حديث “وافقت ربي في ثلاث”
* ـ روى البخاري وسعيد بن منصور وابن حنبل وابن أبي عاصم في كتاب السنة والبزار والطبري في تهذيب الآثار والطحاوي في شرح مشكل الآثار وابن حبان والآجري واللالكائي والبيهقي من طرق عن حُميد بن أبي حُميد الطويل عن أنس أنه قال: قال عمر: وافقت الله في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذتَ مقام إبراهيم مصلى. وقلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله آية الحجاب، وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعضَ نسائه، فدخلت عليهن فقلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله صلى الله عليه وسلم خيرا منكن. فأنزل الله تعالى {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات} الآية.
قال البخاري: وقال ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أيوب قال حدثني حميد قال سمعت أنسا عن عمر.
وقال سعيد بن منصور: حدثنا هشيم قال حدثنا حُميد الطويل قال حدثنا أنس بن مالك قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى. فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}، وقلت: يا رسول الله، يدخل على نسائك البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن. فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لهن {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات} الآية، فنزلت.
وردَ تصريح حُميد بن أبي حُميد بالسماع في رواية يحيى بن أيوب ورواية سعيد بن منصور عن هُشيم، فهذا إسناد صحيح.
* ـ ورواه مسلم والآجري وابن أبي عاصم في كتاب السنة عن عقبة بن مُكْرَم العمي، وأبو عوانة في المستخرج وأبو نعيم في كتاب تثبيت الإمامة وفي حلية الأولياء من طريق محمد بن يحيى بن المنذر، كلاهما عن سعيد بن عامر عن جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر أنه قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث، في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أسارى بدر.
[سعيد بن عامر الضبعي بصري ثقة فيه لين مات سنة 208. جويرية بن أسماء بصري صدوق ثقة مات سنة 173]. وهذا الإسناد ظاهره أنه جيد، لكنه معلول بالانقطاع، إذ لم يسمعه جويرية بن أسماء من نافع.
قال الحافظ أبو الفضل بن عمار الشهيد: [وجدت له علة، حدثني محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج قال حدثنا محمد بن إدريس قال حدثنا محمد بن عمر بن علي قال حدثنا سعيد بن عامر عن جويرية عن رجل عن نافع أن عمر قال “وافقني ربي في ثلاث”، فذكر الحديث، ولم يذكر ابنَ عمر في إسناده، وأدخل بين جويرية ونافع رجلا غير مسمى]. [محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج نيسابوري ثقة ولد سنة 218 ومات سنة 313. محمد بن إدريس أبو حاتم الرازي ثقة إمام مات سنة 277. محمد بن عمر بن علي المقدمي بصري صدوق ثقة]. فهذا السند صحيح.
فإن قيل: قال أبو عوانة في المستخرج: حدثنا أبو سليمان القزاز محمد بن يحيى بن المنذر البصري قال حدثنا سعيد بن عامر، وحدثنا أبو داوود السجستاني قال حدثنا عقبة بن مكرم، أن سعيد بن عامر حدثهم قال حدثنا جويرية بن أسماء قال حدثنا نافع عن ابن عمرأنه قال: قال عمر: وافقت ربي عز وجل في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر. وفي هذا الطريق تصريح جويرية بما يدل على سماعه هذا الحديثَ من نافع.
فالجواب أن هذا على ما يبدو من الأوهام، فقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا عقبة بن مكرم العمي قال حدثنا سعيد بن عامر، قال: جويرية بن أسماء أخبرنا عن نافع عن ابن عمر أنه قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث، في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر. وقول سعيد بن عامر “جويرية بن أسماء أخبرنا عن نافع” هو تصريح بالإخبار بين سعيد بن عامر وجويرية، وليس بين جويرية ونافع، والظاهر أن هذا هو سبب حصول الاشتباه، سواء أكان الاشتباه عن طريق السمع أو البصر.
* ـ الخلاصة أن الحديث بروايته التي في صحيح البخاري صحيح سندا ومتنا، وأنه بروايته التي في صحيح مسلم إسناده معلول بالانقطاع، فهو إسناد ضعيف، ولكن المتن صحيح في الجزأين الأول والثاني، لموافقة الرواية الصحيحة، وهو ضعيف في الجزء الثالث، أي بإقحام كلمة “أسارى بدر” وهي ليست منه، والله أعلم.
وكتبه صلاح الدين الإدلبي في 19/ 3/ 1439، الموافق لـ 7/12/2017 والحمد لله رب العالمين.