من أوهام الثقات
نقل بعض الإخوة عني أني حكَمتُ بالوهَم على نافع مولى ابن عمر في روايته عن ابن عمر رضي الله عنهما في تفسير قول الله عز وجل {فأتوا حرثكم أنى شئتم} أنه فسرها بالقول الشاذ الذي أنكره أهل العلم، فاستنكر أحد الطلبة أني حكمتُ على نافع مولى ابن عمر بالوهَم على الرغم من كونه ثقة، ومن حقه أن يبدي رأيه في الاستنكار، ومن حقي أن أبين الدليل على صحة قولي، وأكتفي هنا ببعض البيان في هذه العجالة:
قال الإمام البخاري في صحيحه في كتاب تفسير القرآن في باب {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم} [4526 – 4527]: [حدثنا إسحاق أخبرنا النضر بن شميل أخبرنا ابن عون عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذت عليه يوما، فقرأ سورة البقرة، حتى انتهى إلى مكان، قال: تدري فيم أنزلت؟. قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا، ثم مضى. وعن عبد الصمد حدثني أبي حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر {فأتوا حرثكم أنى شئتم} قال: يأتيها في. رواه محمد بن يحيى بن سعيد عن أبيه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر]. انتهى بحروفه.
الرواية التي رواها البخاري من طريق ابن عون عن نافع رواها كذلك ابن جرير الطبري في التفسير [4326] عن يعقوب بن إبراهيم عن هُشيم عن عبد الله بن عون عن نافع أنه قال: كان ابن عمر إذا قرئ القرآن لم يتكلم، فقرأتُ ذات يوم هذه الآية {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}، فقال: أتدري فيمن نزلت هذه الآية؟. قلت: لا. قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن. ورواها ابن جرير عن يعقوب كذلك عن ابن علية عن ابن عون عن نافع به. ورواها كذلك [4327] من طريق إسماعيل بن إبراهيم صاحب الكرابيس عن ابن عون عن نافع به.
والرواية التي رواها البخاري من طريق أيوب عن نافع رواها كذلك الطبري [4331] عن أبي قلابة الرقاشي عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر في قوله تعالى {فأتوا حرثكم أنى شئتم} أنه قال: في الدبر.
خلاصة الأمر:
إذا روى أكثر من ثقة عن تابعي عن صحابي رواية منكرة وكان الحمل فيها على التابعي أو على مَن دونه فلا مجال لتوهيم الجماعة الذين اتفقت روايتهم على أمر واحد، ولا مجال بعد ذلك إلا أن يكون الحمل فيها على ذلك التابعي وإن كان ثقة، لأن الثقة قد يوهَم ولا يستحيل عليه الخطأ.