حديث “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها”
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه أستعين.
* ـ هذا الحديث رواه ابن حنبل [18957] والبغوي في معجم الصحابة [20] وأبو نُعيم في معرفة الصحابة [1177] عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن الوليد بن المغيرة المعافري عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش”. رواية أبي نُعيم هنا هي من طريق عثمان وأبي بكر ابني أبي شيبة.
ورواه ابن عساكر [58/ 35] من طريق أبي سعيد ابن يونس عن علي بن أحمد بن سليمان عن محمد بن علي بن محرز عن زيد بن الحباب، وعنده “عن عبيد الله بن بشر الخثعمي”. قال أبو سعيد ابن يونس: “عبيد الله بن بشر الخثعمي يشبه أن يكون من ناقلة الشام”. الناقلة: ضد القاطنين، أي من المنتقلين إليها من غيرها.
* ـ ورواه البغوي في معجم الصحابة [20] عن عثمان بن أبي شيبة، وابنُ قانع في معجم الصحابة [1/ 81] عن عبد الله بن محمد بن ناجية عن عثمان بن أبي شيبة، والطبرانيُّ في الكبير [1216] عن الحسين بن إسحاق التستري عن عثمان بن أبي شيبة، وابنُ منده في معرفة الصحابة [ص 229] ـ ومن طريقه ابن عساكر 58/ 34 ـ من طريق أبي مسعود أحمد بن الفرات الرازي، والحاكمُ في المستدرك [8300] من طريق عبدة بن عبد الله الصفار الخزاعي، ثلاثتهم عن زيد بن الحباب به، لكن عندهم “عن عبد الله بن بشر الغنوي“.
ورواه أبو نُعيم في معرفة الصحابة [1178] من طريق محمد بن العلاء عن زيد بن الحباب، وعنده “عن عبيد بن بشر الغنوي“. وعلقه ابن منده عن أبي كُريب محمد بن العلاء به.
ورواه البخاري في التاريخ الأوسط [1482] ومن طريقه ابن عساكر عن محمد بن العلاء عن زيد بن الحباب، وعنده “عن ابن بشر الغنوي“.
ورواه ابن عساكر [58/ 34] من طريق محمد بن هارون الروياني عن محمد بن العلاء عن زيد بن الحباب، وعنده “عن عبيد الله بن بشر الغنوي“.
هذا وقد رواه الطبراني في الكبير [1216] من طريق علي بن المديني ومن طريق عثمان بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب، وعنده “عن عبد الله بن بشر الغنوي”، ولم أذكر في التخريج روايته عن علي بن المديني، لأنه يروي الحديث ـ حسبما يغلب على ظني ـ على لفظ الثاني منهما.
* ـ هذا الحديث مداره على زيد بن الحباب:
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن الوليد بن المغيرة المعافري عن عبد الله بن بشر الخثعمي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي بعض المصادر: عبيد الله بن بشر الخثعمي.
ورواه عثمان بن أبي شيبة وأبو مسعود أحمد بن الفرات الرازي وعبدة بن عبد الله الصفار الخزاعي وأبو كريب محمد بن العلاء عن زيد بن الحباب عن الوليد بن المغيرة المعافري عن عبد الله بن بشر الغنوي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي بعض المصادر: عبيد الله بن بشر الغنوي، وفي بعضها: عبيد بن بشر الغنوي.
* ـ ترجمة عبد الله بن بشر الخثعمي وعبيد الله بن بشر الغنوي:
ـ عبد الله بن بشر الخثعمي الكاتب، كوفي، روى عن جبلة بن حُمَمَة وأبي زرعة بن عمرو بن جرير، روى عنه سفيان الثوري وشعبة، قال عنه أبو حاتم: هو شيخ. وذكره ابن حبان في الثقات في طبقة أتباع التابعين. ولم يذكر البخاري ولا أبو حاتم ولا ابن حبان أنه روى عن أبيه، ولم يذكر أي واحد منهم ترجمة لأبيه.
ـ عبيد الله بن بشر الغنوي، ويقال عبيد، ويقال عبد الله، روى عن أبيه، روى عنه الوليد بن المغيرة المصري، قال البخاري: حديثه في ناحية الشام. وقال أبو حاتم: من أقران عبد الله بن لهيعة. وذكره ابن حبان في طبقة التابعين. وعبد الله بن لهيعة مصري مشهور.
ـ بشر الغنوي، روى البخاري في التاريخ الكبير [1760] وفي التاريخ الأوسط [1482] عن محمد بن العلاء عن زيد بن حباب عن الوليد بن المغيرة المعافري عن عبيد بن بشر الغنوي عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “لتُفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش”. وقال أبو حاتم: مصري، له صحبة. وذكره ابن حبان في طبقة الصحابة وقال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح القسطنطينية. ونقل ابن حجر في الإصابة عن الحافظ أبي علي بن السكن أنه قال: عداده في أهل الشام.
وجاء في المطبوع من التاريخ الأوسط “عن أبي بشر الغنوي عن أبيه”، والصواب “عن ابن بشر الغنوي عن أبيه”.
انظر: التاريخ الكبير للبخاري [5/ 49، 443، 2/ 81]. والجرح والتعديل لابن أبي حاتم [5/ 13، 402، 2/ 371]. والثقات لابن حبان [7/ 17، 5/ 135، 3/ 31]. الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر: 1/ 439.
* ـ دراسة إسناد الحديث:
دراسة الإسناد من طريق الخثعمي:
زيد بن الحباب كوفي ثقة فيه لين رحل إلى مصر وغيرها، مات سنة 203. الوليد بن المغيرة بن سليمان المعافري مصري صدوق مات سنة 172. عبد الله بن بشر الخثعمي كوفي قال عنه أبو حاتم شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات في أتباع التابعين، ووثقه الذهبي في الكاشف، وقال ابن حجر في تقريب التهذيب صدوق. والد عبد الله بن بشر الخثعمي مجهول.
هذا الإسناد ظاهره أنه لا بأس به إلى بشر الخثعمي، لكن فيه إشكالات: منها أنه من رواية كوفي عن مصري عن كوفي!، ومثل هذا لا يجيء ـ حسبما وقفت عليه ـ في الروايات المستقيمة، ومنها أن والد عبد الله بن بشر الخثعمي مجهول، ومنها أن عبد الله بن بشر الخثعمي من أتباع التابعين، وإذا كانت الرواية هي عن أبيه فلا يكون والده صحابيا، فيكون الإسناد مرسلا، ومنها أن أكثر الرواة رووه عن عبيد الله أو عبد الله بن بشر الغنوي، وليس الخثعمي، ومنها أن البخاري وابن حبان ذكرا حديث فتح القسطنطينية في ترجمة الغنوي، وليس الخثعمي. فالظاهر أن من قال فيه “عبد الله بن بشر الخثعمي” فقد وهِم.
ـ دراسة الإسناد من طريق الغنوي:
عبيد الله أو عبد الله بن بشر الغنوي مصري انتقل إلى الشام مع أبيه على ما يبدو، ولم أجد عنه راويا سوى الوليد بن المغيرة المصري، ولم أجد فيه سوى أن ذكره ابن حبان في ثقات التابعين. وهذا لا يكفي في إثبات رتبة التوثيق له، لأن ابن حبان من المتساهلين.
بشر الغنوي مصري انتقل إلى الشام مع ابنه على ما يبدو، قال فيه أبو حاتم: مصري، له صحبة. وذكره ابن حبان في طبقة الصحابة وقال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح القسطنطينية.
هل هذا يكفي في إثبات مرتبة الصحبة التي تقتضي قبول الرواية لبشر الغنوي؟:
قال ابن الصلاح في مقدمة علوم الحديث والنووي وابن جماعة وابن كثير والحافظ زين الدين العراقي رحمهم الله: “ثم إن كون الواحد منهم صحابيا تارة يُعرف بالتواتر، وتارة بالاستفاضة القاصرة عن التواتر، وتارة بأن يُروى عن آحاد الصحابة أنه صحابي، وتارة بقوله وإخباره عن نفسه – بعد ثبوت عدالته – بأنه صحابي”.
بشر الغنوي لم تثبت صحبته بأحد الطرق الثلاثة الأولى، فلم يبق إلا الطريق الرابع، وحيث إنه لا توجد أي قرينة على ثبوت عدالته فبالتالي لا يصح الاعتماد على قوله هو عن نفسه إنه صحابي أو إنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم.
* ـ الخلاصة:
هذا الحديث إسناده ضعيف، والله أعلم.
كتبت أصل هذا البحث في 27/ 12/ 1436، وكتبته بعد الإضافات والتعديلات في 9/ 10/ 1441، الموافق 1/ 6/ 2020، بقلم صلاح الدين الإدلبي، والحمد لله رب العالمين.