سأل سائل : مَن هم الجهميَّةُ؟
كثيرا ما يتشدّق أدعياء السلفية من الوهابية وغيرهم بلفظ الجهمية ناسبين أعلم علماء أهل السُّنة إلى تلك الفرقة، فيحسنُ بنا لتنبيه الغافلين أن نشير إلى أبرز مقالات هذه الفرقة حتى يعلم العاقل مدى كذب أدعياء السلفية على أهل السنة.
الجهميةُ فرقة منسوبة إلى جهم بن صفوان، وهم قائلون بأنه لا قدرة للعبد أصلا، واللهُ لا يعلمُ شيئا قبل وقوعه، وعلمهُ حادث لا في محلّ، ولا يتصف بما يتصف به غيره كالعلم، والجنة والنار يفنيان، ووافقوا المعتزلة في نفي الرؤية، وفي خلق الكلام، وإيجاب المعرفة بالعقل، وغير ذلك من المقالات الباطلة.
فانظر الآن أيها العاقل إلى هذه المعتقدات الزائغة وقارنها بعقائد أهل الحق الأشاعرة وهم جمهور هذه الأمة وحفظة الكتاب وشرّاح السنة وأئمة اللغة والفقه وسائر العلوم قبل ولادة الوهابية وجميع فرق أدعياء السلفية بقرون، يظهر لك الحق أبلج كالشمس في كبد السماء بإذن الله تعالى.
انتهى قول السائل الأول .
عقب الأستاذ السائل الثاني قائلا:
الشكر للأستاذ السائل الأول على تنبيهه للفروق بين عقيدة الجهم بن صفوان وعقيدة الأشعرية، لأن التفريق بين مقالات الناس مطلب معرفي مهم، لكن الواقع أن أهل السنة إذا نسبوا الأشعرية إلى التجهم فلا يعنون التطابق بين عقائدهم وعقائد الجهم، بل يميزون ويفرقون، كما يحب الأستاذ نزار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (التسعينية) (1 /265-271) : (الجهميَّةُ على ثلاثِ درجَات :
1- فشرها الغالية : الذين ينفون أسماءَ الله وصفاته ، وإن سَمَّوهُ بشيء من أسمائه الحسنى قالوا : هو مجازٌ ، فهو في الحقيقة عندهم ليس بحي ولا عالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير ولا متكلم ولا يتكلم ، وكذلك وصف العلماء حقيقة قولهم ، كما ذكره الإمام أحمد فيما أخرجه في الرد على الزنادقة والجهمية ، وأبو الحسن الأشعري في كتاب الإبانة ومقالات الإسلاميين .
وهذا القولُ الذي هو قول الغالية النفاة للأسماء حقيقة ، هو قول القرامطة الباطنية ، ومن سبَقَهم من إخوانهم الصابئة الفلاسفة .
2 – والدرجة الثانية من التجهم : هو تجهُّم المعتزلةِ ونحوِهم ، الذين يُقرُّون بأسماء الله الحسنى في الجملة ، لكن ينفُون صفاتِه، وهم أيضاً لا يقرون بأسماء الله الحسنى كلِّها على الحقيقة ، بل يجعلُون كثيراً منها على المجاز ، وهؤلاء هُمُ الجهميَّةُ المشهُورونَ .
3- وأما الدرجةُ الثالثَةُ : فهُمُ الصِّفاتِيَّةُ المثبتُون المخالفون للجهمية ، لكن فيهم نوعٌ من التجهُّم ، كالذين يُقرُّون بأسماء الله وصفاته في الجملة ، لكن يردُّون طائفةً من أسمائه وصفاته الخبرية ، أو غير الخبرية ، ويتأوَّلُونها كما تأوَّل الأولون صفاتِه كلَّها .
ومن هؤلاء من يُقرُّ بصفاتِه الخبريَّةِ الواردةِ في القرآن دونَ الحديث ، كما عليه كثيرٌ من أهل الكلام والفقه وطائفةٌ من أهل الحديث .
ومنهم من يُقرُّ بالصفاتِ الواردة في الأخبار أيضاً في الجملة ، لكن مع نفيٍ وتعطيلٍ لبعض ما ثبت بالنصوص وبالمعقول ، وذلك كأبي محمد بن كلاب ومن اتَّبعه .
وفي هذا القسم يدخُل أبو الحسن الأشعريُّ وطوائفُ من أهل الفقه والكلام والحديث والتصوف ، وهؤلاء إلى أهل السنة المحضَةِ أقربُ منهم إلى الجهمية والرَّافضة والخوارج والقدرية ، لكن انتسب إليهم طائفةٌ هم إلى الجهمية أقربُ منهم إلى أهل السُّنَّة المحضةِ ، فإن هؤلاء ينازِعُون المعتزلة نزاعاً عظيماً فيما يُثبِتُونه من الصفات أعظم من منازعتهم لسائر أهل الإثبات فيما ينفُونه .
وأما المتأخرون فإنهم والوا المعتزلة وقاربوهم أكثر وقدَّموهم على أهل السنة والإثبات، وخالفوا أوليهم، ومنهم من يتقارب نفيه وإثباته وأكثر الناس يقولون إن هؤلاء يتناقضون فيما يجمعونه من النفي والإثبات) .
انتهى تعقيب الأستاذ الثاني
كتب الشيخ صلاح الدين الإدلبي ما يلي :
السلام عليكم ورحمة الله
أرى أنه لا يجوز أن نحكم على طائفة كبيرة من المسلمين اعتمادا على قول من يناصبهم العِداء ويحكم عليهم بالابتداع
وخاصة إذا كان من عادته أن يطلق الأقوال الاتهامية على الناس ولا يذكر نصوص كلامهم
وكذا إذا كانت له غرائب عقدية يحتج لها بالأدلة الواهية
فمن الواضح أنه سيعادي ويبدِّع من لا يوافقه عليها
ففي المنهج العلمي في الدنيا هذا غير مقبول
والمشكلة الكبرى هي في الآخرة وليست في الدنيا لأن الدنيا دار ممر والآخرة فيها المستقر
في الحديث المتفق عليه وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم
هذه المشكلة لها حل سهل لعله يرضي الأطراف المختلفة
ايتوا بنصوص الأشاعرة من كتبهم واعرضوها على محْكمات الكتاب والسنة فما وافق فاقبلوه وما خالف فأنكروه وتبرؤوا منه وما كان محتمِلا فاتركوه
ولنتعامل بهذا المنهج مع أقوال كل العلماء السابقين على حد سواء
وبدون هذا تستمر حالة التفرق والانقسام لكن باستعماله تتوثق عرى الاجتماع والوئام والله أعلم
انتهى كلام الشيخ صلاح الدين الإدلبي