حديث “اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة”
ـ هذا الحديث رواه ابن حنبل وعبد بن حميد والبخاري في التاريخ الكبير والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجه وابن خزيمة والبغوي وابن قانع كلاهما في معجم الصحابة والطبراني في المعجم الكبير وفي الدعاء والبيهقي في دلائل النبوة، من طرق عن عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة عن أبي جعفر قال سمعت عمارة بن خزيمة يحدث عن عثمان بن حُنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني. فقال: “إن شئتَ دعوتُ لك، وإن شئتَ أخرتَ ذاك فهو خير”. فقال: ادْعُهْ. فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعوَ بهذا الدعاء “اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتـُقضى لي، اللهم شفعه فيَّ”.
وجاء عند البيهقي وابن قانع والطبراني: عن أبي جعفر الخطمي. ورواه ابن حنبل والبيهقي في الدعوات عن روح بن عبادة عن شعبة عن أبي جعفر المديني.
[عثمان بن عمر بن فارس بصري ثقة مات سنة 209. شعبة بن الحجاج بن الورد الواسطي البصري ثقة ثقة مات سنة 160. أبو جعفر الخطمي عمير بن يزيد مدني نزيل البصرة صدوق ثقة مات بعد سنة 140 في قول الذهبي في تاريخ الإسلام، وأرجح أنه مات بعد سنة 130. عمارة بن خزيمة بن ثابت مدني ثقة مات سنة 105. عثمان بن حُنيف صحابي شهد أحدا وما بعدها ومات بعد سنة 40].
ورواه ابن حنبل عن مؤمل بن إسماعيل، والنسائيُّ في الكبرى عن محمد بن معمر البحراني عن حَبان بن هلال، والبخاريُّ في التاريخ الكبير عن شهاب، ثلاثتهم عن حماد بن سلمة قال أخبرنا أبو جعفر عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف، به نحوه. وجاء عند ابن حنبل والبخاري في التاريخ الكبير: عن أبي جعفر الخطمي.
ورواه يعقوب بن سفيان في مشيخته وابن السني في عمل اليوم والليلة والحاكم والبيهقي في دلائل النبوة من طرق عن أحمد بن شَبيب بن سعيد، ورواه ابن قانع وأبو نعيم كلاهما في معجم الصحابة والطبراني في المعجم الصغير وفي الدعاء والبخاريُّ في التاريخ الكبير من طرق عن عبد الله بن وهب، كلاهما عن شَبيب بن سعيد عن روح بن القاسم عن أبي جعفر عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف عن عمه عثمان بن حنيف، به نحوه. وجاء عند ابن السني والحاكم: عن أبي جعفر المدني وهو الخطمي. وجاء عند الطبراني: عن أبي جعفر الخطمي.
ورواه البخاري في التاريخ الكبير عن محمد بن المثنى عن معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه عن أبي جعفر يزيد بن عمير أو عمير بن يزيد عن أبي أمامة بن سهل عن عمه، ورواه النسائي في الكبرى عن زكريا بن يحيى عن محمد بن المثنى، به، غير أنه ليس عنده تسمية أبي جعفر. هذا ومن المعلوم أن معاذ بن هشام في حفظه لين، وقد ظهر بعض هذا هنا حيث شك في اسم أبي جعفر هل هو يزيد بن عمير أو عمير بن يزيد؟.
ـ مَن هو أبو جعفر الذي روى عنه شعبة وحماد بن سلمة وروح بن القاسم وهشام الدستوائي هذا الحديث؟:
جاء في عدد من الطرق المتقدمة أنه أبو جعفر المدني، وفي عدد منها أنه أبو جعفر المدني وهو الخطمي، وفي عدد منها أنه أبو جعفر الخطمي.
روى شعبة عن ثلاثة يُكنون بأبي جعفر: أبو جعفر الفراء وهو كوفي، وأبو جعفر مؤذن مسجد العريان وهو كوفي ويقال بصري، وأبو جعفر عمير بن يزيد الخطمي وهو مدني نزل البصرة.
وروى حماد بن سلمة عن اثنين يُكنيان بأبي جعفر: أبو جعفر عبد الملك وهو بصري، وأبو جعفر عمير بن يزيد الخطمي وهو مدني نزل البصرة.
فأبو جعفر الذي روى عنه شعبة وحماد بن سلمة هذا الحديث ـ كما في عدة روايات ـ هو المدني، وهو الخطمي، ولم أجد فيمن روى عنهم روح بن القاسم وهشام الدستوائي ولا فيمن روى عن عمارة بن خزيمة وأبي أمامة بن سهل بن حنيف أحدا يُكنى بأبي جعفر سوى أبي جعفر الخطمي، وفي هذا دلالة على أن أبا جعفر الوارد في سند هذا الحديث هو أبو جعفر عمير بن يزيد الخطمي الثقة الذي وثقه جماعة من الأئمة.
وهذه أقوال أئمة المحدثين التي تؤكد من هو أبو جعفر الوارد في السند:
روى الطبراني في الدعاء عن علي بن المديني أنه قال: ورواه روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة بن سهل.
وذكر البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة عثمان بن حنيف عددا من روايات هذا الحديث، وفي بعضها التصريح بأن أبا جعفر هو الخطمي وفي بعضها التصريح باسمه واسم أبيه، ولم يتعقبها بشيء، فالظاهر أنه يرى صحتها.
وقال النسائي في السنن الكبرى: خالفهما هشام الدستوائي وروح بن القاسم فقالا عن أبي جعفر عمير بن يزيد عن أبي أمامة بن سهل.
وقال الطبراني في المعجم الصغير: وقد روى هذا الحديثَ شعبة عن أبي جعفر الخطمي واسمه عمير بن يزيد، وهو ثقة، والحديث صحيح. وقال الطبراني في كتاب الدعاء: خالف شعبةُ روحَ بنَ القاسم في إسناد هذا الحديث، فرواه عن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه.
وقال البيهقي في دلائل النبوة: وكذلك رواه حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي.
فلم يبق بعد كل هذا شك في أن أبا جعفر الذي جاء في سند الحديث هو عمير بن يزيد الخطمي المدني نزيل البصرة.
ـ ملخص سند الحديث:
هذا الحديث رواه شعبة بن الحجاج وحماد بن سلمة عن أبي جعفر عمير بن يزيد عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف، ورواه روح بن القاسم وهشام الدستوائي عن أبي جعفر عمير بن يزيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف، وهؤلاء كلهم ثقات.
ولكن، هل روى أبو جعفر عمير بن يزيد الخطمي هذا الحديث عن عمارة بن خزيمة بن ثابت أو عن أمامة بن سهل بن حنيف أو عن كليهما؟، رجح أبو زرعة الرازي الرواية الأولى من هاتين، ورجح ابن أبي حاتم الثانية.
وحيث إن الإسناد صحيح على كلا الترجيحين فالحكم على إحدى الروايتين بالإعلال ـ إن قلنا به هنا ـ هو من باب العلة غير القادحة.
ـ والخلاصة أن الحديث في الجملة صحيح.
* وفي بعض روايات هذا الحديث زيادة، هي أن عثمان بن حنيف علم رجلا أن يدعو بهذا الدعاء في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فيكون للحديث قصة موقوفة بالإضافة إلى القصة المرفوعة:
قال الطبراني في المعجم الكبير: حدثنا طاهر بن عيسى ابن قِيرِس المصري المقرئ حدثنا أصبغ بن الفرج حدثنا ابن وهب عن أبي سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف، أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي ابنَ حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل “اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فتقضيَ لي حاجتي”، وتذكرُ حاجتك، ورُحْ حتى أروح معك. فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى بابَ عثمان بن عفان رضي الله عنه، فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان، فأجلسه معه على الطِنفِسة، فقال: حاجتك؟. فذكر حاجته وقضاها له، ثم قال له: ما ذكرتُ حاجتك حتى كان الساعة. وقال: ما كانت لك من حاجة فاذكرها. ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمانَ بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيرا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمتَه فيَّ. فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمتُه، ولكني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فتصبر؟. فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد وقد شق علي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ائت الميضأة فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات. قال ابن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط.
[طاهر بن عيسى المصري وثقه ابن ماكولا في الإكمال، ومات سنة 292. أصبغ بن الفرج مصري صدوق ثقة مات سنة 225. عبد الله بن وهب مصري ثقة مات سنة 197. أبو سعيد هو شَبيب بن سعيد بصري ثقة فيه لين مات سنة 186، وكان يختلف في تجارة إلى مصر، أي إنه كان يسافر إلى مصر مرة بعد مرة للتجارة. روح بن القاسم بصري ثقة مات سنة 141. أبو جعفر الخطمي عمير بن يزيد مدني نزيل البصرة صدوق ثقة مات بعد سنة 140 في قول الذهبي في تاريخ الإسلام، وأرجح أنه مات بعد سنة 130. أبو أمامة بن سهل بن حنيف مدني من كبار التابعين الثقات ولد سنة 9 ومات سنة 100].
وقال أبو نعيم في كتاب معرفة الصحابة: حدثنا أبو عمرو حدثنا الحسن حدثنا أحمد بن عيسى حدثنا ابن وهب قال أخبرني أبو سعيد، واسمه شبيب بن سعيد من أهل البصرة، عن أبي جعفر المديني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف، أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له، فكان لا يلتفت إليه، فلقي ابنَ حنيف فشكا ذلك إليه. الحديثَ بطوله.
[أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان نيسابوري ثقة مات سنة 377. الحسن بن سفيان نسائي ثقة إمام مات سنة 303. أحمد بن عيسى بن حسان مصري صدوق فيه لين مات سنة 243].
ورواه البيهقي في دلائل النبوة عن أبي سعيد عبد الملك بن أبي عثمان الزاهد عن أبي بكر محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي القفال عن أبي عروبة عن العباس بن الفرج عن إسماعيل بن شبيب عن أبيه عن روح بن القاسم عن أبي جعفر المديني، به نحوه.
[عبد الملك بن محمد بن إبراهيم الزاهد نيسابوري ثقة مات سنة 407. أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي ثقة مات سنة 365. أبو عروبة الحسين بن محمد بن مودود الحراني ثقة إمام مات سنة 318. العباس بن الفرج الرياشي بصري صدوق مات سنة 257. إسماعيل بن شَبيب بن سعيد: لم أجد لشَبيب بن سعيد ولدا بهذا الاسم، وابنه اسمه أحمد، وهو معروف بالرواية عن أبيه، وقد روى عن أبيه الجزء المرفوع بهذا الإسناد، كما تقدم، فالظاهر أن اسمه تصحَّف هنا، وأحمد بن شبيب بن سعيد بصري ثقة فيه لين مات سنة 229].
وبمجموع هذه الطرق فإسناد القصة الموقوفة التي فيها تعليم عثمان بن حنيف هذا الدعاءَ للرجل في خلافة عثمان رضي الله عنه صحيح كذلك.
إشكال وجواب: قد يقال إن شَبيب بن سعيد وثقه جماعة من الأئمة ولكن حدَّث عنه ابن وهب أحاديث مناكير، فيخشى أن تكون هذه الرواية من تلك المناكير.
أقول: لم ينفرد عبد الله بن وهب بهذه الرواية عن شَبيب بن سعيد، بل رواها عنه ابنه كذلك، فصح الإسناد بمجموع الطريقين.
* هذا وقد أعلَّ أحد المشايخ الأفاضل هذا الحديث بأربع علل، فلا بد من استعراضها والتعليق عليها:
قال الشيخ الفاضل: [العلة الأولى: أن شعبة يرويه عن أبي جعفر غير منسوب وغير مسمى، وإنما ذكر بكنيته، وأبو جعفر هذا قال فيه الترمذي “وليس الخطميَّ”، فـأبو جعفر الخطمي ثقة مدني معروف، ولكن أبو جعفر هذا لا يُدرى من هو، والذين صححوا الحديث اعتمدوا على أن أبا جعفر هذا هو الخطمي].
أقول:
أبو جعفر الوارد في سند هذا الحديث جاء في عدد من الروايات أنه المدني، وجاء في عدد من الروايات الأخرى أنه الخطمي، فالذي يقول فيه “لا يُدرى من هو” يبدو أنه لم يقف على تلك الطرق التي تقدمت في تخريج الحديث.
وقد قال كبار أئمة علماء الحديث بأن أبا جعفر الوارد في السند هو عمير بن يزيد الخطمي، منهم علي بن المديني والبخاري والنسائي والطبراني والبيهقي، واجتماع كلمتهم على مثل هذا الأمر لا يسوغ مخالفته بدون حجة.
ثم إن الشيخ نقل عن الترمذي جازما بأنه قال “أبو جعفر ليس الخطميَّ”، وللبيان أقول:
اختلفت نسخ سنن الترمذي في نقل هذه الكلمة عنه، ففي بعض النسخ “لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث أبي جعفر، وهو الخطمي”. وفي بعض النسخ “وهو غير الخطمي”. بزيادة لفظة “غير”.
فلا بد من تتبع القرائن من أجل الترجيح، والراجح عندي أن الترمذي إنما قال “وهو الخطمي”، وأن إدخال لفظة “غير” في هذا النص خطأ، وذلك لعدد من الأسباب: منها أن عدة روايات من روايات هذا الحديث قد جاء فيها التصريح بأن أبا جعفر هو الخطمي، وبعضها جيد الإسناد، ولعل الأقرب أنها لا تخفى على الترمذي، ومنها أن القول الموافق لما عليه خمسة من المحدثين الحفاظ أولى من أن يُنسب للترمذي قول ينفرد به دونهم، ومنها أن الحافظ المزي والحافظ ابن كثير رحمهما الله نقلا قول الترمذي على هذا الحديث في تحفة الأشراف وفي البداية والنهاية بدون زيادة هذا اللفظ المشكوك فيه، والنسخ التي يعتمدها العلماء لها منزلة كبيرة في الترجيح.
وهذا كله يرجح أن الترمذي قال في كتابه السنن عن هذا الحديث “لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث أبي جعفر، وهو الخطمي”.
قال الشيخ الفاضل: [العلة الثانية: أن النسائي أخرج هذا الحديث من وجه آخر في السنن فقال فيه “عن أبي جعفر عن عمارة بن زيد بن ثابت”، بدل “عمارة بن خزيمة بن ثابت”، وهذه العلة ما وجدتُ من نبه عليها من الذين تكلموا على هذا الحديث، وقد بحثت عن عمارة بن زيد بن ثابت هذا فما وجدت له ذكراً في كتب الرجال، إلا ذكراً لا يبشر بخير، وهو أنه قـُتل في معاقرة الخمر، فلا يصلح للاحتجاج به، وعلى هذا فإن إسناد الحديث فيه اختلاف على الراوي أبي جعفر هذا، هل شيخه فيه عمارة بن زيد بن ثابت أو عمارة بن خزيمة بن ثابت؟، عمارة بن خزيمة بن ثابت لا إشكال فيه، لأنه ثقة من التابعين، وعمارة بن زيد بن ثابت هو الذي ذكرناه، ولا نعرف له ترجمة ولا ذكراً إلا في هذه الواقعة].
أقول:
إذا جاء اسم الراوي في مواضع كثيرة في مصادر التخريج “عمارة بن خزيمة بن ثابت” وجاء مرة واحدة في أحد المصادر “عمارة بن زيد بن ثابت” فهذا يعني أن الصواب هو الأول، وأن الثاني ـ إذا صح أنه في النسخة كذلك ـ هو مجرد خطأ من أوهام النساخ، وأنه لا يصح القولُ ـ من أجل هذا ـ بأن إسناد الحديث فيه اختلاف على الراوي يؤثر في درجة الحديث.
هذا وقد رجعت إلى أكثر من طبعة من السنن الكبرى للنسائي فلم أجد فيه هذا الراوي “عمارة بن زيد بن ثابت” البتة، ورجعت إلى تحفة الأشراف للمزي وعدد من الكتب التي ترجمت لرجال الكتب الستة فلم أجده فيها كذلك، ولو كان قد ورد اسمه في أحد الأسانيد في سنن النسائي الكبرى لذكر في هذه المصادر.
تنبيه: قول الشيخ عن التابعي عمارة بن زيد بن ثابت إنه “قـُتل في معاقرة الخمر” هو مجرد توهم، وقد عزى قصة قتله إلى الموطأ بإبهام اسمه وإلى المحلى لابن حزم بالتصريح بالاسم، وليس فيهما أن المقتول كان يشرب الخمر، وغاية ما فيهما أن القاتل هو الذي كان شاربا للخمر لدرجة السُكْر:
ففي الموطأ عن مالك أنه بلغه أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان يذكر أنه أتِي بسكران قد قتل رجلا، فكتب إليه معاوية أن اقتله به.
وقال ابن حزم في المحلى: “ومن طريق يحيى بن سعيد الأنصاري وعبد الرحمن بن أبي الزناد أن معاوية أقاد من السكران، قال ابن أبي الزناد: وكان القاتلُ محمدَ بنَ النعمان الأنصاريَّ والمقتولُ عمارةَ بنَ زيدِ بن ثابت”. قال ابن حزم: وهذا لا يصح، لأن يحيى لم يولد إلا بعد موت معاوية، وعبد الرحمن بن أبي الزناد في غاية الضعف”.
كما جاء في أحد الأسانيد عند ابن عساكر عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه قال: قتل نعيمانُ وهو سكرانُ عمارةَ بنَ زيد بنِ ثابت. فلم يأت في أي مصدر من هذه المصادر أن عمارة بن زيد بن ثابت كان يعاقر الخمر.
قال الشيخ: [العلة الثالثة: أن فيه أن عثمان احتجب عنه، وما عُرف عن أحد من الخلفاء الراشدين أنه احتجب، بل كان يأذن لكل من طرق إلا في أوقات الانشغال، وكيف يكون محتجباً عن الناس وهو يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من ولي من أمر أمتي شيئاً فاحتجب عنهم احتجب الله عنه يوم القيامة”، فلا يمكن أن يحتجب عن ذوي الحاجات من المسلمين].
أقول:
لا بد أولا من أن نلحظ أمرا هاما في المنهج، وهو أنه إذا كان الحديث فيه قصة مرفوعة وقصة موقوفة وكان الجزء الموقوف فيه ضعف أو نكارة فهذا لا يعني أن الجزء المرفوع الوارد في الحديث ضعيف كذلك، هذا إذا سلمنا أن الجزء الموقوف في هذا الحديث ضعيف سندا أو متنا، لكنه ليس بضعيف لا في السند ولا في المتن.
القصة الموقوفة ليس فيها أن عثمان بن عفان رضي الله عنه احتجب عن الرجل، وغاية ما فيها أن عثمان كان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، وربما كان ذلك في أوقات الانشغال، ثم إن الرجل صنع ما قال له عثمان بن حنيف، ثم أتى بابَ عثمان بن عفان، فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله عليه، فأجلسه عثمان معه على الطِنفِسة، وقضى له حاجته، وقال له: ما ذكرتُ حاجتك حتى كان الساعة.
فالقصة الموقوفة سندها صحيح وليس فيها غرابة ولا نكارة، فهي بعيدة عن الحكم عليها بالضعف، والقصة المرفوعة أقوى ثبوتا منها.
قال الشيخ: [العلة الرابعة: أن في هذا الحديث “اللهم شفعني فيه وشفعه فيَّ”، كيف تشفـَّع في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!، فقد فسرها العلماء بأن معنى “اللهم شفعني فيه”: اللهم تقبل دعائي له بالإجابة، و”شفعه فيَّ” معناها: تقبل دعاءه لي بالشفاء].
أقول:
المعقول أن يقول ذلك الرجل “اللهم شفعه فيَّ”، أي اقبل شفاعته فيَّ إذا شَفَع لي، وجاء في الحديث أن الله تعالى يقول لنبينا صلى الله عليه وسلم يوم القيامة “واشفع تُشفـَّع”، وليس من المعقول أن يقول الرجل “اللهم شفعني فيه”، حتى ولا بذلك التفسير الذي نقله الشيخ ساكتا عليه.
واللفظ الذي جاء في بعض روايات هذا الحديث هو “اللهم فشفعه فيَّ”، دون اللفظ الآخر، وجاء في بعضها “اللهم فشفعه فيَّ وشفعني في نفسي”، وهذان لا غبار عليهما، وجاء في بعضها “اللهم فشفعه فيَّ وشفعني فيه”، ولكن راويَ هذا اللفظ شك فيه بعد ذلك، فقد قال بعض من رواه عنه: ثم كأنه شك بعدُ في “وشفعني فيه”.
فهذه اللفظة الأخيرة “وشفعني فيه” ضعيفة سندا ومتنا.
ـ والخلاصة أن الحديث صحيح بكلا الجزأين المرفوع والموقوف، فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتعليمُ عثمان بن حُنيف هذا الدعاءَ للرجل في خلافة عثمان بن عفان ثابت كذلك.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 1/ 9/ 1436، الموافق 18/ 6/ 2015، والحمد لله رب العالمين.
جزاكم الله خير الجزاء وأحسن الله إليكم بما تذودون به عن الحق واهله
جزاك الله خيرا .. كنا نظن أن الدعاء بالتوسل لم يذكر عن النبي صلّ الله عليه وسلم ..فشكرا لك على التوضيح ..
ما شاء الله .. الله يجزيكم عنا و عن الأمة الإسلامية خير الجزاء
بإنتظار المزيد …
وفقكم الله
جزاك الله خيراً وأكرمك بما تحب ، وأجزل لك العطاء في الدنيا والآخرة ، فإنك تذود عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شفيع الأولين والاخرين ، ولا أعلم حقيقة ما يضير بعض المشايخ من محاولة تضعيف بعض الأحاديث والآثار من أجل إثبات منهجهم الغليظ الجاف الجافي عن سنة الحبيب الشفيع ،ولا أعلم ما هي المصلحة والفائدة في ابعاد الناس عن التوسل بنبيهم ، إن كنّا نجد لبعضهم العذر في الإنكار عمن يتوسل بالصالحين فما بالهم بمن يتوسل بالحبيب؟ ولا يغرنكم مقالكم ان ذلك كان في حياته وأما بعد موته فلا يصح التوسل به صلى الله عليه وسلم ،بل النبي صلى الله عليه وسلم حيّا الان في الحياة البرزخية وتعرض عليه أعمالنا . اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون مقام نبيك المصطفى المجتبى . ولا أخفيكم سراً أني ما دعوت الله بهذا الدعاء إلا واستجاب الله لي بفضله ومنه وكرمه .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين
ماشاء الله،هذا الدعاء نفعني كثيرا
مفيد جدا جزاكم الله خيرا
جزاكم الله خيرا، استفدت من هذا التوضيح.
جزاك الله خيرا
حديث اريد التأكد هل يجوز التوجه بالدعاء
بجعل النبي صلى الله عليه وسلم واسطه
بيني وبين الله
رد الشيخ صلاح الدين الإدلبي:
وعليكم السلام ورحمة الله
واسطة في ماذا؟؟
الواجب التوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء وأن يطلب المسلم من ربه جل جلاله
وإذا قال “اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة” فهو يسأل الله تعالى وليس أحدا سواه ، ولكن كأنه يجعل النبي صلى الله عليه وسلم شفيعا له عند الله تعالى ليستجيب دعاءه
والله أعلم
جزاكم الله خيرا مولانا على هذا التوضيح والبيان في تخريج الحديث والكلام باستيفاء، وفقكم الله لما يحب ويرضى ونفع الله بكم وسدد خطاكم آمين.
ماشاء الله،هذا الدعاء نفعني كثيرا