قتال من لم يقاتل

هل يجوز قتال من لم يقاتلونا ولم يقدموا العون والمساندة لمن يقاتلنا؟ وهل يجوز تهديدهم بالقتل؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين

وبعد

فقد أوضح لنا ربنا جل جلاله خط الجهاد في أول آية قرآنية كريمة نزلت في هذا الموضوع، إذ قال تعالى {أذن للذين يُقاتـَلون بأنهم ظـُلموا}، فدل هذا البيان الواضح في هذه الآية على أن الله تعالى أذن لنا بقتال الظالمين بسبب ظلمهم.

وقال تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}، وفي هذه الآية أن الله تعالى أذن لنا بقتال المعتدين بسبب عدوانهم.

وقال تعالى {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا، إن الله لا يحب المعتدين. واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم، والفتنة أشد من القتل، ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم، كذلك جزاء الكافرين. فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين}.

وفي الآية الأولى من هذه الآيات الكريمات نجد أن الله تعالى أذن لنا بقتال الذين يقاتلوننا بسبب قتالهم لنا، ومع ذلك فقد نبه إلى ضرورة عدم الاعتداء بتجاوز الحد المأذون به في قتالهم.

وفي الآية الأخيرة منها يقول جل وعلا {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}، والفتنة في الدين أمرها خطير، ومن صورها ما ذكره ربنا جل جلاله في قوله تعالى {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق}.

قال أبو عبد الله القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: [قوله تعالى {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} أي حرَّقوهم بالنار، والعرب تقول “فتن فلان الدرهم والدينار” إذا أدخله الكور لينظر جَودته، و”دينار مفتون”، ويسمى الصائغُ الفتـَّانَ، وورِق فـَتين أي فضة محترقة، ويقال للحَرة فـَتين، أي كأنها أحرِقت حجارتها بالنار، وذلك لسوادها].

وقال تعالى {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقـَوْا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا. ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها، فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا}.

والآيات الكريمة التي جاءت في موضوع الجهاد دون تقييدها بمقابلة الظلم أو العدوان فالظاهر أن المطلق يُحمل على المقيد، أي إنها تـُفهم في سياقها وماجَرَيَات أحداثها الدالة على التقييد الوارد في الآيات الكثيرة الأخرى.

فالظالم المجرم المعتدي هو الذي يُقاتل ويُقتل هو وزبانيته المجرمون الذين يعينونه على قتل الأبرياء وتعذيبهم وانتهاك حرماتهم.

أما من لم يدخل معهم في ظلمهم وإجرامهم فلا عدوان إلا على الظالمين.

وخلاصة الجواب أنه لا يجوز قتال من لم يقاتلونا ولم يقدموا العون والمساندة لمن يقاتلنا، من النصيريين وغيرهم، كما لا يجوز تهديدهم بالقتل، ولا ترويعهم، ولا إيذاؤهم بأي نوع من الأذى، بل الواجب هو العدل والبر والإحسان، والله يحب المحسنين.

وكتبه صلاح الدين بن أحمد بن محمد سعيد الإدلبي في 17/ 2/ 1434، والحمد لله رب العالمين.