حديث “إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعْه حتى يقضي حاجته منه”
هذا الحديث رواه ابن حنبل [10629، 9474] وأبو داود [2350] والدارقطني [2182] والحاكم [729، 740، 1552] والبيهقي في السنن [8098 تركي] وفي الخلافيات [1119] من طريق جماعة أحدهم روح بن عبادة عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعْه حتى يقضي حاجته منه”.
[حماد بن سلمة بصري ثقة فيه لين. محمد بن عمرو بن علقمة مدني صدوق فيه لين، وهذه بعض أقوال النقاد فيه: وثقه يحيى بن معين في عدد من الروايات عنه، وقال ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار: من جِلة أهل المدينة ومتقنيهم. لكنْ ذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال: كان يخطئ. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث يُستضعف. وقال ابن أبي خيثمة في كتاب التاريخ: سمعت يحيى بن معين يقول: لم يزل الناس يتقون حديث محمد بن عمرو، كان يحدث مرة عن أبي سلمة بالشيء من رأيه، ثم يحدث به مرة أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وقال ابن حنبل: ربما رفع أحاديث يوقفها غيره، وهذا من قِبَله. وقال الجوزجاني: ليس بقوي الحديث. وقال أبو حاتم: صالح الحديث يُكتب حديثه وهو شيخ]. فهذا الطريق لين.
ورواه ابن حنبل [10630] عن روح بن عبادة عن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة به نحوه.
[روح بن عبادة بصري صدوق ثقة فيه لين ومات سنة 205. عمار بن أبي عمار مكي ثقة فيه لين]. فهذا الطريق فيه لين، وهو معلول بعلة الوقف على الصحابي، كما قال أبو حاتم الرازي.
قال ابن أبي حاتم في العلل: سألت أبي عن حديث رواه روح بن عبادة عن حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعْه حتى يقضي حاجته منه”؟، وقلت لأبي: وروى روح أيضا عن حماد عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله؟!. فقال أبي: “هذان الحديثان ليسا بصحيحين، أما حديث عمار فعن أبي هريرة موقوف، والحديث الآخر ليس بصحيح”.
ـ واعلمْ أن هذا الحديث بطريقيه مخالف لقول الله تعالى {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}.
الخلاصة:
هذا الحديث إسناده لين، ومتنه منكر، فهو ليس بثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فاحذر أيها الأخ المسلم من أن تغرك كلمة يقولها مَن ليس براسخ في العلم فيبيح لك أن تأكل أو تشرب شيئا بعد الفجر الصادق، فإن فعلتَ فقد أفسدتَ صومك.
—
من العجيب أن يقول أحد الباحثين: [جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث صحيح وفيه بيان يُسر الإسلام “إذا سمع أحدكم النّداءَ والإناءُ على يده فلا يضعْه حتى يقضي حاجته منه”، أي إذا سمع أحدكم النّداء وإناء الطعام سواء كان حليبا أو ماءً أو أي شيء مما يتسحّر به المتسحّر فسمع الأذان فلا يقول الآن حَرُم الطعام، لا يحرُم الطعام بالأذان إلا لمن كان مكتفيا منه، فلا يجوز له أن يزداد شرابا أو فاكهةً وقد قضى وطره من كل ما كان يأكل منه، أما إذا سمع الأذان وهو لمَّا ينتهِ بعدُ من أن يأخذ حاجته من طعامه وشرابه فالرسولُ صلى الله عليه وآله وسلم يبيح له ذلك، فيقول صراحةً وبلسانٍ عربي مبين “إذا سمع أحدكم النّداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه”. وهذا الحديث موجود في أشهر كتب السنة التي منها سنن أبي داوود، وهو الكتاب الثالث من الكتب الستة المشهورة، وكذلك رواه أبو عبد الله الحاكم في مستدركه، وكذلك أخرجه الإمام إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله في كتابه العظيم المعروف بمسند الإمام أحمد، فهذا الحديث إذن ليس من غرائب الأحاديث، بل هو من الأحاديث المشهورة التي رواها أئمة السنة القدامى وبالسند الصحيح]!!!.
أقول: هذا كلام بعيد عن التحقيق، ولا يجوز العمل به، وإلى الله المشتكى.
—
الذي يحتج بهذا الحديث يقول إن الحديث صحيح ويبني عليه جواز أن يستمر المسلم بالأكل والشرب من الإناء الذي في يده ولو طلع الفجر الصادق حتى يقضي حاجته منه!!، وواعجبا لذلك
هو يمشي في التصحيح على منهج تساهلي، فقفزت بذلك كثير من المرويات من مرتبة الضعف إلى مرتبة الصحة أو الحسْن
ثم إنه يرى تثبيت ما صح لديه من الحديث على المنهج التساهلي ثم النظر بعد ذلك إلى النص القرآني والنص النبوي على أنهما في كفة واحدة، وشتان بين النص القرآني القطعي الثبوت والنص الحديثي المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ درجة الثبوت أصلا، لا على القطع ولا بغلبة الظن
النص القرآني واضح، فقد قال ربنا عز وجل {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}، وكلمة “مِن” في قوله تعالى {مِن الفجر} بيانية، أي إنها بيَّنت وقت تبُّين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، الذي هو الفجر
فلا يجوز لنا تجاوز دلالة القرآن وإباحة الاستمرار بالأكل والشرب بعد طلوع الفجر الصادق
فالمشكلة هنا هي التسرع في تصحيح رواية مخالفة للنص القرآني وهي ليست بثابتة الإسناد أصلا، وإلى الله المشتكى