بسم الله الرحمن الرحيم
تدليس التسوية
* قال صلاح الدين الإدلبي في كتابه متنزه الأنظار:
ـ تدليس التسوية وحكم رواية الراوي الموصوف بذلك:
من صور الانقطاع الخفي أن يروي الراوي الحديثَ عن أحد شيوخه مما سمعه منه عن شيخ آخر هو من شيوخ ذلك الشيخ ويكونَ شيخُ ذلك الراوي قد حدثه به عن رجل عن شيخ الشيخ، فيكونَ الراوي قد حذف ذلك الرجلَ بين شيخه وشيخ شيخه وأوهمَنا بذلك أن شيخه قد سمع الحديث من شيخ الشيخ، وهذا هو الإسناد المدلسُ تدليسَ التسوية، ويُعرف عدم سماع الشيخ لذلك الحديث من شيخ الشيخ بتصريحه بذلك لمن سأله عن السماع أو بإخبارِ مَن كان معه وقت سماعه إياه أو بقرائن تدل على ذلك.
والراوي الصدوق الذي يدلس تدليسَ التسوية يذكر في هذه الحالة رواية شيخِه لذلك الحديث عن شيخ الشيخ بلفظ يحتمِل السماع وعدمه ولا يصرح بذكر السماع بينهما، كأن يقول مثلا حدثني فلان قال قال فلان، أو حدثني فلان عن فلان، وهو الغالب، ولا يقول مثلا حدثني فلان قال حدثني فلان، وإلا كان كاذبا وسقطت بذكره السماعَ بين شيخه وشيخ شيخه كلُّ مروياته.
وقد لا يحذف الراوي رجلا بين شيخه المباشر وشيخ شيخه ويفعل ذلك الحذف في طبقة أعلى، كأن يحذف رجلا بين شيخ شيخه وبين شيخ هذا الشيخ.
فإن كان الراوي ثقة ويدلس تدليسَ التسوية فيُقبل من مروياته ما صرح فيه بما يدل على السماع في كل طبقات السند، ابتداء منه إلى أعلاه، ولا يُقبل منها ما كان بلفظ يحتمِل السماع وغيره ولو في طبقة واحدة من تلك الطبقات، لاحتمال أن يكون قد حصل فيها تدليس التسوية.
* وقال صلاح الدين الإدلبي في كتابه كشف المعلول:
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو أن رجلاً يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في مرضاة الله عز وجل لحقره يوم القيامة».
خرجه بعض الناس من طريق بقية بن الوليد قال: حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عتبة بن عبد، مرفوعاً، وجود إسناده، وأدخله في الصحاح، وفي ذلك نظر.
كلمة «يُجر» جاءت في بعض المصادر بالجيم، على البناء للمفعول، وفي بعضها بالخاء، على البناء للفاعل.
ـ هذا الحديث رواه جماعة عن بقية، به، نحوه. [ومن مصادر الحديث: المعجم الكبير للطبراني 17: 123 و «مسند الشاميين» له 2: 176].
ورواه جماعة عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن محمد بن أبي عَميرة موقوفاً عليه. [«الزهد» لابن المبارك ص 11 ـ 12.مسند الإمام أحمد 4: 185. التاريخ الكبير للبخاري 1: 15. المعجم الكبير للطبراني 19: 249. وأشار إلى روايته من طريق جبير بن نفير عنه موقوفاً: الأزديُّ في «المخزون» رقم الترجمة 236. وانظر: «الإصابة» لابن حجر 3: 381 ـ 382].
مدار الطريقين على خالد بن معدان، واختلف عليه فيه: فرواه بقية عن بحير بن سعد عنه عن عتبة بن عبد مرفوعاً، ورواه ثور بن يزيد عنه عن جبير بن نفير عن محمد بن أبي عميرة موقوفاً:
فأما الطريق الأول ففيه بقية، وهو صدوق فيه لين، ويدلس، بل اتهمه أبو حاتم بتدليس التسوية، ومن وُصف بهذا فلا يكفي لتصحيح روايته تصريحه بالسماع، بل لا بد أن يتسلسل ذلك في السند منه إلى منتهاه، فهذا الطريق فيه ضعف، وقد تبين بالطريق الثاني خطؤه، فإما أن يكون الخطأ من أوهام بقية، أو من أوهام راو أسقطه بقية بتدليس التسوية بحذف إحدى الوسائط.
والباحث وثق بقية ولم ير أن فيه ليناً، ووصفه بمطلق التدليس دون تدليس التسوية، [وكأنه لا يفرق بينهما]، ولذا قال عن طريقه هذا: «رجاله كلهم ثقات، وبقية إنما يخشى من عنعنته لأنه مدلس، ولكنه قد صرح بالتحديث، فأمِنَّا بذلك تدليسه». !! وأما الاختلاف في السند فالباحث لا يحوّم حوله ولا يقف عنده !.
وأما الطريق الثاني فصحيح، وهو موقوف.
ولا بد أن يكون واضحاً أن خالد بن معدان الذي اختُلف عليه في رواية الحديث لا يمكن أن يكون عنده الحديث عن عتبة بن عبد مرفوعاً وعن جبير بن نفير عن محمد بن أبي عميرة موقوفاً فيرويَ هذا مرة وهذا مرة، ولو كان عنده الطريقان لجمعهما أو لاقتصر على العالي المرفوع، ولذا فإن أئمة الحديث يعلّون في مثل هذا الروايةَ المرفوعة بالموقوفة.
فثبت أن الحديث من قول محمد بن أبي عميرة، موقوفاً عليه، والله أعلم.
* وفي كتاب كشف المعلول أمثلة أخرى تتعلق بتدليس التسوية.
والحمد لله رب العالمين.