطأ فهو كاذب، وكذلك الذي يدل عليه الشرع أن كل من أخبر بخبر ليس له أن يخبر به وهو غير مطابق فإنه يسمى كاذبا وإن كان لم يتعمد الكذب”.
وحسبنا الله ونعم الوكيل.