بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين، وعلى آله وأصحابه وإخوانه أجمعين.
أما بعد، فهذه نظرات استدلالية مؤسسة على الكتاب والسنة في موضوع نواقض الإيمان، أكتبها لمن يحب أن يستبصر، سائلا المولى تعالى وضارعا إليه أن ينفع بها قارئها ويثيب كاتبها.
ـ يجب على كل مسلم ـ قبل الخوض في مسائل الإيمان ـ أن يعلم أن الله تعالى قال في محكم كتابه العزيز {إنما المؤمنون إخوة}، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
وهذا يوجب على المسلم نشر العلم من باب المناصحة وحب الخير للناس، بلا عُجب ولا غرور ولا تعالٍ عليهم إذا وجد أن عنده شيئا من العلم الذي لم يعلموه.
ويجب التفريق بين الحكم على القول أو الفعل بأنه كفر وبين الحكم على قائله أو مرتكبه بأنه كافر، كما يجب التفريق بين الحكم على القول أو الفعل بأنه بدعة وبين الحكم على قائله أو مرتكبه بأنه مبتدع.
ولا بد من التنبيه على أن بعض الأقوال أو الأفعال محكوم عليها ـ بالقطع والإجماع ـ بأنها لا تصدر إلا عمن قلبه كافر بالله عز وجل، فصاحبها ليس بمؤمن أصلا قبل أن يقولها أو يفعلها، وصدورها منه ليس هو الذي أخرجه من دائرة الإيمان، ولكنه دليل على ما في قلبه من الكفر المناقض للإيمان.
وكنت قد كتبت كتابا سميته نواقض الإسلام في ميزان الكتاب والسنة وقدمت محاضرات تحت هذا العنوان يرد بعضها فيما يلي ، ثم أضفت إليه إضافات وغيرت اسمه إلى نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة . فأرجو أن يُعتمد الكتاب بنسخته الجديدة وبالتسمية الجديدة.
نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة الشيخ المحدث الدكتور صلاح الدين الإدلبي الحلقة 01
نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة الشيخ المحدث الدكتور صلاح الدين الإدلبي الحلقة 02
نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة الشيخ المحدث الدكتور صلاح الدين الإدلبي الحلقة 03
نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة الشيخ المحدث الدكتور صلاح الدين الإدلبي الحلقة 04
نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة الشيخ المحدث الدكتور صلاح الدين الإدلبي الحلقة 04.1
نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة الشيخ المحدث الدكتور صلاح الدين الإدلبي الحلقة 05
نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة الشيخ المحدث الدكتور صلاح الدين الإدلبي الحلقة 06
كتاب نواقض الإسلام في ميزان الكتاب والسنة، طبع طبعة تمهيدية في تركية، 1435/ 2014. ثم نشرته دار النور المبين في عمَّان، 1436/ 2014.
دار النور للدراسات والنشر
تلفون: 00962795394309
أرضي: 0096264615859
www.darannor.com
darannor@gmail.com
www.darannor.com
سؤال :
السلام عليكم
كيف حالكم شيخنا الكريم
ما حكم من سن قانونا يبيح الزنا و الربا مع إيمانه القلبي بحرمة ما حرمه الشرع فهل يكون كافرا لأنه بفعله هذا قد جعل نفسه ربا من دون الله تعالى
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله
من كان بيده سلطة أن يسن قانونا فإنه يفعل ذلك على حسب ما لديه من إيمان وعلى حسب ما لديه من إمكان
من يسن قانونا يبيح فيه الزنى أو الربا أو نحو ذلك ويقول إنه مؤمن ويقر بأن هذا مما حرَّمه الله عز وجل وتوعَّد عليه فلا بد من النظر إلى مسألة الإمكان
وهذه لها في الواقع صور وحالات كثيرة
قد يفعل ذلك استهزاء بالدين الذي يقول إنه مؤمن به فهذا كافر
وقد يفعل ذلك عنادا لله جل وعلا الذي يقول إنه مؤمن به فهذا كافر
وقد يفعل ذلك ويقول إنه مكرّه على فعل ذلك وليس في إمكانه سواه – وقلبه كاره لهذا الفعل ويتقطع ألما وحسرة – فهذا ليس بكافر
هل معنى هذا أنه غير مؤاخذ شرعا؟
موضوع المؤاخذة الشرعية موضوع آخر
الإقدام على مثل ذلك الفعل المحرم لا يجوز وعليه أن ينجو بنفسه من الموقع الذي فيه إكراه على ارتكاب معصية الله تعالى متوجها بقلبه إلى ربه وببدنه إلى موقع بعيد عن المعصية
والله اعلم
قلت في كتاب نواقض الإيمان في ميزان الكتاب والسنة:
قال ابن تيمية رحمه الله: “لا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فمن استحلَّ أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى كسوالف البادية وكأوامر المُطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكمُ به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر، فهؤلاء إذا عُرِّفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار، وإلا كانوا جهالا، وقد أمر الله المسلمين كلهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله والرسول، فقال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}، فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن، وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا لكن عصى واتبع هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة“. [منهاج السنة النبوية: 5/ 130 ـ 131].
أقول: من الواضح أن قوله “مَن كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا لكن عصى واتبع هواه” لا يعني به الالتزام العملي، إذ لو كان هذا الحاكم ممن يعمل بأحكام الله جل وعلا ويلتزم بها التزاما عمليا لمَا كان عاصيا متبعا لهواه، وإنما عنى الشيخُ رحمه الله بالالتزام الباطن والظاهر الانقيادَ لحكم الله تعالى ليس بدعوى اللسان فقط بل بالقلب واللسان، ولا بد من فهم كلام الشيخ على هذا النحو، لدلالة السياق وصونا له عن التناقض.
وقال رحمه الله: “من بلغته دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في دار الكفر وعلم أنه رسول الله فآمن به وآمن بما أنزِل عليه واتقى الله ما استطاع ـ كما فعل النجاشي وغيره ـ ولم يمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ولا التزامُ جميع شرائع الإسلام لكونه ممنوعا من الهجرة وممنوعا من إظهار دينه وليس عنده من يعلمه جميع شرائع الإسلام: فهذا مؤمن من أهل الجنة، كما كان يوسف الصديق عليه السلام مع أهل مصر، فإنهم كانوا كفارا ولم يكن يمكنه أن يفعل بهم كلَّ ما يعرفه من دين الإسلام، فإنه دعاهم إلى التوحيد والإيمان فلم يجيبوه، قال تعالى عن مؤمن آل فرعون {ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا}، وكذلك النجاشي، فهو وإن كان ملِكَ النصارى فلم يطعْه قومُه في الدخول في الإسلام، بل إنما دخل معه نفر منهم، وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها، لعجزه عن ذلك، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت، ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن، والله قد فرض على نبيه بالمدينة أنه إذا جاءه أهل الكتاب لم يحكم بينهم إلا بما أنزل الله إليه، والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن، فإن قومه لا يقرونه على ذلك، وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك، بل هناك من يمنعه ذلك، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه، بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها”. [ منهاج السنة النبوية: 5/ 111 ـ 114].
أقول: تأمل قوله رحمه الله “النجاشي وإن كان ملِكَ النصارى فإنه لم يطعْه قومُه في الدخول في الإسلام، وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها، لعجزه عن ذلك، ونحن نعلم قطعا أنه لم يكن يمكنه أن يحكم بينهم بحكم القرآن، فإن قومه لا يقرونه على ذلك، وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك، بل هناك ما يمنعه ذلك، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها”.
ـ قد يقول قائل: ما ذكره ابن تيمية هو في حال دعوة الكفار الأصليين وعدم قدرة الحاكم على تطبيق أحكام الله تعالى حيث إن معظم القوم لم يدخلوا في الدين الحق، وليس في حالِ أناسٍ يعيشون في دولة مسلمة وأغلبهم من أبناء المسلمين.
أقول: القوم الذين لم يدخلوا في الدين الحق والقوم الذين يعيشون في دولة مسلمة وأغلبهم من أبناء المسلمين ولا يرضون بحكم الله ورسوله: كلاهما بحاجة إلى دعوتهم للدخول في الإيمان، قال الله جل وعلا {يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا}.
ولفهم كلام الشيخ رحمه الله وما يرمي إليه لا بد من التأمل لاقتناص ما في الكلام من إيماء إلى علة الحكم، فإذا قرأنا كلامه بدقة وجدناه يشير إلى العلة فيما قرر من أحكام:
فأما في مسألة تكفير أو عدم تكفير من لم يحكم بما أنزل الله فقد أشار إلى العلة بقوله في الصنف الأول منهما “مَن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر”، وقال في الصنف الثاني منهما “من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا لكن عصى واتبع هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة”، فالسبب في عدم حكمه على الصنف الثاني بالكفر هو أن هذا الحاكم بغير ما أنزل الله لم يكن مستحلا لذلك ولم يكن فعله إلا من باب المعصية واتباع هوى النفس.
وأما في مسألة عدم التكفير وعدمِ المعصية أصلا فإنه يشير إلى العلة بقوله “واتقى الله ما استطاع”، وبقوله “ولم يكن يمكنه أن يفعل بهم كلَّ ما يعرفه من دين الإسلام”، وبقوله “وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها لعجزه عن ذلك”، وبقوله “وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها فلا يمكنه ذلك”، فحكْمه هنا بعدم الكفر وعدم المعصية هو بسبب العجز وعدم الإمكان.
ثم إنه يقول “ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن، فإن قومه لا يقرونه على ذلك”، وفي هذا إيماء إلى مراعاة حال معظم القوم، فإنه لا يمكن حملهم على العمل بما لا يؤمنون به.
وأخيرا فإنه يقول “النجاشي وأمثاله سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه، بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها”.
فمناط الأحكام التي ذكرها ابن تيمية رحمه الله في عدم تكفير من لا يحكم بين الناس بما أنزل الله هو عدم الاستحلال، وفي عدم الحكم بالمعصية هو عدم الإمكان، ولو كان قد ذكر أحكاما مجردة عن الإشارة للعلل لكان من الممكن أن يقال لعل مراده أن هذه الأحكام هي لجماعة لم يسبق لهم الدخول في الدين، وأن أحكام من سبق لهم الدخول في الدين مختلفة، ولكن حيث إنه قد ذكر تلك الأحكام مقرونة بالإشارات الدالة على العلل فلا بد من تفهمها وإجراء الأحكام في محالِّ وجود العلل.