تعقبات على كلام الشيخ محمد أنور الكشميري حول حديث إلصاق المنكب بالمنكب
روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهري”. وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه.
وقف بعض الإخوة على ما كتبه الشيخ محمد أنور الكشميري رحمه الله أحد شراح صحيح البخاري في القرن الرابع عشر الهجري في شرح هذا الحديث، فاستحسنه.
قرأت ما قاله الشيخ في شرح هذا الحديث فوجدت أكثره بخلاف ذلك تماما، سواء في ذلك ما قاله فيما يتعلق بشرح الحديث أو ما ذكره استطرادا، وشرعت في كتابة بعض التعقبات، ومنها تعقبات لغوية، إلا أن الأمر طال، فآثرت أن أقتصر على بعض ما أراه مهما.
* ـ قال الشيخ محمد أنور الكشميري المتوفى سنة 1353 في كتابه فيض الباري على صحيح البخاري في شرح هذا الحديث: [قال الحافظ: المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله. قلت: وهو مراده عند الفقهاء الأربعة، أي أن لا يترك في البين فرجة تسع فيها ثالثا. بقي الفصل بين الرِجلين: ففي شرح الوقاية أنه يفصل بينهما بقدر أربع أصابع، وهو قول عند الشافعية، وفي قول آخر: قدر شبر. قلت: ولم أجد عند السلف فرقا بين حال الجماعة والانفراد في حق الفصل بأن كانوا يفصلون بين قدميهم في الجماعة أزيد من حال الانفراد، وهذه المسألة أوجدها غير المقلدين فقط، وليس عندهم إلا لفظ الإلزاق، وليت شعري، ماذا يفهمون من قولهم الباء للإلصاق، ثم يمثلونه: مررت بزيد، فهل كان مروره به متصلا بعضه ببعض، أم كيف معناه؟!، ثم إن الأمر لا ينفصل قط إلا بالتعامل، وفي مسائل التعامل لا يؤخذ بالألفاظ، كلفظ “فوق الصدر” عند ابن خزيمة، فإنه من توسعِ الرواة قطعا، لأنه لم يعمل به أحد من الأئمة، وليس الطريق أن يُبنى الدين على كل لفظ جديد بدون النظر إلى التعامل، ومن يفعل ذلك لا يثبت قدمه في موضع ويخترع كل يوم مسألة، فإنَّ توسع الرواة معلوم، واختلاف العبارات والتعبيرات غير خفي، فاعلمه، وهذا الذي عرض للمحدثين، فإنهم ينظرون إلى حال الإسناد فقط، ولا يراعون التعامل، فكثيرا ما يصح الحديث على طورهم ثم يفقدون به العمل فيتحيرون، وكذلك قد يضعفون حديثا من حيث الإسناد مع أنه يكون دائرا سائرا فيما بينهم ويكون معمولا به فيتضرر هناك من جهة أخرى، فلا بد أن يُراعى مع الإسناد التعامل أيضا، فإن الشرع يدور على التعامل والتوارث، والحاصل أنا لما لم نجد الصحابة والتابعين يفرقون في قيامهم بين الجماعة والانفراد علمنا أنه لم يرد بقوله إلزاق المنكب إلا التراصَّ وترك الفرجة، ثم فكر في نفسك ولا تعجل أنه هل يمكن إلزاق المنكب مع إلزاق القدم إلا بعد ممارسة شاقة، ولا يمكن بعده أيضا، فهو إذن من مخترعاتهم، لا أثر له في السلف، وعند أبي داود في باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة “صف القدم ووضع اليد على اليد من السنة”. قلت: ومراده استواء القدمين مع التجافي، فلا يبحثون عن إلزاق الكعبين أصلا، ولا يذكرون فيه إلا الصف، ثم في النسائي في باب الصف بين القدمين أن رجلا صف بين القدمين فقال له ابن مسعود رضي الله عنه “خالف السنة، لو راوح كان سنة”. ومراده بعكس ما هناك، أي يضم بين قدميه، ولا يترك فرجة بينهما، وأراد بالمراوحة التفريج بين القدمين، فالصف عند أبي داود بعكس ما في النسائي فتنبه، فإنه ليس من المصطلحات ليلزم بالمخالفة، ولا تتوهم أن بين اللفظين تناقضا، فإنه يُبنى على تعدد المعنيين، فالصف بمعنى التفريج والاستواءِ سنة، وهو بمعنى الضم بينهما مخالف للسنة، وتلخص أن الصف بين القدمين سنة لا غير، لأنهم لا يذكرون ولا يتعرضون إلى غيره، فحسبهم قدوة].
* ـ أقول:
فهمَ الشيخ المؤلف رحمه الله من حديث “أقيموا صفوفكم” أن المراد تسوية الصفوف وتعديلها بعيدا عما يظهر مما قاله راوي الحديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وكلامه يدور حول هذا، وعليه فيه مؤاخذات، وهذه بعضها:
المؤاخذة الأولى:
تجاهل الشيخ سامحه الله ما نقله الصحابي راوي الحديث من فعل الصحابة وما فهموه من الحديث، ولذا فإنه لم يبين معنى الإلزاق في اللغة العربية!، واكتفى بما نقل عن الحافظ ابن حجر أنه قال “المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله”.
كلام ابن حجر هنا هو ما فهمه من قول النبي صلى الله عليه وسلم “أقيموا صفوفكم”، لكن الراوي أنس بن مالك رضي الله عنه ذكر عقب الحديث ما فهمه الصحابة منه وقال “كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه”، ولا يصح أن نتجاهل ما نقله الصحابي راوي الحديث من فعل الصحابة.
الإلزاق والإلصاق هما بمعنى واحد، وهو في لغة العرب أن يُقرن شيء بشيء حتى ينضم إليه دون فاصل بينهما.
كلمة “ألصق” معناها ظاهر معروف، وبها وبنحوها يفسرون الكلمات الغامضة المعنى، أما هي ونحوها فلا تكاد تجد لها تفسيرا في معاجم اللغة.
وددتُ لو أن المؤلف نظر في بعض الروايات الواردة في الصحيحين مما جاءت فيه كلمة الإلصاق ليتبين معناها، وهذه بعض النصوص الواردة فيهما لمن أراد أن يقف على معنى الإلصاق في اللغة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا عائشة، لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهُدم فأدخلتُ فيه ما أخرِج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين”. وفي رواية: “وأن ألصق بابه بالأرض”.
جُرح وجه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكُسرت رَبَاعِيَته وهُشمت البيضة على رأسه، فكانت فاطمة عليها السلام تغسل الدم وكان علي رضي الله عنه يختلف بالماء في المِجَن، فلما رأت أن الدم لا يزيد إلا كثرة أخذت حصيرا فأحرقته حتى صار رمادا ثم ألزقته، فاستمسك الدم. وفي رواية: فلما رأت الدم يزيد على الماء كثرة عمَدت إلى حصير فأحرقتها وألصقتها على جرحه.
قدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم سبيٌ، فإذا امرأة من السبي وجدت صبيا فأخذته فألصقته ببطنها وأرضعته.
“غزا نبي من الأنبياء، فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النار لتأكله، فأبت أن تطْعَمه، فقال فيكم غلول، فلـْيبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه، فلصِقت يد رجل بيده، فقال فيكم الغلول فلتبايعني قبيلتك، فبايعته، فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة، فقال فيكم الغلول”.
وهذا يوضح معنى الالتصاق، ويشير إلى أنه اقتران شيء بشيء وانضمامه إليه دون فاصل بينهما.
المؤاخذة الثانية:
وقف الشيخ رحمه الله على كلام علماء النحو في أن حرف الباء للإلصاق وعلى مثال ذكروه وهو قولهم “مررت بزيد”، ووجد أن الذي يمر بزيد لا يُشترط فيه لصحة هذا القول أن يكون ملاصقا له بجسمه حال المرور به، وكأنه استنبط منه أن الإلصاق لا يُشترط فيه الملاصقة والانضمام بدون فاصل!، فقال: “ليس عندهم إلا لفظ الإلزاق، وليت شعري، ماذا يفهمون من قولهم الباء للإلصاق، ثم يمثلونه: مررت بزيد، فهل كان مروره به متصلا بعضه ببعض، أم كيف معناه؟!”.
وهذا خلل في فهم اللغة، لأن قولك “مررت بزيد” يعني التصاق المرور به، وليس التصاق المار به.
قال أبو الحسن ابن الوراق المتوفى سنة 381 في كتابه علل النحو: الباء للإلصاق، كقولك مررت بزيد، أي ألصقت مروري به.
المؤاخذة الثالثة:
إذا كان الشيخ قد فهم من حديث “أقيموا صفوفكم” الفهم الذي رآه فله ذلك، لكن كان عليه أن ينظر في طرق الحديث الأخرى، ومنها ما رواه البخاري من طريق آخر، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أقيموا صفوفكم، وتراصُّوا، فإني أراكم من وراء ظهري”. تراصوا: انضموا وتلاصقوا.
وهذا يدل على أن فعل الصحابة رضي الله عنهم من إلصاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم ليس مما فهموه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “أقيموا صفوفكم” فقط، بل من قوله كذلك “وتراصوا”.
المؤاخذة الرابعة:
قال الشيخ في تأكيد عدم استحباب إلصاق المنكب بالمنكب: “وهو مراده عند الفقهاء الأربعة، أي أن لا يترك في البين فرجة تسع فيها ثالثا”.
عزا الشيخ المعنى الذي فهمه من الحديث للفقهاء الأربعة، وأظنه يعني فقهاء المذاهب الأربعة، وهذا العزو غير صحيح، وهذه أقوال بعض علماء المذاهب الأربعة:
روى أبو يوسف تلميذ الإمام أبي حنيفة في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول: “سووا صفوفكم، سووا مناكبكم، تراصوا”. ولم يعلق عليه بشيء.
وروى محمد بن الحسن تلميذ الإمام أبي حنيفة في كتاب الآثار عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه كان يقول: “سووا صفوفكم، وسووا مناكبكم، تراصوا”. قال محمد: وبه نأخذ، لا ينبغي أن يُترك الصف وفيه الخلل حتى يسووا، وهو قول أبي حنيفة.
وقال مجد الدين ابن الأثير المتوفى سنة 606 في كتاب الشافي في شرح مسند الشافعي بعد ذكر حديث “أقيموا صفوفكم وتراصوا”: قال الشافعي في رواية حرملة: هذا ثابت عندنا، وبهذا نقول.
وقال الخطابي المتوفى سنة 388 في كتابه أعلام الحديث: قوله “تراصوا” معناه تدانوا وتضامُّوا حتى يتصل ما بينكم ولا ينقطع، ومنه قول الله تعالى {كأنهم بنيان مرصوص}.
وقال ابن بطال المتوفى سنة 449 في شرح صحيح البخاري بعد ذكر عدة روايات ومنها “كان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه”: هذه الأحاديث تفسر قوله عليه السلام “تراصوا في الصف”، وهذه هيئة التراصِّ.
وقال الباجي المتوفى سنة 474 في المنتقى: تسوية الصفوف من هيئات الصلاة، وهو يتصل بمقام المأمومين من الإمام، فإذا كانوا عددا لزم فيهم إقامة الصفوف وهو تقويمها ونماؤها والتراص فيها.
وقال التوربشتي المتوفى سنة 661 في كتاب الميسر في شرح مصابيح السنة: ومنه حديث “أقيموا صفوفكم وتراصوا”: أي تلاصقوا حتى لا يكون بينكم فُرَج. الفُرْجة: انفتاح بين شيئين.
وقال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم “أقيموا الصف في الصلاة”: أي سووه وعدلوه وتراصوا فيه.
وقال مظهِر الدين حسين بن محمود الزيداني الحنفي المتوفى سنة 727 في كتابه المفاتيح في شرح المصابيح: قوله “أقيموا صفوفكم”: أي سووا وأتموا صفوفكم، “وتراصوا”: أي ليقرُبْ كلُّ واحد منكم بجنب صاحبه بحيث تتصل مناكبكم، تراصَّ الشيئان إذا انضما ولزق أحدهما بالآخر.
وقال العيني المتوفى سنة 855 في عمدة القاري: قوله “وتراصوا” معناه تضامُّوا وتلاصقوا حتى يتصل ما بينكم ولا ينقطع، وأصله من الرص، يقال رص البناءَ يرصه رصا إذا لصق بعضه ببعض، ومنه قوله تعالى {كأنهم بنيان مرصوص}.
وأما ابن حجر فخالف الجمهور في هذه المسألة، حيث أورد احتمالا في معنى “تراصوا” يخرجها عن المعنى اللغوي، فقال في فتح الباري: قوله “وتراصوا” بتشديد الصاد المهملة: أي تلاصقوا بغير خلل، ويحتمِل أن يكون تأكيدا لقوله “أقيموا”، والمراد بِ “أقيموا” سووا.
المؤاخذة الخامسة:
قول الشيخ “أي أن لا يترك في البين فرجة تسع فيها ثالثا” غريب جدا مصادم للأحاديث الصحيحة التي تأمر بالتقارب والتراص في الصلاة، وكأنه يرى استحباب المباعدة!، لكن لا لدرجة أن يترك المصلون بين كل اثنين فراغا يسع رجلا ثالثا بينهما!!.
شيء غريب جدا!.
كأن الشيخ يرى أن كل رجلين ممن خلف الإمام في الصلاة إذا اقتربا وتراصَّا وألصق كل واحد منهما منكبه بمنكب الآخر فصلاتهما مخالفة للسنة!، وأنهما إذا تباعدا بحيث لا يتركان بينهما فُرْجة تسع فيها رجلا ثالثا فصلاتهما غير مخالفة للسنة!، وهذا بخلاف ما ثبت في السنة وبخلاف ما كان يفعله الصحابة وبخلاف أقوال جمهور أهل العلم.
المؤاخذة السادسة:
قال الشيخ: “ثم إن الأمر لا ينفصل قط إلا بالتعامل، وفي مسائل التعامل لا يؤخذ بالألفاظ، وليس الطريق أن يُبنى الدين على كل لفظ جديد بدون النظر إلى التعامل، ومن يفعل ذلك لا يثبت قدمه في موضع، فلا بد أن يُراعى مع الإسناد التعامل أيضا، فإن الشرع يدور على التعامل والتوارث”.
أقول:
مراد الشيخ بلفظة التعامل هنا العمل، ولم يبين مرادَه: عمَلَ مَن يريد؟!، أيريد بالعمل عمل الصحابة والتابعين؟!، أو عمل الأئمة المجتهدين في عصور الاجتهاد؟!، أو عمل أئمة المذهب الحنفي؟!، أو عمل مشايخ الحنفية الذين أدركهم في أوائل القرن الرابع عشر الهجري؟!.
ثم إن العمل إذا كان مرويا عن الصحابة والتابعين بالسند فهذه الرواية لا يهملونها، وهي حديث موقوف أو مقطوع، وله مكانته في الاستنباط.
أما المسألة التي هي محل البحث هنا فقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أن الصحابة كان الواحد منهم يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه، فهل عمل الصحابة عنده مقبول أو لا؟!.
يبدو أن مثل هذا العمل عنده غير مقبول حتى ولو عمل به الإمام الشافعي رحمه الله وأيده كلام كثير من أهل العلم الذين تقدم ذكر بعضهم في المؤاخذة الرابعة، ومنهم الإمام محمد بن الحسن الشيباني تلميذ الإمام أبي حنيفة وقال إنه قول أبي حنيفة.
المؤاخذة السابعة:
قال الشيخ: “والحاصل أنا لما لم نجد الصحابة والتابعين يفرقون في قيامهم بين الجماعة والانفراد علمنا أنه لم يرد بقوله إلزاق المنكب إلا التراصَّ وترك الفرجة”.
أقول:
إلزاق المنكب بالمنكب يقع به التراص، وإلزاق القدم بالقدم يقع به ترك الفرجة، فكلام الشيخ هنا متناقض.
المؤاخذة الثامنة:
قال الشيخ: “ثم فكر في نفسك ولا تعجلْ أنه هل يمكن إلزاق المنكب مع إلزاق القدم إلا بعد ممارسة شاقة، ولا يمكن بعده أيضا، فهو إذن من مخترعاتهم، لا أثر له في السلف”.
أقول:
إذا فهمنا الحديث كما جاء في الحديث فهو أمر سهل جدا، ليس فيه سوى الاقتراب وترك الفرجة بين المصلي وبين جاره الذي هو من جهة الإمام، وإذا كان بعض من يدَّعون العمل بالحديث يشوهون صورة العمل به فلا يجوز أن يكون هذا مانعا من الأخذ به بالصورة السالمة من التشويه.
قوله “فهو إذن من مخترعاتهم لا أثر له في السلف” بعد ذكر إلزاق المنكب بالمنكب وإلزاق القدم بالقدم غير صحيح.
لا يجوز أن يُقال مثل هذا إلا عن الصورة المشوهة التي أحدثها بعض الناس.
من الصور المشوهة التي أحدثها بعض الناس أنهم لما وجدوا أن المصلي لا يمكنه أن يلزق منكبه بمنكب جاره من الجانبين جعلوا الاهتمام بإلزاق القدم بالقدم من الجانبين، فصار بعضهم يباعد بين قدميه مباعدة فاحشة ويلاحق جاريه من اليمين والشِمال لإلصاق القدم بالقدم!، بل والإلصاق الحقيقي لإلصاق الكعب بالكعب!، ويبدو أنهم لم يقرؤوا في كتب اللغة شيئا عن الإلصاق المجازي، ولو وقفوا عليه فربما كانوا ممن ينفون المجاز في لغة العرب!، وكثيرا ما يكون هذا مع الانشغال المتكرر بذلك في الصلاة.
ثم سرى هذا الحال إلى أن يتصور بعضهم أن السنة في قيام الإمام أو المنفرد للصلاة هي مباعدة القدمين عن بعضهما مباعدة شديدة تزيد عن مسافة ما بين منكبي الشخص!.
* ـ تلخيصا لما ينبغي فعله في هذه المسألة أقول:
يُسن للمصلي أن يلصق منكبه بمنكب جاره وقدمه بقدمه من كلا الجهتين، والذي أراه هو أن هذا لا يتحقق إلا إذا كان الآخرون حريصين على إقامة هذه السنة كذلك، فإن لم يكونوا حريصين فيُسن له أن يلصق منكبه بمنكب جاره من الجهة التي فيها الإمام وأن تأخذ قدماه على الأرض مسافة مساوية للمسافة التي بين منكبيه، وأن تكون القدمان متجهتين للقبلة على سمْت المنكبين، فإذا فعل الآخرون مثل ذلك اتصل الصف واستوى وسُدت الفُرج بين كل مصلٍّ وجاره.
أما المصلي الذي يكون خلف الإمام ولو إلى آخر الصفوف فينبغي له أن يقف كما يقف الإمام، أي أن تأخذ قدماه على الأرض مسافة مساوية للمسافة التي بين منكبيه، وأن تكون القدمان متجهتين للقبلة على سمْت المنكبين، لأنه هو المعيار، وعلى الآخرين من كلتا الجهتين أن يقتربوا إلى جهته، وليس هو الذي يقترب إلى جهتهم، ـ والله أعلم ـ.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 5/ 2/ 1440، الموافق 14/ 10/ 2018، والحمد لله رب العالمين.
شيخنا الحبيب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسأل الله أن يجزيكم عن العلم وأهله خير الجزاء وأكمله
كما عهدناك أخي بدقتك وموضوعيتك مع أدب جم وتواضع لا يعرفه إلا من تجاوز حظوظ نفسه راجيا مثوبة ربه
وجرأة علمية لا يخاف معها لومة لائم.
دمت شيخنا الحبيب موفقا متألقا
الدكتور طه فارس